dimanche 2 novembre 2014

أهم التفاسير المشهورة عند الزيدية






أهم التفاسير المشهورة عند الزيدية

مقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه, ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن الاشتغال بالقرآن الكريم شرف يفوق كل شرف, وفضل لا يدانيه ولا يضاهيه أي فضل؛ ذلك أن شرف العلم بشرف موضوعه, وما من شك أن أعظم وخير خدمة يتعاطاها المرء المسلم هي خدمة كتاب الله تبارك وتعالى.
وما أجمل أن يعيش المسلمون مع كتاب الله, يتلونه ويتدبرونه ويتدارسونه فيما بينهم, تغشاهم رحمة الله وتنزل عليهم سكينته عز وجل.
فكلما أمعن المسلم النظر في كتاب الله كلما ازدادت نفسه به حياة, وقلبه به تعلقا, وكيف لا, وهو الذي لا يخلق على كثرة الرد, ولا تنقضي عجائبه.
لقد أدرك المسلمون عظم شأن القرآن الكريم, وأهميته في النفوس, إذ فيه هدايتهم, وتنظيم حياتهم وتقويم سلوكاتهم وأخلاقهم, ولذا كان من الطبيعي جدا أن تتدافع الأجيال, وتتسارع عبر القرون والأزمان, يغرفون وينهلون من معينه الصافي وزلاله العذب.
ومن فضل الله على هذه الأمة, أن قيض لها علماء أفذاذ يسهرون على خدمة هذا الدين فيدافعون ويذودون عنه بأقلامهم وألسنتهم, مذ بزغ نور الإسلام إلى يومنا هذا, وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
و فلان .... واحد من أولئك الذين خدموا كتاب الله تعالى, حيث ترك لنا هذا التفسير الذي بين أيدينا .
ولما كان تفسير الأعقم من أهم التفاسير المشهورة عند الزيدية, في بلاد اليمن, فإنني رأيت أن أقوم بدراسة حول تفسيره, أكشف من خلالها طريقته, وأبرز معالم منهجه في التفسير, حيث إن الدراسة والبحث في مناهج المفسرين المتقدمين, فيه ارتباط الأمة؛ خلفها بسلفها, حاضرها بماضيها, كما أن فيه جانبا آخر وهو الإطلاع على الكم الهائل من التراث الذي تركه لنا المتقدمون.
والزيدية لا نلمس لهم آراء في التفسير يختلفون ويتميزون بها عن جمهور أهل السنة, ولئن كانوا قد تأثروا إلى حد ما بأفكار المعتزلة ومعتقداتهم, فإن أقوالهم وآراءهم في التفسير تبقى قريبة من أهل السنة, ولا يلاحظ عليهم ذلك الفرق الجوهري.
وقد عرفوا وتميزوا باعتدالهم في الفكر والطرح, فمثلا عند ذكرهم لصحابة رسول الله تجدهم يترضون عنهم, ولا يتعرضون لهم بالشتيمة أو السب, بخلاف غيرهم من فرق الشيعة.
وفي قراءتي لتفسير الأعقم, وجدته يذكر أقوال الصحابة ويستشهد بآرائهم, ويترضى عنهم, وهذا يدل على أنه يقف منهم موقف التقدير والاحترام ولا يتبرأ منهم.
ويذكر السيدة عائشة, فيقول وعن عائشة رضي الله عنها, كما يذكر الشيخين؛ أبي بكر وعمر بخير, وإن كان يرى, كما يرى غيره من الزيدية, أن عليا رضي الله عنه الأفضل والأحق بالإمامة منهما رضي الله عنهما, إلا أن هذا لا يعني أنه يقصيهما أو يبعدهما أو يكفرهما - لا سمح الله- كما هو شأن غلاة الشيعة.
إذن ومن خلال ما تقدم, ليس ثمة شيء يميز الزيدية عن جمهور أهل السنة في التفسير, بقطع النظر عن ميولهم لأفكار المعتزلة, وتأثرهم بها؛ لأن هذا يدخل ضمن اختلاف وجهات النظر, ولكل رأيه الخاص به يتبناه ويدافع عنه().
موضوع الدراسة وأهميتها:
موضوع الدراسة هو تفسير الأعقم, لصاحبه أحمد بن علي بن محمد بن علي الأعقم الآنسي, وهو من علماء اليمن المشهورين والمعتمدين عند الزيدية.
وتفسيره هذا يعتبر نموذجا للتفاسير الزيدية في القرن التاسع للهجرة, وقد جمع فيه مؤلفه بين الرواية والدراية, وهو تفسير مختصر مفيد, امتاز بوضوح العبارة وسهولتها.
أهداف الدراسة ومبرراتها:
تهدف الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات الآتية:
من هو الأعقم؟ وما هي الطريقة التي سلكها في تفسيره؟ وما المصادر التي اعتمد عليها؟ وما المحاور الأساسية التي يدور عليها منهجه في التفسير؟ وما موقفه من الإسرائيليات, كما تهدف الدراسة إلى بيان مكانة وقيمة تفسيره العلمية, من خلال المزايا والمآخذ.
أسباب اختياري للموضوع: 
هناك أسباب جعلتني أختار هذا الموضوع, لعل أهمها:
1- لم يكتب أحد عن هذا التفسير شيئا فيما أعلم, ولم يخدم خدمة كافية, سوى ما قامت به دار الحكمة اليمانية, التي طبعته بعد أن كان مخطوطا.
2- لا يوجد من عرف بشخصية الأعقم ولا بتفسيره.
3- ميلي لمادة مناهج المفسرين, وتعلقي بها, ولد لدي رغبة في اختيار هذا الموضوع.
وقد اعتمدت في هذا البحث الخطة الآتية:
جاء البحث في مقدمة, وسبعة فصول وخاتمة.
المقدمة: بينت فيها أهمية الموضوع, وسبب اختياري له, وخطة البحث.
الفصل التمهيدي: عرفت فيه بشخصية الأعقم بناء على ما وجد لدي وما استطعت أن أحصله من معلومات, والمبحث الثاني كان الحديث فيه عن أشهر المفسرين الذين عاصرهم الأعقم.
الفصل الأول: تتبعت فيه مصادر الأعقم, وجعلته في ثلاثة مباحث؛ الأول كان عن مصادره من كتب التفسير, والثاني كان عن مصادره من كتب السيرة, والثالث كان عن طرق إفادته من تلك المصادر, وما موقفه منها, وذكرت بعض الأمثلة من التفسير توضيحا لذلك.
الفصل الثاني: عرضت فيه للبناء الهيكلي في تفسيره, وجعلته في ثلاثة مباحث:
الأول: طريقة عرضه للتفسير.
الثاني: حول التفسير بالمأثور.
الثالث: التفسير بالرأي عنده.
الفصل الثالث: وهو أطول فصول الرسالة, وكان الحديث فيه عن قضايا علوم القرآن في هذا التفسير.
وجاء في أربعة مباحث.
المبحث الأول: الناسخ والمنسوخ.
المبحث الثاني: القراءات القرآنية.
المبحث الثالث: أسباب النزول.
المبحث الرابع: المكي والمدني.
الفصل الرابع: القضايا العقدية في تفسير الأعقم.
المبحث الأول: موقف الشيخ من أسماء الله وصفاته.
المبحث الثاني: قضايا عقدية متفرقة.
الفصل الخامس: منهجه في عرض آيات الأحكام, وجعلته في مبحث واحد, وهو طرق عرضه لأقوال الفقهاء وموقفه منها.
الفصل السادس: الإسرائيليات وموقفه منها.
المبحث الأول: موقف الشيخ من الإسرائيليات.
المبحث الثاني: منهج الشيخ في عرض القصص القرآني.
الفصل السابع: مزايا وسمات هذا التفسير.
المبحث الأول: مزايا هذا التفسير.
المبحث الثاني: المآخذ على هذا التفسير.
الخاتمة: وذكرت فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات.
وأسأل الله تجلت قدرته وتقدست أسماؤه, أن يجازي أستاذي وصاحب الفضل علي؛ فضيلة الدكتور جمال محمود أبو حسان, خير الجزاء على ماقدمه وبذله من مجهود معي, وما كان لهذا البحث أن يخرج بهذا الشكل, لولا توجيهاته ونصائحه القيمة التي كان يوجهها لي.
فله مني أسمى معاني التقدير والاحترام, وأسأل الله بمنه وكرمه أن يبارك في علمه, ويمد في عمره.
 إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وفي الختام أقول: هذه رسالتي معروضة عليكم, لكم غنمها, وعلي غرمها, فإن عدمت حمدا وشكرا, فلا أعدم منكم عذرا, وحسبي أني اجتهدت, فما كان فيها من صواب وتوفيق فمن الله وحده, وما كان فيها من خطأ أو نسيان أو تقصير, فمن نفسي والشيطان.
ولعلي أتمثل قول القائل:
لكن ذلك مجهودي أتيت به    ومن يقصر بعد الجهد لم يلم
’’وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد’’

الفصل التمهيدي:
المبحث الأول: التعريف بشخصية الأعقم: (... ق9هـ).
حياته: لم تتعرض كتب التراجم والطبقات لحياة الأعقم, ولا لتاريخ مولده ووفاته, على وجه التحديد, سوى ما أشار إليه الدكتور عبد السلام وجيه, من أنه عاش في القرن التاسع الهجري دون تحديد وضبط لمولده ووفاته.
اسمه: هو أحمد بن علي بن محمد بن علي الأعقم, الآنسي, من قرية مسطح آنس, عالم فقيه, عابد, مفسر, أجازه العلامة أحمد بن سليمان الأوزي في السنن, والرياض للفقيه يوسف رحمه الله, وقد ورد في أكثر من مصدر باسم محمد بن علي الأعقم, وقبره بصنعاء, وله ولد عالم, قتل بمعبر مع جماعة من أصحاب الإمام أحمد بن يحي المرتضي, قال زبارة: ووجدت بخط القاضي عبد الملك رجب الآنسي, أن الأعقم المذكور, هو أحمد بن علي بن محمد بن راشد بن أحمد, وأنه مات قطيعا, ومحمد بن راشد خرج ومعه ولده علي بن محمد من صعدة مرافقا الإمام المهدي أحمد بن يحي, وأن علي بن محمد بن راشد قتل مع الإمام المهدي في معبر.
ومن مؤلفاته:
تفسير الأعقم: وهو تفسير مفيد , مشهور عند الزيدية, طبع في مجلد كبير, عن دار الحكمة اليمانية بصنعاء().
ومما يؤسف له حقا أن كتب السير والتراجم,لم تذكر لنا ترجمة مفصلة عن حياته, شأنه في ذلك شأن كثير من أعلام اليمن الذين لم يترجم لهم  الترجمة الشافية الكافية, ولهذا فإننا لازلنا نجهل تاريخ مولده, وكيفية نشأته العلمية, ومنهم أساتذته وشيوخه الذين تفقه وتتلمذ عليهم, وما هي معارفه التي هيأته للوصول إلى هذه المرتبة, إلى غير ذلك من المعلومات التي تتعلق بترجمته,وكنت أرجو أن أكتب ترجمة وافية عن حياته, ويعلم الله أنني تعبت في البحث للحصول عن معلومات عن الشيخ, لكنني وللأسف لم أجد شيئا سوى ماذكر.



المبحث الثاني: من أشهر المفسرين الذين عاصرهم الأعقم.
تفسير الأعقم حلقة متوسطة من سلسلة كتب التفسير, سبقته حلقات وتلته أخرى, وكل تفسير بالطبع له ميزته الخاصة, ولكل مفسر منهجه الخاص به في عرض تفسيره, وطريقة تختلف عن غيره من المفسرين.
وإذا كان كذلك, فإني رأيت- قبل ذكر مصادر الشيخ التي أفاد منها- أن أعرض بالذكر لأشهر المفسرين الذين عاصرهم الأعقم, معرفا بهم تعريفا موجزا, مع ذكر مؤلفاتهم في التفسير.
ومن الجدير بالذكر أنه لقد كان لعلماء اليمن جهود كبيرة, في التفسير والحديث والفقه, وبرز منهم علماء كثيرون, منهم من كتب لمصنفاته الاشتهار والانتشار, ومنهم من لم نسمع به, أولم يصل إلينا شيء مما كتبه أو تركه, وهؤلاء ممن طوى ذيل النسيان عليهم, وعلى كل حال وبالجملة فالكل قد  أسهم مساهمة فعالة عبر عصور التاريخ ودهوره, في خدمة هذا الدين.
من العلماء الذين اهتموا بعلم التفسير في هذا القرن, يذكر الفقيه برهان إبراهيم بن علي بن إبراهيم البريهي ت(801هـ), الذي وصف بأنه كثير التلاوة للقرآن العظيم, وكانت له مشاركة في علم التفسير().
ومنهم أيضا الفقيه العلامة المحدث, أحمد بن إبراهيم بن علي العسلقي, نسبة إلى العسالق, العرب المعروفة, تفقه بأبيه وغيره, وكان مجودا للفقه نحويا لغويا مفسرا محدثا, والغالب عليه الفقه والحديث والتفسير, وكانت له معرفة تامة بالرجال, والتواريخ والسير, وله يد قوية في أصول الدين().
أما واسطة العقد بين العلماء المفسرين في اليمن, فهو الإمام اللغوي المفسر المحدث, مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الفيروزايادي الشيرازي(ت817هـ) الذي استوطن اليمن حتى توفي بها, فعد في أهلها, وأغلب المفسرين في مدينتي تعز وزبيد, ومن هاجر إليها لتحصيل العلوم هم تلاميذه, ومن مؤلفاته:(بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز )و(تنوير المقباس في تفسير ابن عباس)و(الدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم)و(كتاب حاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص)و(كتاب تفسر فاتحة الكتاب)و(كتاب شرح قطبة الخشاف في شرح خطبة الكشاف).
وله أشعار تدل على إلمامه بالتفسير, منها قوله:
ألا إنما القرآن تسعة أحرف         أتيت بها في بيت شعر بلا خلل
حلال حرام  محكم  متشابه          بشير  نذير  قصة  عظة  مثل()
ومن هؤلاء  العلماء أيضا الإمام  جمال الدين محمد بن علي بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر الخطيب الموزعي الشهير بابن نور الدين(ت 825هـ), برع في  فن الأصول, وعلم الفقه حتى حاز رتبة الاجتهاد, وكان عارفا بالعربية والفرائض والحساب, والتفسير, وصنف تصانيف تدل على فضله وعلو همته في العلوم, منها:
(مصابيح المغاني في حروف المعاني), وكتاب (كنوز الخبايا في قواعد الوصايا) وكتاب (تيسير البيان في أحكام القرآن)().وغير ذلك.
ومن  أعلام الزيدية في التفسير, الإمام يوسف بن أحمد بن عثمان العيني(ت832هـ) له تآليف مشهورة, أشهرها: (الثمرات في تفسير الآيات), (الزهور), وله أيضا كتاب ( التيسير في التفسير)().وغير ذلك.
ومن أعلام الزيدية أيضا واليمن عموما في التفسير, العلامة علي بن محمد بن أبي القاسم الهادوي, الذي كان من أعمدة أهل مذهبه في التفسير, وله فيه كتاب شهير بينهم, هو كتاب (تجريد الكشاف مع زيادة نكت لطاف)().
ومن المفسرين الذين برزوا في هذا القرن أيضا عبد الله بن محمد بن أبي القاسم العكي النجري(ت877هـ) عرفت عنه رحلته إلى مصر سنة(848هـ) حيث تتلمذ فيها هناك على أيدي نخبة من أفاضل العلماء المصريين المبرزين في علوم شتى, فبرز في كثير من العلوم منها المعاني والبيان والمنطق وعلم الوقت( الفلك), له تآليف منها: ( شافي العليل في شرح الخمسمائة آية من التنزيل), و(المرقاة في علم الكلام), وكتاب في النحو, وكتاب في المنطق, وشرح مقدمة التسهيل لابن مالك ().
وهناك عدد آخر من العلماء الذين اشتغلوا بالتفسير, وكانت مشاركتهم فيه دون من ورد ذكرهم, وقدا نتشرت تراجمهم في المصادر, وإن كانوا لم يختصوا بالتفسير فقط, إلا أنه كان من العلوم التي عدت في إطار ماحققوه, وأجادوا فيه, وندبوا أنفسهم لدراسته وتدريسه.
من أشهرهم الفقيه العلامة الإمام قدوة الصالحين بوقته وبركتهم, وصفوة العارفين جمال الدين محمد بن عبد الرحمان, كان رحمه الله ذا معرفة قوية في القراءات السبع, والتفسير والحديث والفقه, واللغة والأدب والحكمة, وله استدراكات وتنبيهات على المواضع المشكلات, وله من الشعر ما كتبه إلى ولده عبد الرحمان يحثه على طلب العلم الشريف, القصيدة المعروفة التي أولها قوله:
   ما لذة الخلق في الدنيا جميعهم       ولا الملوك وأهل اللهو والطرب
كلذتي في طلاب العلم يا ولدي       فالعلم معتمدي حقا ومكتسبي
توفي رحمه الله في شهر رجب سنة اثنتين وثمانمئة().
ومنهم القاضي الأجل جمال الدين محمد بن أبي بكر بن عمر بن صالح بن محمد بن يحي بن أبي الرخا, توفي بمدينة تعز في سنة إحدى وعشرين وثمانمئة رحمه الله تعالى().
 ومنهم الإمام حافظ الزمن, وحامل لواء السنة المصطفوية في اليمن, جمال الدين أبو حامد محمد الأكبر ابن شيخ الإسلام, فقيه المذهب أبي بكر بن محمد بن صالح الهمداني الشهير بابن الخياط, كانت له معرفة في جميع العلوم من الحديث والتفسير والفقه والنحو, وكان يسمى الباقر لسعة علمه وفهمه واستنباطه وحفظه والتفرد بزيادة المتخصص لتحقيق علم الحديث().
هذه نبذة يسيرة عن أشهر المفسرين الذين برزوا في القرن التاسع, الذي عاش فيه الأعقم, وغيرهم كثير, ولقد ذكرت بعضهم؛ لأن المبحث يطول بذكر كل المفسرين الذين عاشوا في هذا القرن.


الفصل الأول
        مصادر الأعقم
توطئة:
إن تنوع المصادر التي يستقي منها المفسر, ويعتمد عليها في تفسيره لكتاب الله عز وجل، يكسبه ثقافة واسعة، بحيث لا ينظر إلى كتاب الله عز وجل نظرة خاصة، ومن زاوية ضيقة بل ينظر فيه النظرة الشاملة العامة.
ولقد اعتاد أكثر المفسرين وضع مقدمات لتفاسيرهم يبرزون من خلالها الطرق التي سيسلكونها في تفسيرهم لكلام الله جل وعلا. كما فعل شيخ المفسرين وإمامهم أبو جعفر الطبري، والإمام القرطبي، والحافظ ابن كثير، والإمام الرازي، وابن عاشور من المتأخرين رحمهم الله جميعاً، وغيرهم من المفسرين.
والتصريح بالطريقة التي سيسير عليها المفسر في التفسير, تعين القارئ على معرفة منهجه منذ البداية، ولو بصورة عامة. لكننا نجد الشيخ الأعقم في تفسيره لم يذكر لنا مقدمة يوضح فيها المنهج العام الذي سيمضي عليه، وليته فعل، ولو فعل ذلك لسهل علينا أشياء كثيرة تتعلق وموضوع الدراسة، فقد بدأ بتفسير سورة الفاتحة مباشرة بخلاف ما فعله جل المفسرين.
ولهذا سأحاول في هذا الفصل تبيان المنهج الذي سلكه والطريقة التي سار عليها في تفسيره لكتاب الله تعالى, وإني لأرجو أن يوفقني الله تعالى لبيان ذلك الأمر على الوجه الذي أراده صاحب التفسير.
المبحث الأول: مصادره من كتب التفسير.
1- تفسير الهادي:
وصاحب التفسير: هو الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
جاء في مقدمة كتاب الأحكام في الحلال والحرام ما نصه:
قال الأديب العلامة الشهيد أحمد بن محمد المطاع في كتابه تاريخ اليمن الإسلامي عند ذكره لسنة 298هـ؛ فيها مات الإمام الهادي بصعدة يوم الأحد لعشر بقين في ذي الحجة من السنة المذكورة، ودفن يوم الاثنين قبل الزوال بمسجده المشهور بصعدة ومولده بالمدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام سنة 245هـ. وهو بلا شك أكبر مصلح ارتفع اسمه في أفق التاريخ اليمني، ونال من الاحترام والحب في قلوب اليمنيين مكانة لم يتبوأها أحد، بحيث أصبحت آثاره وأعماله وصفاته العالية قبلة الأبصار، ومهوى الأفئدة.
ومن مؤلفاته:
1- المنتخب في الفقه.                           2- كتاب الأحكام في الحلال والحرام.
3- كتاب الزراعة.                             4- الرد على أهل الزيغ.
5- الإرادة والمشيئة.                            6- الرد على ابن الحنفية من الجبرية.
7- الإمامة وإثبات النبوة والوصية.            8- الرد على الإمامية.
9- الرد على ابن جرير.                      10- التفسير ويقع في ستة أجزاء().
2- تفسير أبي علي الجبائي:
وصاحب التفسير:هو أبو علي، محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن جمران بن أبان، مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه،المعروف بالجبائي؛ أحد أئمة المعتزلة،كان إماما في علم الكلام، وأخذ هذا العلم عن أبي يوسف، يعقوب بن عبد الله السحام البصري رئيس المعتزلة في عصره، وله في مذهب الاعتزال مقالات مشهورة.
وعنه أخذ الشيخ أبو الحسن الأشعري؛ شيخ السنة علم الكلام، وله معه مناظرة روتها العلماء. وكانت ولادة الجبائي في سنه خمس وثلاثين ومائتين. وتوفي في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة رحمه الله تعالى().
وكان أبو علي صاحب تصنيف وقلم إذا صنف يأتي بكل ما أراد مستقصى، وإذا حضر المجالس وناظر لم يكن بمرض، وكان إذا دهمه الحضور في المجالس يبعث الأشعري. ويقول له نب عني ولم يزل على ذلك زمانا().
3- جامع التأويل في التفسير ( لأبي مسلم الأصفهاني ):
مؤلفه: محمد بن بحر الأصفهاني، أبو مسلم: وال من أهل أصفهان.
معتزلي من كبار الكتاب، كان عالما بالتفسير وبغيره من صنوف العلم، وله شعر.
ولي أصفهان وبلاد فارس، للمقتدر العباسي، واستمر إلى أن دخل ابن بويه أصفهان سنة 321هـ.
من كتبه جامع التأويل في التفسير، أربعة عشر مجلدا، جمع سعيد الأنصاري نصوصا منه وردت في(مفاتيح الغيب) المعروف بتفسير الفخر الرازي وسماها ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل في جزء صغير.
ومن كتبه الناسخ والمنسوخ وكتاب النحو ومجموع رسائله().
4- تفسير الحاكم الجشمي:
وصاحب التفسير: هو الإمام الحاكم أبو أسعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي، ينتهي نسبه إلى محمد بن الحنفية ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
مولده: ولد الحاكم في بلدة جشم في شهر رمضان سنة 413هـ ونشأ بإقليم خراسان
وكان الحاكم الجشمي في بداية أمره حنفيا ثم صار معتزليا وبعدها تشيع على مذهب الزيدية، قرأ بنيسابور، وغيرها واشتهر بصنعاء اليمن.
وفاته: توفي شهيدا، مقتولا بمكة، قيل: لرسالة ألفها اسمها "رسالة الشيخ إبليس إلى إخوانه المناحيس".
مؤلفاته: ألف الجشمي مؤلفات كثيرة تربو على الاثنين والأربعين مؤلفا نذكر منها:
1- التهذيب في تفسير القرآن، ثمانية مجلدات، يقول الزركلي رأيت منها الرابع والسادس والثامن وهو الأخير كتب سنة 565هـ في مكتبة الفاتيكان.
2- شرح عيون المسائل.                        3- التأثير والمؤثر.
4- المنتخب في الفقه.                           5- - تفسيران بالفارسية، مبسوط وموجز.
6- تحكيم العقول في الأصول.                  7- جلاء الأبصار في علم الحديث.
8- الإمامة.                                      9- الرد على المجبرة.
10- المنتخب في كتب الزيدية.                11- العقل().
12- رسالة الشيخ إبليس إلى إخوانه المناحيس. 13- الرسالة التامة في نصيحة العامة.
5- تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي:
مؤلفه هو عبد الجبار بن أحمد، القاضي، أبو الحسن الهمداني، المعتزلي، قاضي قضاة الري، شيخ الاعتزال، وكان كثير المال والعقار ولي قضاء القضاة بالري وأعمالها بعد امتناع منه وإباء وإلحاح من الصاحب بن عباد. وهو صاحب التصانيف المشهورة في الاعتزال وتفسير القرآن. وكان مع ذلك شافعي المذهب، وكان الصاحب قد أنفذ إلى أستاذه أبي عبد الله البصري يسأله إنفاذ رجل يدعو الناس بعمله وعلمه إلى مذهبه، فأنفذ إليه أبا إسحاق النصيبي، وكان حسن اللفظ والحفظ، فلم ينفق عليه الصاحب لشراسة أخلاقه، واحتشم الصاحب أن يجزيه بما يكره. فأكل معه يوما وأكثر من أكل الجبن فقال له الصاحب لا تكثر من أكل الجبن فإنه يضر الذكاء، فقال النصيبي: لا تطبب الناس على مائدتك فساءت هذه الكلمة الصاحب، فبعث إليه بخمسمائة دينار وثياب ورحل، وأمره بالانصراف عنه وكتب إلى أبي عبد الله البصري، أريد أن تبعث لي رجلا يدعو الناس بعقله أكثر مما يدعوهم بعلمه وعمله، فأنفذ إليه عبد الجبار فرأى منه جبل علم وأخلاقا مهذبة فنفق عليه().
وتوفي سنة أربع عشر وأربع مائة، وقيل سنة خمس عشرة, زاد على التسعين().
6- الكشف والبيان عن تفسير القرآن:
مؤلفه: أحمد بن محمد بن إبراهيم, أبو إسحاق النيسابوري الثعلبي, صاحب التفسير المشهور, والعرائس في قصص الأنبياء, كان أوحد زمانه في علم القرآن, عالما بارعا في العربية, حافظا موثقا روى عن أبي طاهر محمد بن الفضل بن خزيمة وأبي محمد المخلدي وجماعة, أخذ عنه الواحدي, مات في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة, وله كتاب ربيع المذكرين().
وتفسيره هذا يعتبر من أهم التفاسير التي رجع إليها الأعقم ولا سيما في موضوع القصص والأخبار.
ولما تكلم عنه شيخ الإسلام ابن تيمية قال: "والثعلبي هو نفسه كان فيه خير ودين وكان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع"().
ومما يؤسف له أن بعض المفسرين تأثر به واستقى من تفسيره الكثير، أعني تلك الروايات الإسرائيلية, ومنهم الشيخ الأعقم.
7- غرائب التفسير وعجائب التأويل:
  وصاحب التفسير: هو الشيخ محمود بن حمزة بن نصر الشهير بالكرماني, الشافعي المصري, العالم الفاضل المحقق العلامة, برهان الدين أبو القاسم. ويعرف بتاج القراء مقرئ، مفسر، فقيه، نحوي، صوفي.
 صنف البرهان في توجيه متشابه القرآن وما فيه من الحجة والبيان, فيه الآيات المتشابهات التي وقع تكرارها في القرآن العظيم وسببها وفائدتها وحكمتها, وذكر فيه لب التفاسير وصنف الغرائب والعجائب في تفسير القرآن الكريم, وذكر فيه أن الناس يرغبون في غرائب تفسير القرآن وعجائب تأويله...وصنف لباب التأويل في مجلدين.
وله أيضا مختصر الإيضاح للفارسي في النحو وسماه الإيجاز، مختصر اللمع لابن جني في النحو وسماه النظامي، مصنف في موانع الصرف، وله شعر.
 وكانت وفاته بعد الخمسمائة().
8- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل:
من مصادر الأعقم المهمة في التفسير كتاب الكشاف للزمخشري، ويعتبر عمدة المصادر التي استقى منها حيث رجع إليه في مائة وثلاثة وسبعين موضعا.
ولاغرابة فتفسيره من أهم التفاسير التي اهتمت بجماليات النص القرآني والكشف عن وجوه الإعجاز في النظم القرآني، ولذا فإن كل من جاء بعده ممن أراد الخوض في هذا المجال فإنه يعد عالة عليه.
والإمام الزمخشري: هو محمود بن عمر بن محمد بن عمر العلامة، أبو القاسم، الزمخشري النحوي اللغوي المتكلم، المعتزلي، المفسر، المولود سنة سبع وستين وأربع مائة بزمخشر قرية من قرى خوارزم، كان إمام عصره متظاهرا بالاعتزال، داعيا إليه، له التصانيف البديعية، منها الكشاف في التفسير، والفائق في غريب الحديث، وأساس البلاغة، وربيع الأبرار ونصوص الأخبار في الحكايات، ومتشابه أسماء الرواة، والرائض في الفرائض، والمنهاج في الأصول، والمفصل في النحو، والأنموذج في مختصر الأحاجي النحوية.
مات ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة().
المبحث الثاني: مصادره من كتب السيرة.
 تعتبر السيرة النبوية ,التفسير الفعلي, والعملي للقرآن الكريم؛ذلك أن عددا من الآيات القرآنية جاءت  متحدثة عن غزوات النبي r وعن إذاية الكفار والمشركين لأصحابهr من جهة, ومكر اليهود وخبثهم, ومؤامراتهم التي كانت تحاك ضد المسلمين في المدينة ,من جهة أخرى.
ونجد أن القرآن الكريم قد عرض لكل ذلك على سبيل التفصيل تارة, و على سبيل الإجمال تارة أخرى.
ومصداق ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﭽ ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ      ﭣ   ﭤﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭼ آل عمران.وقوله تعالى: ﭽ ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣﮤ  ﮥ  ﮦﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ     ﮫ   ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ   ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﭼ التوبة.
ولقد تنبه المفسرون إلى أهمية السيرة النبوية؛ فسارعوا إلى تحليل وقائعها وأحداثها لتكون لهم عونا على تفسير القرآن الكريم. ففصلوا ماأجمل فيه,وشرحوا ووضحوا ماأبهم منه.
والشيخ واحد من أولئك المفسرين الذين أدركوا أهمية السيرة النبوية ومكانتها في التفسير, حيث نجد أنه قد رجع إلى كتب السيرة, وفي مقدمتها, سيرة ابن إسحاق, وإن كان مقلا, وغير مكثر لما أورده.
وابن إسحاق هو الإمام الحافظ أبو بكر المطلبي المدني, مصنف المغازي, مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف, رأى أنس بن مالك, وحدث عن أبيه وعمه موسى, وفاطمة بنت المنذر والقاسم وعطاء والأعرج ومحمد بن إبراهيم التيمي وعمرو بن شعيب ونافع وأبي جعفر الباقر والزهري وخلق كثير, حدث عنه جرير بن حازم والحمادان وإبراهيم بن سعد, وزياد بن عبد الله البكائي وسلمة بن الفضل الأبرش وعبد الأعلى الشامي ومحمد بن سلمة الحراني ويونس بن بكير ويزيد بن هارون وأحمد بن خالد الوهبي ويعلى بن عبيد وعدة, وكان أحد أوعية العلم حبرا في معرفة المغازي والسير, وليس بذاك المتقن, فانحط حديثه عن رتبة الصحة, وهو صدوق في نفسه مرضى.
 قال يحيى بن معين قد سمع من أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان وقال هو ثقة وليس بحجة. وقال أحمد بن حنبل حسن الحديث, وقال علي بن المديني حديثه عندي صحيح.
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: "قال ابن حبان: لم يكن أحد بالمدينة يقارب ابن إسحاق في علمه, أو يوازيه في جمعه, وهو من أحسن الناس سياقا للأخبار"().
 مات سنة إحدى وخمسين ومائة قاله جماعة, وقيل سنة اثنتين رحمه الله تعالى().
 وفيما يلي جوانب من إفادة الشيخ من سيرة ابن إسحاق, غير أنه لم ينقل عنه نقلا حرفيا, وإنما نقل الكلام بما يدل على معناه, كما سيتبين لنا.
فعند قوله تعالى: ﭽ ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ      ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ   ﭼ آل عمران. قال: الآية نزلت يوم أحد، قال ابن إسحاق: كان مما أنزل الله تعالى يوم أُحد من القرآن ستُّون آية من آل عمران بها صفة ما كان في يومهم ذلك ومعاتبة من عاتب.()
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ      ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   ﭼ آل عمران. قال: قوله تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جَمَعُوا لكم فاخْشُوهُمْ } الآية نزلت في أبي سفيان, روي أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أُحُد يا محمد موعدنا موسم بدر للقتال إن شئت، فقالr إن شاء الله , فلما كان القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مر الظهران, فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له وخرج النبي r في سبعين راكباً يقولون { حسبنا الله ونعم الوكيل } وقيل: هي الكلمة التي قالها إبراهيم u حين ألقي في النار حتى وافوا بدراً وأقاموا بها ثمان ليال وكان معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيراً ثم انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين من بدر الصغرى، وقيل: الناس الأول نُعيم بن مسعود الأشجعي، والناس الثاني أبو سفيان قيل: لما خرج رسول الله r حمراء الأسد كما تقدم مرّ به سعد الخزاعي وهو يومئذٍ مشرك وكانت خزاعة مع رسول الله r مسلمهم وكافرهم فقال: يا محمد لقد عزَّ علينا ما أصابك في أصحابك, ثم خرج حتى لقي أبا سفيان ومن معه الروحاء، وقد أجمعوا على الرجعة فقال: يا معبد ما وراءك؟ قال: إن محمَّداً خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أرَ مثله يتحرقون عليكم تحرّقا, قد اجتمع إليه كل من تخلّف عنه يومكم وندموا على ما صنعوا قال: ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أراك ترحل حتى ترى نواصي الخيل فقال: إنَّا اجتمعنا الكرة لنستأصلهم، قال: فإني أنهاك عن هذا، ففرَّ أبو سفيان ومن معه, فمرَّ به ركب من عبد القيس فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة، قال: هل تبلغون محمداً رسالة حتى أحمل إبلكم هذه زبيباً بعكاظ، قالوا: نعم، قال: فإن جئتموه فأخبروه أنا قد اجتمعنا اليوم لنستأصل بقيَّتهم، فمرَّ الركب برسول الله r وهم بحمراء الأسد فأخبروه بقول أبي سفيان فقالوا: { حسبنا الله ونعم الوكيل } عن ابن عباس وابن إسحاق.() 
3- وعند قوله تعالى: ﭽ ﮗ  ﮘ       ﮙ  ﮚ  ﮛ        ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ    ﮡ  ﮢﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ   ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ   ﯓ  ﯔ  ﯕﯖ  ﯗ   ﯘ  ﯙ  ﯚﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ      ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﭼ الحشر.
قال الشيخ: { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } يعني من بني النضير وكانوا بقرب المدينة { من ديارهم } حصونهم وأوطانهم قال ابن إسحاق: كان آخر بني النضير عندما رجع رسول الله r من أحد وفتح قريظة وانصرافه من الأحزاب وبينهما سنتان.()
هذه بعض الأمثلة التي صرح فيها بذكر ابن إسحاق, وأحيانا نجده لا يصرح بذكر اسمه, كأن يقول, وفي بعض اليسر, فمثلا عند قوله تعالى: ﭽ ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ   ﮄ   ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ   ﮌ  ﮍ  ﮎﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ            ﮕ   ﮖ  ﮗ  ﮘﮙ  ﮚ  ﮛ    ﮜ  ﮝ  ﮞ    ﮟ  ﮠ  ﭼ الطلاق. قال: في تفسير قوله تعالى{ومن يتق الله يجعل له مخرجا}, وروي أيضاً في النزول, وفي بعض السير أنها نزلت في الكلبي.()


                                                             
المبحث الثالث: طريقة إفادته من مصادره وموقفه منها
وبعد أن ذكرنا أهم المصادر التي أفاد منها الشيخ، لابد لنا من أن نتعرف على طريقته في الإفادة منها، فقد كانت على طرائق مختلفة:
الطريقة الأولى: إشارته إلى الكتاب دون ذكر مؤلفه.
الطريقة الثانية: ذكر المؤلف دون الإشارة إلى اسم المصدر.
الطريقة الثالثة: ينقل عن المصدر ولا يعزو إليه.
الطريقة الرابعة: ينقل نقلا حرفيا دون التصرف إلا بالاختصار.
الطريقة الأولى: إشارته إلى الكتاب دون ذكر مؤلفه
من ذلك ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ    ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘﭙ  ﭚ   ﭛ   ﭜ  ﭝ  ﭞ    ﭟ  ﭠ  ﭼ إبراهيم.
حيث قال: أي يمهلكم أيها الكفار " ويأت بخلق جديد " سواكم من بني آدم أطوع منكم وقيل من غير بني آدم، ذكره في الغرائب والعجائب().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ    ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ   ﭩ  ﭪ  ﭫﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ   ﭶ    ﭷ  ﭸ  ﭼ الكهف.
قال: يعني موضع غروبها قال في الغرائب والعجائب: ذهب بعض المفسرين إلى أن الشمس تغرب في وسط العين وأن الماء يفور لولا أصوات أهل مدينة بالمغرب يقال لها جائر لها اثني(). عشر ألف باب
لسمعتم وقع هدتها إذا وقعت والله أعلم بذلك الخبر().
وعند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﮊ  ﮋ  ﮌ   ﮍ   ﮎﮏ   ﮐ  ﮑ    ﮒ  ﮓ  ﮔ         ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ           ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﭼ فصلت.
قال: يعني أنهما متفاوتان في أنفسهما، فخذ بالحسنة التي هي أحسن فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك، ومثال ذلك رجل أساء إليك إساءة فالحسنة أن تعفو عنه والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثال  ذلك أن يذمك فتمدحه، ويقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه، فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافيا لك.قال في الغرائب والعجائب عن علي عليه السلام: الحسنة حب آل رسول الله r، والسيئة بغضهم().
فالشاهد من هذه الأمثلة التي أوردناها أن الشيخ نقل عن صاحب الغرائب والعجائب ولم يذكر لنا من هو.
الطريقة الثانية: ذكر المؤلف دون الإشارة إلى اسم المصدر
أذكر على سبيل الأمثلة التالية:
1-    وعند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯﮰ  ﮱ   ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﭼ الأعراف.قال: { ولما سكت عن موسى الغضب }، قيل: زال غضبه لتوبتهم { أخذ الألواح } التي كان فيها التوراة { وفي نسختها } يعني ما نسخ وكتب فيها. عن أبي مسلم.()
2-    وعند قولة تعالى: ﭽ ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ   ﭼ الزلزلة، قال: واختلفوا في هذه الآية: قال أبو علي رحمه الله()، حمله على الرؤية على الجزاء؛ لأن المؤمن والتائب يرى السيئات مكفرة ويثاب على الحسنات من غير تخسير. والكافر يرى حسناته محبطة. وقال أبو هاشم() يجازى على أفعاله لا يضع شيئا فإن كان مؤمنا يجازى على حسناته, وإن كان كافرا يعاقب على ذنوبه().
الطريقة الثالثة: ينقل عن المصدر ولا يعزو إليه.
إن نقل المفسر عن المصادر دون العزو  إليها يجعل القارئ في حيرة من أمره ولا يستطيع أن يميز بين قول وآخر ولا سيما إذا كان هذا القارئ ممن يهمه هذا الأمر فيشق ويصعب عليه ذلك حينئذ؛ لأن التمييز بين الأقوال من أشق العمليات العلمية التي ربما لا توصل إلى نتيجة صحيحة؛ وذلك لأنك ربما تظن أن هذا الرأي لفلان ثم يتبين لك بعد هذا البحث أنه لغيره وهكذا؛ فلا يسلم لك من ذلك إلا الأقوال التي اشتهر أصحابها بنسبتها إليهم().
والناظر في تفسير الأعقم يجد أنه قد تضمن كثيرا من الأمثلة التي تشهد بذلك نذكر منها:
1-    عند قوله تعالى: ﭽ ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ   ﯭ    ﯮ  ﯯﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ      ﯴ  ﯵ  ﯶ   ﭼ البقرة: ٢٦٩.  قال الشيخ:{ يؤتي الحكمة من يشاء } قيل : هو العلم والعمل ، وقيل : هو علم القرآن ناسخه ومنسوخه, ومحكمه ومتشابهه, وحلاله وحرامه ، وقيل : النبوة ، وقيل : علم الدين { إلا أولوا الألباب } قيل : العلماء الحكماء العمال ، وقيل : أولوا العقل().
فهو يذكر لنا جملة من الأقوال في تفسير الآية. دون أن يذكر لنا أو ينسب لنا هذه الأقوال إلى أصحابها مما يجعلنا لا نميز قولا على قول إلا بالرجوع إلى مصادر عديدة.
وقد أشار الإمام القرطبي في تفسيره إلى هذه الأقوال, فقال: واختلف العلماء في الحكمة هنا فقال السدي: هي النبوة, وقال ابن عباس: هي المعرفة بالقرآن؛ فقهه ونسخه, ومحكمه ومتشابهه, وغريبه ومقدمه ومؤخره, وقال قتادة ومجاهد : الحكمة هي الفقه في القرآن, وقال مجاهد : الإصابة في القول والفعل وقال ابن زيد : الحكمة العقل في الدين وقال مالك بن أنس : الحكمة المعرفة بدين الله والفقه فيه والاتباع له وروى عنه ابن القاسم أنه قال : الحكمة التفكر في أمر الله والاتباع له وقال أيضا : الحكمة طاعة الله والفقه في الدين والعمل به. وقال الربيع بن أنس الحكمة الخشية وقال إبراهيم النحعي : الحكمة الفهم في القرآن وقاله زيد بن أسلم وقال الحسن : الحكمة الورع.
قال القرطبي بعد ذكره الأقوال: قلت : وهذه الأقوال كلها ما عدا قول السدي و الربيع و الحسن, قريب بعضها من بعض؛ لأن الحكمة مصدر من الإحكام, وهو الإتقان في قول أو فعل, فكل ما ذكر فهو نوع من الحكمة التي هي الجنس, فكتاب الله حكمة وسنة نبيه حكمة وكل ما ذكر من التفضيل فهو حكمة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة؛ لأنه يمتنع به, وبه يعلم الامتناع من السفه, وهو كل فعل قبيح, وكذا القرآن والعقل والفهم, وفي البخاري :
 { من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين}().وقال هنا : { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } وكرر ذكر الحكمة ولم يضمرها اعتناء بها وتنبيها على شرفها وفضلها().
قلت: وليت الشيخ رحمه الله قام بعزو تلك الأقوال إلى أصحابها, ثم ذكر رأيه في تفسير الآية, كما صنع الإمام القرطبي, ولو فعل ذلك لكان شيئا جيدا.
2-وعند قوله تعالى: ﭽ ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ   ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩﭪ  ﭫ   ﭬ    ﭭ  ﭼ البقرة، قال: والأنفس قيل بالموت, وقيل بالقتل, وقيل بالأمراض, وقيل بالشيب().
ومن العبارات الدالة على نقله من المصادر دون العزو إليها قوله: ’’عن أكثر المفسرين، جماعة من المفسرين، ذهب بعض المفسرين‘‘، وغيرها من العبارات، والسؤال الذي نطرحه من هم هؤلاء المفسرون الذين نقل عنهم وهل كانت أقوالهم هي التي مشى عليها أكثر المفسرين على حد قوله أم أنه اكتفى بالرجوع إلى بعضها وقام بنسبته إلى الغير على جهة وعلى سبيل التعميم().
وأحيانا ينقل عن كاتب ما. لكن بطريقة غير مباشرة كأن يقول وعن فلان أو قال فلان ويتضح فيما بعد أن هذا الكلام غير منقول عنه مباشرة. وإنما نقله من مصدر آخر ونسبه إليه مثال ذلك:
1-    قال عند قوله تعالى: ﭽ ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ   ﯳ  ﭼ الصافات، إناء فيه شراب وعن الأخفش()، كل كأس في القرآن فهي الخمر، وبالرجوع إلى كتاب معاني القرآن للأخفش لم نجد ذكرا لهذا الكلام إطلاقا. وقد أورده الزمخشري في الكشاف وأظنه أخذه منه دون أن يصرح بذلك , كما وجدته مذكورا أيضا في تفسير الرازي. وعند النيسابوري في غرائب القرآن وأورده النسفي في تفسيره بنصه كذلك. وذكره ابن عادل في لبابه، ونسب القرطبي والشوكاني هذا القول إلى الضحاك والسدي().
2- وعند قوله تعالى: ﭽ ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ   ﮓ  ﮔ  ﮕ   ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛﮜ   ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﭼ الإسراء،قال: قال أبو عبيده كل موضع خالطته ووطئته فقد جسته وحسته.
وبالرجوع إلى مجاز القرآن لأبي عبيدة() لم نجد له ذكرا. وإنما ذكره ابن منظور في لسان العرب عن أبي عبيده. والأزهري في تهذيب اللغة عن أبي عبيدة وكذلك الزبيدي في تاج العروس() عن أبي عبيدة.
وعند قوله تعالى: ﭽ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ   ﭹ  ﭺ  ﭻ   ﭼ  ﭽ   ﭾﭿ  ﮀ  ﮁ   ﮂ  ﮃﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ    ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ   ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ   ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ   ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﭼ المائدة  قال: قال الفراء(): أعزرته إذا أرددته عن الظلم ومنه التعزير؛ لأنه يمنع صاحبه عن معاودة القبيح. وقد رجعت إلى كتابه معاني القرآن كذلك ولم أجده. ولا أدري من أين جاء به الشيخ.
 ومن خلال الأمثلة السابقة يتبين لنا أن من منهج الشيخ رحمه الله عدم النقل من الكاتب مباشرة وإنما ينقل عن من ينقل عن الكاتب دون أن يشير إلى ذلك أو يصرح به وهذا مما نعيبه عليه؛ إذ من الصعوبة بمكان أن تظن أن قولا ما لكاتب ثم لما ترجع إلى صاحب هذا القول لا تجده.
الطريقة الرابعة: النقل حرفيا.
قال عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭓ  ﭔ  ﭕ   ﭖﭗ  ﭘﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭼ البقرة، قيل جمع التقوى في قوله تعالى: ﭽ ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ   ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ   ﮆ  ﮇﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ   ﮌ  ﭼ النحل، وعن ابن عباس: المتقي الذي يتقي الشر والكبائر والفواحش. وقد رجعت إلى تفسير الثعلبي فوجدته مأخوذا منه بنصه()
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮠ  ﮡ   ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩﮪ  ﮫ  ﮬ   ﮭﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﭼ البقرة، قال: قال الثعلبي وذلك أنه وجد قتيل من بني إسرائيل اسمه عاميل ولم يدروا من قتله. واختلفوا في سبب قتله قيل كان رجلا كثير المال وله ابن عم مسكين لا وارث له غيره فلما طال عليه موته قتله ليرثه وقيل كان لعاميل هذا ابنة عم يضرب بها المثل في بني إسرائيل في الحسن والجمال فقتل ابن عمها أباها لينكحها. وقيل قتله ابن أخيه لينكح ابنته فلما قتل حملوه من قرية إلى قرية أخرى وألقوه هناك()
ومن النقولات الحرفية أيضا ما نقله عن الزمخشري عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ   ﮄﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ   ﮍﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ   ﮖ  ﮗﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞﮟ   ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﭼ البقرة، حيث قال: قال جار الله: والحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به أو يذم واشتقاقه من الحياة().
 وعند قوله تعالى: ﭽ ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ     ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ    ﮐ  ﮑﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕﮖ  ﮗ  ﮘ   ﮙﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ    ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ   ﮦﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ   ﮭ  ﮮ    ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔﯕ  ﯖ  ﯗ   ﯘ   ﯙ  ﯚﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ    ﯤ  ﭼ النساء، قال: يعني وأدوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار وإحواج إلى الاقتضاء.قال جار الله فإن قلت: الموالي هم ملاك مهورهن لاهن والواجب أداؤها إليهم فلم قيل: وآتوهن؟ قلت()، لأنهن وما في أيديهن مال الموالي فكان أداؤها إليهن أداء إلى الموالي أو على أن أصله: فآتوا مواليهن فحذف المضاف().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ   ﭸ  ﭹ  ﭼ الفلق، قال: قيل السحر. وذكر أبو مسلم أن النفاثات في العقد هي النساء(). وقول أبي مسلم ذكره الإمام الرازي في تفسيره للآية, قال: في الآية قولان: الأول أن النفث النفخ مع الريق. والقول الثاني: وهو اختيار أبي مسلم أي النساء في العقد().
 وإذ قد عرفنا بعض الطرق التي يستخدمها الشيخ في الإفادة من مصادره, يجدر بنا أن نبين موقفه منها وأقصد بموقفه هنا هل كان ينقل من تلك المصادر ويوافق على ما ينقله ويؤيد؟ أم ينقل ويسكت ولا يعقب على ذلك بشيء لا سلبا ولا إيجابا؟ أم أنه ينقل لكنه لا يكتفي بالنقل بل يناقش ويرد؟ هذا ما سيظهر لنا من خلال استعراضنا لبعض الأمثلة.
أولا: النقل عن المؤلف والسكوت على كلامه دون تعقيب.
فعند قوله تعالى: ﭽ ﭬ  ﭭ  ﭮﭯ  ﭰ  ﭱ      ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ     ﭼﭽ  ﭾ   ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﭼ يوسف، قال: أي لولا أن رأى برهان ربه لضربها, ولو ضربها لأهلكه أهلها, وكانت تدعي عليه المراودة على القبيح. وأنه ضربها  لامتناعها فأراه الله البرهان. وأما البرهان الذي رآه فقد اختلف فيه على أقوال: أولها: حجة الله تعالى في تحريم الزنا. والعلم بما في الزنا من العقاب. وقيل هو ما آتاه الله سبحانه من آداب أنبيائه في العفاف وصيانة النفس عن الأرجاس وقيل: هي النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش وقيل: كان في البيت صنم فسترته بأن ألقت عليه ثوبا فقالت أستحي منه فقال يوسف تستحي من الصنم وأنا استحي من الواحد القهار, وقيل رأى العزيز, وقيل رأى جبريل عليه السلام, وقيل رأى يعقوب, روى ذلك جار الله في الحاكم والله أعلم() .
فأنت ترى أنه نقل بعض هذه الأقوال عن الزمخشري غير ذاكر رأيه ولا موقفه منها وهذا كثير في تفسيره().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯴ   ﯵ        ﯶﯷ  ﯸ  ﯹ       ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ   ﭼ الفرقان قال: قال أبو علي رحمه الله يحتمل نارا يعذبون بها في قبورهم, ويحتمل إذا كان يوم القيامة اعتدنا لهم سعيرا().
ثانيا: النقل عن الكاتب وموافقته.
 تأثر الكاتب بكاتب ما يجعله مؤيدا وموافقا له في كثير مما يذهب إليه ولذا فإن الشيخ كغيره من المفسرين تأثر بمن نقل عنهم ورجع إلى تفاسيرهم في الكشف عن المعنى المراد من الآية وهذا الصنيع غير ملوم عليه في الحقيقة فكم من تلميذ تأثر بشيخه في كتاباته وفي أفكاره وآرائه بل قد تجده يتعصب له أحيانا. يقول إلكيا الهراسي في مقدمة كتابه أحكام القرآن: ’’فإني لما تأملت مذاهب القدماء المعتبرين والعلماء المتقدمين والمتأخرين واختبرت مذاهبهم وآراءهم ولحظت مطالبهم وأبحاثهم رأيت مذهب الشافعي رضي الله عنه وأرضاه أسدها وأقومها وأرشدها وأحكمها حتى كان نظره في كبر آرائه ومعظم أبحاثه يرقى عن حد الظن والتخمين إلى درجة الحق واليقين‘‘().
وفي ما يلي: ذكر لبعض الأمثلة التي تدل على أن الشيخ نقل نقولات وأيد ووافق فيها أصحابها معبرا بألفاظ مختلفة توحي بأنه يرتضي هذا القول ويؤيده.
1-    فعند قوله تعالى:  ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ   ﭙ   ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ   ﭤ  ﭼ الكهف، قال: في الحاكم ويدل على أن الاعتزال اسم مدح لذلك وصفهم به(). ورأي الحاكم أنما أورده هنا على جهة التأيد والموافقة له؛ إذ لو لم يكن موافقا لهذا الاستنتاج الذي خرج به الحاكم من فهمه للآية, لما ذكره هنا.
2-    وعند قوله تعالى: ﭽ ﮊ  ﮋ  ﮌ   ﮍ   ﮎﮏ   ﮐ  ﮑ    ﮒ  ﮓ  ﮔ         ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ           ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﭼ فصلت، قال: في الغرائب والعجائب عن علي عليه السلام الحسنة حب آل رسول الله r, والسيئة بغضهم. فإذن لا شك أن مثل هذا القول يتبناه الشيخ ويرتضيه؛ لأنه جاء في معرض الحديث عن آل البيت؛ ولأن الشيخ زيدي المذهب فإن كل قول وكل رأي يمدح آل البيت ويثنى عليهم, يؤيده ويأخذ به().
3-    ومما يدل على موافقته على كلام الكاتب وتأييده له قوله وهو الوجه، وهو الصحيح، والأكثر على أنه، والأول الوجه، والأول الأظهر مثال ذلك قال في تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭑﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭼ يونس، قال: قيل اسم للقرآن, وقيل اسم للسورة, وقيل معناه أنا الرب لا رب غيري وقيل اسم الله تعالى وقيل هو قسم كأنه قيل والله تلك آيات الكتاب الحكيم, وقيل المراد به القرآن, وقيل تلك إشارة إلى ما كان وعد الله بأن يعطيه, وقيل تلك إشارة إلى ما تقدم من الكتب مثل التوراة والإنجيل وغيرهما. والوجه الأول قاله الحاكم(). ويقصد بقوله والوجه الأول القول الأول, وهو أن المراد بتلك القرآن, فإذن يفهم من هذا أنه يوافق الحاكم الجشمي ويذهب إلى ما ذهب إليه.
ثالثا: النقل عن الكاتب ومناقشته:
 إن الشيخ وإن كان قد نقل عن الكاتب وسكت عنه في مواطن, وأيده ووافقه في مواطن أخرى كما مر معنا, فإننا نجده في مقابل ذلك يناقش بعض الأقوال تارة, ويرجح بعضها على بعض تارة أخرى.  وإن كان هذا يعد قليلا في تفسيره, لكن الذي يقرأ تفسيره بدقة وتركيز يلحظ هذا وسأذكر نماذج من هذا الصنيع فعند قوله تعالى: ﭽ ﮓ  ﮔ   ﮕ  ﮖﮗ  ﮘ   ﮙ  ﮚ  ﮛﮜ  ﮝ  ﮞ              ﮟ    ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥﮦ  ﮧ  ﮨ    ﮩ  ﮪ    ﮫﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ         ﯖ  ﯗ  ﯘﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢﯣ   ﯤ  ﯥ        ﯦ  ﯧ     ﯨ  ﯩﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ    ﯯ  ﯰ  ﯱﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ     ﯺﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ       ﰃ  ﰄ  ﰅ   ﭼ النساء، قال ذهب بعضهم إلى أن فوق زائدة وفيه ضعف لقوله تعالى ’’فلهن‘‘ والمعنى فإن كن جماعات بالغات ما بلغن من العدد فلهن ماللبنتين؛ وهو الثلثان, وميراث البنتين مقيس على الأختين بطريق الأولى().
وعند قوله تعالى: ﭽ  ﮡ  ﮢ   ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ   ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰﮱ   ﯓ  ﯔ  ﯕﯖ  ﯗ  ﯘ    ﯙ  ﯚ  ﭼ التوبة.
قال: قيل الفقير الذي ليس له بلغة من العيش والمسكين الذي لا شيء له  وهو قول الهادي  عليه السلام وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو قول أهل اللغة أيضا وقيل المسكين من له شيء والفقير من لا شيء له وهو قول الشافعي واحتج بقوله تعالى: ﭽ ﮓ   ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ            ﮚ  ﮛ  ﮜ     ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ       ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﭼ الكهف، وأجيب عن ذلك بأنهم كانوا يعملون عليها، وقيل: المساكين يتفاضلون في المسكنة().
 جاء في اللباب: والفقير من له أدنى شيء أي دون النصاب والمسكين أدنى حالا من الفقير وهو من لا شيء له وهذا مروي عن أبي حنيفة وقد قيل العكس().
وقال الإمام الكاساني: واختلف أهل التأويل واللغة في معنى الفقير والمسكين وفي أن أيهما أشد حاجة وأسوأ  حالا قال الحسن الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل وهكذا ذكره الزهري وكذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما().
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: الفقير والله أعلم: من لا مال له ولا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غير زمن, سائلا كان أو متعففا, والمسكين من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعا, ولا تغنيه سائلا كان أو غير سائل().
3 – وعند قوله تعالى: ﭽ ﮖ  ﮗ   ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞﮟ  ﮠ  ﮡ   ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ   ﮫ  ﭼ إبراهيم.قال: قال في الغرائب والعجائب(), إن الله بعث جميع الكتب إلى جبريل عليه السلام بالعربية وأمره أن يأتي رسول كل قوم بلغتهم وهذا ليس بصحيح؛ لأن قوله ليبين لهم ضمير القوم وهم العرب فيؤدي أن الله أنزل التوراة من السماء بالعربية ليبين للعرب, قالوا وهذا معنى فاسد().
الفصل الثاني:
البناء الهيكلي في تفسير الأعقم
توطئة:
يتضح للباحث من خلال قراءته في تفسير الأعقم أن مؤلفه قد بدأ فيه بتفسير سور القرآن الكريم على الترتيب المعهود في المصحف، حيث ابتدأه بتفسير سورة الفاتحة واختتمه بتفسير سورة الناس. وقد راعى في تفسير السورة الجوانب التالية:
1- يذكر عدد آياتها.
2- مكيها ومدينها.
3- السورة التي نزلت بعدها
4- سبب نزولها إن كان لها سبب
5- أين ومتى نزلت.
6- أسماء السورة إن كان لها اسم
7- الأحاديث الواردة في فضلها
تطبيق نموذجي على الكلام السابق:
المثال الأول: سورة المائدة.()
عدد آياتها: مائة وعشرون آية
مدنية.
النزول: نزلت بعرفات يوم الجمعة, في عشر عرفة.



الأحاديث الواردة في فضلها: قال الشيخ: روي عن رسول الله r أنه قال: "من قرأ سورة المائدة أعطي من الأجر عشر حسنات, ومحي عنه عشر سيئات, ورفع له عشر درجات, بعدد كل يهودي, ونصراني في الدنيا"()().
 وعن النبي r: "المائدة من آخر القرآن نزولا, فأحلوا حلالها وحرموا حرامها".()()
المثال الثاني: سورة التوبة.()
عدد آياتها:مائة وعشرون آية.
مدنية. غير آيتين "لقد جاءكم" إلى آخرها.نزلتا بمكة.
النزول: هي آخر ما نزل بالمدينة, غير الآيتين المذكورتين.
أسماء السورة: يقول: قال جار الله: لها عدة أسماء: براءة, التوبة, المقشقشة, المبعثرة, المخزية, الفاضحة, المثيرة, الحافرة, المنكلة, المدمدمة, سورة العذاب.()
وهذا المنهج الذي سار عليه في تفسيره().


المبحث الأول: طريقة عرضه للتفسير
1- الميل إلى الاختصار بقدر الإمكان
إن السمة البارزة في تفسير الأعقم هي الميل إلى الاختصار ما أمكن، ولكنه اختصار غير مخل, ويعتبر تفسيره من التفسير الجملي أعني أنه لا يأتي بالآية كاملة ثم يشرع في تفسيرها وبيان ما فيها من الغريب والمشكل... الخ،كما يفعل غيره من المفسرين أصحاب المطولات كالإمام الرازي والإمام القرطبي والإمام الطبري، بل يجزئ الآية منذ البداية حسب جملها المتعددة، فيقوم بتفسير أهم الجمل والكلمات الواردة فيها تاركاً الواضح منها دون تفسير، والسبب كما قدمت يرجع إلى طبيعة تفسيره فإنه مختصر أصلا. فمثلا عقد قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ    ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ    ﭲ    ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ       ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ             ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﭼ الشعراء، بعد أن يذكر عدد آيات السورة يقول مائتان وسبع وعشرون آية مكية غير (و الشعراء يتبعهم الغاوون) فإنها مدنية إلى آخرها(). يأتي على تفسيرها فيقول: ’’طسم: اسم للسورة، وقيل من أسماء القرآن. وقيل هو من أسماء الله؛ تلك: قيل هذه السورة وقيل هذه الآيات؛ آيات الكتاب المبين: يعني بين الحق من الباطل؛ لعلك باخع نفسك: قاتل نفسك يا محمد‘‘().
ثم ينتقل الشيخ إلى الآية التي بعدها فيقسمها كما يفعل في الآية السابقة، ثم يشرع في تفسير الآية الخامسة تاركا الآية التي قبلها دون تفسير. وهي قوله تعالى: ﭽ ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ    ﭲ    ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭼ الشعراء. وذلك إما أنه فسر آية مشابهة لها سبقتها أو أنه يرى أنها ليست بحاجة إلى تفسير ومزيد بيان؛ إذ من أشكل المشكلات توضيح الواضحات كما يقال. وعند قوله تعالى: ﭽ ﮫ  ﮬ  ﮭ   ﮮ    ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ    ﯙ      ﯚ  ﯛ  ﭼ الشعراء، يقول في تفسيرها: ’’قال’’: موسى، {ويترك قوله تعالى: رب أني أخاف أن يكذبون، لأنها واضحة ولا إشكال فيها} ويضيق صدري بتكذيبهم؛ ولا ينطلق لساني للعقدة التي فيه؛ فأرسل إلى هارون، أرسل إليه جبريل،واجعله نبيا وآزرني به واشدد به عضدي().
وأحيانا نجده يحيل لبعض الآيات إذا تكررت معه فيقول: قد تقدم القول فيها، أوقد تقدم الكلام فيه أو نحوا من هذا. فمثلا عند حديثه عن الحروف المقطعة في أوائل السور، وعند مطلع سورة أل عمران ﭽﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ     ﭕ    ﭖ      ﭗ   ﭘ        ﭙ  ﭚ  ﭼ آل عمران. يقول: ’’ ألم قد بينا ما قيل فيه’’ ().
وفي قوله تعالى: ﭽ ﭑﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭼ الرعد.
يقول: المر  قد تقدم الكلام فيه().
2- عدم تقيده بنمط معين في التفسير:
لم ينهج الشيخ نهجاً واحداً في تفسيره الآية فأحياناً نجده يبتدئ في تفسيره للآية بذكر سبب نزولها, وأحيانا يقدم الأحاديث المؤكدة لمعناها, وأحيانا أخرى يبتدئ بذكر القراءات القرآنية الواردة فيها وهكذا, وهكذا. ولتوضيح ذلك, أذكر الأمثلة التالية:
أ- بدؤه تفسير الآية بذكر سبب نزولها ثم ذكر المعنى:
1- قوله تعالى: ﭽ ﯩ  ﯪ   ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴﯵ   ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ   ﭼ البقرة: ١٨٦.
حيث قال عند هذه الآية: الآية نزلت في رجل من العرب. قال يا رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت().
فإني قريب السماع ، وقيل : قريب بالعلم والقدرة { فليستجيبوا لي } إذا دعوتهم للإيمان والطاعة, كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم, وليؤمنوا بي أي يصدقوا بجميع ما أنزلته { لعلهم يرشدون }, والراشد المصيب للخير, ومنه رجل رشيد().
2- قوله تعالى: ﭽ ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ     ﭭﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ   ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ   ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﭼ التوبة.
قال الشيخ: الآية نزلت في جد بن قيس(). وروي : أنه قال للنبي r: لا تفتني بنات الأصفر يعني نساء الروم ولكني أعينك بمالي واتركني { ألا في الفتنة سقطوا } أي الفتنة التي سقطوا فيها هي فتنة التخلف.
 { إن تصبك } في بعض الغزوات { حسنة } ظفر وغنيمة { تسؤهم وإن تصبك مصيبة } قتل وهزيمة ونكاية شديدة, نحو ما جرى يوم أُحُد { يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل } يعني قد أخذنا حذرنا والعمل بالحزم من قبل ما وقع { ويتولوا } عن مقام التحدث بذلك والاجتماع له في أهاليهم { وهم فرحون }().
ب) ذكره المعنى مصحوبا بحديث يؤكده من ذلك:
فعند قوله تعالى: ﭽ ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ      ﮩ   ﮪ  ﮫ            ﮬ  ﮭ  ﭼ السجدة: ١٧.قال: والمعنى لا تعلم النفوس كلهن, ولا نفس واحدة منهن, لا ملك مقرب ولا نبي مرسل, أي نوع عظيم من الثواب, إذا أجزى الله أولئك, وأخفاه من جميع خلائقه, لا يعلمه إلا هو مما تقرّ به عيونهم { جزاء بما كانوا يعملون }, وعن النبي r: « يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر, اقرءوا إن شئتم { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }()().


ج- أحيانا يبدأ في تفسير الآية بذكر المعنى مستخدما اللغة والشعر للتوضيح:
فمثلا عن قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ   ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝﭞ  ﭟ    ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭼ النساء. قال في تفسيرها: والقنطار المال العظيم من قنطرت الشيء إذا رفعته، ومنه القنطرة لأنها بناء مشيد قال():
كقنطرة الرومي أقسم ربها          ليكتنفن حتى يشاد بقرمد.
د- إيراده لبعض النكات التفسيرية على شكل الأسئلة والأجوبة عليها، مستعملا لبعض العبارات مثل (فإن قيل كذا قلنا كذا، ومتى قيل، قالوا، فإن قيل قالوا...الخ.), وهذا من الأساليب التي برع فيها الزمخشري في تفسيره.
ومثال ذلك:
1- قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ   ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ    ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ    ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ   ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼﭼ البقرة، قال بعد أن ذكر المعنى المراد من الآية, ويقال:لم قدم الليل؟ قلنا: لأن الليل هو الأصل والضياء طارئ عليه؛ لأن الله تعالى خلق الأرض مظلمة ثم خلق الشمس والقمر().
وأما عن الأسلوب الذي استخدمه الشيخ في تفسيره فقد طغت عليه السهولة, والبعد عن التكلف، وهذا هو المطلوب، فقد جاء تفسيره سهلا ميسور العبارة، غير مطعم بالقضايا الفلسفية، ولا الكلامية التي تبعد التفسير عن هدفه ومقصوده..
وبعد, فهذه بعض الأمثلة، ذكرتها لأبين منهج الشيخ بصورة عامة وبشكل مجمل مختصر على ما سيأتي مفصلا في ثنايا هذه الرسالة.
ولا يفوتني ذكرا أن أقول بأن الشيخ لئن كان قد صنف تفسيره هذا بالرجوع إلى أقوال من سبقه أمثال الهادي،والحاكم الجشمي، والثعلبي، والزمخشري()، وغيرهم من المفسرين، فإن هذا الأمر عسير وغير يسير وليس بالهين، إذ الجمع بين هذه الأقوال كلها, وإخراجها في ثوب وفي شكل مختصر منتظم دقيق
ليس في مقدور أي أحد، ولا يؤتاه إلا من رزق حظا وافرا من الثقافة، بكثرة المطالعة  ومداومة النظر في النصوص وهذا بالطبع يحتاج إلى تحمل وجلد، فالعلم كما أنه فتوح وذكاء فإنه أخذ عطاء().
المبحث الثاني: التفسير بالمأثور عنده.
1- حول التفسير المأثور:
المأثور في اللغة: يطلق المأثور في اللغة ويراد منه مطلق النقل ومنه أثرت الحديث أثرا نقلته، والأثر بفتحتين اسم منه، وحديث مأثور أي منقول، ومنه المأثرة وهي المكرمة؛ لأنها تنقل ويتحدث بها().
وأثر الحديث: أن يأثره قوم عن قوم أي يحدث به في آثارهم أي بعدهم().
قال ابن منظور: الأثر الخبر، والجمع آثار والأثر مصدر قولك أثرت الحديث آثره إذا ذكرته من غيرك، وأثر  الحديث عن القوم يأثره ويأثره أثرا وأثرة وأثرة، ومآثر العرب مكارمها ومفاخرها التي ثؤثر عنها أي تذكر وتروى()؛ فالحاصل أن مادة (أثر) في اللغة يراد منها الإخبار والرواية والنقل.
التفسير المأثور في الاصطلاح:
يذهب بعض العلماء إلى عد واعتبار التفسير المأثور،تفسير القرآن بالقرآن أو تفسير القرآن بالسنة، أو تفسير القرآن  بأقوال الصحابة والتابعين، وممن ذهب إلى هذا التقسيم الزرقاني في مناهله حيث قال: ’’المأثور هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة بيانا لمراد الله تعالى من كتابه‘‘()، وتبعه في ذلك الدكتور الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون حيث قال: ’’يشمل ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما نقل عن الرسول r وما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم وما نقل عن التابعين من كل ما هو بيان توضيح لمراد الله تعالى من نصوص كتابه الكريم‘‘()، وقد تبنى هذا الرأي الدكتور مصطفى مسلم أيضا فقال: ’’التفسير المأثور يشمل المنقول عن الله تعالى في القرآن الكريم والمنقول عن النبيr والمنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم, والمنقول عن التابعين رحمهم الله. وعلى هذه الأنواع الأربعة يدور التفسير بالمأثور‘‘().
مناقشة هذه الأقوال:
إن ما ذهب إليه العلماء الأفاضل من عدهم التفسير بالمأثور يشمل تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وتفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين كلام غير دقيق و بحاجة إلى مناقشة، وسأنقل أقوال بعض العلماء الذين سجلوا تحفظهم على هذا التعريف واعترضوا عليه.
يرى الدكتور صلاح الخالدي أن التفسير المأثور هو تفسير القرآن بالسنة وبأقوال الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.
 وتفسير القرآن بالقرآن ليس تفسيرا بالمأثور؛ لأن المفسر في هذه الخطوة يفسر كلام الله بكلام الله، وليس بكلام البشر من الصحابة والتابعين، أي هو لا يعتمد على البحث والنقل، ولا يتحرى صحة ما ينقل؛ لأن القرآن محفوظ ثابت، لا يحتاج إلى تخريج وتصحيح، فالتخريج والتصحيح والتحري، والحرص صفة ملازمة للأقوال المأثورة في التفسير والقرآن لا يحتاج إلى كل هذا، فهو ليس من التفسير بالمأثور().
ويتابع الدكتور الخالدي حديثه عن التفسير المأثور قائلا: إن التفسير بالمأثور الذي يتحقق فيه معنى المأثور في اللغة و الاصطلاح هو ما روي عن الرسول r أو الصحابة أو التابعين من روايات نقلية مروية في تفسير القرآن، واسمه الآخر يؤكد هذا المفهوم وهو التفسير النقلي الذي يقوم على نقل الأقوال والروايات عن السلف تفسير القرآن().
ويرى الأستاذ الدكتور فضل عباس وهو يتحدث عن حدود التفسير الأثري أن التفسير بالمأثور هو: ’’ما صح عن النبي r أو كان له حكم المرفوع مما روي عن الصحابة رضوان الله عليهم، ويشمل هذا أسباب النزول’’ .
فهو يقيد ما يرويه الصحابي بأن يكون مشتملا على سبب النزول؛ لأنه مما لا مجال للرأي فيه فيكون صحيحا وأما ما روي عن الصحابة والتابعين مما هو اجتهاد منهم، فيدخل ضمن دائرة التفسير بالرأي مثل بعض الروايات التي رويت عن ابن عباس().
2- اختلاف العلماء في تفسير الصحابي والتابعي من حيث الاحتجاج:
لقد اختلف العلماء في تفسير القرآن بأقوال الصحابة هل يمكن اعتباره حجة أم لا ؟
ذهب الحاكم في مستدركه إلى أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند(). ووافقه الزركشي في برهانه فقال: ’’تفسير الصحابي بمنزلة المرفوع إلى النبي r‘‘(). في حين أننا نجد ابن الصلاح يقيد هذا الإطلاق بقوله: ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر بها الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر t: ’’كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول‘‘. فأنزل الله عز وجل(نساؤكم حرث لكم) البقرة /223 فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على الإضافة شئ إلى رسول الله rفمعدودة في الموقوفات(). انتهى كلامه رحمه الله
ويشترط العلامة الحافظ ابن حجر() شرطين أساسين في تفسير الصحابي حتى يأخذ حكم المرفوع إلى النبي r:
أولاهما: أن يكون الصحابي غير معروف بأخذه عن أهل الكتاب، يسلم تفسيره من أي شبهة.
ثانيهما: أن يكون الذي رواه مما لا مجال للرأي فيه، كأسباب النزول، ونحوها من الأمور الغيبية، كأحوال القيامة الجنة النار...الخ. وهذا كله لا يستطيع الصحابي أي يعمل فيه عقله.
واختلف العلماء في تفسير التابعي من حيث الاحتجاج أيضا، فمنهم من يراه صالحاً للأخذ به ومنهم من لا يأخذ به ولا يعتبره حجة، يقول ابن تيمية رحمه الله: ’’وقال شعبة بن الحجاج وغيره أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف، تكون حجة في التفسير‘‘()
وقال الزركشي في البرهان: ’’و في الرجوع إلى التابعين روايتان عن أحمد، واختار ابن عقيل المنع، عن شعبة لكن عمل المفسرين على خلافه. وقد حكوا في كتبهم أقوالهم، كالضحاك بن مزاحم وسعيد بن جبير ومجاهد، وقتادة وأبي العالية الرياحي،والحسن البصري...‘‘. فهذه تفاسير القدماء المشهورين، وغالب أقوالهم تلقوها من الصحابة, ولعل اختلاف الرواية عن أحمد إنما هو فيما كان من أقوالهم وآرائهم ()
إن ما قاله الزركشي رحمه الله من أن عمل  المفسرين على خلافه، يعني اعتبار تفسير التابعي حجة، لكونهم حكوا في كتبهم أقوالهم؛ ذلك لأن الغالب فيها مأخوذ عن الصحابة فكلام فيه نظر ويحتاج إلى دليل؛ لأن تضمين المفسرين لأقوال التابعين في تفاسيرهم لا يعني أن أقوالهم كلها صحيحة وليست بحاجة إلى تعليق أو مناقشة، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التابعين رضي الله عنهم في حد ذاتهم قد حصل بينهم اختلاف كبير في الفهم، كما حصل عند الصحابة الكرام قبلهم. والتفاوت في الأفهام والعقول أمر معروف ومعلوم، ولا يستطيع أحد أن ينكره.



تفسير القرآن بالقرآن عند الشيخ:
إن أصح الطرق, وأحسنها في تفسير القرآن الكريم, أن يفسر القرآن بالقرآن, فما أجمل في مكان, فإنه قد فسر في موضع آخر.وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر.)()
وإنما كان تفسير القرآن بالقرآن أصح الطرق في التفسير؛ لأن فيه من التوثيق والصحة ما لا يوجد في غيره, فلا يحتاج فيه إلى تصحيح أو تضعيف.
وهذا النوع أعني تفسير القرآن بالقرآن لا يتأتى ولا يحصل إلا لمن كان عنده فهم ثاقب, ورؤية فاحصة في كتاب الله عزوجل, فيستطيع حينذاك مقابلة الآيات القرآنية بعضها على بعض, لتكون له عونا على فهم ماجاء مطلقا وعاما ومجملا, فهو أثناء هذه العملية يعرف ويدرك أن هذه الآية عامة خصصتها الآية, وأن تلك الآية مطلقة قيدتها الآية الأخرى في الموضع الآخر, وهكذا.
ولقد أدرك الشيخ العلاقة والصلة التي تربط الآيات بعضها ببعض, فنظر إليها في ظل وفي ضوء نظائرها لتعينه على الوصول إلى المعنى المنشود, ومن الأمثلة التي توضح ماذكرته:
1- عند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ   ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ    ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣﭤ  ﭥ  ﭦ          ﭧ      ﭨ  ﭩ    ﭪﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ   ﭼ الأنعام .
قال:{وما لكم }أي ما الذي يمنعكم,{ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} عند الذبح, {وقد فصل لكم ماحرم عليكم}أي بين,قيل:هو ماذكره تعالى في سورة المائدة في قوله تعالى:{حرمت عليكم الميتة} إلى آخرها.()
قال الشيخ الشنقيطي معلقا على الآية: التحقيق أنه فصله لهم بقوله ﭽ ﮙ  ﮚ  ﮛ   ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ    ﮥ  ﮦ   ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ   ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ     ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖﯗ  ﯘ  ﯙ   ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ   ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﭼ
ومعنى الآية: أي شيء يمنعكم أن تأكلوا ما ذكيتم, وذكرتم عليه اسم الله, والحال أن الله فصل لكم المحرم أكله عليكم في قوله:{قل لا أجد في ما أوحي إلي }الآية, وليس هذا منه. ومايزعمه كثير من المفسرين من أنه فصله لهم بقوله{حرمت عليكم الميتة}, فهو غلط. لأن قوله تعالى:{حرمت عليكم الميتة}من سورة المائدة, وهي آخر من آخر ما نزل من القرآن بالمدينة, وقوله: {وقد فصل لكم ماحرم عليكم}من سورة الأنعام وهي مكية, فالحق ماذكرنا والعلم عند الله تعالى.()
قلت: وهذا تحقيق لطيف ومسلك جميل منه رحمه الله.
فإذن إذا صح هذا يتبين منه عدم صحة القول بأن تفسير القرآن بالقرآن من المأثور, وكيف يكون مأثورا وقد وقع فيه مثل هذا الخلاف.
2-وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ   ﭘ  ﭙ    ﭚﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ   ﭠ  ﭡ   ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦﭧ  ﭨ  ﭩ   ﭪ  ﭫ   ﭬ  ﭼ البقرة. قال(): الآية تدل على أن عدة الوفاة { أربعة أشهر وعشراً } وهذا عام إلا في قوله تعالى:
ﭽ ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ ﭼ الطلاق: ٤.
إذن آية البقرة عامة خصصتها آية الطلاق.
3-وعند قوله تعالى: ﭽ ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ    ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ   ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜﮝ  ﮞ  ﮟ   ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﭼ المائدة
قال:{إلا مايتلى عليكم}من القرآن من نحو قوله:{حرمت عليكم الميتة والدم}.(),فيكون هذا من باب البسط بعد الاختصار, والبيان بعد الإجمال.
ومن الأمثلة الدالة على تفسير القرآن بالقرآن ﭽ ﭺ  ﭻ  ﭼ      ﭽ  ﭾ   ﭿ  ﭼ المعارج, قال:قيل الهلوع الحريص الضجور, وقيل: هوالذي {إذا مسه الشرجزوعا}{وإذا مسه الخير منوعا}.()



ومما نلحظه عن منهج الشيخ في تفسير القرآن بالقرآن:
أ-استشهاده بالقرآن لتوضيح المعنى:
لقد استطاع الشيخ أن يستحضر الآيات الموافقة لمعنى الآيات التي هو بصدد تفسيرها, فنجده يذكرها ويستشهد بها لتوضيح المعنى الذي يريد أن يصل إليه, وللأدلة على صحة ما أقول فإنني سأذكر نماذج من ذلك:
عند قوله تعالى ﭽ ﭧ ﭨﭩ  ﭪ  ﭼ الفاتحة. قال:الطريق الواحد, ومنه {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون}()
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮛ  ﮜ        ﮝ       ﮞ  ﮟ   ﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ   ﮩ  ﮪﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖﯗ   ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ   ﯤ  ﯥ   ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩﯪ  ﯫ  ﯬ    ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰﯱ  ﯲ  ﯳ    ﯴ   ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹﯺ  ﯻ   ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ   ﰃ  ﰄ                 ﰅ  ﰆ   ﭼ البقرة.قال:قيل ساقطة وعروشها سقوفها,أي سقطت السقوف ثم سقطت عليها الجدر,وقيل عروشها أبنيتها من قوله {يعرشون}().
 ومما يدل على استشهاده بالقرآن لتوضيح ماخرج به في تفسيره للآية من معنى لغوي, قوله عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭻ  ﭼ  ﭽ   ﭾ   ﭿ  ﮀ   ﮁ  ﮂ  ﭼ الأنبياء .
قال الشيخ: استعير الحرام للممتنع وجوده, ومنه قوله تعالى{إن الله حرمهما على الكافرين}, وأصل الحرام المنع.()
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭧ  ﭨ   ﭩ     ﭪ  ﭫ  ﭬ   ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ   ﭷ  ﭸ  ﭹ    ﭺ  ﭻﭼ  ﭽ    ﭾ  ﭿ  ﮀ   ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﭼ الزمر.
قال: يعني يقبضها عن التصرف ويمسكها ويحفظها حين موتها.{والتي لم تمت في منامها}يريد ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها, أي يتوفاها حين منامها, وشبه النائمين بالموتى, ومنه{وهوالذي يتوفاكم بالليل}حيث لا يميزون ولا يتصرفون,والموتى كذلك.()
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭼ الفلق. قال:{برب الفلق} الصبح, ومنه فالق الإصباح.()
ب-استشهاده في تفسيره للآية بما يشابهها أو مايدل على معناها في سورة أخرى, وهذا كثير جدا في تفسيره وسأكتفي بذكر البعض.
1- قال عند قوله تعالىﭽ ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ   ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ   ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﭼ البقرة.{أولئك}يعني الذين كتموا ذلك{ مايأكلون في بطونهم إلا النار}يعني أن أكلهم في الدنيا وإن كان حسنا طيبا في الحال, فعاقبته النار,كقوله تعالى: ﭽ ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ   ﮍ  ﮎﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﭼ() النساء: ١٠.
2-وعند قوله تعالىﭽ ﮗ   ﮘ    ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ   ﮢ  ﮣﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ   ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘﯙ   ﯚ  ﯛ  ﯜ    ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ       ﯡ  ﯢ  ﯣﯤ  ﯥ  ﯦ     ﯧ   ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﭼ.آل عمران قال:هوالذي أنزل عليك يا محمد الكتاب,وهو القرآن, هن أم القرآن المحكم كقوله تعالى: ﭽ ﮔﮕ  ﮖ           ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ   ﮜ   ﮝ   ﮞ  ﮟ   ﭼ هود. أي أحكمت بالنظم العجيب.()
3-قوله تعالى: ﭽ ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥ          ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ    ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ     ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔﯕ   ﯖ    ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﭼ الأحقاف. قال: الضمير للقرآن, أي على مثله في المعنى, وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعاني القرآن من التوحيد والوعد والوعيد, وغير ذلك, ويدل عليه قوله تعالىﭽ ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ   ﮫ  ﭼ الشعراء. ﭽ ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭼ الأعلى().
ومما يعد داخلا في تفسير القرآن بالقرآن حمل بعض القراءات القرآنية على بعض, وفي هذا الصدد يقول الدكتور الذهبي: "ومما يؤيد أن القراءات مرجع مهم من مراجع تفسير القرآن بالقرآن ماروي عن مجاهد أنه قال: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود قبل أن أسأل ابن عباس مااحتجت أن أسأله عن كثير  مما سألته عنه".()
ومن هنا وجب على المفسر المعرفة, والعلم بالقراءات القرآنية حتى يستطيع فهم كلام الله تعالى, يقول الألوسي في تفسير قوله ﭽ ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ    ﯮﯯ  ﯰ  ﯱ    ﯲ  ﯳ  ﯴﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ      ﯼ  ﯽ   ﭼ البقرة.: "أي حملهما على الزلة بسببها, وتحقيقه أصدر زلتهما عنها, وعن هذه مثلها في قوله تعالى:{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة} التوبة/114, والضمير على هذا للشجرة, وقيل: أزلهما أي أذهبهما, ويعضده قراءة حمزة فأزالهما وهما متقاربان في المعنى"(). قرأ حمزة بزيادة ألف بعد الزاي, وتخفيف اللام والباقون بحذف الألف, وتشديد اللام, ولحمزة وقفا تحقيق الهمزة وتسهيلها ().
فالشاهد أن قراءة حمزة فسرت لنا قراءة العامة.
هذا ومما ينبغي أن يذكر فلا ينسى؛ أن تفسير القرآن بالقرآن ينبغي ألا يتجاوز تخصيص العام, وتقييد المطلق, وبيان المجمل, وتأويل الظاهر,وغيرها مما درج على عده من بيان القرآن علماء الأصول وكذلك حمل قصص الأنبياء, والأمم السابقة بعضها على بعض, فما أوجز في مكان قد بسط في مكان آخر ونحو ذلك, وأما غير ذلك من تفسير الآيات بعضها ببعض لورود كلمات فيها متشابهة فهذا مما لا نقبله-يقول الدكتور أبو حسان- والسبب في ذلك أنه يؤدي إلى أمرين خطيرين:
أولهما: إغفال السياق القرآني الذي وردت فيه تلك الكلمة القرآنية, واختيرت في مكانها ومثل هذا الإغفال مدعاة للخلط والخبط في التفسير.
ثانيهما: أنه يفضي إلى القول بتكرار معاني القرآن الكريم, ولا شك أن هذا غير مقبول فكما أنه لا تكرار في ألفاظ القرآن وآياته, فمعانيه لا تكرار فيها كذلك, فكل آية, بل كل حرف جاء في آية في سياق خاص ومعاني متجددة.()
تفسير القرآن بالسنة:
السنة هي المصدر الثاني الذي يتعين المصير إليه, ويعول عليه بعد القرآن الكريم في فهمه, فهي شارحة للقرآن الكريم ومبينة له, وقد نص القرآن الكريم صراحة على أن دور النبي  rووظيفته إنما هي البيان قال تعالى ﭽ ﭢ  ﭣﭤ  ﭥ   ﭦ     ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ   ﭭ  ﭮ   ﭯ  ﭼ النحل.
وقال عز من قائل: مخاطبا نبيه r ﭽ ﯸ   ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ     ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ   ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ     ﰈ  ﰉ  ﰊ    ﰋ  ﰌ   ﰍ   القيامة. قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى{ثم إن علينا بيانه}أي: بعد حفظه, وتلاوته نبينه لك ونوضحه, ونلهمك معناه على ماأردنا وشرعنا.() فالمطلوب من النبي r إذن تبيين ماجاء في القرآن الكريم وتوضيحه للناس.
وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعا, إذا أشكل عليهم فهم آية يسارعون إلى النبي r ليزيل لهم ذلك الإشكال. روى الإمام مسلم في صحيحه في باب صدق الإيمان وإخلاصه قال: حدثنا عبد الله بن إدريس, وأبو معاوية ووكيع الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: لما نزلت{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} الأنعام/82. شق ذلك على أصحاب رسول الله r وقالوا أينا  لا يظلم نفسه؟.  فقال رسول الله r ليس هو كما تظنون إنما هو كما  قال لقمان لابنه{يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}() لقمان/13,فأنى للصحابة الكرام أن يعرفوا هذا المعنى لولا رسول الله r بين ظهرانيهم, ولك أن تعجب بعد كل الذي ذكرنا قول أولئك الذين يزعمون أن القرآن الكريم وحده كاف, ويمكن الاستغناء به عن السنة, وقد كذبوا وخابوا وخسروا, فهم مافهموا القرآن ولو فهموا القرآن الكريم على الوجه الحق ماكان هذا باعثا  على قول ما قالوا؛ لأن في القرآن مايدل على وجوب اتباع  سنة النبي r, وكيف يتوقف عن الأخذ بسنة النبي r مطلقا من يأخذ بالكتاب  المنزل عليه وهو يتلو ما فيه من الآيات الدالة على وجوب اتباعه قال الله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ      ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ   ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ    ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭼ. النجم.
 وقال تعالى:  ﭽ ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ   ﮒ  ﮓ   ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ             ﮙ    ﮚ   ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥ    ﮦ  ﮧﮨ  ﮩ  ﮪﮫ  ﮬ     ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ   ﭼ الحشر.
وقال تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ   ﭜ  ﭝ  ﭞ  النساء.  وقال عزوجل: ﭽ ﯜ  ﯝ  ﯞ   ﯟ      ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ    ﯥ  ﯦ  ﯧ      ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ   ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ   ﭼ والآيات في هذا المعنى كثيرة وهي صريحة ظاهرة الدلالة()
إن أعداء الإسلام يتصيدون في ماء عكر للنيل من الدين الإسلامي الحنيف, وهم يدركون تماما عظم شأن السنة المطهرة في نفوس المسلمين,لذلك تجدهم يبذلون كل ما في وسعهم من أجل صرف الناس عن السنة, تقليلا من شأنها وحطا من قيمتها وأهميتها, أقول إن السنة ترتبط ارتباطا وثيقا بالقرآن الكريم, ولا تنفك عنه بحال, ومن هنا كان لزاما على المفسر الرجوع إليها في فهم كلام الله جل وعلا.ففي القرآن الكريم أمور شتى مجملة جاءت السنة بتفصيلها وبيانها, وفي القرآن الكريم أحكام عامة جاءت السنة بتخصيصها, وفي القرآن الكريم أحكام مطلقة أتت السنة بتقييدها, وهكذا, فالحاصل أنه لا غناء للمفسر عن السنة في فهم كتاب الله تبارك وتعالى, ولا يمكن فهم القرآن العظيم إلا بالعودة إلى السنة, والدليل على هذا الحديث الذي رواه الإمام الترمذي قال: "حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح عن الحسن بن جابر اللخمي عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإن ماحرم رسول الله r كما حرم الله"().
ويتلخص  منهج الشيخ في تفسير القرآن بالسنة في الآتي:
أ- وقوفه عند تفسير النبي r للآية:
نجد الشيخ عند تفسيره للآية القرآنية, يذكر لنا حديثا للنبي  rلتوضيح معناها, وهذا كثير جدا في تفسيره.فعند قوله تعالى ﭽ ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ    ﮥﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ   ﮪﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ    ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕﯖ  ﯗ  ﯘ         ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ       ﯞ  ﭼ آل عمران.قال: وعنه r أنه فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة.() . قال الإمام الرازي في تفسيره للآية:"اتفق الأكثرون على أن الزاد والراحلة شرطان لحصول الاستطاعة, روى جماعة من الصحابة عن النبيr  أنه فسر استطاعة السبيل إلى الحج بوجود الزاد والراحلة.()
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮔ  ﮕ   ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ   ﮞ  ﮟ  ﭼ السجدة: ١٦.قال: { تتجافى جنوبهم } ترتفع وتتنحى { عن المضاجع } عن الفرش وموضع النوم { يدعون ربهم } داعين ربهم, عابدين له؛ لأجل خوفهم من سخطه ولجمعهم في رحمته وهم المتهجدون ، وعن رسول الله rفي تفسيرها : « قيام العبد من الليل »().
وهذه الأحاديث التي ذكرها الشيخ لا تصلح لأن تكون تفسيرا بالمأثور, بناء على ماقدمت سابقا من كونه -أعني التفسير بالمأثور- يشمل ما صح عن النبيr وما كان له حكم الرفع مما رواه الصحابي في أسباب النزول.
فهذه الأحاديث التي أوردها الشيخ هي من باب استشهاده بالحديث على معنى آية, إذ الآيات التي فسرها النبي r معروفة, كتفسيره الظلم بالشرك في قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ    ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ     ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭼ الأنعام.
وكتفسيره r القوة, بالرمي في قوله تعالى: ﭽ ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﭼ الأنفال: ٦٠.
والدليل على أن هذه الطريقة ليست من التفسير بالمأثور في شيء, اختلافهم في الآية الواحدة حيث تجد مفسرا يذكر فيها حديثا يختلف عما يذكره مفسر آخر في نفس الآية, فكيف يفسر هذا؟!
فالحاصل أن تفسير القرآن بالسنة ينبغي أن يقيد بالصحيح المروي عن النبيr في تفسير الآية , أما أن يعمد المفسر إلى جمع أحاديث يستدل بها في توضيح المعنى المراد من الآية, فهذا كله بعيد في حدود التفسير الأثري.
ب- عزوه الحديث مباشرة إلى النبي r مجردا من السند تماما, ولا يذكر معه الصحابي إلا نادرا:
من منهج الشيخ  في تفسير القرآن بالسنة, عزوه الحديث بطريقة مباشرة إلى النبي r دون أن يذكر سند الحديث, ولا حتى الصحابي إلا في القليل النادر جدا, كأن يقول: وعن رسول الله, وروي أن رسول الله وعنه r وهذا كثير جدا في تفسيره, وسأكتفي بذكر بعض الأمثلة:
1-قوله تعالى ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ    ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞﭟ  ﭠ   ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦﭧ  ﭨ  ﭩ   ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ     ﭯﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶﭷ   ﭸ    ﭹ  ﭺ            ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭼ النساء.
قال بعد أن فسر الآية, وعن النبي r "خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرتك, وإن أمرتها أطاعتك, وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالها", وتلا الآية()()
2-قوله تعالى ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ   ﭘ  ﭙ  ﭼ البقرة.
قال الشيخ: الصلاة الوسطى هي العصر, وعن النبي r أنه قال يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى, صلاة العصر.وزاد مسلم في صحيحه ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا.()
3-قوله تعالى ﭽ ﯧ  ﯨ             ﯩ  ﯪ    ﯫ  ﯬ     ﯭﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲﯳ   ﯴ  ﯵ         ﯶ  ﯷ  ﭼ البقرة. قال:العسر والعسر ضيق ذات اليد, والمناظرة الإمهال, وعنه: r "من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله"().
من خلال الأمثلة السابقة اتضح لنا أن من منهج الشيخ في التفسير, ذكره الحديث مجردا من السند بالكلية, وهذا كثير لا يحصى في تفسيره.()
ولعل حذفه الأسانيد عمدا منه للاختصار, وقصدا لعدم التطويل.
ج- عدم الحكم على الأحاديث والتعقيب عليها  لا بالصحة ولا بالضعف:
من منهج الشيخ في التفسير الاستدلال بالأحاديث النبوية دون الحكم عليها, ودون عزوها إلى مظانها ومصادرها الأصلية, والأمثلة على هذا المسلك, وهذه الطريقة كثيرة جدا, نذكر منها:
1-فعند قوله تعالى ﭽ ﮖ  ﮗ        ﮘ   ﮙ    ﮚ  ﭼ الضحى.قال: حتى تذهب ماله، يعني لا تغلبه على ماله وحقه لضعفه، وعن أبي هريرة عن النبي r أنه قال: « كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة » وأشار إلى السبابة والوسطى. فهذا الحديث صحيح  أخرجه الإمام مسلم في صحيحه, ولكن الشيخ لم يحكم عليه ولا حتى قام بعزوه إلى كتب الصحاح على الأقل() .
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯝ  ﯞ   ﯟ  ﯠ   ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ     ﯨ  ﯩﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﭼ البقرة.قال قوله تعالى: { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } الآية، قيل: كانوا يوصون للأبعد طلباً للفخر ويعدلون عن الأقربين فلما نزلت آية المواريث قال r « إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصيَّة لوارث ».()
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ   ﭖ   ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ   ﭼ الزمر.قال: وقرأ رسول الله r هذه الآية, فقيل يارسول الله كيف شرح الصدر؟ فقال: "إذا دخل النور القلب انفسح" فقيل: يارسول الله,فما علامة ذلك؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود, والتجافي عن دار الغرور, والتأهب للموت قبل نزول الموت"().
 ومن منهج الشيخ في تفسير القرآن بالسنة أيضا روايته الحديث بما يدل على معناه, فمثلا عند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ       ﭔ  ﭕ   ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ   البقرة.
قال: لأنه من أيقن أنه من أهل الجنة, اشتاق إليها, وتمنى سرعة الوصول إلى النعيم, وعن النبي r قال: "لوتمنوا الموت مابقي على وجه الأرض يهودي"().
تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين:
آراء الصحابة والتابعين كثيرة جدا في تفسير الشيخ, وعند ذكره أقوالهم واستشهاده بها فإنه يذكرها مجردة الإسناد كذلك, كما فعل مع أحاديث النبي r ولعل هذا مرده ومرجعه إلى الميل إلى الاختصار, والإيجاز,كما سيظهر لنا.
ولقد جاءت أقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم جميعا؛ موزعة في تفسير الشيخ ؛إما لتوضيح معنى,  أو لتفسير لفظ, أو تبيين سبب نزول, أو إعطاء حكم فقهي. وهكذا فهي متنوعة تنوع القضايا المنوطة بالتفسير.
فمن أقوال الصحابة والتابعين المبينة والموضحة للمعنى, ماذكره:
1-عند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ   ﭖﭗ  ﭘﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭼ البقرة. قال وعن ابن عباس المتقي ؛ الذي يتقي الشر و الكبائر والفواحش().
2-وعند قوله تعالى: ﭽ ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ   ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ    ﮎ  ﮏ  ﮐﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ   ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣ   ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ      ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﭼ البقرة. قال: قيل أهل ملة واحدة على دين واحد وهو الكفر. عن ابن عباس, وهو الوجه. ثم يقول معللا لما ذكره؛ لأن قوله تعالى{فبعث الله النبيين}لا يليق إلا بذلك().
3-وعند قوله تعالى: ﭽ ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ   ﮁ           ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉﮊ  ﮋ    ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﭼ النساء. قال: قوله تعالى{ثم يتوبون من قريب} وعن الضحاك: كل توبة قبل الموت قريب().
3- وعند قوله تعالى: ﭽ ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ   ﯳ  ﯴﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺﯻ  ﯼ  ﯽ   ﯾ  ﯿ  ﭼ الرعد .قال: قيل  بالفتوح على المؤمنين من أرض المشركين بأن يفتح أرضاً بعد أرض فتبطل فيها أحكام الشرك وتظهر أحكام الإِسلام، وقيل: بذهاب علمائها، وعن ابن مسعود: « موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء »(). وقيل: خرابها بعد العمارة، وقيل: نقصان ثمرها()
قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى لرسوله: { وإن ما نرينك } يا محمد { بعض الذي نعدهم } أي: نعد أعداءك من الخزي والنكال في الدنيا، { أو نتوفينك } أي قبل ذلك، { فإنما عليك البلاغ } أي: إنما أرسلناك لتبلغهم رسالة الله وقد بلغت ما أمرت به، { وعلينا الحساب } أي: حسابهم وجزاؤهم، كما قال تعالى: ﭽ ﯟ  ﯠ    ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ   ﯦ    ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ   ﯰ      ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ   ﭼ الغاشية.
وقوله: { أولم يروا أنا نأتي الأرْض ننقصها من أطرافها } قال ابن عباس: أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض؟
وقال في رواية: أو لم يروا إلى القرية تخرب، حتى يكون العمران في ناحية؟
وقال مجاهد وعِكْرِمة: { ننقصها من أطرافها} قال: خرابها.
وقال الحسن والضحاك: هو ظهور المسلمين على المشركين.
وقال العوفي عن ابن عباس: نقصان أهلها وبركتها.
وقال مجاهد: نقصان الأنفس والثمرات وخراب الأرض.
وقال الشعبي: لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك، ولكن تنقص الأنفس والثمرات. وكذا قال عِكْرِمة: لو كانت الأرض تنقص لم تجد مكانا تقعد فيه، ولكن هو الموت.
وقال ابن عباس في رواية: خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها. وكذا قال مجاهد أيضا: هو موت العلماء.وبعد أن ذكر رحمه الله كل هذه الأقوال حول تفسير الآية نجده يرجح القول الأول, وهو ظهور المسلمين على المشركين, وكثرة الفتوحات. حيث يقول: والقول الأول أولى، وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية، وكَفْرًا بعد كَفْر، كما قال تعالى: { ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى} الأحقاف:27, الآية، وهذا اختيار ابن جرير، رحمه الله ()
4-وعند قوله تعالى: ﭽ ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ   ﭼ الصافات. قال: قال وعن قتادة الرزق المعلوم الجنة.
5-وعند قوله تعالى: ﭽ ﮃ  ﮄ   ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ   ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ   ﮖ  ﮗ    ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ   ﭼ إبراهيم. قال {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} من للتبعيض, ويدل عليه ما روي عن مجاهد: لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم عليه فارس والروم.
6-وعند قوله تعالى: ﭽ ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ   ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﭼ الإسراء. قال: قال مجاهد: لو أنفق مدا في باطل كان مبذرا, ولو أنفق جميع ماله في حق ما كان مبذرا().

ومن أقوال الصحابة والتابعين التي جاءت لتعطي لنا حكما فقهيا ماذكره الشيخ:
1-قوله تعالى: ﭽ ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ   ﮭ  ﮮﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕﯖ  ﯗ   ﯘ      ﯙ  ﯚ   ﯛ  ﯜﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢﯣ  ﯤ  ﯥ   ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰﯱ   ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ   ﯹ  ﯺ  ﯻﯼ  ﯽ   ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   ﰈ  ﰉﰊ  ﰋ  ﰌ  ﰍ  ﰎ  ﰏ  ﰐ   ﰑ  ﰒ  ﰓ   ﭼ البقرة. قال: { والوالدات يرضعن أولادهن حولين } الآية، قيل: هو عام في جميع الزوجات، وقيل: المطلقات، قيل: معناه الأمر وإن كانت صيغته صيغة الخبر، قوله تعالى: { حولين كاملين } يعني عامين تامين أربعة وعشرين شهراً وقد اختلف العلماء في هذا الحد هل هو لكل مولود ولكن إذا أتت به لستة أشهر فحولين وإن ولدت لسبعة أشهر فثلاثة وعشرين شهراً في الحمل وإن ولدت لتسعة أشهر فإحدى وعشرين يطلب بذلك الجملة ثلاثين شهراً، وقيل: هو حد لكل مولود ويأتي وقت يولد لا ينقص ولا يزيد إلا أن يتراضيَا قبل الحولين فحيِنئذٍ فطماه فإن اختلفا لم يفطماه وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً، وقال جماعة: المراد به بيان التحريم الواقع بالرضاع في الحولين يحرم وفيما بعده لا يحرم، وروي ذلك عن أمير المؤمنين u وابن عمر وابن مسعود والزهري والشعبي، وقال قتادة: فرض الله تعالى على الوالدات أن يرضعن أولادهن حولين كاملين ثم أنزل الله تعالى الرخصة بعد ذلك فقال تعالى: { لمن أراد أن يتم الرضاعة } يعني أن هذا يسمى الرضاع وليس فيما دونه حد محدود وإنما هو على مقدار صلاح الصبي.()
2-وعند قوله تعالى: ﭽ ﯓ  ﯔ  ﯕ   ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝﯞ   ﯟ  ﯠ   ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ   ﯧ  ﯨ  ﯩ            ﯪ  ﯫ  ﯬﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ   ﯲ  ﯳﯴ  ﯵ  ﯶ         ﯷ  ﯸ  ﯹﯺ  ﯻ   ﯼﯽ  ﯾ           ﯿ    ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ   ﰄ  ﰅ   ﭼ المائدة. قال: وعن مجاهد هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كما ظن.()
3-قوله تعالى: ﭽ ﭸ   ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ   ﭾ  ﭿ  ﮀ    ﮁ  ﮂ   ﮃ  ﮄ   ﮅﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ   ﮊ  ﮋ  ﭼ النور.قال: الآية نزلت في بغايا مكة والمدينة على ما تقدم()، وقيل: المراد بالنكاح العقد, وكل مشركات وزانيات نهي عن نكاحهن، وقيل: كان هذا حكم في كل زاني وزانية، ثم نسخ، وقيل: المراد بالنكاح العقد وذلك الحكم ثابت في كل من زنى بامرأة لا تجوز له أن يتزوج بها عن جماعة من الصحابة، وروي ذلك عن علي u ، وروي أيضاً عن عائشة () .
وفيما يتعلق بالقراءات والنزول, أكتفي بذكر مثالين فقط للتوضيح.
فمثلا عند قوله تعالى: ﭽ ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ    ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ    ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ   ﯘ  ﯙ  ﯚﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡﯢ   ﯣ  ﯤ  ﯥ   ﯦ  ﯧ  ﯨ   ﯩ   ﯪﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ    ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ   ﯳ  ﯴ   ﯵﯶ  ﯷ  ﯸ      ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ   ﭼ البقرة.
 قال:{ يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها } البقل المعروف. {وفومها } قيل: الحنطة، وقيل: الثوم، ويدل عليه قراءة ابن مسعود وثومها ().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯛ  ﯜ   ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ        ﯧ  ﯨ   ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﭼ البقرة: ١٤.  قال الأعقم: الآية نزلت في عبد الله بن أُبي وأصحابه. روي عن ابن عباس أن عبد الله بن أبي وأصحابه خرجوا فاستقبلهم نفر من الصحابة ( رضي الله عنهم ) فقال : انظروا كيف أردّ هؤلاء السفهاء عنكم, وأخذ بيد عمر وقال مرحباً بالفاروق وسيد بني عدي, وأخذ بيد أبي بكر وقال مرحباً بسيد بني تميم وثاني رسول الله rفي الغار, وأخذ بيد علي ( عليه السلام ) وقال: مرحباً بابن عم رسول اللهr وحبيبه وسيد بني هاشم ما خلا رسول الله r . فقال له علي: (عليه السلام ) : « يا عبد الله اتق الله ولا تنافق فإن المنافقين في النار وإنهم شر خلق الله » . فقال : مهلاً يا أبا الحسن لا تقل هذا فوالله إن إيماننا كإيمانكم ، فتفرقوا فقال لأصحابه : كيف رأيتم ما فعلتُ؟ فأثنوا عليه وقالوا : لا نزال بخير ما دمت فينا ، ورجع المسلمون فأخبروا رسول الله r فنزلت الآية()().
فقد ذكر الشيخ هذا السبب الواهي في نزول الآية, دون أن يتنبه له.
المبحث الثالث:التفسير بالرأي عند الشيخ
معنى التفسير بالرأي: يطلق الرأي على الاعتقاد, وعلى الاجتهاد, وعلى القياس, ومنه: أصحاب الرأي: أي أصحاب القياس, والمراد بالرأي هنا الاجتهاد, وعليه فالتفسير بالرأي هو الذي يعتمد فيه المفسر على مدى فهمه من الآيات القرآنية, واستنباط المعاني منها, وسيكون على معرفة بكلام العرب ومناحيهم في القول, والألفاظ العربية ووجوه دلالتها, واستعانته في ذلك بالشعر الجاهلي, ووقوفه على أسباب النزول, ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن, وغير ذلك من الأدوات التي يحتاج إليها المفسر().
والتفسير بالرأي نوعان:محمود ومذموم؛ فالرأي المحمود هوالذي يستند إلى اللغة, والسياق والمأثور, والرأي المذموم لا يستند إلى شيء من هذه الأسس؛ بل يعتمد على الهوى الناشئ من جهل أو نحلة باطلة().
موقف العلماء من التفسير بالرأي:
لقد وقع خلاف معتبر بين العلماء في مسألة التفسير بالرأي, فأجازه بعض ومنعه آخرون والخلاف الذي جرى بين الفريقين ناشئ وناجم عن تحديد مفهوم الكلمة ذاتها فمن رأى بأن كلمة الرأي معناها الهوى؛ والإقدام على التفسير دون ضوابط, منعه, ومن رأى بأن كلمة الرأي تعني أن يعمد المفسر إلى كتاب الله عزوجل فيفسره وفق الأدوات التي لابد أن يكون عالما عارفا بها, أجاز ذلك, ولكل دليله وحجته.
أدلة المجيزين للتفسير بالرأي: استدل المجيزون بأدلة منها:
1-قوله تعالى: ﭽ ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ   ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﭼ محمد.
2-قوله تعالى: ﭽ ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ   ﮎ     ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ     ﮗ  ﮘ  ﮙ   ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ     ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ   ﭼ النساء.
فهاتان الآيتان نص على أن مضامين القرآن الكريم ومعانيه لايمكن الوصول إلى فهمها إلا بالاجتهاد, وأن الآية الأولى تحث وتحض أيضا على التدبر والاجتهاد في القرآن الكريم, وصولا إلى المعنى الصحيح, ثم إن رسول الله r دعا لعبد الله بن عباس رصي الله عنهما "اللهم فقهه في الدين  وعلمه التأويل"(), وهذا يدل على أنه يجوز الاجتهاد, وإعمال العقل في فهم كلام الله سبحانه وتعالى.
واستدل المانعون بجملة من الأدلة نذكر منها:
1-قوله تعالى: ﭽ ﭢ  ﭣﭤ  ﭥ   ﭦ     ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ   ﭭ  ﭮ   ﭯ  ﭼ النحل. وقالوا بأن المكلف بالبيان إنما هو النبي  rوليس لغيره شيء من البيان لمعاني القرآن.()
2-واستدلوا كذلك بقوله تعالى: ﭽ ﮀ  ﮁ    ﮂ  ﮃ  ﮄ   ﮅ   ﮆ    ﮇ  ﮈ   ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ       ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ    ﮓ  ﮔ       ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ     ﮜ  ﮝ  ﭼ الأعراف.
فقد عطف الله سبحانه وتعالى القول عليه بغير علم على الشرك والإثم والبغي, والفواحش ما ظهر منها وما بطن ,والعطف يفيد المشاركة ومادام التفسير بالرأي من قبيل القول على الله بغير علم فيقتضي ويستلزم هذا حرمته وعدم جوازه.
3-واستدلوا بالحديث الذي رواه النسائي في سننه قال: "أخبرنا عبد الحميد بن محمد قال ثنا مخلد قال ثنا سفيان قال ثنا أحمد بن سليمان قال ثنا أبو نعيم ومحمد بن بشر قالا ثنا سفيان عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال مخلد قال: قال رسول الله r: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"().

مناقشة أدلة الفريقين:
إن ماذهب إليه المجيزون للتفسير بالرأي, ينبغي ألا يؤخذ على عواهنه وعلى إطلاقه, دون ضوابط وشرائط, بل لابد - إن كان ولا بد للمفسر أن يجتهد برأيه وعقله في تفسير كتاب الله- أن يكون ملما وعارفا بأدوات الاجتهاد حتى يسلم من الوقوع في الخطأ, وحتى لا يصدق عليه قول المولى سبحانه وتعالى ﭽ ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ     ﮜ  ﮝ  ﭼ الأعراف: ٣٣, وقول النبي r السالف الذكر:
 " من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار".
وأما المانعون للتفسير بالرأي بالكلية فأرى أن رأيهم فيه تحكم؛ لأن ادعاءهم أن النبي r هو المأمور والمكلف بالبيان وحده, وأنه فسر القرآن الكريم كله, ادعاء غير صحيح, يقول الرافعي(): "قد ثبت أن رسول الله r قبض ولم يفسر من القرآن إلا قليلا جدا. وهذا وحده يجعل كل منصف يقول أشهد أن محمدا رسول الله؛ إذ لو كان r فسر للعرب بما يحتمله زمنهم وتطيقه أفهامهم, لجمد القرآن جمودا تهدمه عليه الأزمنة والعصور بآلاتها ووسائلها, فإن كلام الرسول نص قاطع, ولكنه ترك تاريخ الإنسانية يفسر كتاب الإنسانية. فتأمل حكمة ذلك السكوت؛ فهي إعجاز لا يكابر فيه إلا من قلع مخه من رأسه"().
فإن قال قائل: لم لم يفسر النبي r القرآن الكريم كله إذن؟ يجيب الدكتور فضل عباس على هذا التساؤل فيقول: "إن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام كان يفسر ما يحتاج المسلمون إلى تفسيره...والحكمة في أن الرسول r لم يفسر القرآن كله أنه أراد أن يفتح للأمة مجالات في فهم القرآن, ليدبروا آياته, وليذكر أولوا الألباب, ولو أن الرسول r فسر القرآن كله, ما كان هناك مجال لتلك الثروة التفسيرية, ولكنه القرآن الذي لا تنقضي عجائبه, ولا يخلق على كثرة الرد"().
إن العلوم ثلاثة كما يقولون: علم نضج وما احترق, وهو علم النحو والأصول, وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير, وعلم نضج واحترق وهو علم الحديث والفقه().
فقولهم: "وعلم لا نضج ولا احترق", حكاية عن علم التفسير, فيه إشارة من طرف خفي إلى أن هذا العلم كل يوم يتجدد ويتطور, بتطور الاكتشافات والاختراعات العلمية, وتظهر للعلماء المتخصصين فيه أفكار, وآراء جديدة وحديثة لم تظهر لأسلافهم, وهذا يؤكد ويدلل على صلاحية القرآن الكريم لكل زمان ومكان, ومن هنا تظهر الحكمة واضحة جلية, في عدم تفسير النبي r إذ لو فسر النبيrكل القرآن, لفات الناس فائدة كبيرة, وعظيمة؛ ألا وهي التأمل, والتدبر في كتاب ربنا عز وجل , ولما كان لقوله جل شأنه: ﭽ ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ   ﭷ  ﭸ   ﭹ   ﭺ  ﭻ  ﭼ.معنى, فكل شيء عنده بمقدار, سبحانه هو الله الواحد القهار.
بناء على ما تقدم, وبعد عرض أدلة الخلاف القائم بين الفريقين, يمكن الجمع بينهما؛ إذا ما نظرنا إلى مقاصد كل من الفريقين؛ إذ إن المجيزين وإن كانوا قد أجازوا التفسير بالرأي إلا أنهم يتفقون مع المانعين له في كون المفسر بالرأي لا بد وأن تتوفر فيه الشروط اللازمة حتى يقبل ويقدم على كلام الله متجنبا الحظر والوقوع في الخطر, وإن المانعين له, أقصد التفسير بالرأي ما منعوه حين منعوه, إلا حين كان قصدهم منصبا على التفسير بالرأي المذموم, واستحسان الهوى, وإعمال العقل دون ضوابط, وعليه فالخلاف الحاصل بين الفريقين إنما هو خلاف لفظي فقط.
منهج الشيخ في التفسير بالرأي:
لقد نزل القرآن الكريم على رسول الله r بلسان عربي مبين, لقوله تعالى: ﭽ ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ     ﮚ     ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ     ﮥ  ﮦ  ﭼ الشعراء. في وقت بلغ فيه البيان والفصاحة أوجهما, والعلة والسبب في ذلك إنما هو التحدي؛ أراد الله سبحانه وتعالى أن يتحدى العرب بالقرآن الكريم.
والذي يقدم على تفسير كتاب الله جل وعلا, لا بد أن يكون ملما إلماما واسعا بعلم اللغة, حتى يكون مؤهلا, وقادرا على فهم مراد الله ومقصوده.
وقد ذكر الدكتور الذهبي, أن من بين العلوم التي يحتاج إليها المفسر, علم اللغة , وجعله أولها؛ لأن به يمكن شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع، قال مجاهد: "لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب"، ثم إنه لا بد من التوسع والتبحر في ذلك؛ لأن اليسير لا يكفى، إذ ربما كان اللفظ مشتركاً، والمفسِّر يعلم أحد المعنيين ويخفى عليه الآخر، وقد يكون هو المراد().
وروى الإمام البيهقي في شعب الإيمان. قال: سمعت أبا لقاسم حيث يقول سمعت أبا عبد الله الميداني الخطيب يقول : سمعت أبا قريش الحافظ يقول : سمعت يحيى بن سليمان بن فضلة يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : " لا أوتي برجل غير عالم بلغات العرب يفسر ذلك إلا جعلته نكالا "().
ومن هنا انكب العلماء على تعلم اللغة  وما فيها من الغريب؛وهذا يتطلب,ويستوجب معرفة أشعار العرب , وخطبهم , وأمثالهم وحكمهم , ومناحيهم  في أقوالهم كلها, فقد روى السيوطي في مزهره, قال: أخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب الوقف عن طريق عكرمة عن ابن عباس قال: "إذا سألتم عن شيء من غريب القرآن؛ فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب"().
وقال الفارابي في خطبة ديوان الأدب: "القرآن كلام الله, وقول الله, وتنزيل الله, مفصلا فيه مصالح العباد في معادهم ومعاشهم مما يأتون ويذرون, ولا سبيل إلى علمه وإدراك معانيه, إلاّ بالتبحر في علم هذه اللغة"().
إن الصحابة الكرام رضي الله عنهم, كانوا أصحاب لسان, ومشهود لهم بالخيرية, ونزل القرآن الكريم بلغتهم, ومع ذلك كله, كانت تخفى عليهم معاني بعض الكلمات أحيانا, فهذا عمر بن الخطاب كان على المنبر يوما فقرأ: ﭽ ﮉ  ﮊ   ﮋ  ﮌ  ﮍ   ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﭼ النحل. ثم سأل عن معنى التخوف, فقال له رجل من هذيل: التخوف عندنا التنقص, ثم أنشده:
تخوف الرحل منها تامكا قردا      كما تخوف عود النبعة السفن.()





وهذا عبد الله بن عباس, حبر هذه الأمة, الذي دعا له النبي r, يقول:ماكنت أدري {مافاطر} حتى اختصم إلي أعرابيان في بئر, فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها().
من خلال هذين المثالين ندرك أهمية اللغة العربية, وأنه لايجوز لأي أحد بأي حال من الأحوال,الخوض في كلام الله, إذا لم يكن متبصرا متبحرا في علم اللغة, وغريبها, حتى لا يقع في المحظور, ويكون عرضة للقيل والقال وكثرة السؤال.
وقد عرض الأعقم في تفسيره, لبعض القضايا البلاغية والنحوية, والنكات التفسيرية, وأكثر من استخدام الشاهد الشعري, تارة على المعنى اللغوي, وتارة على بعض صور البلاغة, وعلى قضايا تتعلق بالنحو تارة أخرى وسأحاول تبيين طريقته في ذلك مدعما كلامي بذكر الأمثلة. 
الجانب البلاغي في تفسير الأعقم: يقول الزركشي: "...وهذا العلم أعظم أركان المفسر, فإنه لا بد من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز من الحقيقة والمجاز وتأليف النظم..."().
وقد تطرق الشيخ لنوعي البلاغة؛ علم البيان وعلم المعاني, وأغفل الحديث عن علم البديع, مع العلم أنه علم مهم, لا يقل شأوا وشأنا عن العلمين السابقين؛ ذلك أنه يزيد النص القرآني بهاء وكمالا, ويضفي عليه رونقا وجمالا.
علم البيان: وهو عبارة عن أصول وقواعد,يعرف بها إيرادُ المعنى الواحد، بطرق يختلف بعضُها عن بعض، في وُضوح الدّلالة العقلية على نفس ذلك المعنى، فالمعنى الواحد: يُستطاع أداؤه بأساليب مُختلفة، في وضوح الدّلالة عليه(), ولهذا العلم أنواع كثيرة ومتعددة, تطرق الأعقم في تفسيره لبعض منها:
1- المجاز: عرفه القزويني() بأنه: "إسناد الفعل أوما في معناه إلى ملابس له غير ما هو له بتأويل".
وأما ابن الأثير فقد ذكر لنا مفهوما حول المجاز فقال:" وأما المجاز فهو ما أريد به غير المعنى الموضوع له في أصل اللغة, وهو مأخوذ من جاز من هذا الموضع إلى هذا الموضع؛ إذا تخطاه إليه, فالمجاز إذا, اسم للمكان الذي يجاز فيه كالمعاج, والمزار وأشباههما, وحقيقته هي الانتقال من مكان إلى مكان. فجعل ذلك لنقل الألفاظ من محل إلى محل, كقولنا زيد أسد؛ فإن زيدا إنسان, والأسد هو هذا الحيوان المعروف, وقد جزنا من الإنسانية إلى الأسدية؛ أي عبرنا من هذه إلى هذه, لوصلة بينهما, وتلك الوصلة هي صفة الشجاعة..."()
يقول القزويني: "أطبق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة وأن الاستعارة أبلغ من التصريح بالتشبيه وأن التمثيل على سبيل الاستعارة أبلغ من التمثيل لا على سبيل الاستعارة وأن الكناية أبلغ من الإفصاح بالذكر".()()
ولقد اختلف العلماء قديما وحديثا في مسألة وقوع المجاز في القرآن الكريم, بين مثبت وناف, والكلام فيه يطول, وللدكتور عبد العظيم المطعني كتاب قيم, سماه "المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع " عالج فيه المسألة بالتفصيل, وخلص في النهاية إلى أن ظاهرة إنكار المجاز في اللغة وفي القرآن العظيم, إنما هي مجرد شبهة كتبت لها الشهرة, ولكن لم يكتب لها النجاح().
وعلى أية حال فإن القول بالمجاز هو غاية الإعجاز في القرآن الكريم ونفيه بالكلية فيه نظر, والله أعلم.
والذي يهمنا في هذه المسألة هو موقف الشيخ من ذلك, فمن خلال قراءتي في تفسيره ظهر لي أن الشيخ يقول بالمجاز ويثبته,وقد ذكر ذلك في غير ما موضع,من تفسيره؛ وهذا يدل على أنه يعترف به ولا ينكره؛ إذ لو كان منكرا له لما تحدث عنه كما سأبين من خلال بعض الأمثلة.
عند قوله تعالى: ﭽ ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ   ﮝ  ﮞ        ﮟ  ﮠ  ﮡﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ   ﮦ  ﮧ   ﮨ  ﮩﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱﯓ  ﯔ   ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ   ﯡ  ﭼ البقرة. قال: والخشية في الحجارة مجاز عن انقيادها لأمر الله تعالى().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮐ   ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ   ﮚ  ﮛ          ﮜﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ          ﮡ  ﮢ  ﭼ النساء.
قال الشيخ: { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } مجاز عن اصطفائه واختصاصه شبهه بالخليل عند خليله, ثم يذكر لنا معنى الخليل في اللغة فيقول: قال أهل اللغة: الخليل المحب الذي ليس في صحبته نقص ولا خلل()
قال الراغب الأصفهاني: والخلة: المودة؛ إما لأنها تتخلل النفس، أي: تتوسطها؛ وإما لأنها تخل النفس، فتؤثر فيها تأثير السهم في الرمية؛ وإما لفرط الحاجة إليها، يقال منه: خاللته مخالة وخلالا فهو خليل، وقوله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} ، قيل: سماه بذلك لافتقاره إليه سبحانه في كل حال الافتقار المعني بقولهﭽ ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ    ﮁ  ﮂ    ﮃ  ﮄ       ﮅ     ﮆ  ﮇ    ﮈ   ﮉ    ﮊ  ﮋ  ﭼ القصص. وعلى هذا الوجه قيل: (اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك) وقيل: بل من الخلة، واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه().
ومن عناية الشيخ بالمجاز أنه يسميه أحيانا باسم التوسع, ومن الأمثلة عليه:
عند قوله تعالى: ﭽ ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ   ﮰ  ﮱﯓ  ﯔ  ﯕ     ﯖ  ﯗﯘ  ﯙ              ﯚ  ﯛ  ﭼ ق. قال: يعني طوال في السماء ، وقوله : لها طلع نضيد؛ يعني منضود بعضه على بعض إما أن يريد كثرة الطلع وتراكمه, أو كثرة ما فيه من التمر { رزقاً للعباد } أي جعلنا ذلك رزقاً للعباد { وأحيينا به بلدة ميتاً } أي أحياها بالماء المبارك, فشبَّه ما لا نبات فيه بالميت, وما فيه نبات بالحي توسعاً. { كذلك الخروج } يعني كما نبت الأشياء عن عدم, كذلك تخرج الموتى عن قبورهم أحياء بعد موتهم().
2-التشبيه: لقد عرض الشيخ للتشبيه, وأنواعه بالشكل المطلوب, فقد ذكر أمثلة كثيرة, ولا عجب؛  فآي القرآن الكريم مشحونة بالأمثلة, التي ترسم لنا صور, وأنواع التشبيه, غير أن الشيخ لم يفصل في شرح الأمثلة التي أوردها, من ذكر أركان التشبيه, ونوعه, ووجه الشبه, وما إلى ذلك من أمور تتعلق بهذا الأسلوب,ولا يخفى أن التشبيه من أنواع علم البيان المهمة التي ينبغي على كل مفسر الإلمام بها, ومن الأمثلة التي ذكرها:
عند تفسيره قوله تعالى:  ﭽ ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ    ﮠ  ﮡ   ﮢ   ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﭼالأنفال. قال: تشبيه لما كان منهم من مجادلة رسول الله().
 فقد اكتفى الشيخ بذكر التشبيه فقط, دون أن يبين لنا نوعه, أو يفيض في شرحه.
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭺ  ﭻ  ﭼ    ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ   ﭼ الفرقان. قال: أي ستراً؛  أي لتستترون به وتسكنون فيه,  فشبه الليل باللباس؛ لأنه يستر كل شيء بظلمته { والنوم سباتاً } راحة لأبدانكم وقطعا لأعمالكم { وجعل النهار نشوراً } ينشرون لطلب المعاش() .
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ   ﮰ  ﮱﯓ  ﯔ  ﯕ     ﯖ  ﯗﯘ  ﯙ              ﯚ  ﯛ  ﭼ ق. قال: يعني طوال في السماء ، وقوله : لها طلع نضيد؛ يعني منضود بعضه على بعض إما أن يريد كثرة الطلع وتراكمه, أو كثرة ما فيه من التمر { رزقاً للعباد } أي جعلنا ذلك رزقاً للعباد { وأحيينا به بلدة ميتاً } أي أحياها بالماء المبارك, فشبَّه ما لا نبات فيه بالميت, وما فيه نبات بالحي توسعاً. { كذلك الخروج } يعني كما نبت الأشياء عن عدم, كذلك تخرج الموتى عن قبورهم أحياء بعد موتهم().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢﯣ   ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧﯨ  ﯩ        ﯪ  ﯫﯬ  ﯭ  ﯮ                ﯯ  ﯰﯱ  ﯲ  ﯳ         ﯴﯵ  ﯶ  ﯷﯸ  ﯹ  ﯺ     ﯻ   ﭼ المنافقون. قال: وكان النبي rيعجبون() منهم, شبه المنافقين بالخشب المسندة ، ووجه الشبه أن أجسامهم لحسن صورتها واستواء خلقها وقامتها تعجب الناظر ، ولكن لخلوها من الخير { كأنَّهم خشب مسندة } أشباح بلا أرواح ، وقيل : الشبه وقع في الخشب المتآكلة, يحسبها من رآها سليمة, من حيث أن ظاهرها يروق الخير, وباطنها لا يفيد ، كذلك المنافق ، وكان عبد الله ظاهره يعجب, وباطنه خال من الخير { وإن يقولوا تسمع لقولهم } من حسن كلامهم, وقولهم للمؤمنين إنا منكم { يحسبون } يظنون { كل صيحةٍ عليهم } وذلك لخبثهم وما في قلوبهم من الرعب إذا نادى منادي من العسكر أو فلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوا إيقاعاً بهم ، وقيل : كانوا على وجل أن ينزل الله بهم ما يهتك أستارهم هُم أي لفرط خبثهم, وشدة ضررهم على المسلمين { فاحذرهم } أي احذر مخالطتهم ، ولا تأمنهم؛ لأنهم كانوا ينقلون أسرار المؤمنين إلى الكفار ، ويفسدون من قدروا عليه من المؤمنين { قاتلهم الله أنَّى يؤفكون } ، قيل : هذا دعاء عليهم بالهلاك ، وقيل : لعنهم الله أنّى يؤفكون؛ أي أنَّى يصرفون عن الحق مع كثرة الدلالات ، وقيل : كيف يعدلون عن الحق تعجباً من جهلهم وضلالتهم() .
3-الاستعارة:  ومن أنواع علم البيان أيضا, التي عرض لها الشيخ الاستعارة.جاء في التعريفات للجرجاني: "الاستعارة:ادعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبه من البين كقولك لقيت أسدا و أنت تعني به الرجل الشجاع"(). وهذه أمثلة على ذلك:
فعند قوله تعالى: ﭽ ﭝ  ﭞ  ﭟ          ﭠ  ﭡ  ﭢﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ      ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫ    ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ       ﭱ  ﭲﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷﭸ   ﭹ    ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ   ﭾ  ﭿ  ﭼ النور.
قال:{ فمنهم من يمشي على بطنه } كالحية والحوت والديدان، فإن قلت: لم سمي الزحف على البطن مشيا؟ قلتُ: على سبيل الاستعارة كما يقال: فلان يمشي له أمر().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ   ﮚ  ﮛ   ﭼ الحجر.قال: يعني نحيي الخلق ونميتهم { ونحن الوارثون } أي الباقون بعد هلاك الخلق كله، وقيل: للباقي والوارث استعارة من ورث  الميت؛ لأنه يبقى بعد فنائه، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في دعائه: « واجعله الوارث منَّا »().
وعند قوله تعالى:ﭽ ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ   ﯸ  ﯹﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ   ﭼ القصص.قال: وهذا استعارة حسنة, والمراد نقويك به ونعينك()

وعند قوله تعالى: ﭽ ﭟ  ﭠ  ﭡ    ﭢ  ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ   ﭬ  ﭭ  ﭼ مريم.قال: قيل عمّ الشيب وقرب الموت ، شبّه الموت بشواظ النار في بياضه.()
قال البيضاوي في تفسيره: شبه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وفشوه في الشعر باشتعالها ثم أخرجه مخرج الاستعارة وأسند الاشتعال إلى الرأس, الذي هو مكان الشيب مبالغة, وجعله مميزا؛ إيضاحا للمقصود, واكتفى باللام على الإضافة؛ للدلالة على أن علم المخاطب بتعين المراد يغني عن التقييد.().
 وأحيانا يذكر الصورة البيانية في الآية, دون ذكر نوعها, فعند قوله تعالى: ﭽ ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡﮢ   ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧﮨ  ﮩ  ﮪ   ﮫ  ﮬ   ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ      ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﭼ آل عمران. قال: قوله تعالى : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } شبَّه الدنيا بالمتاع؛ الذي يدلس به على المستام المشتري؛ والشيطان نعوذ بالله منه هو المدلس والغرور().
4-الكناية: وهي نوع من أنواع البيان كذلك, يقول عبد القاهر الجرجاني في دلائله:"قد أجمع الجميع, على أن الكناية أبلغ من الإفصاح, والتعريض أوقع من التصريح".() وقد ذكر الشيخ, أمثلة على ذلك هذا بعض منها:
عند قوله تعالى: ﭽ ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ   ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ     ﭽ  ﭾ ﭼ البقرة:187
قال: وهو كناية عن بياض أول النهار وسواد آخر الليل, وهذا هو الذي يجب أن يراعيه الصائم().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ     ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ   ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ    ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ ﭼ البقرة: ٢٣٥
قال:والسر وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء؛ لأنه مما يُسر().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ    ﭣ  ﭤ    ﭥ   ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭼ الإسراء. قال: هذا كناية عن قبض اليد عن الإنفاق, وتقديره لا تمسك يدك من النفقة, كالمشدود يده إلى عنقه { ولا تبسطها كل البسط } أي لا تنفق جميع ما عندك, وتذر نفسك وعيالك{فتقعد ملوما محسورا}().
علم المعاني: "هو العلم الذي تُعرف به أحوال اللفظ العربي؛ التي بها يُطابقُ اقتضاء الحال".() وقد تطرق الشيخ لبعض من صور هذا العلم, وأنواعه.
أ- الالتفات: "وهو نقل الكلام من أسلوب إلى آخر يعني من التكلم, أوالخطاب, أو الغيبة, إلى آخر منها, بعد التعبير بالأول"().
من المواضع التي عرض الشيخ فيها لصور الالتفات: قوله تعالى: ﭽ ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭼ الفاتحة.حيث قال(): أي نخضع لك بالعبادة والاستعانة, لا نعبد غيرك ولا نستعينه, التفات خرج من الغيبة إلى الخطاب, والالتفات يكون من الغيبة إلى الخطاب مثل هذا, ومن الخطاب إلى الغيبة مثل قوله تعالى: ﭽ ﭱ  ﭲ  ﭳ        ﭴ  ﭵ       ﭶ  ﭷ  ﭼ يونس: ٢٢.
 ومن الغيبة إلى التكلم مثل قوله تعالى: ﭽ ﮪ  ﮫ  ﮬ   ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ  ﮱ     ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ    ﯙﯚ  ﯛ       ﯜ  ﯝ  ﭼفاطر . وقد التفت امرئ القيس ثلاثة التفاتات في ثلاثة أبيات وهو قوله :
تطاول ليلك بالأثمد           ونام الخلي ولم يرقـد
   وبات وباتت له ليلة          كليلة ذي العابر الأرمد()
وذلك من نبإ جاءني           وخُبِّرْته عن أبي الأسود
العاثر : إنسان العين, والرمد: وجع العين, وكان من حقه أن يقول: تطاول ليلي بالاثمد؛ لأنه يخاطب نفسه .
وقد اعترض أبو حيان على كلام الزمخشري,في كون امرئ القيس التفت ثلاثة التفاتات, بقوله: ودعوى الزمخشري في أبيات امرئ القيس الثلاثة أن فيه ثلاثة التفاتات غير صحيح,  بل هما التفاتان:
الأول : خروج من الخطاب المفتتح به في قوله :
تطاول ليلك بالاثمد         ونام الخلي ولم ترقد
إلى الغيبة في قوله :
 وبات وباتت له ليلة          كليلة ذي العائر الأرمد
الثاني : خروج من هذه الغيبة إلى التكلم في قوله : وذلك من نبأ جاءني.
وخبرته عن أبي الأسود, وتأويل كلامه؛ أنها ثلاث خطأ, وتعيين إن الأول هو الانتقال من الغيبة إلى الحضور أشد خطأ؛ لأن هذا الالتفات هو من عوارض الألفاظ لا من التقادير المعنوية وإضمار قولوا قبل الحمد لله, وإضمارها أيضاً قبل إياك لا يكون معه التفات, وهو قول مرجوح(2).
لكننا نجد السمين الحلبي يدافع عن الزمخشري, وينتصر له, حيث يقول: وقد خَطَّأ بعضُهم الزمخشري في جَعْلِه هذا ثلاثة التفاتات، وقال: بل هما التفاتان، أحدهما خروجٌ من الخطابِ المفتتحِ به في قوله: "ليلُك" إلى الغيبة في قوله: "وباتَتْ له ليلةٌ"، والثاني: الخروجُ من هذه الغيبةِ إلى التكلم في قوله: "من نبأٍ جاءني وخُبِّرْتُه". والجواب أن قوله أولاً: "تطاول ليلُك" فيه التفاتٌ، لأنه كان أصلُ الكلامِ أن يقولَ: تطاول ليلي، لأنه هو المقصودُ، فالتفت من مَقام التكلمِ إلى مقامِ الخطابِ، ثم من الخطابِ إلى الغَيْبَةِ، ثم من الغَيْبة إلى التكلمِ الذي هو الأصل().
والحلبي إنما يقصد بقوله{وخطأ بعضهم}أبا حيان الأندلسي؛ لأنه قد أشار إلى ذلك في تفسيره كما مر معنا في الكلام السابق. وأنا أرى حسب فهمي القاصر أن ماذهب إليه السمين الحلبي, ومن قبله الإمام الزمخشري هو الصواب,وهو الذي اختاره الأعقم في تفسيره؛ إذ إن الشاعر في مقام المتكلم؛ الذي يخاطب فيه نفسه, وكان الأولى به, ومن حقه أن يقول, تطاول ليلي, فلما عدل عن مقام التكلم إلى مقام الخطاب, علم وفهم أن هذا نوعا ثالثا من أنواع الالتفات, في هذه الأبيات, والله أعلم.
ومنه ماذكره عند تفسيره, لقوله تعالى: ﭽ ﯗ   ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ   ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ    ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ   ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ   ﭼ البقرة. حيث يقول: { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم } على طريق الالتفات؛ أي توليتم عن الميثاق ورفضتموه(). وهو يقصد بالالتفات هنا, الالتفات من الخطاب إلى الغيبة.
ب- الذكر والحذف: من الجوانب البلاغية التي تعرض لها الشيخ أيضا, الذكر والحذف, حيث تطرق له في مواضع عدة من تفسيره, نذكر من بينها:
قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭼ الحج.

قال الشيخ: قرأ بنصب التاء نافع ، وبكسرها أبو عمرو وابن كثير(), والمعنى أذن لهم في القتال, فحذف المأذون فيه لدلالة { بأنهم ظلموا } أي بسبب كونهم مظلومين, وهم أصحاب رسول الله r ، كان مشركوا مكة يؤذونهم أذىً كثيرا().
وعند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭘ  ﭙ  ﭚ     ﭛ  ﭜ      ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭼ يونس. قال: في الكلام حذف يدل عليه الظاهر تقديره فلما أتى السحرة بالحبال والعصي { قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون }().
وعند قوله تعالى:ﭽ ﮙ  ﮚ   ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﭼ الإسراء. قال: خزائنه مقدوراته, ورحمته ورزقه, { إذاً لأمسكتم } عن العطاء والإنفاق { خشية } العاقبة, وفي الآية حذف وإضمار تقديره لو ملكتم خزائن الله, لأمسكتم من الإنفاق خشية الفاقة, { وكان الإنسان قتوراً } بخيلاً().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈﮉ  ﮊ   ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﭼ فصلت. قال: فيه حذف, يعني أن يصبروا أو لا يصبروا { وإن يستعتبوا } يطلبوا أن يرضى الله عنهم فما الله براض عنهم, والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل().
ج- الاستفهام: لقد أشار الشيخ, إلى بعض المعاني المجازية المتضمنة في الاستفهام؛ أو ما يسميه بعض العلماء ما يخرج عن معناه الأصلي, فكان من ديدنه أن يذكر عند تفسيره الآية الاستفهام, مبينا الغرض, والمراد منه, والأمثلة على ذلك كثيرة جدا, هذا بعض منها:


فعند قوله تعالى: ﭽ ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ     ﭰ  ﭱ  ﭲ      ﭳ  ﭴﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼ  ﭼ  التوبة. يقول: كيف استفهام والمراد به الإنكار, أي لا يكون لهم عهد؛ مع ما ظهر من غدرهم ونكثهم().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯛ  ﯜ   ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ   ﯥ  ﯦ  ﭼ التوبة. قال: هذا استفهام، والمراد به التقرير أي قد علموا { أن الله يعلم سرهم } أي ما يسر بعضهم بعضاً, أو ما يخفي أحدهم { ونجواهم } ما يتناجون به من الطعن في الإسلام() .
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮓ  ﮔ    ﮕ  ﮖ               ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜﮝ  ﮞ   ﮟ  ﮠ  ﮡ       ﮢ  ﮣﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﭼ الأنبياء. قال: استفهام، والمراد به التقريع، يعني هو الذي يفعل هذه الأشياء لا يقدر غيره عليها؛ فهو الإِله المستحق للعبادة دون غيره().
وعند قوله تعالى ﭽ ﯱ   ﯲ     ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ    ﯾ  ﯿ  ﰀﰁ  ﰂ   ﰃ  ﰄ   ﰅﰆ  ﰇ  ﰈ  ﰉ   ﭼ فاطر. قال: { يا أيها الناس } خطاب للمكلفين {اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله } لأنه خلقهم وخلق جميع الأشياء, وهذا استفهام, والمراد تحقيق النفي أي لا خالق غيره { يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو } أي لا تحق الإِلهية والعبادة إلاَّ له { فأنى تؤفكون } كيف تكذبون, وتزعمون أن لله شريكاً().
د- التقديم والتأخير: "هو أحد أساليب البلاغة أتوا به دلالة على تمكنهم في الفصاحة وملكتهم في الكلام وانقياده لهم وله في القلوب أحسن موقع وأعذب مذاق"().
ولم يورد الشيخ لهذا الأسلوب أمثلة كثيرة, كما هو الحال بالنسبة للاستفهام, أو الذكر والحذف...الخ. بالرغم من أهميته بالنسبة لعلم البلاغة, فعند قوله تعالى: ﭽ ﭓ   ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ   ﭘ   ﭼ مريم.

يقول: أي هذا المتلوّ من القرآن, وإنما قدم رحمة لأن الذكر سبب الرحمة.()
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮦ  ﮧﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ   ﭼ الأنبياء. يطرح التساؤل التالي: فإن قيل: لم قدم الجبال على الطير؟ قيل: تسبيحها وتسخيرها أعجب وأدل على القدرة, وأدخل في الإِعجاز لأنها جماد { والطير } حيوان ناطق. ثم يقول قال جار الله: فإن قلت: كيف تنطق الجبال وتسبح؟ قلتُ: لأن الله يخلق فيها الكلام, كما خلقه في الشجرة حين كلم موسى, وجواب آخر وهو أن يسبح من رآها تسير بسير الله فكما حملت على التسبيح وصفت به().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ   ﭠ   ﭡ    ﭢﭣ  ﭤ       ﭥ       ﭦ    ﭧ   ﭼ الملك.
قال: يعني خلق الموت في الحي فأماته, وخلق الحياة في الجماد فأحياه, وقيل: الموت في الدنيا والحياة عند البعث والجزاء { ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً } أي ليعاملكم معاملة المختبر, وإلا فهو عليم بأحوالكم وأعمالكم, وقيل: أيَّكم أكثر ذكراً للموت, وأشد استعداداً, وإنما قدم الموت؛ لأن الأشياء كانت في الأصل جماداً, ثم خلق فيها الحياة().
الجانب اللغوي والنحوي: وردت في القرآن الكريم, ألفاظ ومفردات, بحاجة إلى توضيح وبيان أكثر, سواء أكانت هذه الكلمات أسماء, أم أفعالا, أم حروفا. ومن المعلوم أن مثل هذا الأمر, أعني تفسير ماأبهم, وأشكل في القرآن الكريم, لا يقدر عليه, ولا يستطيع الخوض فيه إلا من كان متمكنا.
وقد وقف الشيخ عند تفسيره للآية القرآنية, على الكلمات الغريبة منها؛ التي يبدو من ظاهرها الغموض, فقد كان يبين معنى الكلمة الغريبة؛ التي وردت في الآية القرآنية, والأمثلة على ذلك كثيرة جدا, نذكر منها:
فعند قوله تعالى: ﭽ ﯟ  ﯠ             ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﭼ محمد.قال: { والذين كفروا فتعساً لهم } في الآخرة، وقيل: في الدارين، ومعنى تعساً بُعداً، والتعس الانحطاط للعاثر، وفي حديث عائشة: تعس مسطح أي؛ أتعسه الله, ومعناه انكب وعثر().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯥ  ﯦ   ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ      ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ   ﭼ الأعراف. قال: يعني لما اشتد ندمهم وحسرتهم على ذلك والأصل فيه الندم().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ   ﮊ    ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ   ﮗ    ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﭼ النساء. قال: قوله تعالى: {ذلك أدنى ألاَّ تعولوا } أقرب من أن تميلوا، من قولهم عال الميراث عولاً إذا مال، أو ميراث فلان عائل, وعال الحاكم في حكمه إذا جار، وروت عائشة ( رضي الله عنها ) معنى أن لا تعولوا أن لا تجوروا().
ومن منهجه في تبيين اللفظة القرآنية, ذكره المعاني المتعددة, للكلمة الواحدة, وهذا مايعرف عند العلماء بالوجوه والنظائر.
فعند قوله تعالى: ﭽ ﭰ   ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ    ﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼ الكهف.
قال: { لنبلوهم } أي نعاملهم معاملة المبتلي, والابتلاء, والامتحان, والاختبار نظائر().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯰ  ﯱ     ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ   ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﭼ الحجر. قال: { واتقوا الله ولا تخزون } والخزي والعار والعتب نظائر, والإخزاء والإهانة نظائر().
استشهاد الشيخ بالأمثال: أورد الشيخ رحمه الله بعض الأمثال, عند تفسيره لبعض الآيات الكريمة, والقصد من وراء ذلك, إنما هو توضيح المعنى وبيانه. ومن الأمثال التي ذكرها:
عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ   ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ   ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ   ﭼ النحل. قال: {قد مكر الذين من قبلهم } يعني قبل قومك يا محمد { فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم } الآية نزلت في النمرود بن كنعان ، وقيل : في بخت نصر() ، وقيل : هو عام, وقوله تعالى : {فأتى الله بنيانهم من القواعد } قيل : الأساس ، وهذا تمثيل ، بمعنى أنهم سوَّوا منصوبات ليمكروا بها الله ورسوله ، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات ، فخرّ عليهم السقف وهلكوا ونحوه « من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً(), وقد أورده الميداني بلفظ "مَنْ حَفَرَ مُغَوَّاةً وَقَعَ فيها"().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯸ  ﯹ    ﯺ  ﯻ    ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﭼ الصافات. قال: قيل : لا تغتال العقول فتذهب بها ، والغول من غاله يغوله إذا أهلكه وأفسده ، ومنه الغول التي في تكاذيب العرب ، وفي أمثالهم : الغضب غول الحليم { ولا هم عنها ينزفون } أي لا ينزف عقولهم بالسكر من نزف الشارب إذا ذهب عقله ، ويقال للسكران : نزيف ومنزوف ، والمعنى لا فيها فساد قط من أنواع الفساد؛ التي في شرب الخمر؛ من مرض أو صداع, أو خمار أو تأثيم, أو غير ذلك ولا هم يسكرون().
الشاهد الشعري في تفسير الأعقم: لقد استعان الشيخ في تفسيره, بالشواهد الشعرية, شأنه في ذلك شأن باقي المفسرين السابقين, الذين اعتبروا الشعر وسيلة, ومن جملة ما يتوصل به إلى معنى الآية. ولذلك جاء تفسيره مشحونا بالأبيات الشعرية؛ التي تكشف عن المعاني, وتوضح ماأبهم وأشكل من غريب, وقد تجلت طريقته في استخدامه الشعر في الأمور التالية:
1-الاستشهاد بالشعر على المعنى اللغوي:
فعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ      ﭓ  ﭔ   ﭕ   ﭖ   ﭗ  ﭘ  ﭼ المزمل. قال: { يأيها المزمل } المتلحف, قال امرؤ القيس:
كأن شراً في عرانين وبله     كبير أناس في بجاد مزمل()

وهو الذي يزمل في ثيابه أي يلفف بها بادغام التاء في الزاي ونحوه المدثر وقرئ المتزمل على الأصل().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ   ﭖﭗ  ﭘﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭼ البقرة. قال: { لا ريب فيه } أي لا شك فيه, قال الشاعر:
ليس في الحق يا أميمة ريب      إنما الريب ما يقول الكذوب()
لكن تفسير الريب بالشك يقتضي أنهما بمعنى واحد, والصحيح أن هناك فرقا بينهما؛ فالشك: "اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النقيضين، أو لعدم الأمارة فيهما".
وفي الفرق بين الارتياب والشك قال أبو هلال العسكري: الارتياب شك مع تهمة, والشاهد أنك تقول إني شاك اليوم في المطر، ولا يجوز أن تقول إني مرتاب بفلان إذا شككت في أمره واتهمته().
فالتعبير القرآني دقيق في استعمالاته اللغوية, لو نفى الشك عن القرآن الكريم لما انتفى عنه الريب, أما  وقد نفى الريب عنه, علم انتفاء الشك عنه بطريق الأولى, وهذا من بلاغة القرآن العظيم العجيبة.
وإذ قد ذكرت الفرق بين اللفظين, يمكن القول إن كل ريب شك, وليس كل شك ريب.
 وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭝ      ﭞ  ﭟ  ﭠ   ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨﭩ   ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴﭵ   ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽﭾ   ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇﮈ  ﮉ   ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ   ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ   ﮞﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﭼ البقرة. قال: { ولكن الشياطين كفروا } باستعمال السحر . { يعلمون الناس السحر } ويقصدون به إغواءهم وإضلالهم . { وما أنزل على الملكين } عطف على السحر ، أي يعلمونهم ما أنزل الله على الملكين . { ببابل هاروت وماروت } عطف بيان للملكين, والذي أنزل عليهما هو علم السحر ، ابتلاء من الله للناس, من تعلمه منهم وعمل به كان كافراً ، ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه, وأن لا يعتريه كان مؤمناً.
قال الشاعر :
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيهِ      ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه()
قلت: وهذا التفسير الذي ذكره الشيخ غريب؛ إذ كيف يأمر الله سبحانه وتعالى الناس بتعلم شيء ما وقد حرمه عليهم ابتداء, هذا يتنافى مع عدالة الله سبحانه وتعالى, فهو الذي خلق العباد, وهو أدرى بهم, ويعلم ما يضرهم وما ينفعهم. فإذن لا يعقل أن يحرم الله شيئا, أو أمرا على الناس, ثم يأمرهم بتعلمه.
ومما يحمد للشيخ هنا, أنه عند وقوفه على تفسير هذه الآية,لم يدخل في تفاصيل قصة الملكين؛ هاروت وماروت, التي ذكرها المفسرون في كتبهم ورووا في شأنها روايات غريبة. إذ كل ذلك من أباطيل وخرافات بني إسرائيل.
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ     ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ    ﮆ  ﭼ الأنعام. قال: قوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم النجوم } أي خلقها { لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } قوله تعالى : { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة } يعني من آدم ( عليه السلام ) { فمستقر ومستودع } مستقر في الأرض, ومستودع في الصلب ، وقيل:  مستقر في الرحم ومستودع في القبر ، وقيل : مستقر على وجه الأرض ومستودع عند الله ، وقال الحسن : المستقر في الأرض القبر, والمستودع في الدنيا, وكان يقول: ابن آدم أنت وديعة في أهلك, ويوشك أن تلحق بصاحبك وأنشد قول لبيد :
   وما المال والأهلون إلاَّ وديعة     ولا بد يوماً أن ترد الودائع()

2-استشهاده بالشعر على بعض صور البلاغة:
    أ- إذا شاب الغراب أتيت أهلي     وصار القار كاللبن الحليب()
في قوله تعالى: ﭽ ﮌ  ﮍ  ﮎ                  ﮏ   ﮐ  ﮑ  ﮒ   ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ    ﮙ    ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣ  ﮤ  ﭼ الأعراف.
 قال: { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط }, قيل : حتى يدخل الجمل في ثقب الإبرة وهذا مثل للبعد().
قال ابن الجوزي رحمه الله: فإن قال قائل كيف خص الجمل دون سائر الدواب, وفيها ما هو أعظم منه, فعنه جوابان:  أحدهما: أن ضرب المثل بالجمل يحصل المقصود, والمقصود أنهم لا يدخلون الجنة, كما لا يدخل الجمل في ثقب الإبرة, ولو ذكر أكبر منه أو أصغر منه جاز, والناس يقولون فلان لا يساوي درهما, وهذا لا يغني عنك فتيلا, وإن كنا نجد أقل من الدرهم والفتيل.
 والثاني: أن الجمل أكبر شأنا عند العرب من سائر الدواب؛ فإنهم يقدمونه في القوة على غيره؛ لأنه يوقر بحمله؛ فينهض به دون غيره من الدواب, ولهذا عجبهم من خلق الإبل, فقال: ﭽ ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﭼ الغاشية: ١٧. فآثر الله ذكره على غيره لهذا المعنى().
ب- ومن صور البلاغة التي استخدمها, واستشهد عليها بالشعر, ماذكره عند قوله تعالى: ﭽ ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ   ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ   ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ   ﮊ  ﮋﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ       ﮓﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ         ﮝ  ﭼ غافر. حيث قال:{ وقال رجل } وكان {قبطياً} ابن عم فرعون آمن بموسى سرَّاً ، وقيل : كان إسرائيليا { من آل فرعون } صفة للرجل {يكتم إيمانه } واسمه شمعان أو حبيب ، وقيل : حرمل() ، والظاهر أنه كان من آل فرعون {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله } يعني موسى { وقد جاءكم بالبينات من ربكم, وإن يك كاذباً فعليه كذبه } أي يعود عليه كذبه { وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم } من العذاب قيل : ذكر البعض وأراد الكل على طريق المظاهرة في الاحتجاج قال الشاعر :
قد يدرك المتأني بعض حاجته     وقد يكون مع المستعجل الزلل()

فذكر البعض وأراد الكل().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯﮰ  ﮱ  ﯓ   ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗﯘ  ﯙ   ﯚ    ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﭼ الشورى. قال: { وجزاء سيئة سيئة مثلها } سمي الجزاء على الشيء باسم الشيء, وإن كان الثاني حسناً, كقول الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا       فنجهل فوق جهل الجاهلينا()
وهذا من باب مقابلة الكلام بمثله, فقد سمى الشاعر انتصاره هنا جهلا(), والجهل لا يفتخر به ذو عقل وإنما قاله ليزدوج الكلام فيكون أخف على اللسان من المخالفة بينهما وكانت العرب إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه وإن كان مخالفا له في معناه وعلى ذلك جاء القرآن والسنة وقال الله عز و جل : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقال : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء؛ لأنه حق وجب().
النحو والإعراب عند الشيخ: النحو هو الآلة التي تفهم بها بقية العلوم, ومن الضروري للمفسر, وبدونه لا يستطيع فهم النصوص, إذ الإعراب طريق إلى المعنى, وفرع عنه.
ومن الملاحظ أن الشيخ قد تجنب كل مايعد من قبيل الزيادة, والحشو في التفسير, فتراه غير خائض في علل النحو ومسائله, فلم يعرض لقضايا النحو والإعراب بطريقة مفصلة, ولا للخلافات التي دارت بين النحاة, حول بعض الآيات, فكان يكتفي في بعض الأحيان بإعراب الكلمة ويمضي دون أن يقف عندها وقفة طويلة.
فعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ     ﭔ  ﭕﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ   ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ   الرعد. قال { ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل } لهم يا محمد { كفى بالله شهيداً بيني وبينكم } أي حسبي الله شاهداً بيني وبينكم ، والباء زائدة, والله سبحانه فاعل, وشهيد تمييز().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ         ﯖ  ﯗ  ﯘ ﭼ النساء/ ١١.
قال: قوله: { ولأبويه } الضمير للميت, ولكل واحد منهما, بدل من لأبويه بتكرير العامل, والسدس مبتدأ, ولأبويه خبره، قوله تعالى: { إن كان له ولد } والولد يقع على الذكر والأنثى().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦ ﭼ آل عمران/ ١٥٤.
قال الأعقم: { يظنون بالله غير الحق } في حكم المصدر, معناه يظنون بالله غير ظن الحق؛ الذي يجب ألا يظن به مثل ذلك, و{ ظن الجاهلية } بدل منه, ويجوز أن يراد ظن أهل الجاهلية, ظن أهل الشرك الجاهلين بالله(). وعند قوله تعالى: ﭽ ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ   ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ      ﮁ  ﮂ  ﮃ      ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ          ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ   ﮐ     ﮑ  ﮒ   ﮓ   ﮔﮕ   ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﭼ النساء.
قال:{ مذبذبين } إما حال نحو قولك : ولا يذكرون ، يراؤون أي ترونهم غير ذاكرين مذبذبين, أو منصوب على الذم ، ومعنى مذبذبين؛ ذبذبهم الشيطان والهوى, بين الإِيمان والكفر؛ فهم يترددون بينهما, متحيرون لا من الكفار ولا من المسلمين().
أسلوب الشرط: من موضوعات النحو التي تطرق لها الشيخ, حذف جواب الشرط, فعند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭜ  ﭝ  ﭞ    ﭟ  ﭼ الانشقاق. قال: { إذا السماء } شرط جوابه محذوف, تقديره رأى الإنسان ما قدم من خير وشر، وقيل: جوابه، إنك كادح().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭦ   ﭧ  ﭨ        ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ   ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ   ﭸ   ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ    ﭿ   ﮀﮁ   ﮂ    ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ   ﮍ  ﮎ      ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﭼ  الفتح.
قال:{ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات } يعني أن الضعفاء من المؤمنين الذين كانوا بمكة ، وقيل : لولا كراهة أن يهلكوا رجالاً مؤمنين وأنتم تعرفون { فتصيبكم منهم معرّة } بإهلاكهم, مكروه ومشقة, لما كفَّ أيديكم عنهم ، وحذف جواب لولا لدلالة الكلام عليه(). وعند قوله تعالى: ﭽ ﯟ  ﯠ  ﯡ     ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﭼ الصافات. قال: { فإنما هي } جواب شرط مقدر تقديره, إذا كان ذلك فما هي إلا { زجرة واحدة } وهي النفخة الثانية ، والزجرة الصيحة, من قولك زجر الراعي الإبل والغنم, إذا صاح عليها { فإذا هم ينظرون } أحياء().
فنلاحظ أن الشيخ  قد ضرب لنا بعض الأمثلة على حذف جواب الشرط.
 ومن الأمثلة الدالة على عناية الشيخ ببعض مسائل النحو ذكره الاستثناء, فقد تطرق له في أكثر من موطن, من ذلك على سبيل المثال: عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ    ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ       ﯓ    ﯔ  ﯕ  ﯖ ﭼ النساء: ٤٣.
 قال: قوله تعالى : { ولا جنباً إلا عابري سبيل } استثناء من عامة أحوال المخاطبين كأنه قال : لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة إلا ومعكم حال أخرى تعتذرون فيها وهي حال السفر().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮥ  ﮦ   ﮧ  ﮨ     ﮩ  ﮪ   ﮫ  ﮬ     ﮭ  ﮮ  ﮯﮰ  ﮱ   ﯓ    ﯔﯕ  ﯖ   ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ   ﭼ يونس. قال: { قل لا أملك لنفسي ضرَّاً } من مرض أو فقر { ولا نفعاً } من صحة أو غنى { إلاَّ ما شاء الله } استثناء منقطع أي ولكن ما شاء الله من ذلك فهو كائن().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ    ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ   ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ    ﭬ  ﭭ   ﭮ  ﭯ    ﭰ   ﭼ التين. قال: { لقد خلقنا الإنسان } هذا جواب القسم, أنه خلق الإنسان { في أحسن تقويم } ، قيل : في أحسن صورة { ثم رددناه أسفل سافلين } إلى الهرم وأراد العمر ، وقيل : إلى النار { إلاَّ الذين آمنوا } استثناء متصل, إذا حمل ما قبله على النار ، فإن حملته على الهرم, فالاستثناء منقطع().
زيادة  الأحرف :
وقد ألمح الشيخ إلى زيادة الأحرف وإلى بعض معانيها, من ذلك مثلا حرف {الباء}, و{من} حيث ذكر بعض المعاني؛ التي أفادها هذان الحرفان.
فعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ   ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ      ﭟ  ﭠ  ﭡ ﭼ المائدة/6 قال: { وامسحوا برؤوسكم}  الباء زائدة(), والمراد الإلصاق بالرأس { وأرجلكم إلى الكعبين } الواو للعطف, والكعبان هما الناتئان على أسفل الساق().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮄ  ﮅ  ﮆ      ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ   ﭼ الحجر.
قال: الباء للقسم ، والمعنى أقسم بإغوائك إياي { لأزينن لهم في الأرض } بالشهوات والأفعال القبيحة, وذلك أن إبليس أمر بالسجود, وهو التواضع والخضوع لأمر الله ، واختار الإِباء والاستكبار فهلك ، والله تعالى بريء من غيّه ومن إرادته والرضى به()()
ومن معاني حرف الباء التي ذكرها الشيخ, باء الحال حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﮍ  ﮎ  ﮏ     ﮐ  ﮑ       ﮒ  ﮓ  ﮔﮕ  ﮖ       ﮗ  ﮘ     ﮙ  ﮚ  ﭼ هود. والباء في بسم الله باء الحال كما تقول خرج بسلاحه أي متسلحاً, ومثله دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به فيصير تقديره اركبوا متبركين باسم الله().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭼ إبراهيم. قال: من للتبعيض؛ أي آتاكم بعض جميع ما سألتموه, نظراً في مصالحكم { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ولا تطيقون عدتها لكثرتها؛ ولأن منها ما نعلم, ومنها ما لا نعلم { إن الإِنسان لظلوم } لنفسه بما كفر من نعم ربه واستوجب العقاب().
ويظهر من الأمثلة السابقة, أن الشيخ يقول بزيادة الأحرف في القرآن, ومن الجدير بالذكر أن إطلاق لفظ الزيادة على الأحرف في القرآن الكريم, إنما هو من باب عدم ارتباط حكم إعرابي بها, لا أنها لم تؤد في الجملة معنى. كما يقول أحمد بدوي().
وقد عرف الأستاذ الدكتور فضل عباس الزيادة بقوله: "الزوائد كلمات وأكثرها حروف؛ رأى بعضهم أنه لا حاجة لها من حيث الإعراب, فإذا أسقطت بقي الكلام تاما..." ثم يؤكد على أن لكل حرف تأثيرا في المعنى , فيقول: "ونكاد نجزم أنها لم تكن شائعة مشتهرة في خير القرون, بل كل حرف من حروف القرآن الكريم, وكل كلمة تعمل في نفوسهم عملها؛ ذلك لأن هذه الكلمات لكل منها معنى تؤديه"().
تناوب الحروف : يقول الدكتور عواد: "هذا باب في العربية دقيق المداخل والمخارج, يفضي إلى غير قضية. وهو باب يمسك النحاة منه بطرف, وأهل البيان بطرف؛ لأنه باب يسلك فيه النظر على المبنى والمعنى. وللعلماء فيه مذاهب شتى, ودروب متباينة, وتأويلات مختلفة. ولكنه-على مافيه من عناء-ممتع شائق لطيف؛ لأن النظر فيه عمل من أعمال العقل, تنقدح الحقائق للناظر فيه, بعد طول تأمل, وإمعان, وبعد نفاذ في بواطن المسائل متجاوز الظاهر المكشوف إلى الخفي المستتر"().
وقضية تناوب الحروف, قضية شغلت بال العلماء قديما, والتي يعتبر الخلاف فيها معتبرا فيما بينهم, وكان أن نتج عن هذا الخلاف انقسامهم إلى فريقين؛ فريق يقضي بوقوع بعض الحروف مكان بعض, وفريق يمنع ذلك, ويرى أن لكل حرف تأدية خاصة في المعنى لا يمكن أن  يؤديها حرف سواه.
والأعقم في أكثر من موضع, ذهب مذهب القائلين بجواز تناوب الحروف بعضها عن بعض, فعند تفسير قول الله تعالى: ﭽ ﮨ  ﮩ  ﮪ   ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﭼ الذاريات.  قال:{ وفي السماء رزقكم } قيل : هو المطر؛ الذي هو سبب الرزق ، وقيل : أراد بالسماء المطر أي في المطر رزقكم ، قال الشاعر :
إذا وقع السماء بأرض قوم      رعيناه وإن كانوا غضابا
وقيل : وعلى رب السماء رزقكم ، وفي بمعنى على كقوله : { في جذوع النخل }()
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ   ﯔ     ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ    ﯝ  ﯞ   ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﭼ سبأ. قال: أي لا يغرنكم ثواب الله ورضاؤه, كثرة أموالكم وأولادكم ، والزلفى القربى { إلا من آمن } إلا بمعنى لكن الذي يقرب من ثوابه من آمن { وعمل صالحاً } وهو استثناء ، والمعنى أن الأموال لا تقرب أحد إلا المؤمن الصالح؛ الذي ينفقها في سبيل الله().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ   ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﭼ محمد. قال:{ أفلا يتدبرون  القرآن } ويتفكرون فيه, في أوامره ونواهيه { أم على قلوب أقفالها } وأم بمعنى بل, يعني أن قلوبهم مقفلة لا يوصل إليها ذكر().
ورأيي أن لكل حرف دورا في المعنى, لا يمكن أن يؤديه حرف سواه, مهما كان التأويل أوالتقدير, وأن القول بتناوب الحروف بعضها عن بعض يسلب الحرف حقه ووظيفته البلاغية في الجملة.
يقول الدكتور صلاح الخالدي: "إن للحرف القرآني دورا في تقرير الإعجاز البياني, والإشارة إلى بلاغة القرآن وفصاحته, وإن هذا الحرف يشارك عناصر الدلالة والإعجاز, ووجوه الإعجاز الأخرى في التعبير القرآني, مثل الكلمة والجملة والأسلوب والصور والظلال"().





الفصل الثالث:
قضايا علوم القرآن في هذا التفسير
توطئة:
عرف الزرقاني علوم القرآن بقوله: "مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه وجمعه وكتابته وقراءته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه ودفع الشبه عنه ونحو ذلك"().
من هذا التعريف يتبين لنا, أن مصطلح علوم القرآن ينطوي, ويندرج تحته كل علم تكون غايته خدمة كتاب الله سبحانه وتعالى.
ولقد اتضح لي من خلال قراءتي في تفسير الأعقم, أنه قد ضمنه مسائل من علوم القرآن؛ كالناسخ والمنسوخ, وعلم أسباب النزول, والمكي والمدني, والقراءات القرآنية. وسأعرض لهذه القضايا في مباحث من هذا الفصل, كل مبحث على حدة.
المبحث الأول: الناسخ والمنسوخ
يعد النسخ مبحثا هاما من مباحث علوم القرآن, وله علاقة وطيدة وثيقة بعلم أصول الفقه؛ ذلك لأنه مبحث دقيق المسالك, وإنما قلنا بأنه مبحث خطير وعر المسالك؛ لأن إطلاق القول برفع حكم آية لم يرفع جرأة عظيمة().
وقد نبه علماؤنا على أهمية هذا العلم وخطورته, وحذروا من يريد تفسير كلام الله, بعدم الخوض فيه إلا بعد أن يعرف ناسخه ومنسوخه, حتى لا يعرض نفسه للملامة, ويندم حيث لا تنفعه الندامة.
ومما ذكروه في بيان أهمية النسخ وخطورته, ما رواه ابن الجوزي, أن عليا عليه السلام مر بقاص, فقال: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: "هلكت وأهلكت"().
وقال العلامة القرطبي: "معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة، لا يستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام"().




موقف الشيخ من النسخ:
 موقف الشيخ واضح بين من النسخ, فقد اهتم به اهتماما كبيرا, ويظهر ذلك جليا عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜﭝ   ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ     ﭤ ﭥ  ﭦ  ﭼ البقرة.   غير أن هناك مسائل, وأمورا أوردها الشيخ في معرض حديثه عن النسخ لا أوافقه عليها, وسيأتي التعليق عليها في حينه.
عرف الشيخ النسخ في اللغة فقال: "والنسخ رفعك الشيء, قد كان يلزم العمل به, من قول العرب: نسخت الشمس الظل". أي أزالته وقرأ ابن كثير وأبو عمرو, أو ننسأها بالفتح والهمزة ، ومعنى ننسها نذهبها من قلبك, من النسيان, ومن همزها فمعناه نؤخرها ولا ننسخها.
 قال في حجة القراءات: قرأ ابن كثير وأبو عمرو أو ننسأها أي نؤخر حكمها وحجتهما أن ذلك من التأخير فتأويله ما ننسخ من آية فنبدل حكمها, أو نؤخر تبديل حكمها, فلا نبطله, نأت بخير منها ويكون المعنى؛ ما نرفع من آية أو نؤخرها فلا نرفعها, وقرأ الباقون أوننسها بضم النون, وحجتهم في ذلك قراءة أبي وسعد بن أبي وقاص, وقرأ أبي بن كعب أو ننسها معناه ننسك نحن يا محمد وقرأ سعد أو تنسها, المعنى أو تنسها أنت يا محمد وقراءتهما تدل على النسيان, وإن كان بعضهم أضافه إلى النبي rوبعضهم أخبر أن الله فعل ذلك به وليس بين القولين اختلاف؛ لأنه ليس يفعل النبي rإلا ما وفقه الله له إذا أنساه نسي. قال أبو عبيد: أو ننسها من النسيان, ومعناه أن الله إذا شاء أنسى من القرآن من يشاء أن ينسيه, وقال آخرون منهم ابن عباس أو ننسها أو نتركها فلا نبدلها.
 قال علماؤنا: يلزم قائله أن يقرأها أو ننسها بفتح النون, ليصح معنى نتركها, فأما إذا ضمت النون؛ فإنما معناه ننسك يا محمد, وهذا لا يكون بمعنى الترك.
 الجواب عنه: يقال نسيت الشيء أي تركته وأنسيته أي أمرت بتركه, فتأويل الآية ما ننسخ من آية؛ أي نرفعها بآية أخرى ننزلها أو ننسها ().
وعرفه أيضا بقوله: "ونسخ الآية إزالتها بإنزال أخرى مكانها"(). ولئن كان الشيخ قد قصد بهذا التعريف, التعريف الشرعي, فهو تعريف ناقص, إذ من شروط التعريف أن يكون جامعا مانعا.



والذي عليه الأكثرون؛ أن تعريف النسخ في الشرع هو: " رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه"().
وبعد أن عرف الشيخ النسخ قال: وإجماع المسلمين على أن في القرآن ناسخاً ومنسوخاً, وهذا كلام ليس بصحيح, بل هو غلط بين, فعلماء المسلمين ليسوا مجمعين على وقوع النسخ في القرآن الكريم, فقد نسي الشيخ أن أبا مسلم الأصفهاني ممن أنكر النسخ قديما.
هذا وإن الشيخ كان قد نقل عن أبي مسلم بعض آرائه في التفسير, لكنه لما جاء إلى مسألة النسخ,لم يبين لنا موقفه منها.
يقول الدكتور محمد علي  الصابوني: "...وأنكرت طوائف من المنتمين للإسلام المتأخرين جوازه وهم محجوجون بإجماع السلف السابق على وقوعه في الشريعة"().
فقوله وأنكرت طوائف من المنتمين للإسلام المتأخرين جوازه, فيه دليل على أنه ليس هناك إجماع, على وقوع النسخ.
مايجوز فيه النسخ:
قال الزركشي: الجمهور على أنه لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي وزاد بعضهم الأخبار وأطلق وقيدها آخرون بالتي يراد بها الأمر والنهي().
وقال السيوطي: لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي ولو بلفظ الخبر أما الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله النسخ ومنه الوعد والوعيد().
أنواع النسخ: يقسم العلماء النسخ إلى ثلاثة أقسام.
الأول: نسخ التلاوة والحكم معا.
الثاني: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم.
الثالث: نسخ الحكم وبقاء التلاوة().
يقول الشيخ : والجمهور على أنه يأتي على ثلاثة أوجه : أحدها : ما نُسِخَ حكمه وبقي لفظه, وهو كثير في القرآن. الثاني : ما نُسِخَ لفظه وبقي حكمه ، وذلك ما روي عن عمر أنه قال : الشيخ والشيخة إذا زنيَا فارجموهما البتَّة بما قضيا من اللذة, نكالاً من الله, والله تعالى عزيز حكيم, روي أيضا  إنه كان في القرآن, لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب, ويتوب الله على من تاب.()
والثالث : ما نسخ لفظه وحكمه والله أعلم().
الحقيقة أن نسخ التلاوة أمر يستوجب منا الوقوف والمكوث عنده مليا؛ ذلك أن القول بنسخ التلاوة يجر علينا من الشكوك والمطاعن, مالا يليق بديننا ولا بكتاب ربنا تبارك وتعالى, ومن العجب أن هناك جمعا غفيرا لا يحصون قالوا بهذا التقسيم دون أن يعلقوا عليه.
يقول الأستاذ الدكتور فضل عباس, في مقدمة حديثه عن موضوع النسخ, بعد أن ذكر أن هناك من أنكر نسخ الحكم وبقاء التلاوة, وهناك من أثبت أنواعا أخرى له, ويقصد التقسيمات الثلاثة الآنفة الذكر, وهذه كلها منزلقات خطيرة, رأى فيها كثيرون من ذوي الأغراض والأهواء فرصة سانحة, وأوقاتا سامحة, ليدخلوا من أبوابها الضيقة المسالك فينالوا من دين الله ما ينالون().
 إن المغرضين والحاقدين من أعداء الإسلام, يتربصون بنا الدوائر, ويتحينون مثل هذه الفرص, لإثارة الشكوك حول هذا الدين العظيم, ولا سيما إذا وجدوا من يمهد لهم الطريق لذلك .
إن القول بنسخ التلاوة يفتح علينا بابا عريضا لا يمكن أن يوصد, وللدكتور أحمد نوفل رسالة جيدة سماها "نسخ التلاوة بين النفي والإثبات", ينادي فيها بأعلى صوته: يا مسلمون... حرام أن نسيء إلى قرآننا ونحن أحرص مانكون حرصا عليه..., لكنها الغفلة...؟؟ إن هذا يفتح باب الشكوك والمطاعن على مصاريعها, فأين قاعدة سد الذرائع؟؟()
قلت فيما سبق إنني أنكر نسخ التلاوة وأسجل تحفظا عليه, وسأذكر آراء بعض العلماء الذين ردوا نسخ التلاوة.
يقول الدكتور صبحي الصالح في رده لنسخ التلاوة:"والولوع باكتشاف النسخ في آيات الكتاب أوقع القوم في أخطاء منهجية, كان خليقا بهم أن يتجنبوها, لئلا يحملها الجاهلون حملا على كتاب الله, لم يكن يخفى على أحد منهم أن القرآنية لا تثبت إلا بالتواتر، وأن أخبار الآحاد ظنية لا قطعية, وجعلوا النسخ في القرآن -مع ذلك- على ثلاثة أضراب: نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم، ونسخ الحكم والتلاوة جميعا، وليكثروا إن شاءوا من شواهد الضرب الأول، فإنهم فيه لا يمسون النص القرآني من قريب ولا بعيد, إذ الآية لم تنسخ تلاوتها؛ بل رفع حكمها لأسرار تربوية وتشريعية يعلمها الله، أما الجراءة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث اللذين نسخت فيهما -بزعمهم- تلاوة آيات معينة إما مع نسخ أحكامها وإما دون نسخ أحكامها.
والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأ مركبًا فتقسيم المسائل إلى أضرب إنما يصلح إذا كان لكل ضرب شواهد كثيرة أو كافية -على الأقل- ليتيسر استنباط قاعدة منها. وما لعشاق النسخ إلا شاهد أو اثنان على كل من هذين الضربين، وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها().
قال الشيخ ابن عاشور, بعد أن نقل اتفاق علماء الإسلام على جواز النسخ, ولم يخالف في ذلك إلا أبو مسلم الأصفهاني, قال: " وعندي أنه لا فائدة في نسخ التلاوة وبقاء الحكم, وقد تأولوا قول عمر كان فيما يتلى أنه كان يتلى بين الناس تشهيرا بحكمه. وقد كان كثير من الصحابة يرى أن الآية إذا نسخ حكمها, لا تبقى كتابتها في المصحف, ففي البخاري في التفسير قال ابن الزبير: قلت لعثمان: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} [البقرة: 234] نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها. قال يابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه().
وفي إنكاره لمنسوخ التلاوة مع الحكم أو وحده يقول الشيخ محمد رشيد رضا:" أما نسخ لفظ الآية مع بقاء حكمها, أو نسخ لفظها وحكمها معًا, فمما لا يجب علينا اعتقاده, وإن قال به القائلون ورواه الراوون ، وقد علله القائلون به, والتمسوا له من الحكمة ما هو أضعف من القول به, وأبعد عن المعقول.
واعلم أن القرآن كلام الله المنزل على نبيه محمد r، وهو أصل الدين وأساسه, أحكمت آياته, فلا تفاوت فيها, ولا اختلاف ولا تناقض ولا تعارض, وما ذكروه من الجمل التي قالوا إنها كانت من القرآن ونسخ لفظها لا تضاهي أسلوب القرآن, ولا تحاكيه في بلاغته, والتصديق بذلك مدعاة لتشكيك الملحدين في القرآن .
وقد ثبت أن بعض الزنادقة كانوا في زمن الرواية وتلقي الحديث من الرجال, يلبسون لباس الصالحين ويضعون الحديث, وكان يروج على الناس لاستيفائهم شروط الرواة الظاهرة من العدالة وحسن الحفظ وغير ذلك, حتى إن بعضهم تاب ورجع عما كان وضعه ولولا اعترافه به لم يعرف, فما يدرينا أن بعضهم مات ولم يتب ولم تعرف حقيقة حاله, وبقي ما وضعه رائجًا مقبولاً لم يطعن في سنده أهل النقد.
 لأجل هذا لا يعتمد على الحديث إلا إذا كان مع صحة سنده موافقًا لأصول الدين الثابتة بالقطع, ولغير ذلك من الحقائق القطعية؛ ككون الشمس لا تغيب عن الأرض كلها عندما تغيب عنا كل يوم, وإنما تغيب عنا وتشرق على غيرنا, إلا إذا أمكن الجمع, ولا يؤخذ بأحاديث الآحاد الصحيحة السند في العقائد؛ لأنها ظنية باتفاق العلماء والعقلاء والله تعالى يقول: { وإن الظن لا يغني من الحق شيئا }() النجم:28.
وأنا أوافق الشيخ على ماذهب إليه من إنكاره لمنسوخ التلاوة وبقاء الحكم, أومنسوخهما معا, لكني لست معه في كون الأحاديث الآحاد صحيحة السند لا يؤخذ بها في العقائد, ولا تصلح دليلا على ذلك, وإن كانت مسألة خلافية بين العلماء, والخلاف لا ينكر, إلا أن الحق أحق أن يتبع, فكم يبلغ عدد الأحاديث المتواترة حتى نتمسك بها في العقائد؟.
إن الأحاديث المتواترة محصورة ومحدودة, فأين نذهب ببقية الأحاديث الآحاد؛ التي إن تركنا العمل بها ضاع الدين.
وعلى كل حال, فإن الحديث في هذا الباب يطول, وليس هو مجالنا الآن, والخوض فيه يجر بنا إلى التفريق بين العقيدة والأحكام, في وجوب الأخذ بحديث الآحاد, وهذا كله فلسفة دخيلة في الإسلام, لا يعرفها السلف الصالح, ولا الأئمة الأربعة الذين يقلدهم جماهير المسلمين في العصر الحاضر().
فينبغي للمسلم أن يكون حريصا على دينه, لا إفراط ولا تفريط, وديننا دين عظيم, يدعو إلى الوسطية, ينبذ المغالاة والتطرف, فهو دين بين الغالي فيه والجافي عنه.
فالشيخ رشيد رضا رحمه الله عند حديثه عن نسخ التلاوة رأينا بأنه ينكره بشدة, ولايشك أحد في أنه إنما فعل ذلك لأجل الدفاع عن هذا الدين, ولكن عند ذكره للاحتجاج بالأحاديث الآحاد فإنه يقف منها موقف الممانع.
هذه بعض آراء العلماء المنكرين لنسخ التلاوة, أحببت أن أشير إليها؛ لأبين أن القول بنسخ التلاوة, أمر خطير, ينبغي التفطن له, ولو نظر القائلون به نظرة تأمل وتدبر في الموضوع, ووقفوا مليا مع أنفسهم, وفكروا جيدا في العواقب والنتائج لعدلوا عما قالوا.



تحقيق القول في الروايتين التاليتين():
1- رواية " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتَة بما قضيا من اللذة, نكالاً من الله, والله تعالى عزيز حكيم", و رواية "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب, ويتوب الله على من تاب", هل هي من القرآن؟.
ونحن بصدد الحديث عن النسخ, إجمالا وعن نسخ التلاوة خاصة, يجمل بنا أن نحقق الكلام في هذه المسألة, وقوفا على كلام علمائنا, وممن لهم فضل وحرقة في الدفاع عن هذا الدين راجين من العلي القدير أن يسدد خطانا, وأن يوفقنا للصواب, إنه ولي ذلك والقادر عليه. وقبل أن نبدأ في الحديث عن هذه المسألة, نذكر بعض الروايات التي وردت في ذلك:
1- مارواه الإمام البخاري في صحيحه, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله, فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله, ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن, إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف"().
2-وما رواه أيضا الإمام البخاري في صحيحه,عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر: "إن الله بعث محمدا rبالحق, وأنزل عليه الكتاب, فكان مما أنزل الله آية الرجم, فقرأناها وعقلناها ووعيناها. رجم رسول الله rورجمنا بعده, فأخشى إن طال بالناس زمان, أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله, فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله, والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء, إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف().
وعند النسائي أيضا: "أخبرنا محمد بن منصور المكي, قال ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس, قال سمعت عمر يقول : قد خشيت أن يطول بالناس زمان, حتى يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله, فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله, ألا وإن الرجم حق على من زنا إذا أحصن وكانت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف, وقد قرأنا -الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة- وقد رجم رسول الله rورجمنا بعده. قال أبو عبد الرحمن-أي النسائي- لا أعلم أن أحدا ذكر في هذا الحديث الشيخ والشيخة فارجموهما البتة غير سفيان, وينبغي أنه وهم, والله أعلم"().
وروى الإمام مالك رحمه الله في موطئه, قال: "حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب, أنه سمعه يقول :لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط, ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا, وضرب بإحدى يديه على الأخرى, ثم قال إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله, فقد رجم رسول الله rورجمنا, والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها, الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها"().
ومن هذه الروايات مجتمعة توصل الدكتور فضل عباس إلى الحقائق الآتية:
أ- إن الإمام البخاري لم يذكر في صحيحه أن الشيخ والشيخة آية من كتاب الله, وإن عدم ذكره لها ناتج عن عدم اعتقاده صحتها, قال ابن حجر: ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا(). يعني  {الشيخ والشيخة}.
ب- إن رواية النسائي عن زيد بن ثابت فيها دلالة واضحة على أن{الشيخ والشيخة} من كلام النبيr.
ج- على الرغم من أن الروايات كلها على اختلافها تثبت الرجم, إلا أنها اختلفت فيما وراء ذلك, فعند النسائي أن عمر رضي الله عنه يطلب من النبيr كتابة الآية, ولكن الرسول يأبى ويبين عمر رضي الله عنه أنها لم تكتب؛ لأن الشيخ إن كان غير محصن لا يرجم, وإن الشاب إن كان محصنا رجم.
فهل يعقل أن تكون هذه الفجوة من القرآن؟!
د- لقد أحسن النسائي صنعا حين قال: لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث {الشيخ والشيخة} غير سفيان, وينبغي أنه وهم.

قال الدكتور فضل عباس بعد أن ذكر هذه الحقائق التي قام باستنباطها من مجموع الروايات, قال: من هذا كله ندرك أن القول بأن الشيخ والشيخة آية, ليس فيه رواية صحيحة, يستند إليها ويعتمد عليها().
ويعضد كلام الدكتور فضل كلام آخر للدكتور صبحي الصالح, حيث قال: "ومما يدل على اضطراب الرواية, أن في صحيح ابن حبان ما يفيد أن هذه الآية التي زعموا نسخ تلاوتها, كانت في سورة الأحزاب لا في سورة النور"().
وهذا الكلام ظاهر الاضطراب لمن تأمله, وهو دليل على عدم قرآنيتها, من هنا يظهر لي أنه لا يوجد في هذا الباب ما يعول عليه من روايات صحيحة معتمدة.
وإذا أمعنا النظر في رواية{ الشيخ والشيخة...} أدركنا الرد بسهولة على من يعتقد بقرآنيتها.
 وروى البخاري في الفتح قال: "حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثني مالك عن نافع "عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله rفذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله r: "ما  تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا هي آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله r فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة ". قال الحافظ ابن حجر بعد هذه الرواية: "...وقال الباجي: ظاهر الأمر أنهم قصدوا في جوابهم تحريف حكم التوراة, والكذب على النبيr إما رجاء أن يحكم بينهم بغير ما أنزل الله, وإما لأنهم قصدوا بتحكيمه التخفيف عن الزانيين, واعتقدوا أن ذلك يخرجهم عما وجب عليهم، أو قصدوا اختبار أمره؛ لأنه من المقرر أن من كان نبيا لا يقر على باطل، فظهر بتوفيق الله نبيه كذبهم وصدقه ولله الحمد"().
فالشاهد أن آية الرجم هذه هي في الحقيقة آية من التوراة وليست من القرآن, وأما تعلق الناس بقول عمر رضي الله عنه "لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتهما" فهذا يدل على أنها ليست من القرآن بدليل قوله رضي الله عنه{زاد}, والزيادة على الشيء ليست منه. ثم إن القرآن الكريم كلام رب العالمين, الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وليس ناقصا حتى يطلب منا أن نزيده, أو نضيف عليه.
إن الذي جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفعل ما فعل إنما هو نابع من حرصه الشديد وحميته العالية في الدفاع عن هذا الدين, فهو رضي الله عنه كان متشوفا, معظما لتطبيق شرع الله, وقافا عند حدوده, ولذلك تنبه المجوس- عليهم من الله ما يستحقون- إلى صلابة هذا الجبل العظيم؛ الذي اتسعت رقعة الدولة الإسلامية في وقته, طولا وعرضا, بكثرة الفتوحات, وعاشت في زمنه أسعد وأرقى أيامها وباتت خطرا يهدد كيان الأمم, ووجودهم, وحتى ينعموا بالأمن والاستقرار, عليهم أن يفكروا في حل للخلاص من هذا القائد العظيم, ويستريحوا. وبالفعل دبروا له مكيدة, ونجحوا في قتله, ومات شهيدا رحمه الله رحمة واسعة, وجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء في دفاعه عن هذا الدين, وبإسلامه عرف المسلمون العزة, والظهور, ورحم الله عبد الله بن مسعود إذ يقول: " مازلنا أعزة منذ أسلم عمر"().
ولعمري مابرحت الفتن تنهش جسد الأمة, وتسري فيه سريان النار في الهشيم, منذ وفاته رضي الله عنه
 كيف لا؟ وأنى للباب أن يغلق بعد أن يكسر, لقد كان رضي الله عنه الباب المتين والحصن الحصين في وجه أعداء الإسلام, فموته ثلمة مابعدها ثلمة, في الإسلام.
 ومناقبه أكثر من أن تذكر في هذا المقام, وإنما أدرجناها هنا؛ لأن لها ارتباطا وصلة بموضوعنا, ألا وهو الحديث عن حميته وحرقته في الدفاع عن هذا الدين والانتصار له.
أعود فأقول: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يخشى في الله لومة لائم, فمنذ متى كان يسمع لكلام الناس, إذا كان الأمر متعلقا بكتاب الله سبحانه وتعالى.
يقول الدكتور أحمد نوفل:"لوكانت التلاوة باقية لبادر عمر رضي الله عنه, ولم يعرج على مقال الناس؛ لأن مقال الناس لا يصلح مانعا"().
هذا بالنسبة لدراسة الروايات من حيث الصحة والضعف, وأما من حيث بعض الألفاظ التي وردت فيها, فتعالوا بنا لنرى ما قاله أستاذنا الدكتور فضل:
1- حينما تحدث القرآن الكريم عن حكم السرقة قال: { والسارق والسارقة} فبدأ بأمر الرجال في أمر السرقة, وبالنساء في أمر الزنا؛ لأنهن محل  الفتنة وأصلها, وفي {الشيخ والشيخة}غير هذا.
2- إن القرآن الكريم لم تستعمل فيه كلمة الشيخة البتة, والمستعمل فيه كلمة عجوز قال تعالى:
 ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘﭙ  ﭚ  ﭛ    ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭼ هود.
3- إن القرآن الكريم وهو كتاب الدقة والإحكام لم تستعمل فيه كلمة{إذا} في الأمور النادرة الوقوع, بل تستعمل كلمة{إن} ألا ترى قوله تعالى: ﭽ ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ   ﭞﭟ  ﭠ  ﭡ    ﭢ  ﭣ  ﭤ      ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ   ﭪ  ﭼ البقرة. فقد ذكر {إذا} مع الأمن, وهذا ما يجب أن يكون عليه المؤمنون, وذكر {إن} مع الخوف, وهذا لا ينبغي لهم, وانظر إلى قوله تعالى: ﭽ ﮙ  ﮚ   ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ ﭼ الحجرات: ٩ 
وقوله تعالى: ﭽ ﰉ  ﰊ     ﰋ  ﰌ  ﰍ  ﰎ  ﰏ  ﰐ  ﰑ  ﰒ  ﰓ    ﰔ  ﰕ  ﰖ  ﰗﰘ  ﰙ  ﰚ  ﰛ   ﰜ  ﰝ  ﰞ  ﰟ   ﭼ الممتحنة. فذكر {إذا} في قضية يكثر وقوعها,  وذكر{إن} في أمر نادر, وهو ارتداد المؤمنات عن دينهن.
وأما من حيث صحة المعنى ودقته, فيقال لم حكم على الشيخ والشيخة بالرجم, وقد يكونان غير محصنين, فلا يرجمان والحالة هذه, وقد يكون الشاب والشابة محصنين, إذن فالعبرة ليست بالسن, بل بالإحصان وعدمه().
ومما تقدم فإن الذي تطمئن إليه النفس, بعد الإطلاع على أقوال العلماء في هذه المسألة , ودحضهم شبهتها, فإنني أرى أن رواية { الشيخ والشيخة إذا زنيَا فارجموهما البتَّة بما قضيا من اللذة, نكالاً من الله, والله تعالى عزيز حكيم} لا صلة لها بالقرآن وليست منه إطلاقا, وقد ثبت لدينا أنها روايات آحاد, وخبر الواحد لايثبت به القرآن, بل لابد من التواتر في قرآنية الآية.
ومن حيث معناها فإنك لتحس من الوهلة الأولى, وبمجرد التلفظ بها أن هذا كلاما غير مستقيم, وفيه ركاكة نوعا ما - تعالى كلام ربنا عن ذلك علوا كبيرا- وهذا كله يتنافى مع جمال القرآن وروعة أسلوبه, ولا يتوافق مع النظم القرآني.
والرواية الثانية التي زعموا أنها من القرآن هي:{ لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب, ويتوب الله على من تاب}, يقول الدكتور الفاضل أحمد نوفل:ومن هذا الوادي -أي منسوخ التلاوة- ماثبت في مسلم وغيره عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إنهم كانوا يقرأون سورة على عهد رسول اللهr, وفي رواية كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة, فأنسيتها غير أني حفظت منها: "لوكان لابن آدم واديان من ذهب من مال لابتغى واديا  ثالثا, ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب..."().
وأخرج البخاري في صحيحه قال: حدثني محمد أخبرنا مخلد أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله rيَقُولُ « لو أن لابن آدم مثل واد مالا لأحب أن له إليه مثله, ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب, ويتوب الله على من تاب » . قال ابن عباس: فلا أدري من القرآن هو أم لاَ؟().
وفي مناقشة حديث أبي موسى الأشعري يقول الدكتور نوفل: لماذا لم يرو الحديث إلا آحادا, وهو مما تعم به البلوى, أفيكون أمر بهذه الخطورة والجسامة, مقتصرا نقله على نفر قليل من الأصحاب فحسب.
ثم إنه يقدم لنا مرة على أنه حديث, ومرة على أنه قرآن نسخ, فما نعتمد؟ ثم إذا كان أنسي السورة كلها لماذا حفظ منها حديث الواديين من الذهب ونسي سائرها وكلها قد ذهب؟ ثم إن هذا الذي بقي من السورة واضح أنه أخبار, والأخبار لاوجه لوقوع النسخ فيها, إذن لماذا تنسخ الأخبار؟ ثم هل النص عليه علائم القرآن وسيماؤه؟
وداهية تضاف إلى مجمل الدواهي أن ابن عباس رضي الله عنه لا يعرف أهذا النص من القرآن أم لا؟().
يقول الدكتور فضل عباس معلقا على هذه الرواية: ولا أدري كيف يجمع المرء بين هذه الروايات وبين ما جاء في القرآن الكريم. إنه أحكمت آياته ومن كونه قرآنا مجيدا في لوح محفوظ, ومن أنه هدى وموعظة وشفاء, إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تبين حفظ القرآن وبقائه وخلوده().
وكما بدا واضحا لنا  فإن الأعقم قد ذكر في تفسيره الروايتين السابقتين, ووافق من قال بأنهما من القرآن, حيث لم يعقب  على الموضوع بشيء, ولعله تابع الكثرة الكاثرة ممن قالوا بقرآنيتهما.
وقبل أن نختم حديثنا عن هذا الموضوع, لا يفوتني أن أقول جزى الله خيرا الأستاذين الفاضلين الأستاذ الدكتور فضل عباس, والأستاذ الدكتور أحمد نوفل, على ما قدما, فلقد أجادا وأفادا, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سعيهما الحثيث وجهدهما المتواصل في الدفاع عن هذا الدين العظيم, وذلك لتجليتهما كثيرا من الحقائق في موضوع نسخ التلاوة, كانت تخفى عن كثيرمن طلبة العلم والدارسين, متمثلين قول القائل " أنت على ثغرة من ثغر الإسلام, فلا يؤتين من قبلك"(). ويا ليت شعري أن الناس يدركون, ويعون ما نقول.
’’ نسأل الله أن يطلق عقلنا من عقاله, ويرزقنا الحكمة والبيان وفصل مقاله’’.



طريقة الشيخ في إيراد الناسخ والمنسوخ: تمثلت طريقة الشيخ في إيراده الناسخ والمنسوخ فيما يلي:
1- ذكر الآية المنسوخة وبيان الآية الناسخة, ومثاله:
قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ    ﭗ  ﭘ  ﭙﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ       ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ    ﭨ  ﭼ النساء. قال: قوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } الفاحشة الزنا { فاستشهدوا عليهنَّ أربعة منكم } الخطاب للأزواج, أي اطلبوا ممن قذفهنَّ أن يأتي بأربعة شهداء ، وقيل : الخطاب للحكام أي فاسمعوا شهادة أربعة عليهنَّ { فأمسكوهنَّ في البيوت } قيل : معناه فاجلدوهنَّ في البيوت محبوسات, وكان ذلك في أول الإِسلام, ثم نسخ بقوله تعالى : ﭽ ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ       ﭟ    ﭠ  ﭡ    ﭢ ﭼ النور: ٢ فلم يبق إلا الجلد للبكر, والرجم للمحصنة, ويجوز أن يكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الجلد؛ لأن ذلك معلوم في الكتاب والسنَّة ، ويريد إمساكهن في البُيوت بعد الحد صيانةً لهنَّ عن مثل ما جرى عليهن, بسبب الخروج والتعرض للرجال().
2-أحيانا يذهب إلى القول بإحكام الآية وعدم نسخها.
 من ذلك ماذكره عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﯻ  ﯼ  ﯽ   ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ  ﰈ  ﰉ   ﭼ الأنفال. قال: قيل : الصلح ، وترك الحرب ، وقيل : إلى الإسلام ، والآية منسوخة بقوله اقتلوا المشركين ، وقوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } وكان ذلك قبل نزول براءة ، وقيل : الأمر موقوف على ما يراه الإِمام من صلاح الإِسلام. وهو الصحيح().
 فبعد أن ذكر أن الآية منسوخة بآية السيف. رجح الرأي القائل بأن الأمر موكول إلى الحاكم وموقوف عليه, إن شاء جنح ومال للسلم, وإن شاء لجأ إلى السيف, فهو يرى بأن الآية غير منسوخة, وهذا مفهوم من قوله, وهو الصحيح.
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ     ﭙ  ﭚ  ﭛﭜ  ﭝ             ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡﭢ  ﭣ   ﭤ   ﭥ  ﭦ  ﭼ النور. يذكر لنا أقوال بعض التابعين في ذهابهم إلى القول بعدم نسخ الآية, فيقول: وعن الشعبي : أنها ليست بمنسوخة, قيل له : إن الناس لا يعلمون بها ، فقال : الله المستعان, وعن سعيد بن جبير : يقولون هي منسوخة, ولا والله ما هي منسوخة ولكن الناس يتهاونون بها().
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله(): ولما كانت هذه الآية محكمة, ولم تنسخ بشيء، وكان عمل الناس بها قليلا جدا، أنكر عبد الله بن عباس ذلك على الناس، كما قال ابن أبي حاتم:
"حدثنا أبو زرعة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني عبد الله بن لهِيعة، حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: ترك الناس ثلاث آيات فلم يعملوا بهن(): ﭽ ﮬ  ﮭ    ﮮ   ﮯ         ﮰ  ﮱ  ﯓ   ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ   ﯙ   ﯚ ﭼ النور: ٥٨ إلى آخر الآية، والآية التي في سورة النساء: ﭽ ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ   ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ     ﭳ  ﭼ النساء . والآية التي في الحجرات: ﭽ ﮁ    ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ ﭼ الحجرات: ١٣
3-وعند قوله تعالى: ﭽ ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ   ﮨ  ﮩ  ﮪ   ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ    ﯔ  ﯕ    ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ ﭼ المائدة: ٢, يذكر لنا الخلاف الواقع في نسخ الآية, مستخدما صيغة التضعيف{قيل} دون أن يرجح, أو يبين رأيه في الآية.
يقول: { يأيها الذين آمنوا لا تحلُّوا شعائر الله } من مواقيت الحج, ورمي الجمار والطواف والسعي وأفعال علامات الحج { ولا الشهر الحرام } شهر الحج واختلفوا في الشهر قيل : الأشهر الحرم ، وقيل:  ذا القعدة ، وقيل : رجب ، وقيل : الآية منسوخة بقوله : { اقتلوا المشركين } و{ فلا يقربوا المسجد الحرام } وقيل : إنها محكمة والمراد بها المؤمنون ، وقد قيل: لا نسخ في المائدة().
 وعند تفسيره للآية قال القاضي محمد بن العربي المالكي رحمه الله: اختلف الناس في المائدة وبراءة, أي السورتين نزلت قبل صاحبتها, فعلى هذا إذا جهلنا التاريخ ولم نقطع به,لم يصح الكلام في النسخ().

المبحث الثاني: القراءات القرآنية
تعد القراءات القرآنية علما من علوم القرآن, صرف إليها العلماء كثيرا من عنايتهم وجهدهم, من لدن عصر الصحابة-رضي الله عنهم-إلى عصرنا هذا, رواية وتعليما وتأليفا.
وموضوع القراءات شديد الصلة بنص القرآن الكريم؛ لأنه يعنى بكيفية أداء كلمات ذلك النص().
وعلم القراءات كما عرفه الإمام بن الجزري, إمام القراءة في زمانه بقوله: " هو علم بكيفية أداء كلمات القرآن, واختلافها بعزو الناقلة"().
ونحن نتكلم عن تعريف القراءات القرآنية, يحسن بنا أن نذكر ضوابط القراءة الصحيحة, التي اتفق علماء القراءات على وضع شروط لقبولها, وهي:
1-صحة السند.
2-موافقة الرسم.
3-موافقتها لوجه من وجوه اللغة العربية.
وقد أشار ابن الجزري على هذه الشروط فقال:
        فكل ما وافق وجه نحو           وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادا هو القرآن           فهذه الثلاثة الأركان
       وحيثما يختل ركن أثبت          شذوذه لو أنه في السبعة().
 لقد اهتم الشيخ بالقراءات القرآنية اهتماما واسعا, وأولاها عناية فائقة, فلا تكاد تجد آية فيها تعلق بالقراءات إلا ويذكر القراءات الواردة فيها, ولذا فقد جاء تفسيره زاخرا وافرا بمباحث هذا العلم, وقد عمل على توجيه تلك القراءات, كما سيأتي بيانه.
وقبل أن نذكر منهجه في ذلك, ينبغي أن نشير إلى أن الشيخ قد اعتمد قراءة نافع, وذلك لوجود قرائن ودلائل توحي بأنه اعتمدها, فعند قوله تعالى مثلا: ﭽ ﯡ  ﯢ  ﯣ   ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧﯨ  ﯩ  ﯪ   ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ   ﯱ  ﭼ الكهف. قال: {لتغرق}, قرئ بالياء, والتاء قراءة نافع().
 فقد أشار إلى قراءة نافع بينما في قراءة الياء لم يذكر لنا من قرأ بها, وهذا ظاهر في اعتماده قراءة نافع.
قال ابن مجاهد: واختلفوا في التاء والياء ورفع الأهل ونصبهم من قوله{ لتغرق أهلها }فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم, لتغرق أهلها بالتاء, أهلها نصبا, وقرأ حمزة والكسائي ليغرق أهلها بالياء مفتوحة, أهلها رفعا().
ومما يدلنا على أن الشيخ اعتمد قراءة نافع, تقديمه لها على غيرها من القراءات, فعند ذكره للقراءات الواردة في الآية, يقدم قراءة نافع على باقي القراءات, لا أقول في كل الأمثلة التي أوردها, لكن في الغالب الأعم, إلا ما ندر, فإنه يقدم قراءة غير نافع على قراءة نافع. من ذلك:
عند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭼ الحاقة. قال:{ وجاء فرعون ومن قبله} قرأ بفتح القاف وسكون الباء نافع ، أي من يقدمه من الأمم, وقرأ الكسائي وأبو عمرو بكسر القاف وفتح الباء ، يعني ومن معه من أتباعه().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ       ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ   ﭴ   ﭵ  ﭶ  ﭷ      ﭸ  ﭹ  ﭺ       ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ   ﮀ  ﮁ  ﮂ       ﮃ      ﮄ  ﭼ الحديد.
قال: يعني إذا رأى المنافقون نور المؤمنين, يقولون لهم : { انظرونا نقتبس من نوركم } انظرونا بصلة الهمز وضم الظاء وهي قراءة نافع ومن تابعه ، يعني اصبروا لنا ، فأما بكسر الظاء وقطع الألف وهي قراءة حمزة أمهلونا؛ لأنه يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف ركاب على نوق تزف بهم, وهؤلاء مشاة, أو انظروا إلينا؛ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم والنور بين أيديهم فيستضيئون به().
واضح من خلال المثالين السالفين, أن الشيخ اعتمد قراءة نافع وقدمها.
ومن منهج الشيخ في عرض القراءات القرآنية, جمعه لأكثر من قراءة في اللفظة القرآنية, فهو يحاول أن يذكر لنا في الكلمة الواحدة أكثر من قراءة, مشيرا إلى أصحابها تارة, وغير مشير تارة أخرى, فمن الأمثلة الدالة على عزوه القراءة إلى صاحبها مايلي:
 قوله تعالى: ﭽ ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ           ﮢ  ﮣ  ﮤﮥ   ﮦ  ﮧﮨ  ﮩ  ﮪ     ﮫ  ﭼ النور. قال: قرأ نافع وابن كثير بالتاء على الخطاب أيها السامع الكافرين { معجزين في الأرض } وقرأ ابن عامر وحمزة بالياء على أن الخطاب للذين كفروا تقديره لا يحسبن { الذين كفروا معجزين في الأرض }، واختلف القراء في فتح السين وكسرها وهما لغتان().
وقرأ ابن عامر وحمزة {ولا يحسبن الذين كفروا معجزين} بالياء وجاز أن يكون فاعل الحسبان أحد شيئين؛ إما أن يكون قد يضمر النبي rكأنه قال لا يحسبن محمد الذين كفروا معجزين, و الذين المفعول الأول, والفعول الثاني معجزين, ويجوز أن يكون فاعل الحسبان الذين كفروا, ويكون المفعول الأول محذوفا تقديره لا يحسبن الذين كفروا إياهم معجزين في الأرض.
وقرأ الباقون لا تحسبن الذين بالتاء؛ أي لا تحسبن يا محمد الكافرين معجزين؛ أي قدرة الله محيطة بهم().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻﭼ  ﭽ  ﭾ    ﭿ  ﮀ  ﮁﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﭼ النمل. قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو بل ادّارك بقطع الألف وسكون اللام ، وقرأ نافع وحمزة بكسر اللام موصولة الألف().
قال أبو الخير ابن الجزري: (واختلفوا) في (بل ادارك) فقرأ ابن كثير والبصريان وأبو جعفر بقطع الهمزة مفتوحة وإسكان الدال من غير ألف بعدها وقرأ الباقون بوصل الهمزة وتشديد الدال مفتوحة وألف بعدها().
ومن الأمثلة الدالة على عدم نسبة القراءة إلى أصحابها, مايلي:
قوله تعالى: ﭽ ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ     ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ   ﯧﯨ  ﯩ  ﯪ   ﯫ       ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ    ﯳ      ﯴ  ﭼ البقرة. قال: { واتخذوا } قرئ واتخذوا بكسر الخاء, مقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدمه, وعن عطاء مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار؛ لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها().
قلت: واختلفوا في قوله {واتخذوا من مقام إبرهم مصلى}  في فتح الخاء وكسرها, فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي, {واتخذوا} مكسورة الخاء.
وقرأ نافع وابن عامر {واتخذوا} مفتوحة الخاء على الخبر().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ   ﭼ النحل. قال: قرئ بفتح النون وضمّها().
فالملاحظ أنه لم يذكر لنا من قرأ بفتح النون, في {نسقيكم}ومن قرأ بضمها.
يقول ابن الجزري: واختلفوا في (نسقيكم) هنا والمؤمنون, فقرأ أبو جعفر بالتاء مفتوحة في الموضعين وقرأ الباقون بالنون وفتحها نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر فيها, وضمها الباقون منهم ().
توجيه القراءات:
 وتوجيه القراءات فن كما قرر الزركشي, حيث قال: "وهو فن جليل وبه تعرف جلالة المعاني وجزالتها, وقد اعتنى الأئمة به وأفردوا فيه كتبا, منها كتاب الحجة لأبي على الفارسي، وكتاب الكشف لمكي وكتاب الهداية للمهدوي, وكل منها قد اشتمل على فوائد, وقد صنفوا أيضا في توجيه القراءات الشواذ, ومن أحسنها كتاب المحتسب لابن جني, وكتاب أبي البقاء وغيرهما.
وفائدته كما قال الكواشي(): أن يكون دليلا على حسب المدلول عليه, أو مرجحا, إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء؛ وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط القراءة الأخرى وهذا غير مرضي؛ لأن كلتيهما متواترة"().
وقد حرص الشيخ على توجيه بعض القراءات الصحيحة, توجيها يساعد على كشف المعنى وبيانه, ومن الشواهد على هذا العمل:
عند قوله تعالى: ﭽ ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﭼ الشعراء. قال: { فارهين } قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بغير ألف, ومعناه أشرين بطرين ، وقيل : معجبين ، وقرأ حمزة وعاصم فارهين بالألف ، والفاره : الحاذق ، وقيل : هما بمعنى يقال: فاره وفره().
قال مكي: قوله{فرهين} قرأه الكوفيون وابن عامر بألف على معنى حاذقين.
وقرأ الباقون بغير ألف على معنى: أشرين, أي بطرين, وكلا القراءتين حسن محتمل().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭶ   ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ ﭼ الأحزاب: ٣٣.
قال: قرئ بفتح القاف اسكنَّ ، وبكسرها كن أهل وقار().
قال في إعراب القراءات السبع وعللها: قرأ عاصم ونافع بفتح القاف, جعلاه من الاستقرار, لا من الوقار, والأصل: واقررن براءين مثل اقررن يا نسوة, واغضضن فحذف إحدى الراءين تخفيفا, كما قال:{فظلتم تفكهون}. والأصل فظللتم تفكهون, تقول العرب: حسيت بالشيء وأحسست, ومسست الثوب ومسيته, كأنهم يكرهون اجتماع حرفين فيحذفون واحدا, قال الشاعر:
خلا أن العتاق من المطايا         أحسن به فهن إليه شوس()
وقرأ الباقون: {وقرن في بيوتكن} بكسر القاف جعلوه من الوقار, والأصل أن تقول: وقر يقر مثل وزر يزر, ووعد يعد, والأمر: قر, مثل عد وزن, وقروا للرجال مثل زنوا وقرن يا نسوة مثل عدن.
وفيه قول آخر-ماعلمت أحدا ذكره- يقول ابن خالويه, وهو أن يكون من قر بكسر القاف, أراد: الاستقرار؛ لأن الكسائي حكى أن من العرب من يقول: قررت في المكان أقر, والأمر من هذا قر في بيتك يافتى, واقرر, وأقررن, ثم نقل كسرة الراء إلى القاف وحذف إحدى الراءين تخفيفا().



وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ     ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭼ الشعراء. 
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الخاء وإسكان اللام ، يعني كذب الأولين ، أي ما يقوله كذب من كذب الأولين ، وإذا قرئ بالضم وهي قراءة نافع, فمعناه عادة الأولين().
القراءات الشاذة:
جاء في كتاب القراءات القرآنية وما يتعلق بها للدكتور فضل عباس: 
" من الأمور التي أجمع عليها المسلمون, أن القراءة الشاذة هي ما بعد العشرة, ولكن مفهوم القراءة الشاذة قد يتسع ليشمل الموضوع والمدرج (القراءة التفسيرية) وما روي آحادا, وما خالف رسم المصحف. وهذه ليست سواء, فما لم يصح سنده لايقبله أحد من العلماء, كذلك المدرج أو القراءة التفسيرية, إنما تمثل رأي من رويت عنه"().
ومما ينبغي التوكيد عليه في هذا المقام, أن للقراءات الشاذة فوائد لا يمكن تجاهلها, ولا ينبغي أن تنكر.ولا يقال مادامت شاذة فمن الخير الإعراض عنها, وعدم الالتفات إليها, إذ إن هذا كله بعيد في فهم القراءات الشاذة.
ماهي الفائدة التي  نجنيها من معرفة القراءة الشاذة؟
 يمكن أن نجمل بعضا من فوائدها فيما يلي:
1- القراءات الشاذة قراءات تفسيرية؛ تساعدنا في فهم القراءات الصحيحة المتواترة.مثال ذلك: قراءة عبدالله ابن مسعود{أو يكون لك بيت من ذهب} فسرت لنا القراءة الصحيحةﭽ ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﭼ الإسراء: ٩٣.
2- تساعدنا في توجيه القراءات القرآنية: فهي تعطينا مؤشرات في الكشف عن معاني النحو والإعراب.
3- طريق موصل لفهم الأحرف: ومن فوائدها أيضا أنها تسعفنا في فهم الأحرف السبعة.
4- يمكن أن يبنى عليها حكم فقهي: فمثلا عند قوله تعالى: ﭽ ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ   ﯲ  ﯳﯴ  ﯵ  ﯶ         ﯷ  ﯸ  ﯹ ﭼ المائدة: ٨٩. قرأ عبدالله بن مسعود:{ ثلاثة أيام متتابعات} بزيادة متتابعات.قال الإمام البغوي: " واختلفوا في وجوب التتابع في هذا الصوم, فذهب جماعة إلى أنه لا يجب فيه التتابع؛ بل إن شاء تابع وإن شاء فرّق، والتتابع أفضل. وهو أحد قولي الشافعي، وذهب قوم إلى أنه يجب فيه التتابع, قياسا على كفارة القتل والظهار، وهو قول الثوري وأبي حنيفة، ويدل عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه صيام ثلاثة أيام متتابعات"().
فلاحظ أن من ذهب إلى وجوب التتابع استند إلى قراء عبد الله بن مسعود, وأن من رأى أن الأمر محمول على الندب لا على الوجوب اعتمد القراءة الصحيحة.
فما أود قوله هنا: إن في اختلاف القراءات القرآنية أثرا في بيان الأحكام الفقهية, والدليل الذي صغناه في هذا المقام واضح جدا. وقد كتبت رسائل علمية في هذا الموضوع, تحت عنوان "القراءات القرآنية وأثرها في الأحكام الفقهية". 
5- هناك مصنفات أفردت بالتأليف في التفريق بين القراءات الشاذة والصحيحة, كل هذا يدلك على أهمية وفائدة القراءات الشاذة.
هذه بعض النقاط أحببت أن أبين من خلالها فائدة وأهمية القراءات الشاذة().
موقف الشيخ من القراءات الشاذة: تطرق الشيخ للقراءات الشاذة في تفسيره في أكثر من موضع, منبها على شذوذها في بعض الأحيان, وأحيانا نجده لا ينبه, كأن يسند القراءة إلى الصحابي مثلا مباشرة.
ولم يلتزم الشيخ بطريقة معينة في تحديد القراءات الشاذة, شأنه في ذلك شأن صنيعه مع القراءات الصحيحة, فكان أحيانا يوردها بلفظ, وفي الشواذ, وقرئ شاذا, وأحيانا لايذكر شيئا من ذلك, وإنما يكتفي بنسبتها إلى الصحابي, كأن يقول على سبيل المثال, وفي قراءة ابن مسعود, أو أبي, أو ابن عباس, وهكذا, على ما سيأتي بيانه.
من الأمثلة التي صرح فيها بشذوذ القراءة, عند قوله تعالى: ﭽ ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭼ الشعراء. قال: وقرئ فأزلقنا بالقاف شاذا().



وعند قوله تعالى:ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭼالزخرف. قال: وقرئ شاذا لَعَلَمٌ ، يعني نزوله علم للساعة().
موقفه من القراءات التفسيرية: جاءت بعض القراءات عن بعض الصحابة في تفسير الشيخ, وهي مما لم يصرح بشذوذها, ذكرها استئناسا بها, من باب توضيح المعنى؛ إذ هي تعزز الوجوه التفسيرية وتقويها, كما ذكرنا سابقا. ومما لا شك فيه ولا ريب أنها ليست قرآنا لورودها آحادا .
ومن الأمثلة التي تدل على أن الشيخ استفاد من قراءة الصحابة تفسيريا, ماذكره عند قوله تعالى:
 ﭽ ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ    ﮭ  ﮮﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ     ﯔ       ﯕﯖ  ﯗ     ﯘ   ﯙ          ﯚ          ﯛ  ﭼ الزمر.
قال: وفي قراءة ابن عباس وابن مسعود : يغفر الذنوب جميعا, لمن يشاء ممن تاب؛ لأن مشيئة الله تابعة لحكمته وعدله ، ومعنى أسرفوا, جاوزوا الحد في العصيان().
فقد استفاد الأعقم من قراءتي عبدالله بن عباس وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما, في أن الله سبحانه وتعالى يغفر ذنوب العباد جميعها, بشرط التوبة, فمن أذنب ذنوبا وإن كانت كثيرة تم تاب, فإن الله عز وجل يغفر له ويتوب عليه.
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ     ﭔ  ﭕﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ   ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ   ﭼ الرعد. قال: وقرئ بكسر الميم من عنده شاذا, وقرئ في الشواذ أيضاً { ومن عنده علم الكتاب }().
قال ابن جني في هذه الآية: ومن ذلك قراءة النبي r وعلي وابن عباس وأبي رضي الله عنهم وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك ومجاهد-بخلاف- والحسن -بخلاف- وعبد الرحمان بن أبي بكرة وابن أبي إسحاق والضحاك والحكم بن عتيبة, ورويت عن الأعمش ,,ومن عنده علم الكتاب,, وقرأ "ومن عنده " بكسر الميم والدال والهاء "علم الكتاب" بضم العين وفتح الميم علي وابن السميفع() والحسن().
وذكر الأعقم قراءة مجاهد ولم يبين أنها شاذة, فعند قوله تعالى: ﭽ ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ     ﮦ  ﮧ  ﮨ   ﮩ  ﮪ  ﮫ    ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯﮰ  ﮱ  ﯓ   ﯔ    ﯕﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﭼ آل عمران.
قال الشيخ: {زين للناس حب الشهوات } المزين؛ الله تعالى للابتلاء كقوله تعالى: { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } ويدل عليه قراءة مجاهد زين للناس على تسمية الفاعل().
قال ابن جني: بعد أن نسب هذه القراءة إلى مجاهد, فاعل هذا الفعل إبليس, ودل عليه ما يتردد في القرآن من ذكره فهذا نحو قول الله تعالى{يعدهم ويمنيهم} وما جرى هذا المجرى().
هذه هي أهم المحاور التي أتى عليها الشيخ؛ التي تبين منهجه فيما يتعلق بالقراءات الصحيحة منها والشاذة.
المبحث الثالث: أسباب النزول.
من القضايا المهمة التي لها العلاقة كل العلاقة بعلم التفسير, علم أسباب النزول, حيث لا يمكن للمفسر الاستغناء عنه, فمعرفة المفسر له أكيدة, وهذا المبحث من المباحث الخطيرة كذلك, إذ إن طريقه النقل والرواية الصحيحة, ولا سبيل للاجتهاد وإعمال النظر في معرفته.
 قال الواحدي: "ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب"().
وسبب النزول من المباحث التي حاول أعداء الإسلام أن يدخلوا منها؛ لإثارة الشكوك حول هذا الدين.
وقد أشار الدكتور فضل عباس إلى هذا المعنى في مقدمة حديثه عن أسباب النزول فقال: إذا كانت مباحث علوم القرآن ذات شأن خطير؛ فإن أسباب النزول من أهم هذه المباحث, بل هي أهمها على الإطلاق؛ ذلك لأن هذا المبحث قد حف بكثير من الشبهات والشوائب؛ التي حاول كثير من خصوم الإسلام قديما وحديثا أن يصوبوا منها إلى نحر الشريعة سموم سهامهم, وأهم الثغرات التي حاول المستغلون الدخول منها:
أولا: عدم توثيق الأسانيد: أي عدم تمحيص الروايات الواردة.
ثانيا: انعدام الدراسة النقدية: لهذه الروايات غالبا, فدراسة سبب النزول بحاجة ماسة إلى التحقيق رواية ودراية.
ثالثا: إهمال سياق الآيات عند ذكر سبب النزول.
رابعا: المبالغة في البحث عن أسباب النزول آيات لا تحتاج إلى سبب؛ لأنها من الأمور العامة, كالحديث عن المؤمنين, الكافرين, اليوم الآخر...الخ. لهذه الأمور يقول الدكتور فضل كان المبحث بحاجة ماسة إلى دراسة هادئة, هادفة متأنية().
ومن هنا فقد اعتنى العلماء به عناية خاصة, وأولوه اهتماما كبيرا, وتكلموا عنه.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أهميته فقال: " ومعرفة سبب النزول تعين على فهم الآية, فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"().
ويرى الواحدي أنه لا يمكن معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها().
وآي الذكر الحكيم قسمان: قسم نزل ابتداء بغير سبب, على اعتبار أن القرآن الكريم كتاب هداية, نزل لهداية البشر, ولإخراجهم من ظلمات الجهل والوهم إلى نور الفهم, وفيه ما هو سبيل لإسعادهم في الدنيا وفوزهم ونجاحهم في الآخرة.
والقسم الثاني نزل لأسباب, حسب الوقائع, والأحداث, أو إجابة عن سؤال بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعا.
وأسباب النزول من المباحث التي حظيت باهتمام الأعقم, ولقيت عناية بارزة عنده. فكان لا يمر بآية لها سبب نزول إلا ويذكرها حتى لو كان لها أكثر من سبب.والأمثلة في تفسيره كثيرة جدا. نحاول أن نذكر بعضا منها, من خلال وقوفنا على منهجه في ذلك.
الشروط الواجب توافرها لقبول سبب النزول: قعد الدكتور فضل عباس قاعدة ذهبية في أسباب النزول من حيث القبول والرفض, وقد جعل لهذا دعائم ثلاثة لا بد منها, حتى نقبل الرواية التي جاءت متحدثة في سبب النزول.
أولاها: لا بد أن تكون هذه الرواية صحيحة.
ثانيها: سلامة الدراية: ويقصد بها عدم مناقضة المتن لقواعد النقل والعقل.
ثالثها: السياق الذي قيلت فيه تلك الرواية: حيث إن له دورا مهما في قبول السبب أو رده().
فمتى اجتمعت هذه الدعائم حكم على السبب بالصحة, وحيثما اختل ركن منها حكم عليه بالضعف.

منهج الشيخ في إيراد سبب النزول:
أ-ذكره سبب واحد لأكثر من آية: وهذا مايسمى بتعدد النازل والسبب واحد. من ذلك ماذكره عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ ﭼ البقرة: ٢٢١. قال: قيل: نزلت في مرثد بن أبي مرثد, بعثه رسول الله r إلى مكة ليخرج ناساً منها من المسلمين, وكان رجلاً قوياً شجاعاً, فرأته امرأة تسمَّى عناق من أصحاب الرايات فدعته إلى نفسها, فأبى وقال لها: إن الله تعالى حرم الزنا, قالت: فانكحني, قال: حتى أستأذن رسول الله rفنزلت الآية, وهي تدل على تحريم نكاح المشركة().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭸ   ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ   ﭾ  ﭿ  ﮀ    ﮁ  ﮂ   ﮃ  ﮄ   ﮅﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ   ﮊ  ﮋ  ﭼ النور. يذكر لنا نفس السبب؛ الذي جاء في الآية السابقة فيقول: اختلفوا في سبب نزوله قيل: قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء, وبالمدينة نساء بغايا فاستأذنوا رسول الله rفنزلت, وقيل: نزلت في بغايا مكة والمدينة, وقيل: نزلت في مرثد وعناق زانية دعته إلى نفسها فقال مرثد: إن الله حرم الزنا, قالت: فانكحني, قال: حتى أسأل رسول الله  r، فسأله فنزلت().
ومن هذا القبيل أيضا, مافعله عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﯮ  ﯯ  ﯰﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ   ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﭼ الإسراء.  قال: قيل نزلت في اليهود حين قالوا للنبي r أخبرنا ما الروح؟ وقيل: بعث اليهود إلى قريش أن يسألوه عن أصحاب الكهف, وعن ذي القرنين وعن الروح, فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبي, وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي, فبيّن لهم القصتين, فندموا على سؤالهم().
وعند قوله تعالىﭽ ﮚ  ﮛ  ﮜ   ﮝ   ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ ﭼ الكهف: ٢٣ – ٢٤. ذكر ذات السبب الذي ذكره في الآية التي سبقت, فقال: قيل هذا شرع متبدأ للجميع, حتى يصلوا كلامهم بالاستثناء, لئلا يلزمهم كذب وحنث, وهذا هو الوجه. وقيل : هو خطاب للنبي rولأمته وهو الوجه وقيل : سألوا النبي r عن المسائل الثلاث قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فوعد أن يجيبهم ولم يستثن فانقطع الوحي عنه أياماً تأديباً له. عن جماعة من المفسرين, وأنكر ذلك جماعة().
كيف يتعدد النازل والسبب واحد؟!
بدأت بالحديث عن مسألة تعدد النازل والسبب واحد؛ حتى أبين أنها من الأمور الخطيرة في هذا المبحث الحقيقة, وهذه المسألة لطالما شغلت بالي كثيرا منذ وقت, ولم أجد لها جوابا كافيا يشفي الغليل, ولعل السبب في ذلك هو اطلاعي على بعض الكتب التي تكلمت عن هذه القضية, ولم تشر إليها لا من قريب ولا من بعيد وكأنني سلمت لهذا الأمر.
ومما يؤسف له إن كثيرا من الباحثين ممن كتبوا عن مناهج المفسرين, عند حديثهم عن منهج المفسر في إيراد سبب النزول, يمرون على هذه المسألة ولا يناقشونها, غير مكترثين بالخطر الذي يداهمنا من خلالها, وأنها تجر علينا من الويلات والطامات لديننا ما الله به عليم.
وظلت هذه الفكرة تراودني, وهذا الإشكال يعاودني, إلى أن وقع في يدي كتاب {إتقان البرهان في علوم القرآن}؛ الذي يعد بحق فتحا جديدا في علوم القرآن الكريم, في هذا القرن, كما قال عنه فضيلة الدكتور جمال أبو حسان في تقديمه لهذا الكتاب, فالكتاب قيم حقيقة, جزى الله مصنفه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء, ونسأل الله أن ينفع به طلاب العلم والباحثين, ففيه الخير العميم لهذه الأمة.
قلت لما قرأت في هذا الكتاب, وجدت أن هناك أمورا غير مألوفة لدي, ولم أكن أسمع بها من قبل, فقد أوضح وأجلى لنا كثيرا من القضايا والشبهات حول العديد من الروايات التي كنا نقرؤها مسلمين لما قاله السابقون.
وإني ناقل لك ما ذكره الدكتور فضل عباس, عند تعليقه ومناقشته لمسألة تعدد النازل والسبب واحد.
يقول: هذه قضية جديرة أن تنتبه لها لما يتصل بها من قضايا ذات شأن وخطر وقد ذكروا صورا.
الصورة الأولى: أن يتعدد السبب والنازل واحد.
الصورة الثانية: أن يتعدد النازل والسبب واحد.
أما الصورة الثانية: أن يتعدد النازل والسبب واحد, ولقد ذكر المفسرون والمؤلفون في علوم القرآن رحمهم الله هذه الصورة ينقلها المتأخر عن المتقدم ابتداء من الزركشي والسيوطي رحمهم الله إلى عصرنا, ومثلوا لهذه الصورة بما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها().
وهذا هو المثال في الصورة الذي نقلوه عن السيوطي, ولكن السيوطي رحمه الله, ذكر أكثر من مثال واحد, واقتصار شيوخنا رحمهم الله, مثل الشيخ محمد سلامة, في كتابه منهج الفرقان في علوم القرآن, والشيخ غزلان على هذا المثال, قد يكون للاختصار, وقد يكون لعدم اقتناعهم بما جاء في هذه الأمثلة, لكنهم وافقوا السيوطي رحمهم الله.
بعد ذلك يقول شيخنا حفظه الله:  الذي أراه وأومن به عن قناعة أن مثل هذه الصورة لا وجود لها, بل هي تتنافى مع طبيعة القرآن الكريم وواقع الأحداث, ونحن نعلم أن القرآن الكريم يمتاز بالإيجاز والإحكام, فإذا وقع حدث معين, ونزلت فيه آية كريمة, فإن هذه الآية لابد أن تكون كافية تامة مبينة بيانا شافيا لهذا الأمر الحادث, وليس هناك حاجة تدعو إلى نزول آيات ثانية. نعم إن كان السبب متشعب الجهات, فنزلت آيات تبين كل منها جهة من هذه الجهات فهذا أمر مقبول, ولكن ليس مما ذكروه شيء من هذا, فالسبب الواحد لا يحتاج إلى أكثر من نازل واحد؛ لأن هذه الآية ذات بيان لا تترك في النفوس ما يدعو إلى التساؤل عن هذا السبب الذي حدث.
ثم يختم الشيخ حدثيه عن هذه المسألة فيقول: إن تعدد النازل والسبب واحد, من القضايا التي تستدعي انتباهنا ونحن نكتب في هذا العلم العظيم, وتتطلب منا الحيطة والحذر, والقرآن الكريم كتاب الفصل والإحكام والبيان, إذا أجاب فإجابته القاطعة الجامعة المانعة, والله أعلم بما ينزل().
ومما يؤخذ على الشيخ في إيراده لسبب النزول, ذكره للأقوال مجردة من الإسناد, ودون الإشارة إلى مصادرها, ومما يؤخذ عليه أيضا في هذا الباب, ذكره لبعض الروايات الواهية, والتي كان في غنى عنها, دون أن ينبه عليها, من ذلك:
عند قوله تعالى: ﭽ ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ   ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ   ﭼ التوبة. يقول: الآية نزلت في ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً, قال: يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه, فراجعه فقال : والذي بعثك بالحق نبياً لئن رزقني الله مالاً لأعطين كل ذي حق حقه, فدعا له فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود وضاقت بها المدينة ونزل وادياً حتى انقطع عن الجمعة والجماعة ، فسأل عنه رسول الله rفقيل: كثر ماله حتى لا يسعه وادي فقال: ويح ثعلبة, وبعث رسول الله rمصدقين لأخذ الصدقة, فاستقبلهما الناس بصدقاتهم, ومرَّا بثعلبة وسألاه الزكاة, وأقرآه كتاب رسول الله r الذي فيه الفرائض: فقال ما هذه إلاَّ جزية, ما هذه إلا أخت الجزية, وبخل بالصدقة, فلما رجعا قال لهما رسول الله  rقبل أن يكلماه: يا ويح ثعلبة مرتين, فنزلت فجاء ثعلبة بالصدقة فقال رسول الله r إن الله منعني أن أقبل منك, فجعل التراب على رأسه فقال r هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني,  ثم قبض  rوما قبل من ثعلبة وجاء بها إلى أبي بكر ولم يقبلها, وقبض أبو بكر وجاء بها إلى عمر في خلافته فلم يقبلها, وهلك في زمن عثمان().
إن هذه القصة لا تصح, ولا يصلح معها دليل قوي قائم, فقد ضعفها غير واحد من العلماء, بالرغم من اشتهارها عند المفسرين, قال العلامة القرطبي رحمه الله, بعد أن ذكر القصة بطولها: قلت: وثعلبة بدري أنصاري وممن شهد الله له ورسوله بالإيمان، حسب ما يأتي بيانه في أول الممتحنة, فما روي عنه غير صحيح.
قال أبو عمر(): ولعل قول من قال في ثعلبة أنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح، والله أعلم.
وقال الضحاك: إن الآية نزلت في رجال من المنافقين؛ نبتل بن الحارث, وجد بن قيس, ومعتب بن قشير().
وقال ابن حزم في محلاه بعد أن ذكر الآية: وهذه أيضا صفة أوردها الله تعالى, يعرفها كل من فعل ذلك من نفسه, وليس فيها نص ولا دليل على أن صاحبها معروف بعينه, على أنه قد روينا أثرا لا يصح وفيه أنها نزلت في ثعلبة بن حاطب, وهذا باطل؛ لأن ثعلبة بدري معروف().
وقال البيهقي في شعب الإيمان: وفي إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور فيما بين أهل التفسير والله أعلم(), وممن ضعف هذه الرواية السيوطي في أساب النزول أيضا().
ويظهر أن الراجح في تفسير الآية, والله تعالى أعلم, كما ذكر الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره, قال: "حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله:(ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) الآية، قال: هؤلاء صنف من المنافقين، فلما آتاهم ذلك بخلوا به، فلما بخلوا بذلك أعقبهم بذلك نفاقًا إلى يوم يلقونه، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة"().
وعليه وبعد سرد أقوال العلماء في ردهم هذه الرواية, فإننا نقول إن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب بريء من هذا الكلام الذي لا يعدو أن يكون مجرد شبهة وتهمة ألصقت به ونسبت إليه ظلما وزورا, وحسبه ويكفيه شرفا وفضلا أنه داخل في عموم قولهr لعمر بن الخطاب رضي الله عنه{لعل الله اطلع إلى أهل بدر, فقال اعملوا ما شئتم, فقد وجبت لكم الجنة, أو فقد غفرت لكم}().
قال الحافظ ابن حجر: وفي كون صاحب هذه القصة إن صح الخبر ولا أظنه يصح هو البدري المذكور قبله نظر, وقد تأكدت المغايرة بينهما بقول ابن الكلبي إن البدري استشهد بأحد, ويقوي ذلك أيضا أن ابن مردويه روى في تفسيره من طريق عطية بن عباس في الآية المذكورة قال وذلك أن رجلا يقال له ثعلبة بن أبي حاطب من الأنصار أتى مجلسا فأشهدهم فقال لئن آتانا من فضله الآية فذكر القصة بطولها فقال إنه ثعلبة بن أبي حاطب, والبدري اتفق على أنه ثعلبة بن حاطب.
 وقد ثبت أنه  rقال لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية وحكى عن ربه أنه قال لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فمن يكون بهذه المثابة كيف يعقبه الله نفاقا في قلبه, وينزل فيه ما نزل فالظاهر أنه غيره والله أعلم()
هذا فيما يتعلق بالرواية التي قيلت في ثعلبة بن حاطب رضي الله عنه().
ومن الروايات الواهية التي ذكرها الأعقم في تفسيره, ماأورده عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ   ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ    ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﭼ المائدة. حيث قال: نزلت في علي ( عليه السلام ) حين تصدق بخاتمه وهو راكع في صلاته, حين سأله سائل فطرح إليه بخاتمه, ثم يذكر لنا حديثا غريبا عن أبي ذر نقله عن الثعلبي فيقول: قال في تفسير الثعلبي : قال أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله r بهاتين وإلا فصمَّتَا ورأيته بهاتين وإلا فَعَمِيتَا يقول: « علي قائد البررة وقاتل الكفرة, منصور من نصره, مخذول من خذله »(). أما إني صليت مع رسول الله rيوماً من الأيام فسأله سائل في المسجد فلم يعطه شيئاً, وعلي ( عليه السلام ) كان راكعاً فأومى إليه بخنصره, فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره فنزل فيه { إنما وليكم الله } الآية().
يقول نظام الدين النيسابوري: استدلت الشيعة بها - يعني الآية - على أن الإمام بعد رسول الله rهو علي بن أبي طالب عليه السلام؛ لأن الولي هو الوالي المتصرف في أمور الأمة, وأنه علي عليه السلام برواية أبي ذر وغيره .
وأجيب بالمنع من أن الولي ههنا هو المتصرف, بل المراد به الناصر والمحب؛ لأن الولاية المنهي عنها فيما قبل هذه الآية, وفيما بعدها هي بهذا المعنى فكذا الولاية المأمور بها.
 وأيضاً إن علياً لم يكن نافذ التصرف حال نزول الآية, وإنها تقتضي ظاهراً أن تكون الولاية حاصلة في الحال, وأيضاً إطلاق لفظ الجمع على الواحد لأجل التعظيم مجاز, والأصل في الإطلاق الحقيقة, فالمراد بالذين آمنوا عامة المؤمنين, وأن بعضهم يجب أن يكون ناصراً لبعض كقوله تعالى: ﭽ ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ  ﮕ ﭼ التوبة: ٧١, وأيضاً الآية المتقدمة نزلت في أبي بكر كما مر من أنه هو الذي حارب المرتدين فالمناسب أن تكون هذه أيضاً فيه, ثم إن عليا بن أبي طالب عليه السلام كان أعرف بتفسير القرآن من هؤلاء الإمامية, فلو كانت الآية دالة على إمامة عليّ لاحتج بها كما احتج بما ينقلون عنه أنه تمسك يوم الشورى بخبر الغدير وخبر المباهلة() وجميع مناقبه وفضائله, وهب أنها دالة على إمامته لكنه ما كان نافذ التصرف في حياة رسول الله rفلم يبق إلا أنه سيصير إماماً ونحن نقول بموجبه ولكنه بعد الشيوخ الثلاثة, ومن أين قلتم إنها تدل على إمامته بعد رسول الله rمن غير فصل؟ وأيضاً إنهم كانوا قاطعين بأن المتصرف فيهم هو الله ورسوله, فلا حاجة بهم إلى ذكر ذلك .
فالمراد بقوله : { إنما وليكم الله ورسوله } أن من كان الله ورسوله ناصرين له فأي حاجة به إلى طلب النصرة والمحبة عن غيره.
ثم يقول: والحق أنه إن صحت الرواية فللآية دلالة قوية على عظم شأن علي عليه السلام, والمناقشة في أمثال ذلك تطويل بلا طائل إلا أن أصحاب المذاهب لما تكلموا فيها أوردنا حاصل كلامهم على سبيل الاختصار().
وقال الفخر الرازي في هذا: وأما استدلالهم بأن الآية نزلت في حق علي فهو ممنوع, فقد بينا أن أكثر المفسرين زعموا أنه في حق الأمة, والمراد أن الله تعالى أمر المسلم أن لا يتخذ الحبيب والناصر إلا من المسلمين, ومنهم من يقول: إنها نزلت في حق أبي بكر .
وأما استدلالهم بأن الآية مختصة بمن أدى الزكاة في الركوع حال كونه في الركوع, وذلك هو علي بن أبي طالب فنقول: هذا أيضاً ضعيف من وجوه:
 الأول : أن الزكاة اسم للواجب لا للمندوب بدليل قوله تعالى { وآتوا الزكاة } [ البقرة : 43 ] فلو أنه أدى الزكاة الواجبة في حال كونه في الركوع لكان قد أخر أداء الزكاة الواجب عن أول أوقات الوجوب, وذلك عند أكثر العلماء معصية, وأنه لا يجوز إسناده إلى علي عليه السلام, وحمل الزكاة على الصدقة النافلة خلاف الأصل لما بينا أن قوله { وآتوا الزكاة } ظاهرة يدل على أن كل ما كان زكاة فهو واجب.
الثاني : وهو أن اللائق بعلي عليه السلام أن يكون مستغرق القلب بذكر الله حال ما يكون في الصلاة, والظاهر أن من كان كذلك, فإنه لا يتفرغ لاستماع كلام الغير ولفهمه.
الثالث : أن دفع الخاتم في الصلاة للفقير عمل كثير, واللائق بحال علي عليه السلام أن لا يفعل ذلك.
الرابع : أن المشهور أنه عليه السلام كان فقيراً ولم يكن له مال تجب الزكاة فيه, ولذلك فإنهم يقولون: إنه لما أعطى ثلاثة أقراص نزل فيه سورة { هل أتى } [ الإنسان : 1 ] وذلك لا يمكن إلا إذا كان فقيراً, فأما من كان له مال تجب فيه الزكاة يمتنع أن يستحق المدح العظيم المذكور في تلك السورة على إعطاء ثلاثة أقراص, وإذا لم يكن له مال تجب فيه الزكاة امتنع حمل قوله { وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } عليه.
 الوجه الخامس: هب أن المراد بهذه الآية هو علي بن أبي طالب, لكنه لم يتم الاستدلال بالآية إلا إذا تم أن المراد بالولي هو المتصرف لا الناصر والمحب, وقد سبق الكلام فيه().
وقال ابن عطية في محرره: وقال مجاهد: نزلت الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع, وفي هذا القول نظر, والصحيح ما قدمناه من تأويل الجمهور().
وقال ابن كثير: وليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها().
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: إن حمل عمومات القرآن على الخصوص تعطيل لدلالتها, وإخراج لها عما قصد بها وهضم لمعناها وإزالة لفائدتها, كقول بعضهم في قوله تعالى{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}
 إن المراد به علي بن أبي طالب وهذا كذب قطعا على الله أنه أراد عليا وحده().
وقد ذكر الفتني في تذكرة الموضوعات, أن حديث علي الطويل في تصدقه بخاتمه في الصلاة موضوع بالاتفاق().
وحاصل ما في المسألة أن الرواية السابقة رواية ضعيفة واهية, كان من اللائق, بل من الواجب أن يبعد التفسير عنها وعن مثلها من الروايات.وكما تبين لنا, فإن الأعقم ذكرها كما ذكرها غيره من المفسرين, ولم ينبه على بطلانها.
المبحث الرابع: المكي والمدني.
ينقسم القرآن الكريم في مجموعه إلى مكي ومدني, وللعلماء في هذا العلم من حيث الاصطلاح ثلاثة تعاريف:
الأول:  المكي: مانزل قبل الهجرة, والمدني مانزل بعدها,كان النزول بمكة أم بالمدينة.
الثاني:   المكي: مانزل بمكة, والمدني مانزل بالمدينة.
الثالث: المكي ما كان الخطاب فيه لأهل مكة, والمدني ما كان المخاطبون فيه هم أهل المدينة؛ فالذي قال بالأول راعى ولاحظ الزمان, والذي قال بالثاني لاحظ المكان, ومن قال بالثالث رأى بأن العبرة للخطاب.
وعلى أية حال فإن النبي rلم يرد منه بيان ولا تحديد للمكي والمدني, ولذا يرجع فيه إلى للرعيل الأول باعتبارهم شاهدوا التنزيل. يقول الزرقاني: لا سبيل إلى معرفة المكي والمدني إلا بما ورد عن الصحابة والتابعين في ذلك؛ لأنه لم يرد عن النبيr بيان للمكي والمدني
 وذلك؛ لأن المسلمين في زمانه لم يكونوا في حاجة إلى هذا البيان, كيف وهم يشاهدون الوحي والتنزيل ويشهدون مكانه وزمانه وأسباب نزوله عيانا().

الفائدة من معرفة المكي والمدني:
من فوائد العلم بالمكي والمدني؛ تمييز الناسخ من المنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو آيات من القرآن الكريم في موضوع واحد, وكان الحكم في إحدى هاتين الآيتين أو الآيات مخالفا للحكم في غيرها ثم عرف أن بعضها مكي وبعضها مدني؛ فإننا نحكم بأن المدني منها ناسخ للمكي نظرا إلى تأخر المدني عن المكي.
ومن فوائده أيضا معرفة تاريخ التشريع وتدرجه الحكيم بوجه عام وذلك يترتب عليه الإيمان بسمو السياسة الإسلامية في تربية الشعوب والأفراد.
ومن فوائده أيضا الثقة بهذا القرآن وبوصوله إلينا سالما من التغيير والتحريف, ويدل على ذلك اهتمام المسلمين به كل هذا الاهتمام, حتى إنهم ليعرفون ويتناقلون ما نزل منه قبل الهجرة وما نزل بعدها, وما نزل بالحضر وما نزل بالسفر, وما نزل بالنهار وما نزل بالليل, وما نزل بالشتاء وما نزل بالصيف, وما نزل بالأرض وما نزل بالسماء إلى غير ذلك.
 فلا يعقل بعد هذا أن يسكتوا ويتركوا أحدا يمسه ويعبث به, وهم المتحمسون لحراسته وحمايته والإحاطة بكل ما يتصل به أو يحتف بنزوله إلى هذا الحد().
وأما أنواع السور من حيث النزول فيمكن تقسيمها إلى النحو التالي:
قسم مكي, قسم مدني, قسم مكي وبعضه مدني, وقسم مدني وبعضه مكي().
وقد عرض الأعقم لموضوع المكي والمدني, لكنه لم يفصل فيه التفصيل الذي فصلته لنا كتب علوم القرآن, بل اقتصر على تبيين المكي والمدني في بداية كل السور عند شروعه في تفسيرها, وأما الآيات فلم يذكر لنا مكيها ومدنيها البتة.
وقد حدد في أول كل سورة نوعها إن كانت مكية أو مدنية, وعدد آياتها, والمستثنى منها, والخلاف فيها إن وجد, وذلك كله قبل الشروع في تفسيرها.
وفيما يلي جداول توضيحية للمكي والمدني بحسب رأي الأعقم:
أولاً: المدني الخالص:

آل عمران    الأنفال    الفتح    الصف    الفلق      
النساء    النور    الحجرات    الطلاق    الناس      
المائدة    الأحزاب    الحشر    التحريم       

وأما المعوذتان, فقد اختلف فيهما: قيل بمكيتهما, وقيل مدنيتان, ويرجح الأكثرون , القول الثاني().
ثانيا: المكي الخالص:

الفاتحة    الحجر    طه    المؤمنون    الروم    الصافات      
الأنعام    الكهف    الأنبياء    النحل    السجدة    ص      
يوسف    مريم    الحج    العنكبوت    فاطر    فصلت      
الجاثية    الذاريات    الطور    العلق    الملك    الحاقة      
المعارج    نوح    الجن    المزمل    القيامة    النبأ      
النازعات    عبس    التكوير    الانفطار    الانشقاق    البروج      
الطارق    الأعلى    الغاشية    الشمس    الليل    الضحى      
الشرح    التين    القدر    البينة    العاديات    القارعة      
التكاثر    الهمزة    الفيل    النصر    المسد    الإخلاص      
قريش                       
وهذه السور التي رأى الشيخ بأنها مكية خالصة, ليست كلها كذلك, فإن بعضا منها قد اختلفوا فيه.
فمثلا سورة الحج: اختلفوا في مكيتها ومدنيتها, والصحيح -كما قال الدكتور فضل- أنها مكية
سورة الليل: وقد قيل بمدنيتها.
البينة: اختلف فيها, والصحيح أنها مكية.
النصر: مدنية بالإجماع().
ثالثاً: المكي وبعضه مدني:

السورة    المستثنى من المكي      
الأعراف    ثماني آيات: من قوله (واسألهم عن القرية) إلى قوله (وإذ نتقنا الجبل)      
يونس    ثلاث آيات: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك...)      
هود    غير آية (وأقم الصلاة)      
الرعد    غير (ولا يزال الذين كفروا)، (ويقول الذين كفروا)      
إبراهيم    غير آيتين (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا)      
النحل    غير (وإن عاقبتم)      
الإسراء    إلا ثماني آيات      
الفرقان    غير آية (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل)      
الشعراء    غير آية (والشعراء يتبعهم الغاوون)      
القصص    غير (إن الذي فرض عليك القرآن)      
لقمان    غير (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام) إلى (سميع بصير)      
سبأ    غير (ويرى الذين)      
يس    غير (وإذا قيل لهم أنفقوا)      
الزمر    غير (قل يا عبادي الذين أسرفوا) إلى قوله (وأنتم لا تشعرون)      
غافر    غير (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان)      
الشورى    إلا أربع آيات (قل لا أسألكم عليه أجرا) إلى آخرهن      
الزخرف    غير (واسأل من أرسلنا)      
الدخان    مكية غير (إنا كاشفوا العذاب)      
الأحقاف    غير (والذي قال لوالديه) الآيتين      
ق    غير (ولقد خلقنا الإنسان)      
النجم    غير (الذين يجتبنون كبار الإثم)      
القمر    غير (سيهزم الجمع)      
الرحمان    غير (يسأله من في السماوات والأرض)      
الواقعة    غير (ثلة من الأولين) وقوله (أفبهذا الحديث أنتم مدهنون)      
القلم    غير (إنا بلوناهم) إلى (يعلمون)      
المدثر    غير (وما جعلنا عدتهم)      
الإنسان    غير (فاصبر لحكم ربك)      
المرسلات    غير (وإذا قيل لهم اركعوا)   
وأما الذي ذكره الشيخ هنا {في المكي وبعضه مدني}, فغير دقيق, ولابد من مناقشته.
وسأذكر كلام الدكتور فضل, فقد ناقش هذا الكلام كله بإحكام, حيث قال:
وأما سورة الأعراف: فمكية بإجماع, واستثنى بعضهم: ﭽ ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ   ﮰ  ﮱ  ﭼ الأعراف: ١٦٣. وقوله سبحانه وتعالى: ﭽ ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭼ الأعراف: ١٧٢. وهو استثناء لا دليل عليه, وما يقال إن قوله سبحانه:{واسألهم عن القرية} حديث عن اليهود, وأن أخبارهم كانت في مكة؟ يجاب عنه, بأن الآية متصلة اتصالا تاما بما قبلها, من حديث عن بني إسرائيل واتخاذهم العجل, وغير ذلك من معاصيهم.
سورة يونس: مكية واستثنوا آيتين: ﭽ ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ ﭼ يونس: ٤٠  وقوله ﭽ ﮭ  ﮮ       ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ          ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚﯛ  ﯜ  ﯝ   ﯞ   ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ   ﯨ  ﯩ  ﯪ        ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ   ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ   ﯹ  ﯺ     ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ     ﰂ   ﭼ يونس. وسياق الآيات يدل على أنها مكية.
سورة هود u : وهي مكية واستثنوا منها: ﭽ ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ          ﯪ  ﯫ    ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ        ﯳ  ﯴ   ﯵ  ﯶﯷ  ﯸ     ﯹ  ﯺﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ           ﯿ  ﰀ  ﰁ   ﭼ هود. وهذا أمر عجيب جداً؛ لأن سياق الآية مكي وقوله: ﭽ ﮘ  ﮙ               ﮚ  ﮛ  ﮜ   ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ            ﮤ  ﮥ  ﮦ ﭼ هود: ١٧. وهو كسابقه؛ لأن سياقها مكي كذلك. وقوله : ﭽ ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ     ﮭ  ﮮ       ﮯﮰ  ﮱ   ﯓ  ﯔ  ﯕﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ        ﯚ  ﭼ هود.
سورة الرعد: اختلفوا في مكيتها ومدنيتها, والصحيح أنها مكية، وقد استثنوا من مكيتها آيات
 ﭽ ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ   ﭼ الرعد:٣٠,
وقوله تعالى: ﭽ ﭸ   ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭼ الرعد: ٣١, والآية الأخيرة ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ     ﭔ  ﭕ ﭼ الرعد: ٤٣. وكل هذا سياق مكي, يظهر ذلك بأدنى تأمل وتدبر.
سورة إبراهيم u: مكية استثنوا منها ثلاث آيات: ﭽ ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ      ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑﮒ  ﮓ   ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛﮜ  ﮝ   ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﭼ إبراهيم. مع أنها حديث عن أهل مكة.
سورة النحل: مكية، واستثنوا خواتيهما ﭽ ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧﯨ  ﯩ  ﯪ   ﯫ    ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ     ﯳﯴ   ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ   ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   ﭼ النحل. فقالوا إنها نزلت مرتين أو أكثر، يقول الدكتور فضل: وقد رددنا هذا القول من قبل، كما استثنوا قوله:
 ﭽ ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ   ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿﰀ  ﰁ  ﰂ                 ﰃ  ﰄ  ﭼ النحل. وقوله: ﭽ ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ ﭼ النحل:95, والاستثناء لا دليل عليه، وشبهتهم ذكر الهجرة والعهد، ولكن السياق أقوى من هذه الشبهات, ولم لا تكون الهجرة في الآية الكريمة لهجرة الحبشة.
سورة الإسراء: مكية، وقد أكثروا فيها من الاستثناءات ... من ذلك قوله : ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭼ الإسراء: ٧٦, وما بعدها.
 وقولهﭽ ﯮ  ﯯ  ﯰ ﭼ الإسراء: ٨٥.
ومما استثنوه كذلك ما يتصل بما في السورة من وصايا, وقوله ﭽ ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ     ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭼ الإسراء.  
وهو استثناء ليس فيه شبهة فضلاً على أن يكون عليه دليل.
سورة الفرقان: مكية، واستثنوا منها قوله: ﭽ ﭑ  ﭒ   ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ   ﭗ  ﭘ      ﭙ  ﭚ     ﭛ    ﭜ  ﭝ  ﭞ     ﭟ  ﭠ   ﭡﭢ  ﭣ  ﭤ    ﭥ  ﭦ    ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ    ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ      ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ   ﭹ  ﭺ    ﭻ  ﭼ  ﭽﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ   ﮂ  ﮃ  ﭼ الفرقان. وهو استثناء غريب عجيب؛ لأن الآيات الكريمة متصلة بما قبلها من صفات عباد الرحمن فلا حول ولا قوة إلا بالله !!.
سورة الشعراء: مكية، استثنوا منها قوله تعالى: ﭽ ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ  ﮱ        ﯓ  ﯔ   ﯕ  ﯖ  ﭼ الشعراء: ١٩٧. وكأنهم نظروا إلى أن كل ما جاء في القرآن الكريم من لفظ بني إسرائيل فهو مدني، وليس الأمر كذلك، فقد ورد هذا اللفظ في القرآن المكي المجتمع على مكيته، كما استثنوا قوله سبحانه: ﭽ ﯘ  ﯙ  ﯚ               ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ    ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ      ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ      ﯲ  ﯳ   ﯴ  ﯵ  ﯶﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ   ﭼ الشعراء. وذلك لقوله سبحانه: ﴿ ﯪ  ﯫ      ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ      ﴾ فالمقصود بهذا الاستثناء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك، وغيرهم من شعراء الصحابة رضوان الله عليهم.
سورة القصص: مكية، واستثنوا منها ﭽ ﭙ   ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ    ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ      ﭤ   ﭥ  ﭦ  ﭧ   ﭨ       ﭩ   ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ          ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ   ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ     ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭼ القصص. وقوله: ﭽ ﭑ   ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ   ﭘ ﭼ القصص: ٨٥, وهو استثناء لا دليل عليه.
سورة لقمان: مكية, واستثنوا منها قولهﭽ ﭜ          ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ   ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭼ لقمان, يقول الدكتور فضل: وقد مر مثل هذا من قبل، وبينا أن ليس فيه دليل على الاستثناء، وقوله ﭽ ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ      ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ   ﰀ  ﰁ  ﰂ       ﰃﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   ﰈ  ﰉ  ﭼ لقمان, ولكن سياقها مكي، فهي شبيهة بقوله تعالى: ﭽ ﯱ  ﯲ        ﯳ         ﯴ        ﯵ  ﯶ   ﯷ    ﯸ  ﯹ        ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ         ﯾ  ﯿ        ﰀ  ﰁ       ﰂ  ﰃ  ﭼ الكهف: ١٠٩.
سورة سبأ: مكية, واستثنوا منها قوله ﭽ ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ   ﯘ    ﯙ  ﯚ      ﯛ  ﯜ  ﯝ      ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ   ﯢ      ﯣ   ﯤ  ﭼ سبأ: ٦, وقد جاءت الآية مستقرة في مكانها وسياقها، ويظهر  أنهم استثنوها لذكر ﴿ الذين آتوا العلم﴾ وهي شبهة لا تقف أمام السياق والسباق.
سورة يس: مكية، استثنى منها قولهﭽ ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ   ﯣ  ﯤ  ﯥﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ      ﯬ  ﯭ   ﭼ يس. وقوله ﭽ ﮊ  ﮋ    ﮌ  ﮍ  ﮎ   ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ   ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ   ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﭼ يس.
سورة الزمر: مكية، استثنوا منها آيات ﭽ ﰁ  ﰂ  ﰃ     ﰄ  ﰅ    ﰆ ﭼ الزمر: ١٠.
وقوله ﭽ ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ        ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ     ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ   ﭹ  ﭺ  ﭻ ﭼ الزمر: ٢٣. وقولهﭽ ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ    ﮭ  ﮮﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ     ﯔ       ﯕﯖ  ﯗ     ﯘ   ﯙ          ﯚ          ﯛ  ﭼ الزمر: ٥٣. وسياق الآيات وموضوعها ينفيان هذا الاستثناء.
سورة غافر: مكية، واستثنى بعضهمﭽ ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ   ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ     ﮖ  ﮗ  ﭼ غافر. وقوله : ﭽ ﮘ  ﮙ  ﮚ   ﮛ    ﮜ   ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ      ﮦ   ﮧ  ﮨ  ﮩﮪ  ﮫ  ﮬﮭ  ﮮ    ﮯ  ﮰ     ﮱ  ﯓ  ﭼ غافر.  والسياق يأبى هذا الاستثناء.
سورة الشورى: مكية، استثنوا منها ﭽ ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ   ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﭼ الشورى:27, كما استثنوا آيات لا ينبغي أن تستثنى؛ لأنها مكية المضمون والسياق، مثلﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭼ الشورى: ١٦. وقولهﭽ ﭑ  ﭒ   ﭓ       ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ ﭼ الشورى: ٢٣. وما بعدها, وقوله ﭽ ﮙ  ﮚ  ﮛ   ﮜ  ﮝ   ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ       ﮧ    ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﭼ الشورى.
سورة الزخرف: مكية، واستثنوا منهاﭽ ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ    ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﭼ الزخرف.
سورة الدخان: مكية: واستثنى بعضهم: ﭽ ﯘ  ﯙ          ﯚ  ﯛ ﭼ الدخان: ١٥.
سورة الأحقاف: مكية، واستثنوا منها ﭽ ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥ          ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ    ﭼ الأحقاف: ١٠ وقوله  تعالى:ﭽ ﮗ  ﮘ   ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣ  ﭼ الأحقاف: ١٧
 وقوله: ﭽ ﯪ  ﯫ              ﯬ   ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ     ﭼ الأحقاف: ٣٥ وهي استثناءات لا دليل عليها ولا التفات إليها. يقول الدكتور فضل.
سورة ق: مكية, استثنوا منها ﭽ ﭯ  ﭰ   ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭼ ق: ٣٨ , ولا دليل عليه.
سورة الذاريات: مكية، استثنوا منها ﭽ ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﭼ الذاريات. وهو استثناء غير مقبول؛ لأن هذه الآية تابعة لما قبلها سياقاً وشكلاً ومضموناً.
سورة النجم: مكية، استثنوا ﭽ ﮝ  ﮞ  ﮟ              ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ ﭼ النجم: ٣٢.
 سورة القمر: مكية، استثنى بعضهمﭽ ﯰ  ﯱ   ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﭼ القمر: ٤٥ وقوله في آخر السورةﭽ ﭪ  ﭫ     ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ   ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ   ﭼ القمر. والسياق يأبى هذا الاستثناء.
سورة الرحمن: مكية، واستثنى بعضهمﭽ ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔﮕ  ﮖ         ﮗ      ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﭼ الرحمن. لكن الآية مع أخواتها نزولاً وأسلوباً ومضموناً.
سورة الواقعة: مكية، واستثنى بعضهم آيات مثلﭽ ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ    ﮇ  ﮈ  ﭼ الواقعة. وقوله ﭽ ﮮ  ﮯ    ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﭼ الواقعة. وقوله: ﭽ ﯻ  ﯼ  ﯽ       ﯾ  ﯿ    ﰀ  ﰁ  ﰂ     ﰃ    ﰄ  ﰅ  ﰆ   ﭑ     ﭒ  ﭓ   ﭔ  ﭕ  ﭖ       ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ        ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ   ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭼ الواقعة.
ولا أدري كيف يصح هذا الاستثناء، والسورة متصلة الآيات، فكيف نستثني أصحاب اليمين، والسورة من بدايتها تقول ﴿ وكنتم أزواجاً ثلاثة﴾ وكيف نستثني القسم، وهو من أساليب القرآن المكي.
سورة القلم: مكية، وأعجب كل العجب كيف استثنوا منها قصة أصحاب الجنة، وخبر صاحب الحوت عليه الصلاة والسلام مع أنهما من صلب موضوع السورة.
سورة المدثر: مكية.
سورة الإنسان: مكية.
 سورة المرسلات: مكية.
ولا يتجه القول بالاستثناء فقد استثنوا من سورة المدثرﭽ ﮆ  ﮇ  ﮈ   ﮉ  ﭼ المدثر. لأدلة يمكن أن تناقش، كما استثنوا من سورة الإنسان ﭽ ﭡ  ﭢ   ﭣ  ﭤ  ﭥ   ﭦ  ﭧ   ﭨ  ﭼ الإنسان.
ومن سورة المرسلات    ﭽ ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   ﰈ  ﭼ وهو استثناء غير متجه كما قلت().
رابعاً: المدني وبعضه مكي:

السورة    المستثنى من المدني      
البقرة    مدنية غير (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله)      
التوبة    غير آيتين (لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى آخرها      
محمد    مدنية غير (وكأين من قرية)      
المجادلة    غير (ما يكون من نجوى)      
التغابن    غير (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم) الآيات الثلاث مدنيات   
وأما الذي ذكره الشيخ في المكي والمدني, فكله لا صحة له, وسأذكر الصحيح الذي أورده الشيخ فضل عباس في ذلك, حيث قال:
سورة البقرة: أجمعوا على مدنيتها, ولكن السيوطي استثنى منها آيتين: ﭽ ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ   ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ    ﮙ   ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢﮣ  ﮤ   ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ   ﮱ  ﭼ البقرة.  وقوله تعالىﭽ ﭺ   ﭻ   ﭼ   ﭽ    ﭾ   ﭿ   ﮀ   ﮁ   ﮂﮃ   ﮄ   ﮅ   ﮆ      ﮇ    ﮈﮉ   ﮊ   ﮋ   ﮌ     ﮍ   ﮎ   ﮏﮐ    ﮑ   ﮒ   ﮓ   ﮔ   ﮕ   ﮖ      ﮗ   ﮘ   ﮙ    ﮚ   ﭼ البقرة. ولم يذكر دليلا على الاستثناء, والحق أنهما مدنيتان().
وأما سورة التوبة: فمدنية باتفاق.
سورة محمد r: مدنية بلا استثناء.
سورة المجادلة: مدنية، وما ذكر من أن قوله : ﭽ ﭑ   ﭒ   ﭓ    ﭔ   ﭕ   ﭖ   ﭗ   ﭘ   ﭙ   ﭚ   ﭛﭜ   ﭝ   ﭞ     ﭟ   ﭠ   ﭡ   ﭢ       ﭣ    ﭤ   ﭥ     ﭦ   ﭧ     ﭨ   ﭩ       ﭼ المجادلة: ٧ .مكي، غير متجه ولا ينسجم مع ما قبل الآية وما بعدها.
سورة التغابن: مدنية بلا استثناء.
خامساً: المختلف فيه:

الحديد    الممتحنة    الجمعة    المنافقون    المطففين    الفجر      
البلد    الزلزلة    العصر    الماعون    الكوثر    الكافرون   

سورة الحديد: الصحيح مدنيتها، واستثنى بعضهم الآيات الأولى، مستدلين بما جاء في بعض الروايات من أن سيدنا عمر يوم إسلامه وجد أول سورة الحديد عند أخته، والصحيح أن السورة التي كانوا يقرؤونها سورة طه. فالسورة مدنية بلا خلاف.
سورة الممتحنة: مدنية بلا استثناء.
سورة الجمعة: مدنية بلا استثناء.
سورة المنافقون: مدنية بلا استثناء.
سورة المطففين: قال الدكتور فضل: اختلف فيها، فقيل مكية، وقيل مدنية,  والذي يترجح مكيتها – والله أعلم – لكنها من أواخر ما نزل في مكة؛ ذلك لأن موضوع السورة لا يبعد عن الموضوعات المكية، أما ما قيل: إن أهل المدينة كانوا يطففون المكيال قبل الهجرة، فإن هذا القول يمكن أن يرد؛ لأنه بحاجة إلى إثبات أولاً، ولأنه قد ورد في السور المكية ما يشبه هذا الموضوع من الوفاء بالكيل، والوزن بالقسطاس في أكثر من أية، لذا رجحت لكم مكية السورة الكريمة.
سورة الفجر: مكية، وغير واضح ما قيل إن قوله : ﭽ ﭡ   ﭢ   ﭣ   ﭤ   ﭼ الفجر.  مدني.
سورة البلد: مكية، وما ادعوه من مدنيتها لقوله : ﭽ ﭷ   ﭸ   ﭹ   ﭺ   ﭻ   ﭼ البلد. غير صحيح؛ لأن معنى الآية " أنت مقيم" أو هي بشارة للنبي r، بأن الله سيفتح له مكة بعد هجرته، فيكون المعنى سيحل لك هذا البلد" فيكون هذا من الإعجاز؛ لأنه إخبار عن المستقبل، فالسورة مكية إجماعاً.
سورة الزلزلة: اختلف فيها، والصحيح مكيتها.
سورة العصر: مكية.
سورة الماعون: الصحيح مكيتها.
سورة الكوثر: اختلف فيها, يقول الدكتور فضل: ويترجح لدي مكيتها، والله أعلم.
الكافرون: مكية().














الفصل الربع:
القضايا العقدية في تفسيره
إن تصحيح العقيدة هو الأصل الذي تبنى عليه سائر الأعمال؛ ذلك أن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, هي أول أركان الإسلام ودعائمه. ولذا كان الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام أول مايدعون إليه الأمم, العقيدة الصحيحة, حيث لا فائدة لبقية الأعمال من عبادات وتصرفات, إن لم تكن قائمة على أساس صحيح سليم.
وقد اشترط العلماء للمفسر شروطا منها صحة المعتقد وسلامته, حتى لا يقدم على تفسير كتاب الله سبحانه وتعالى, إلا من كان  أهلا لذلك, وقد أشار السيوطي إلى هذا المعنى فقال: وقال الإمام أبو طالب الطبري في أوائل تفسيره: "القول في آداب المفسر".
 اعلم أن من شرطه صحة الاعتقاد أولا ولزوم سنة الدين، فإن من كان مغموصاً عليه في دينه لا يؤتمن على الدنيا, فكيف على الدين! ثم لا يؤتمن من الدين على الإخبار عن عالم, فكيف يؤتمن في الإخبار عن أسرار الله تعالى().
والرؤية الواضحة في فهم العقيدة, تجعل المفسر لا تشتبه عليه الآيات ولا تختلف, بل يرد كل فرع إلى أصله, وكل مشتبه إلى محكمه.
وإذا كان كذلك فإن العقيدة الصحيحة هي الأساس الذي ينطلق منه المفسر ويبني على ضوئها تفسيره, حيث إننا نجد عددا من المفسرين وقد برزت وظهرت عقائدهم واضحة جلية من خلال تفاسيرهم.
والناظر في كتب المعتزلة وغيرهم من الفرق يلحظ هذا جيدا, فإنهم قد بنوا كافة تفاسيرهم على أصولهم العقدية نصرة لمذاهبهم وتأييدا لها.
ولذا كان الدكتور الذهبي محقا في كتابه التفسير والمفسرون حين جعل هذا النوع من التفاسير ضمن التفسير بالرأي المذموم, نظرا لبعدها عن الحقائق ومجانبة الصواب.
والحق أن مبحث العقيدة من المباحث الشائكة المحفوفة بالمخاطر, فقد كثر الخلاف وبلغ الجدل أشده بين العلماء حول هذا العلم, وأصبح كل طرف يزعم أنه على صواب وحق وحده وغيره على خطأ وباطل, وهذا قمة التطرف والغلو في الدين, أن تلزم الناس بما تراه أوبما لم يلزمهم به الشرع هو عين الخطأ.
وقد عرض الشيخ في تفسيره لبعض القضايا العقدية, سالكا مسلك التأويل, كما سيظهر لنا من خلال الأمثلة التي سنقف عليها.


المبحث الأول: موقف الشيخ من أسماء الله وصفاته
لقد ذكر القرآن الكريم أسماء عديدة, وصفات كثيرة للمولى سبحانه وتعالى, وأسماء الله كلها حسنى لقوله تعالى: ﭽ ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ   ﭽﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ         ﮂ  ﮃ  ﭼ الأعراف. وصفات الله كلها صفات كمال وصفات تمام, فالحق جل وعلا منزه عن كل عيب ونقص, تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا, فلا يشبه أحدا من خلقه, ولا يشبهه أحد من خلقه, قال جل شأنه: ﭽ ﭡ  ﭢ        ﭣﭤ   ﭥ     ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭼ الشورى.
وقد اختلف العلماء حول أسماء الله وصفاته, فمنهم من سلك مسلك المثبت لها منزها الخالق جل جلاله عن كل نقص وعيب, فيكون بذلك قد وقف موقف التسليم وعدم الخوض فيها, ومنهم من سلك مسلك التأويل حاملا بعض النصوص على بعض الوجوه, تنزيها لله تبارك وتعالى.
أ- أسماء الله الحسنى:  لقد عني الشيخ بتفسير أسماء الله الحسنى, وبيان المعاني المستفادة منها.
قال في تفسير سورة الفاتحة, وهو يتحدث عن اسم الله سبحانه وتعالى{الرحمن والرحيم},{ الرحمن } المنعم بنعم الدنيا والدين, { الرحيم } واسع الرحمة().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭓ  ﭔ     ﭕ    ﭖ      ﭗ   ﭘ        ﭙ  ﭚ  ﭼ آل عمران. قال: { الحي } لذاته { القيوم } أي القائم على كل نفس بما كسبت().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯴ    ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ   ﭼ الحديد.قال: قيل الموجد أولاً قبل كل موجود, والآخر بعد فناء كل شيء؛ يعني أنه قديم باقي { والظاهر } بالأدلة الدالة عليه ، { والباطن } لكونه غير مدرك بالحواس ، وقيل : الظاهر على كل شيء بالقدرة ، والباطن العالم بما ظهر وبطن { وهو بكل شيء عليم } موجوداً كان أو معدوماً().
وعند تفسيره لأسماء الله الحسنى في أواخر سورة الحشر قال:
 { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة } قيل : ما شاهد العبد وما لم يشاهد, وما لا ينبغي عليه الحس كالمعدومات, وما يرى من الموجودات والشهادة ما تقع عليه الحواس ، وقيل : ما غاب عن علم الخلق وما علموه ، وقيل : السر والعلانية { هو الرحمن } المنعم على كل حي. {الرحيم}  على المؤمنين بالثواب { هو الله الذي } تحق له العبادة { لا إله إلاَّ هو } ولا تحق العبادة لغيره { الملك } المالك لجميع الأشياء ، وقيل : القادر على اختراع الأجسام والأعراض { القدوس } الطاهر من كل ما لا يليق, المنزه عن الشرك والولد والفحشاء ، وقيل : تسبيح الملائكة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح { السلام } قيل : الذي يسلم عباده ، وقيل : المسلم من جميع الآفات ، وقيل : الذي من عنده ترجى السلامة { المؤمن } قيل : المصدق لرسله بالمعجزات ، وقيل : يصدق المؤمنين ما وعدهم من الثواب والكافرين ما وعدهم من العذاب ، وقيل : الذي أمن الناس من ظلمه { المهيمن } الرقيب على كل شيء, الحافظ له { العزيز } القادر الذي لا يرام ولا يمتنع عليه شيء ، وقيل : العظيم,  وقيل : الباهر { الجبار } قيل : العظيم ، وقيل : العالي الذي لا تناله يد أحد ، وقيل : الذي يجبر خلقه على ما يريد ويصرفهم كيف شاء { المتكبر } البليغ الكبرياء والعظمة ، وقيل : المتكبر عن ظلم عباده { سبحان الله عما يشركون } أي تنزيهاً له عن إضافة الشريك والفحشاء إليه { هو الله الخالق } المحدث للأشياء { البارئ } المخترع للأجسام والأعراض { المصور } الذي يصور الخلق على ما يريد().
ب- صفات الله تعالى العلا:  مما تجدر الإشارة إليه, أن العلماء انقسموا بالنسبة لصفات الله عزوجل إلى  مذهبين:
1- مذهب السلف: وهو الإيمان بما وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه, ووصفه به نبيه دون تشبيه أو تكييف, ودون تعطيل أو تحريف.
2- مذهب الخلف: وهو في الغالب الأعم مذهب الأشاعرة والماتوردية, وهما متقاربان, وقد أثبتوا بعض الصفات لله عزوجل, صفات المعاني كالعلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام, وأولوا الصفات الأخرى, كالوجه واليد؛ لأنها حسب رأيهم تستلزم التشبيه والتجسيم.
الوجه: عند تفسير الشيخ للآيات التي ذكر فيها الوجه فإنه يحملها على الرضى تارة, وعلى الذات تارة أخرى.
 فعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ   ﭙ  ﭚ ﭼ الكهف: ٢٨.
قال الشيخ: { يريدون وجهه } أي عظمته ورضاه().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮄ   ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﭼ الرحمن. قال: يعني يبقى ربك وذكر الوجه تأكيدا().فهنا قد حمل الوجه على الذات والوجود.
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭩ   ﭪ    ﭫ  ﭬ    ﭭ      ﭮ  ﭼ الليل. قال:{ إلاَّ ابتغاء } أي طلب { وجه ربه}  أي رضى ربه().
العين: لقد تأول الشيخ العين بالمحبة والإرادة, عند قوله تعالى: ﭽ ﭨ   ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ    ﭮ  ﭯ  ﭼ طه.
قال: أي لتغذى على محبتي وإرادتي ، وهذا من فصيح الكلام().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯿ  ﰀ       ﰁ  ﰂ  ﰃﰄ  ﰅ   ﰆ  ﰇ  ﰈ  ﰉ  ﰊ  ﭼ الطور. قال: {واصبر } على أذى قومك في تبليغ رسالتك { لحكم ربك فإنك بأعيننا } أي بحفظنا().
اليد: وفي تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ    ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ ﭼ الفتح: الآية 10. قال: أي يد رسول الله التي تعلو أيدي المنافقين هي يد الله, والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام, وإنما المعنى تقديرا أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله تعالى, من غير تفاوت بينهما كقوله: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ ﭼ النساء: ٨٠.والمراد بيعة الرضوان().
الفوقية: ودت كلمة {فوق} في القرآن الكريم في أكثر من موضع, ووقف الشيخ عندها, فعند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﰂ  ﰃ     ﰄ  ﰅﰆ  ﰇ  ﰈ  ﰉ  ﰊ   ﭼ الأنعام.
قال:بالقهر والغلبة والقدرة والعلو() .
وعند قوله تعالى: ﭽ ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ   ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﭼ النحل. قال: يعني يخافون عذاب الله تعالى { من فوقهم } بالقهر والقدرة والعُلُوّ().





المبحث الثاني: قضايا عقدية متفرقة.
1- الاستواء: ورد فعل الاستواء في القرآن الكريم معدى مرة بحرف الجر{إلى}ومرة بحرف الجر{على},وقد أول  الشيخ الاستواء بالقصد, والقدرة.
فعند قوله تعالى: ﭽ ﯬ   ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ        ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺﯻ  ﯼ     ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ   ﭼ البقرة. قال: { ثم استوى إلى السماء } أي قصد إليها بإرادته ومشيئته بعد خلق الأرض من غير أن يريد خلق شيء آخر().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ    ﭛ  ﭜ ﭼ الحديد: ٤.
قال: { ثم استوى على العرش } المعروف، والاستواء عليه كونه قادراً عليه وعلى خلقه, قال:
قد استوى بشر على العراقِ       من غير سيف ودم مهراق.
وهو العرش المعروف في السماء، وقيل: العرش الملك، وقيل: على بمعنى إلى يعني لما خلق السماوات والأرض استوى على العرش فخلقه، والاستواء بمعنى القصد كقوله: { ثم استوى إلى السماء }().
ومسألة الاستواء من المسائل العقدية التي أخذت حيزا كبيرا لدى العلماء بين مؤول وآخذ بظاهرها دون تأويل.
ولسنا بصدد الخوض في مقالات العلماء واختلافهم في المسألة, وإنما نقول كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وأما قوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يُسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و ﭽ ﭡ  ﭢ        ﭣﭤ   ﭥ     ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭼ الشورى: ١١ , بل الأمر كما قال الأئمة -منهم نُعَيْم بن حماد الخزاعي, شيخ البخاري -: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر", وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى().
2- نصرة الشيخ لمذهبه الزيدي: كنت قد ذكرت فيما سبق أنني سأتحدث عن ولاء الشيخ ونصرته  لمذهبه الزيدي, وها أنا أنجز ما وعدت, لقد اتضح لي من خلال قراءة تفسير الشيخ أنه يعتقد بإسلام أبي طالب عم النبيr وأنه مات على الإسلام, ونقل إجماع أهل البيت في ذلك, وهذا في حقيقة الأمر فيه نظر.
فعند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ       ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﭼ القصص. قال: { إنك لا تهدي من أحببت } أي لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت { ولكن الله يهدي من يشاء }؛ لأن الألطاف تنفع فيه ، والآية نزلت في أبي طالب. الذي ذكره في الكشاف أنه مات كافرا واحتج بالآية ، والذي روي في الحاكم أنه أسلم, وفي إسلامه إجماع أهل البيت وهم أعلم بأحواله ، وكان لأبي طالب عند النبي  rأياد مشكورة عند الله تعالى, وقد روي أن النبي rدعاه فأسلم ذكره في الحاكم().
إن ماذكره الشيخ لا يخلو من مناقشة, ولا يسلم له, فكثيرة هي الأدلة التي دلت على عدم إسلام أبي طالب, وأنه قد مات على الكفر بالرغم من محاولة النبيr وتمنيه إسلامه, إذ إن لله في خلقه شؤونا وحكما لا يعلمها إلا هوسبحانه وتعالى.
أخرج الإمام البخاري في صحيحه قال: "حدثنا محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه : أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي  rوعنده أبو جهل فقال:
 ( أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال النبي r (لأستغفرن لك ما لم أنه عنه ) . فنزلت ﭽ ﭣ  ﭤ       ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ   ﭩ  ﭪ  ﭫ     ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ    ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭼ التوبة . ونزلت { إنك لا تهدي من أحببت }().
قال في روح المعاني عند تفسيره لقوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} والآية على ما نطقت به كثير من الأخبار نزلت في أبي طالب ..... ومسألة إسلامه خلافية ، وحكاية إجماع المسلمين أو المفسرين على أن الآية نزلت فيه لا تصح() , فقد ذهب الشيعة وغير واحد من مفسريهم إلى إسلامه وادعوا إجماع أئمة أهل البيت على ذلك وإن أكثر قصائده تشهد له بذلك؛ وكأن من يدعي إجماع المسلمين لا يعتد بخلاف الشيعة, ولا يعول على رواياتهم, ثم إنه على القول بعدم إسلامه, لا ينبغي سبه والتكلم فيه بفضول الكلام, فإن ذلك مما يتأذى به العلويون, بل لا يبعد أن يكون مما يتأذى به النبي عليه الصلاة والسلام؛ الذي نطقت الآية بناء على هذه الروايات بحبه إياه, والاحتياط لا يخفى على ذي فهم, ولأجل عين ألف عين تكرم().
فدعوى إسلام أبي طالب دعوى باطلة, ذكرها الشيخ هنا لتوافق مذهبه فحسب, وما ذكره من أنه كان لأبي طالب عند النبي  rأياد مشكورة عند الله تعالى, على وجه الاستدلال فليس بحجة, وليس فيه دليل على إسلامه, وإنما فيه دلالة على نصرته وحمايته, والله تعالى أعلم.
3- رؤية الله عزوجل: من المسائل العقدية الصعبة ؛ التي لا تزال مثار جدل بين العلماء, مسألة رؤية الله تعالى, وقد اختلف العلماء فيها اختلافا كثيرا بين مثبت وناف لها.
قال العلامة ابن عاشور: والخلاف في رؤية الله في الآخرة شائع بين طوائف المتكلمين؛ فأثبته جمهور أهل السنة لكثرة ظواهر الأدلة من الكتاب والسنة مع اتفاقهم على أنها رؤية تخالف الرؤية المتعارفة().
وقد نفى الشيخ في غير موطن من التفسير رؤية الله سبحانه و تعالى, مصرحا تارة وملمحا أخرى, فعند قوله تعالى: ﭽ ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ        ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ   ﯙ  ﭼ البقرة. قال: يعني عيانا ، وفي هذا الكلام دليل واضحٌ على أن من أجاز على الله الرؤية فقد جعله من جملة الأجسام والأعراض, تعالى الله عن ذلك().
فقوله إن من أجاز على الله الرؤية, فقد جعله من جملة الأجسام والأعراض, فيه إشارة من طرف خفي على أنه يقول بنفي الرؤية عن الله تعالى, وهذا تأويل بعيد من الشيخ, والغرض منه نفي رؤية الله تعالى.
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭥ  ﭦ   ﭧ   ﭨ  ﭩ  ﭪﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ   ﭼ الأنعام. قال: والآية تدل على أنه لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة لأنه يمدح بنفي الرؤية عزّ وجل عما يقول المبطلون وهو يدرك الأبصار لا يخفى عليه شيء ولا يفوته().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﮄ   ﮅ       ﮆ  ﮇ  ﮈ    ﮉ  ﮊ  ﭼ المطففين. قال:  عن رحمته وإحسانه وكرامته(), يعني محجوبون.
قلت وليس هذا هو المراد من الآية, بل المراد أنهم محجوبون عن النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى؛ لأن سياق الآية في الحديث عن المكذبين بيوم الدين, فكان جزاؤهم حرمانهم لذة النظر إلى وجهه الكريم جل وعلا, حين كذبوا وأنكروا يوم الدين, ويفهم من دليل خطاب الآية الكريمة أن المؤمنين لا يحجبون عن ربهم.
قال الزجاج : وفي هذه الآية دليل على أن الله عز و جل يرى في الآخرة, ولولا ذلك لما كان في هذه الآية فائدة, ولا خسست منزلة الكفار بأنهم يحجبون عن الله عزوجل.
 وقال تعالى في المؤمنين : ﭽ ﭙ  ﭚ    ﭛ    ﭜ   ﭝ      ﭞ  ﭟ        ﭠ  ﭼ القيامة. فأعلم الله عزوجل أن المؤمنين ينظرون إلى الله, و أن الكفار يحجبون عنه().
وقال مالك بن أنس لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه وقال الشافعي لما حجب قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضى().
وعند قوله تعالى: ﭽ ﭙ  ﭚ    ﭛ    ﭜ   ﭝ      ﭞ  ﭟ        ﭠ  ﭼ القيامة. لم يظهر رأي الشيخ بشكل واضح من هذه المسألة فقد اكتفى بذكر الأقوال ولم يبين لنا رأيه, حيث قال: { إلى ربها ناظرة } فيه وجهان : أحدهما أن المراد نظر العين ، وثانيها أن المراد الانتظار ، فمن حمله على الانتظار قيل : تنتظر الثواب من ربها ، روي ذلك عن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) والحسن ، وقيل : إلى بمعنى النعمة أي نعم ربها منتظرة ، أي قطعوا أطماعهم عن كل شيء سوى الله ، قال الشاعر :
وجوه ناظرات يوم بدرٍ     إلى الرحمان يأتي بالخلاصِ.
فأما من قال يحمل على نظر العين قيل: إلى ثواب ربها ناظرة أي منتظرة إلى ما أعطاها الله في الجنة من النعم حالاً بعد حال, وروي ذلك عن جماعة من المفسرين فذكر نفسه وأراد ثوابه, قال القاضي: والأول أولى() .
فالظاهر أن الشيخ في هذا الموضع لم يذكر لنا رأيه, وإنما اكتفى بسرد وذكر الأقوال في هذه المسألة.
قال الراغب وقال بعضهم في قوله تعالى: ﭽ ﭙ  ﭚ    ﭛ    ﭜ   ﭝ      ﭞ  ﭟ        ﭠ  ﭼ القيامة. إن معناه: إلى نعمة ربها منتظرة، وفي هذا تعسف من حيث البلاغة().
قلت:وهذا قول المعتزلة قدروا ذلك؛ لأنهم ينفون رؤية الله.
قال ابن حزم: وحمل الكلام على ظاهره الذي وضع له في اللغة فرض لا يجوز تعديه إلا بنص أو إجماع().
والحق الذي أدين به إلى الله تعالى وأدعو إليه أن رؤية الحق سبحانه و تعالى يوم القيامة ثابتة, والآيات القرآنية والأحاديث النبوية صريحة الدلالة على رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى, لا تقبل تحريفا ولا تأويلا ().
ومن الأخبار الصحيحة في الباب مارواه الإمام البخاري في صحيحه قال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني سعيد وعطاء بن يزيد أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي  rوحدثني محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة قال: قال أناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال ( هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ) . قالوا لا يا رسول الله قال ( هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ). قالوا لا يا رسول الله قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك... وساق الحديث بطوله().
وروى الإمام مسلم في صحيحه قال(): حدثنا زهير بن حرب حدثنا مروان بن معاوية الفزاري أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد حدثنا قيس بن أبي حازم قال سمعت جرير بن عبدالله وهو يقول: كنا جلوسا عند رسول الله  rإذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني العصر والفجر ثم قرأ جرير ﭽ ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ    ﮐ     ﮑ ﭼ طه: ١٣٠.

























الفصل الخامس:
منهجه في عرض آيات الأحكام
لقد نزل القرآن الكريم مشتملا على آيات تتضمن أحكاما فقهية, وسميت هذه الآيات بآيات الأحكام, أنزلها الله سبحانه وتعالى على عباده, مراعاة لما يصلح لهم, ولتكون لهم عونا في حياتهم, يستطيعون من خلالها معرفة ما لهم وما عليهم, فإن هم تمسكوا بها وطبقوها في واقعهم, كان ذلك صلاحا لهم في دنياهم, وفوزا لهم في أخراهم.
وعلم الفقه علم بارز وله أهميته بين العلوم الإسلامية الأخرى, و من أحبه الله فقهه في دينه, قال عليه الصلاة والسلام: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"().ولذا فالخير كل الخير أن يتفقه المسلم في دينه, ويعلم الحلال فيعمل به, والحرام فيبعد عنه.
وقد وقف الشيخ عند الآيات التي تناولت الأحكام الفقهية, مبينا أقوال الفقهاء وآراءهم في هذه الآيات بإيجاز.
وسأبين طريقته ومنهجه في تناوله لهذه الآيات الفقهية, على النحو الذي رسمه في تفسيره رحمه الله.
وذلك في المبحث الآتي:
أ- طرق عرضه لأقوال الفقهاء وموقفه منها: يقوم منهج الشيخ في مثل هذه القضايا على بسط آراء الفقهاء من الصحابة والتابعين, وأئمة المذاهب الفقهية, أبي حنيفة ومالك والشافعي, رحمهم الله جميعا, وأحيانا يشير إلى مذهب الظاهرية, وأهل البيت.
وقد سلك الشيخ مسلكين رئيسين عند عرضه للآراء الفقهية:
المسلك الأول: ذكره الآراء الفقهية مرجحا تارة, وتاركا الترجيح تارة أخرى.
 وهذا هو الغالب على منهجه, ومن الأمثلة التي رجح فيها, ما أورده عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ    ﭦ  ﭧﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ   ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭼ البقرة.
قال الشيخ: { للذين يؤلون من نسائهم } قيل: كان الإيلاء طلاق الجاهليَّة, وفي ابتداء الإسلام كان الرجل لا يريد المرأة, ويكره أن يتزوجها غيره ويحلف أن لا يقربها فنزلت الآية, وجعل حده { أربعة أشهر } وفيه حذف أي يعتزلون عن وطء النساء, فحذف لدلالة الثاني عليه { وإن عزموا الطلاق } فتربصوا إلى مضي المدة { فان الله سميع عليم } هذا وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة, وعلى قول الشافعي: معناه فإن فاءوا وإن عزموا بعد مُضِي المدة.
 قوله: { تربص أربعة أشهرٍ } التوقف والتلبث في أربعة أشهر, فكل يمين يمتنع به من الجماع أربعة أشهر, فما فوقها فهي إيلاء, وما كان دون أربعة أشهر فليس بإيلاء, وقيل : الإيلاء الحلف على الامتناع من الجماع, على جهتي الغضب والضرار عن علي ( عليه السلام ) وابن عباس وهو الظاهر.
فبعد أن عرف الشيخ الإيلاء بأنه كل يمين يمتنع به الزوج عن وطء زوجته, مدة تزيد عن  أربعة أشهر, وهذا هو التعريف الذي ارتضاه عامة الفقهاء, رجح قول الإمام علي وابن عباس رضي الله عنهما, وهو أن الإيلاء الامتناع من الجماع على جهتي الغضب والضرار قال: وهو الظاهر().
وهذا ليس بصحيح؛ لأن الإيلاء يصح في حال الرضا والغضب، فلا يشترط في الإيلاء كونه في حال الغضب، ولا قصد الإضرار، لعموم آية الإيلاء، ولأن الإيلاء كالطلاق والظهار وسائر الأيمان، سواء في الغضب والرضا، ولأن حكم اليمين في الكفارة وغيرها سواء في الغضب والرضا، فكذلك في الإيلاء().
ومن الأمثلة التي لم يرجح فيها الشيخ قولا على قول, ما ذكره عند قوله تعالى: ﭽ ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ   ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ   ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ   ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ          ﭛﭜ  ﭝ  ﭞ   ﭟ  ﭠ  ﭼ البقرة.
قال الشيخ: قوله تعالى : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } قيل : نزلت في عبد الله بن رواحة الأنصاري, حلف أن لا يدخل على أخيه بشرا, لشيء بينهما, ولا يصلح بينه وبين خصم له, وكان يقول حلفتُ بالله فلا أفعل, فنزلت الآية, وقيل : نزلت في أبي بكر حين حلف أن لا ينفق على مسطح بن أثاثة, حين خاض في الإفك(). أي لا تجعلوا اليمين بالله حجة في المنع من البر والتقوى, وقيل : لا تجعلوا اليمين عذراً وعلةً وتقولوا حلفنا بالله ولم تحلفوا { أن تبروا } بمعنى أن لا تبروا فحذف, قال امرؤ القيس :
فقلت يمين الله أبرح قاعداً    ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي().
وقيل: هو من البر؛ يعني ينهاكم عن كثرة الأيمان لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح, واتقوا الآثام في الإيمان { وتصلحوا بين الناس } يعني إذا عرفتم بقلة الأيمان تصلحوا بقولكم.
 ثم بيّن الله أقسام الأيمان: فقال تعالى:
{ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قيل : اللغو أن يحلف وهو يرى أنه صادق, عن ابن عباس والحسن ومجاهد وهو قول العترة ( عليهم السلام ) وح() وأصحابه, وقيل: ما يصله بكلام من غير قصد, كقوله لا والله, بلى والله عن عائشة وهو قول الشافعي, وقيل: هو يمين العصيان عن سعيد بن جبير, وروي نحوه عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) غير أنه قال: « يحنث ويكفر », وقيل: هو اليمين في المعصيَة, وقيل: هو أن يحلف ثم يحنث ناسياً لا يؤاخذ به.
{ ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } أي عَزَمْتُم وقصدتم, وفيه حذف أي من إيمانكم.
{ والله غفور } يغفر الذنوب { حليم } يمهل ولا يعجل بالعقوبة().
عرض الشيخ في هذه الآية الكريمة, إلى معنى يمين اللغو, ذاكرا أقوالا ستة فيها, أعني يمين اللغو.
القول الأول: اللغو أن يحلف, وهو يرى أنه صادق, ونسب هذا القول إلى ابن عباس, والحسن وآل البيت, وأبي حنيفة وأصحابه.
القول الثاني: وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها, وهو قول الشافعي رحمه الله, ومفاده أن يمين اللغو ما يصله بكلام من غير قصد, كقوله لا والله, بلى والله.
القول الثالث: عن سعيد بن جبير, وهو يمين العصيان.
القول الرابع: نحوه عن الإمام علي رضي الله عنه, إلا أنه قال يحنث ويكفر.
القول الخامس: اليمين في المعصية.
القول السادس: حلف الرجل ثم يحنث ناسيا فلا يؤاخذ به.
تبين من خلال هذا المثال أن الشيخ قد عرض خلاف العلماء في يمين اللغو دون ترجيح بين هذه الأقوال, كمالم يذكر لنا رأيه في المسألة.
قال ابن العربي: "...والذي يقطع به اللبيب أنه لا يصح أن يكون تقدير الآية: لا يؤاخذكم الله بما لا مضرة فيه عليكم, إذ قد قصد هو الإضرار بنفسه, وقد بين المؤاخذة بالقصد, وهو كسب القلب, فدل على أن اللغو ما لا فائدة فيه, وخرج من اللفظ يمين الغضب ويمين المعصية, وانتظمت الآية قسمين: قسم كسبه القلب, فهو المؤاخذ به, وقسم لا يكسبه القلب, فهو الذي لا يؤاخذ به, وخرج من قسم الكسب يمين الحالف ناسيا..."().
وأيا كان الخلاف بين الفقهاء, في المراد من يمين اللغو, فإن الراجح فيها, ما ذهب إليه الجمهور وهو: أن يخبر عن الماضي أوعن الحال على الظن أن المخبر به كما أخبر، وهو بخلافه، في النفي والإثبات. وبعبارة أخرى: هي أن يحلف على شيء يظنه كما حلف، فلم يكن كذلك. مثل قول الحالف: ( والله ماكلمت زيداً ) وفي ظنه أنه لم يكلمه، وقوله: ( والله لقد كلمت زيدا ً ) وفي ظنه أنه كلمه، وهو بخلاف الواقع().
المسلك الثاني: عرضه لأقوال الفقهاء دون مناقشة أو تعليق.
 من منهج الشيخ عند بسط آراء الفقهاء وأقوالهم, عدم مناقشتها أو التعقيب عليها, ويكاد يكون هذا في كل الآيات الفقهية, التي عرض لها().
ومن الأمثلة التي أوردها الشيخ دون تعليق أو تعقيب, ماذكره عند تفسير لقول الله عزوجل: ﭽ ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ     ﮆ  ﮇ  ﭼ المجادلة:3.
الظهار أن يقول: أنت عليّ كظهر أمي, واختلفوا في العود, فقيل: هو العزم على الوطء, وهو قول الهادي, وعن قتادة وأبي حنيفة ومالك مثل ذلك, وقيل: هو إمساكها عقيب الظهار مدة يتمكن أن يطلقها, عند ش(), وقيل: هو أن يكرر لفظ الظهار, عن أصحاب الظاهر, وقيل: أن يجامعها, عن الحسن().
فأما مذهب الظاهرية في أن العود هو تكرار اللفظ, أخذا بظاهر اللفظ فغير صحيح؛ لأن تقدير الآية ثم يعودون عما قالوا, ولذلك لم يرتض هذا القول جمع من العلماء, وقاموا برده.
 قال ابن العربي بعد أن ذكر اختلافهم في العود: فأما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعا, ولا يصح عن بكير, وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه().
وفي تفسيره للآية قال ابن كثير رحمه الله: اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله:ثم}َّيَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} فقال بعض الناس: العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره، وهذا القول باطل، وهو اختيار ابن حزم, وقول داود، وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن بُكَيْر ابن الأشج والفراء، وفرقة من أهل الكلام().

وقال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد: ولا يكون تكرار اللفظ؛ لأن ذلك تأكيد, والتأكيد لا يوجب الكفارة().
وأما من قال بأن العود هو الجماع, فلا يصح قوله؛ لأن الله تعالى قال: ﭽ ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ ﭼ المجادلة: ٣.
فعقب سبحانه وتعالى بعد ذكر العود مباشرة ذكر الكفارة, وهو تحرير رقبة, وقوله{من قبل أن يتماسا} ظاهر في أنه لايطؤها حتى يكفر(). والله تعالى أعلم.
فالشاهد من كل ماسبق أن الشيخ رحمه الله, أورد آراء الفقهاء ولم يعلق أو يناقش ما ذهبوا إليه().
وبعد: فهذه بعض الأمثلة لبعض المسائل الفقهية, التي عرض لها الشيخ, وكان الغرض والهدف منها بيان منهجه وطريقته في ذلك, وبالجملة فإن تفسير الشيخ لم يشتمل على أبحاث فقهية موسعة, كما أن تفسيره خلا من الخلافات والمناقشات التي دارت بين الفقهاء؛ ذلك أن الخلافات الفقهية قد أفردت لها مؤلفات وكتب خاصة بها, اعتنت بهذا الجانب, فمن أراد التوسع, يمكنه الرجوع إليها ليجد ضالته هناك.
والواقع أن المفسر حينما يجتنب الخوض في مثل هذه الأبحاث الفقهية, بشكل موسع, إنما كان في اعتقاده أن هذا الفعل ربما كان صارفا له عن وظيفته الأساسية, ألا وهي الكشف عن معاني الكلمات, ولذلك تراه يجتنب الإطناب ويؤثر الاختصار().







الفصل السادس:
 الإسرائيليات وموقف الشيخ منها
توطئة:
تعد الإسرائيليات عاملا من عوامل الحرب الفكرية والعقائدية الضارية، التي شنها اليهود وغلاة النحل المبتدعة على الإسلام والمسلمين بكافة الوسائل من التخفي والتسلل والتمويه، بقصد تمزيق وحدة المسلمين، وتلهيتهم عن دينهم القويم، وتشتيتهم عن صراطه المستقيم().
وتغلغل الإسرائيليات وانتشارها في التراث الإسلامي عامة، وفي كتب تفسير القرآن خاصة، له من الأثر السيئ ما لايخفى على أحد, ولذا يجب على المفسر أن يكون حذرا يقظا عند التعامل معها.
ويعجبني كلام رائع لأبي بكر بن العربي وهو يتحدث عن الإسرائيليات ذكره الإمام القرطبي في تفسيره قال: "والإسرائيليات مرفوضة عند العلماء على البتات، فأعرض عن سطورها بصرك، وأصمم عن سماعها أذنيك، فإنها لا تعطي فكرك إلا خيالا، ولا تزيد فؤادك إلا خبالا"().
المبحث الأول: موقف الشيخ من الإسرائيليات.
من المعتاد أن يضع كل مفسر مقدمة يشرح ويبين فيها منهجه الذي سيسلكه في خطوط عريضة, وطريقته في التفسير, وموقفه من الإسرائيليات بشكل محدد.
أما الشيخ الأعقم فلم يضع مقدمة لتفسيره يبين لنا منهجه بشكل عام, وموقفه من الإسرائيليات على وجه الخصوص, على أنني ومن خلال قراءتي في تفسيره أحاول أن أبين منهجه في عرض القصص القرآني والإسرائيليات, وموقفه من ذلك كله, على النحو والوجه الذي سلكه رحمه الله.
وفي هذا المبحث سأتناول الحديث عن تعريف الإسرائيليات, وأقسامها من حيث القبول والرد, ومن ثم سأعرض لموقفه منها, وقوفا على بعض الأمثلة من التفسير.





أولا: تعريف الإسرائيليات.
لفظ الإسرائيليات جمع, مفرده إسرائيلية, وهي قصة أو حادثة تروى عن مصدر إسرائيلي, والنسبة فيها إلى إسرائيل, وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبو الأسباط الاثني عشر, وإليه ينسب اليهود. فيقال ((بنو إسرائيل))().
ولفظ الإسرائيليات وإن كان يدل بظاهره على اللون اليهودي للتفسير، وما كان للثقافة اليهودية من أثر ظاهر فيه، إلا أنَّا نريد به ما هو أوسع من ذلك وأشمل، فنريد به ما يعم اللون اليهودي واللون النصراني للتفسير، وما تأثر به التفسير من الثقافتين اليهودية والنصرانية.
يقول الدكتور الذهبي: "وإنما أطلقنا على جميع ذلك لفظ "الإسرائيليات"، من باب التغليب للجانب اليهودي على الجانب النصراني، فإن الجانب اليهودي هو الذي اشتهر أمره فكثر النقل عنه، وذلك لكثرة أهله، وظهور أمرهم، وشدة اختلاطهم بالمسلمين من مبدأ ظهور الإسلام إلى أن بسط رواقه على كثير من بلاد العالم ودخل الناس فى دين الله أفواجاً"().
ثانيا: أنواع الإسرائيليات من حيث قبولها وردها.
 قسم العلماء رحمهم الله تعالى الإسرائيليات من حيث القبول والرد, إلى ثلاثة أقسام, لعل من أحسنها تقسيم شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله, حيث قال في مقدمته: "...ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد, فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق, فذاك صحيح.
الثاني :  ما علمنا كذبه بماعندنا مما يخالفه. بمعنى هو كذب .
الثالث: ما هو مسكوت عنه, لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل, فلا نؤمن به ولا نكذبه, وتجوز حكايته...وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني().
فمثال الأول: تعيين معلم سيدنا موسى عليه السلام الذي ورد في سورة الكهف بأنه الخضر عليه السلام, وذلك لما ورد في السنة النبوية, فقد روى البخاري في صحيحه قال: حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي r قال ( إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء )().
ومثال القسم الثاني: ماذكره  ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﭽ ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ   ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ   ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﭼ المائدة.
قال: وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا أخبارًا من وضع بني إسرائيل، في عظمة خلق هؤلاء الجبارين، وأنه كان فيهم عوج بن عنق، ابن آدم عليه السلام، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع، تحرير الحساب! وهذا شيء يستحي من ذكره. ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيح أن رسول الله  rقال: "إن الله تعالى خلق آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن"().
فقد رد رحمه الله هذا الكلام ولم يقبله بتاتا , واعتبره شيئا يستحيى من ذكره , وذلك لمخالفته ما في الصحيح.
وأما النوع الثالث: فمثاله ما يذكره المفسرون في مثل أسماء أصحاب الكهف, ولون كلبهم, وعصا موسى من أي الشجر كانت, وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين بعض البقرة الذي ضُرِب به قتيل بني إسرائيل، ونوع الشجرة التي كلِّم الله منها موسى.. إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن ولا فائدة في تعيينه تعود على المكلَّفين في ديناهم أو دينهم().
ثالثا: موقف الشيخ من الإسرائيليات.
لقد عرض الشيخ في تفسيره إلى ذكر الإسرائيليات, شأنه في ذلك شأن بعض المفسرين الذين ضمنوا وألحقوا تفاسيرهم بها, وسأذكر نماذج تبين مدى تعرضه للإسرائيليات.
1- قصة آدم عليه السلام في تسميته لولده:
عند تفسير الشيخ لقوله تعالى: ﭽ ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ   ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻﭼ  ﭽ   ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ   ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ   ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ    ﮘﮙ  ﮚ   ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﭼ الأعراف. قال: { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } يعني آدم عليه السلام  { وجعل منها } أي خلق منها { زوجها } وهي حواء خلقها الله من جسد آدم من ضلع من أضلاعه, { ليسكن إليها } أي ليطمئن إليها ويميل, { فلما تغشاها } والتغشي كناية عن الجماع.  {حملت حملاً خفيفاً } خف عليها لم تلق منه ما تلقى بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذى, {فلما أثقلت } كبر الحمل في بطنها وتحرك { دعوا الله ربهما } يعني دعا آدم وحواء ربهما مالكهما؛ الذي هو الحقيق بأن يدعى إليه قالا : { لئن آتيتنا صالحاً } وهبت لنا ولداً صالحاً في الدين { لنكونن من الشاكرين } قال في الثعلبي : وذلك أنهما أشفقا أن يكون بهيمة ، وروي فيه أيضاً : أن آدم وحواء لما أهبطا إلى الأرض ألقيت الشهوة في نفس آدم فأصابها فحملت ، فلما تحرك ولدها في بطنها أتاها إبليس فقال : ما هذا إلا ناقة أو جمل أو بقرة أو ضائنة أو ماعز ، وما يدريك ما في بطنك لعله كلب أو خنزير أو حمار ، وما يدريك من أين يخرج من دبرك فيقتلك أو من عينك أو أذنك أو من فيك أو ينشق بطنك ، فخافت حواء ، فقال : أطيعيني وسميه عبد الحارث وكان اسمه في الملائكة الحارث تلدين, فذكرت ذلك لآدم  عليه السلام فقال : لعله صاحبنا الذي قد علمت ، فلم يزل بهما حتى سمياه عبد الحارث ، وروي عن ابن عباس أيضاً : كانت حواء تلد لآدم  عليه السلام  فتسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن ونحو ذلك فيصيبهم الموت ، فأتاهما إبليس فقال : إن شئتما يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحرث ، فولدت ابنا فسماه عبد الحارث { فلما آتاهما } ما طلباه من الولد الصالح السوي { جعلا له شركاء } أي جعلا أولادهما له شركا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وكذلك { فيما آتاهما } أي أتى أولادهما ، ويدل عليه قوله تعالى : { فتعالى الله عما يشركون }().
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره الآية, بعد أن بين ضعف هذا الحديث من عدة وجوه: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال الحسن: عنى بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده يعني: قوله تعالى: ﭽ ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ    ﮘ ﭼ الأعراف: ١٩٠, وحدثنا بشر حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادًا، فهوّدوا ونَصَّروا .
وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن، رحمه الله، أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظًا عن النبي r، لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيما مع تقواه لله وَوَرَعه، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم، مثل: كعب أو وهب بن مُنَبّه وغيرهما().
وعند تفسيره للآية يقول ابن العربي, بعد أن أشار إلى ضعف هذا الحديث أيضا: وفي الإسرائيليات كثير ليس لها ثبات، ولا يعول عليها من له قلب؛ فإن آدم وحوآء وإن كان غرهما بالله الغرور فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وما كانا بعد ذلك ليقبلا له نصحا ولا يسمعا منه قولا().
فالملاحظ أن الشيخ ذكر هذه الرواية التي تتنافى مع عصمة سيدنا آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم, ولم يعقب على ذلك بشيء.
إن الرسل والأنبياء جميعا جاءوا برسالة واحدة ألا وهي تحقيق العبودية لله الواحد الأحد, ونفي الشرك عنه سبحانه وتعالى, فكيف يعقل بعد هذا أن نتأول الآية ﭽ ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ    ﮘ ﭼ الأعراف: ١٩٠, على معنى جعلا أولادهما له شركا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. كما ذكر الشيخ.
2- زواج النبيr من زينب بنت جحش:
ومن الروايات الدخيلة على التفسير التي ذكرها الأعقم في تفسيره, ولم يعقب عليها ماذكره عند تفسيره لقوله تعالى: ﭽ ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ   ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ   ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ   ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ    ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ     ﮝ  ﭼ الأحزاب. حيث أورد رواية موضوعة في سبب نزولها.
قال الأعقم: الآية نزلت في زيد بن حارثة وامرأته زينب بنت جحش مكثت عنده أياماً ثم أراد فراقها فقال له الرسول r: « اتق الله وأمسك عليك زوجك » فأبى وقال : تؤذيني بلسانها ، فطلقها فخطبها رسول الله rفتزوجها ، وقيل : أن رسول الله أبصرها بعدما أنكحها زيداً فوقعت في نفسه فقال: «سبحان مقلب القلوب » وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا يريدها ولو أرادها لخطبها ، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله r فقال لرسول الله : إني أريد أن أفارق صاحبتي ، فقال : « ما لك أرأيت منها شيئاً » فقال : لا والله ما رأيت منها إلا خيراً ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني ، فقال له : « امسك عليك زوجك واتق الله » ثم طلقها ، فلما اعتدت قال له رسول الله : « ما أحد أوثق مني بنفسي منك أخطب علي زينب » قال زيد : فانطلقت فإذا هي تخمر عجينتها فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أنظر إليها حين علمت أن رسول الله rذكرها ، فوليتها ظهري وقلت : يا زينب أبشري إن رسول الله يخطبك ، ففرحت وقامت إلى مسجدها().
اتضح من خلال هذا المثال أن الشيخ أورد هذه الرواية, وكان من الواجب عليه أن ينبه على بطلانها, فمثل هذه الروايات ينبغي بل يجب أن ترد؛ لأنها لا تتناسب وعصمة الحبيب المصطفى r ومقام النبوة الرفيع.
كان حسنا لو أن الشيخ أضرب صفحا عن ذكر هذه الرواية المكذوبة عن النبي r  التي اتخذها المناؤون والطاعنون في دين الله سبحانه وتعالى ذريعة وسبيلا للنيل من شخصه الكريم عليه الصلاة والسلام.
إن مثل هذه الرواية وغيرها لا يرضى أي أحد من الناس أن تقال فيه, ولو نسبت إلى أفسق الناس وأشدهم عصيانا لاستنكف منها, ولم يرتضها لنفسه فكيف نرتضيها لرسولنا الكريم r وهو أكرم الخلق على الله تعالى دينا وخلقا وصفات وفضائل, وكيف لا وقد زكاه المولى تبارك وتعالى في محكم تنزيله فقال: ﭽ ﮛ  ﮜ     ﮝ  ﮞ  ﮟ   ﭼ القلم.
إذن غير لائق أن يقال في حق الصادق المصدوق كل الذي ذكر.
قال ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى:" ....وتخفي في نفسك مالله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه": ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ههنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحا , لعدم صحتها فلا نوردها().
وقال الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه, عند قوله تعالى: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليك..." الآية.
على أن الغريب في هذه القصة ما أدخله عليها المغفلون من دسائس الشهوة ومظاهر الحب الرخيص. فقد زعموا أن الرسولr أحب زينب, ثم كتم هذا الحب, ثم ظهر فتزوجها بعدما طلقت.
ونحن نتعجب _يقول الشيخ الغزالي_ أشد العجب لهذا الخبط الهائل, ومحاولة تلبيس الحق بالباطل.
من كان يمنع محمدا rمن الزواج بزينب وهي من أسرته_بنت عمه_ وهو الذي ساقها إلى رجل لم تكن فيه راغبة, وطيب خاطرها لترضى به؟!
أفبعد أن يقدمها لغيره يطمع فيها؟!
ثم لننظر إلى الآية وما يزعمون أنها تضمنته من عتاب.
 إنهم يقولون: الذي كان يخفيه النبيr في نفسه ويخشى فيه الناس دون الله هو ميله لزينب؛ أي أن الله-بزعمهم- يعتب عليه عدم التصريح بهذا الميل !!
 ونقول: هل الأصل الأخلاقي أن الرجل إذا أحب امرأة لغط بين الناس مشهرا بنفسه وبمن أحب, وخصوصا إذا كان ذا عاطفة منحرفة جعلته يحب امرأة رجل آخر ؟!!.
هل يلوم الله رجلا لأنه أحب امرأة آخر فكتم هذا الحب في نفسه ؟! أكان يرفع درجته لو أنه صاغ فيها قصائد غزل ؟!.
 هذا والله هو السفه!
 وهذا السفه هو ما يريد بعض المغفلين أن يفسروا به القرآن !!.
...فالذي أخفاه النبي  rفي نفسه تأذّيه من هذا الزواج المفروض، وتراخيه في إنفاذ أمر الله به، وخوفه من لغط الناس عندما يجدون نظام التبني -كما ألفوه- قد انهار.
وقد أفهم الله نبيهr أن أمره سبحانه لا يجوز أن يقفه توهم شئ ما، وأنه _بإزاء التكليف الأعلى_ لا مفر له من السمع والطاعة، شأن من سبقه من المرسلين.
وإذا عدت إلى الآية التي تتضمن القصة, وجدتها ختمت بقوله تعالى: ﭽ ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ     ﮝ  ﭼ الأحزاب: ٣٧. أي من حقه أن يقع حتما.
ثم أعقبها ما يؤكد هذا المعنى:ﭽ ﮞ  ﮟ       ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ   ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ   ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ    ﯡﯢ  ﯣ   ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﭼ الأحزاب.
ويضيف الشيخ الغزالي في ذات السياق قائلا: إنك عندما تثبت قلب رجل تقول له: لا تخش إلا الله؛ إنك لا تقول له ذلك وهو بصدد ارتكاب معصية, إنما تقول ذلك له وهو يبدأ القيام بعمل فاضل كبير يخالف التقاليد المتوارثة، وظاهر في هذه الآيات كلها أن الله لا يجرئ نبيه على التدله بحب امرأة، وإنما يجرئه على إبطال عادة سيئة يتمسك الناس بها، ويراد منه كذلك أن ينزل على حكمها، ولذلك يقول الله تعالى بعد ذلك مباشرة، وهو يهدم نظام التبني: ﭽ ﯧ  ﯨ         ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ   ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ   ﭼ الأحزاب(). انتهى كلامه رحمه الله.
وممن أجاد في رد هذه الرواية, القاضي ابن العربي فقد قام رحمه الله بتفنيد هذه الرواية تفنيدا علميا محكما, فجزاه الله خير الجزاء, حيث قال: وما وراء هذه الرواية غير معتبر, فأما قولهم إن النبيr رآها فوقعت في قلبه فباطل, فإنه كان معها في كل وقت وموضع, ولم يكن حينئذ حجاب, فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة, ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج, وقد وهبته نفسها, وكرهت غيره, فلم تخطر بباله, فكيف يتجدد له هوى لم يكن, حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة..
 وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لَهُ : ﭽ ﮜ   ﮝ  ﮞ  ﮟ     ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ   ﮧ      ﮨ   ﮩ ﭼ طه: 131.والنساء أفتن الزهرات وأنشر الرياحين, فيخالف هذا في المطلقات, فكيف في المنكوحات المحبوسات, وإنما كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل: إن زينب زوجك, ولم يكن بأسرع أن جاءه زيد يتبرأ منها, فقال له: اتق الله, وأمسك عليك زوجك, فأبى زيد إلا الفراق, وطلقها وانقضت عدتها, وخطبها رسول اللهr على يدي مولاه زوجها, وأنزل الله القرآن المذكور فيه خبرهما, هذه الآيات التي تلوناها وفسرناها, فقال: واذكر يا محمد إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أمسك عليك زوجك, واتق الله في فراقها, وتخفي في نفسك ما الله مبديه؛ يعني من نكاحك لها, وهو الذي أبداه لا سواه. وقد علم النبي r أن الله تعالى إذ أوحى إليه أنها زوجته لا بد من وجود هذا الخبر وظهوره؛ لأن الذي يخبر الله عنه كائن لا بد أن يكون, لوجوب صدقه في خبره, هذا يدلك على براءته من كل ما ذكره متسور من المفسرين().
وحاصل مافي المسألة أن النبيr تزوج من السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها, بعد طلاقها من زيد بن حارثة رضي الله عنه, وذلك وحيا من الحق سبحانه وتعالى, وأمرا منه, قطعا  لظاهرة كانت منتشرة في الجاهلية ألا وهي ظاهرة التبني.
3- قصة الغرانيق:
عند تفسير الشيخ لقوله تعالى:ﭽ ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ     ﮏ  ﮐ       ﮑ      ﮒ   ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ   ﮜ   ﮝ  ﮞ  ﮟﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ   ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﭼ الحج.
يذكر لنا الشيخ سبب نزول نقله عن الزمخشري حيث قال: قال جار الله والسبب في نزول هذه الآية أن رسول الله  rلما أعرض عنه قومه وخالفوه وشاقوه ولم يشايعوه على ما جاء به, تمنى لفرط ضجره عن إعراضهم وتحريضه على إسلامهم أن لا ينزل عليهم ما ينفرهم حتى نزلت عليه سورة النجم وهو في نادي قومه وذلك التمني في نفسه ، فأخذ يقرأها فلما وصل { ومناة الثالثة الأخرى } { ألقى الشيطان في أمنيته } التي تمناها, أي وسوس إليه فسبق لسانه على سبيل السهو والغفلة إلى أن قال : تلك الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهم لترتجى, ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فثبّته عليه ، وقيل : ثبَّته عليه جبريل ، وقيل: تكلم الشيطان بذلك فاستمعه الناس ، فلما سجد في آخر السورة سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم, وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء ، زاد المنافقون به شكاً وظلمة ، والمؤمنون نوراً وإيقاناً().
وهاتان الآيتان من الآيات التي كثر اللغط والغلط حولها, فقد ذكر جماعة من المفسرين سبب نزول متعلق بالآيتين غير صحيح.
هذا ومما يؤخذ على الأعقم تركه هذه الرواية الإسرائيلية, بينة البطلان- على ماسيأتي بيانه- دون أن يعقب عليها, أو ينبه على أنها من وضع أهل الكتاب, وضعوها ودسوها في تراثنا تشويها لسمعة نبينا  ورسولناr وتشكيكا في عصمته.
غير أن هناك من المفسرين المدققين, والعلماء المحققين, ممن جعلوا الأدلة مرآتهم فأبصروا النور والحق المبين, فانبروا وتصدوا للرد على هذه الرواية الباطلة, وقاموا بدحض الشبه التي تطعن في شخصه r.
من هؤلاء القاضي عياض المالكي رحمه الله فقد وجدت له كلاما رائعا, في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى, قال فيه: "فاعلم أكرمك الله أن لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين:
 المأخذ الأول: يكفيك أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، والمتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم().
 المأخذ الثاني: فهو مبني على تسليم الحديث لو صح، وقد أعاذنا الله من صحته ولكن على كل حال فقد أجاب على ذلك أئمة المسلمين بأجوبة منها الغث والسمين"(), ثم ذكر أحاديث وبين ضعفها.
وقال الإمام القرطبي عند قوله تعالى: ﭽ ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ     ﮏ  ﮐ       ﮑ      ﮒ   ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ   ﮜ   ﮝ  ﮞ  ﮟﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ   ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﭼ الحج.بعد أن ذكر بعض الروايات: ومما يدل على ضعفه أيضا وتوهينه, من الكتاب قوله تعالى: ﭽﯟ  ﯠ   ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨﯩ   ﯪ  ﯫ  ﯬﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ     ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﭼ الإسراء.
فإنهما تردان الخبر الذي رووه؛ لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفتري، وأنه لولا أن ثبته لكان يركن إليهم, فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالى عصمه من أن يفتري وثبته, حتى لم يركن إليهم قليلا, فكيف كثيرا، وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم، وأنه قال عليه الصلاة والسلام: افتريت على الله وقلت ما لم يقل.
وهذا ضد مفهوم الآية، وهي تضعف الحديث لو صح، فكيف ولا صحة له().
ولله در الفخر الرازي هذا الإمام الفذ والمفسر الجهبذ؛ الذي لا تكاد تمر عليه شبهة إلا وتجد له ردا واضحا فيها. قال رحمه الله بعد أن بين أن هذه الرواية مدفوعة من وجوه: من القرآن ومن السنة ومن المعقول أيضا. قال:هذه رواية عامة المفسرين الظاهريين. أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه رواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول, ثم ذكر الإمام الرازي هذه الوجوه وقال: فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة أكثر ما في الباب, أن جمعاً من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر, وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة().
وبعد فهذه أقوال بعض العلماء أوردتها هاهنا لأبين من خلالها بطلان هذه الرواية, وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينسب للنبيr مثل هذا الافتراء والكذب.


المبحث الثاني: منهج الشيخ في عرض القصص القرآني.
إن القصص القرآني في كتاب الله جل وعلا غني بالمواعظ والعبر, لمن يتدبر ويعتبر, ونجد أن القرآن الكريم قد قص علينا قصص السابقين, لا لمجرد السرد والذكر فحسب؛ بل للاتعاظ وأخذ العبر.
 قال تعالى: ﭽ ﯫ  ﯬ        ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ ﭼ يوسف: ١١١.
وقال عز من قائل: ﭽ ﯧ   ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﭼ الأعراف: ١٧٦.
والغرض من القصص القرآني في الواقع إنما هو تثبيت فؤاد النبي r وتقوية قلبه, فإنه r لما رأى من قومه ما رأى من شدة الأذى والبلاء ساءه ذلك وأحزنه, فأراد الله سبحانه وتعالى أن يقص عليه أخبار الأمم السابقة. قال تعالى: ﭽ ﭯ  ﭰ    ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ   ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﭼ هود: ١٢٠.
وكأن الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام, إذا آلمك قومك ولحقك ما لحقك منهم, فانظر وتأمل في أحوال وأخبار من سبقوك من الأنبياء والمرسلين فإن في قصصهم عبرة وآية لك.
فكان هذا إشعارا وإيذانا منه عز وجل له r ليتحمل ويصبر وألا يتوانى ويقعد عن تبليغ الرسالة التي جاء بها.
وإذا كان ذلك كذلك, فإنه ينبغي على كل مسلم أن ينظر في كتاب الله تعالى, نظرة تفكر وتدبر لآي الذكر الحكيم, ويستخلص منها الدروس والعبر؛ لتكون له نبراسا في حياته يضيء وينير دربه, مقتديا بهدي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ومقتفيا أثره.     
والشيخ الأعقم قد عرض في تفسيره للقصص القرآني كغيره من المفسرين, لكن بطريقة مختصرة بعيدة عن الإطناب والحشو, ودون الخوض في تفاصيل القصة, مكتفيا بذكر مايؤدي الغرض ويحقق المقصود من القصة.
وسأحاول أن أبين منهجه في ذلك على الوجه الذي سلكه ومشى عليه.
1- قصة المائدة:
 عند قوله تعالى: ﭽ  ﯘ  ﯙ   ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ     ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ   ﯬ    ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ   ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ   ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ      ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢﭣ  ﭤ  ﭥ   ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ    ﭬ  ﭭﭮ  ﭯ  ﭰ   ﭱ    ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ    ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ   ﭼ المائدة.
 قال الشيخ: قوله تعالى : { إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك } قال جار الله : فإن قلتَ : كيف قالوا : { هل يستطيع } بعد إيمانهم وإخلاصهم؟ قلتُ : ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص وإنما حكى ادعاءهم لذلك ، وقوله : { هل يستطيع ربك } كلام لا يرد مثله عن مؤمنين مطيعين لربهم ، ولذلك قال ( عليه السلام ) : { اتقوا الله إن كنتم مؤمنين } ، ولا تشكّوا في اقتداره واستطاعته ولا تقترحوا عليه الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها { إن كنتم مؤمنين } أي كانت دعواكم للإِيمان صادقة { قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا } ، قال جار الله : من الشاهدين نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بني إسرائيل { ونكون عليها من الشاهدين } لله تعالى بالوحدانية ولك بالنبوة عاكفين عليها وكانت دعواهم لإرادة ما ذكروا كدعواهم للإِيمان والإِخلاص, وإنما سأل عيسى ( عليه السلام ) وأجيب ليلتزموا الحجة بكمالها ويرسل عليهم العذاب إذا خالفوا {قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء } قال جار الله : أصله يا الله فحذف حرف النداء { تكون لنا عيداً } أي يكون يوم نزولها عيداً ، قيل : هو يوم الأحد ومن ثم اتخذه النصارى عيداً, وقيل : العيد السرور العائد ، ولذلك يقال : يوم عيد فكان معناه يكون لنا سروراً وفرحاً
{ لأولنا وآخرنا } أي لمن في زماننا من أهل ديننا ولمن يأتي بعدنا ، وقيل : يأكل منها آخر الناس كما يأكل منها أولهم ، قال الله مجيباً لعيسى ( عليه السلام ) : { إني منزلها عليكم } يعني المائدة { فمن يكفر بعد منكم } أي بعد نزولها { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } عالمي زمانهم ، فجحد القوم ، وكفروا بعد نزول المائدة ، فمسخوا قردة وخنازير ، وروي أن عيسى ( عليه السلام ) لما أراد الدعاء لبس صوفاً ثم قال : { اللهم انزل علينا مائدة من السماء } والمائدة الخوان عليها الطعام,  فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وأخرى تحتها وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى ( عليه السلام ) وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة ، فقال لهم : ليقم أحسنكم عملاً فيكشف عنها ويذكر اسم الله عليها ويأكل منها,  قال شمعون كبير الحواريين:  أنت أولى بذلك يا روح الله ، فقام عيسى ( عليه السلام ) فتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل فقال : بسم الله خير الرازقين فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسماً, وعند رأسها ملح ، وعند ذنبها خل ، وحولها البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد ، قال شمعون:  يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة؟ فقال : ليس شيء منهما ، ولكنه شيء اخترعه الله تعالى بالقدرة الغالبة ، كلوا مما سألتم ، واشكروا الله يمددكم ويزدكم من فضله ، قال الحواريون : يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى ، فقال عيسى ( عليه السلام ) : يا سمكة أحيي بإذن الله تعالى ، فاضطربت ، ثم قال لها : عودي كما كنت ، فعادت مشوية ، ثم طارت المائدة ، روي ذلك في الكشاف المتقدم ، وقيل : تنزل كل يوم مرة ، وقيل : كانت بكرة وعشياً ، وقيل : كانت غبَّاً تنزل يوم دون يوم ، قيل : أقامت أربعين يوم يأكل منها خمسة آلاف نفس كل يوم فخانوا وادخروا فرفعت,  وقيل : كانت فيها جبن وسكر ، وقيل : ثمار من ثمار الجنة ، وقيل : كان عليها من كل الطعام إلا اللحم ، وقيل : كان في السمكة طعم كل شيء ، وروي : أن ما أحد أكل منها من أهل العلل إلا برئ ثم عصوا بعدها فمسخوا قردة وخنازير ، وروي : أنهم لما سمعوا بالشريطة وهي قوله : { فمن يكفر بعد منكم } قالوا : لا نريد فلم تنزل ، وعن الحسن : والله ما نزلت ولو نزلت لكانت عيدا إلى يوم القيامة ، لقوله : { وآخرنا } ، قال جار الله : والصحيح أنها نزلت ، وروى الثعلبي : أنها أقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعوها بين أيديهم أكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم ، وروي فيه أيضاً : كانت المائدة إذا وضعت بين يدي بني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي من السماء بكل طعام إلا اللحم ، وروي : أن ما أحد أكل منها من أهل العلل إلاَّ برئ ، ولا فقير إلا استغنى ، وروي أنها كانت إذا نزلت اجتمع اليها الناس الكبار والصغار والفقراء والأغنياء والرجال والنساء ، فأوحى الله تعالى إلى عيسى ( عليه السلام ) أن اجعل رزقي ومائدتي للفقراء لا الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا فقال لهم عيسى ( عليه السلام ) : هلكتم فشمروا لعذاب الله تعالى ، وروي أنه مسخ منهم ثلاثمائة وثلاثون رجلاً أصبحوا خنازير يسعون في الكناسات ، وقيل : كانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم من امرأة ولا صبي ، فلما نظرت الخنازير إلى عيسى ( عليه السلام ) بكت وجعل عيسى ( عليه السلام ) يدعوهم بأسمائهم واحداً واحداً, فيبكون ولا يقدرون على الكلام,  روى ذلك الثعلبي() .
قال الإمام البغوي(): واختلفوا في صفتها فروى خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول الله rأنها نزلت خبزا ولحما، وقيل لهم: إنها مقيمة لكم ما لم تخونوا وتخبئوا فما مضى يومهم حتى خانوا وخبأوا فمسخوا قردة وخنازير().
قال الدكتور أبو شهبة بعد أن ذكر الرواية الطويلة, التي أوردها ابن أبي حاتم في تفسيره, المتعلقة بشأن المائدة. قال: ومن هذه الروايات الغريبة دخل البلاء على الإسلام والمسلمين؛ لأن غالبها لا يصح, ولذا قال الإمام الجليل أحمد بن حنبل: " لا تكتبوا هذه  الأحاديث الغرائب فإنها مناكير, وعامتها عن الضعفاء "().
قلت: ونزول المائدة ثابت بالقرآن الكريم لقوله تعالى{إني منزلها عليكم}, وأما الذي اختلف المفسرون حوله من بيان صفتها, وكيفية نزولها ووقت النزول, ونوع الطعام الذي نزل, إلى غير ذلك من الأمور, فهذا كله مما ينبغي أن تنزه كتب التفسير عنه؛ لأن الجهل به أوعدم العلم به لا يضر, ويكفينا أن نأخذ من قصص الأمم السابقة العبر والدروس, وألا نشدد فيشدد الله علينا().
وبعد هذا البيان لبعض الأمثلة, الدالة على منهج الشيخ في عرض الإسرائيليات والقصص القرآني, أستطيع القول بأن الشيخ لم يلتزم الصحيح المروي عن النبيr ولم يسلم كما لم يسلم غيره من المفسرين من الوقوع في الدخيل, وكان حريا به رحمه الله, ان يجنب تفسيره من ذلك تماما, ليكون صافيا ونقيا من كل دسائس الزنادقة وأعداء الإسلام.













الفصل السابع:
مزايا وسمات هذا التفسير
من المسلم به أن العلم أخذ وعطاء, كما أنه فتوح وذكاء, فيأخذ اللاحق عمن سبقه, والمتأخر عمن تقدم عنه, وهكذا.
وتفسير القرآن الكريم علم كبقية العلوم الأخرى, يصدق عليه ما يصدق على غيره من العلوم.
وقد ترك المفسرون المتقدمون للمفسرين المتأخرين ثروة علمية, غنية في القرآن العظيم وعلومه, اتخذوها مرجعا ومصدرا, لتكون لهم سندا ومتكئا, يرجعون إليه في فهم كتاب الله تبارك وتعالى.
ومكانة المفسر وقيمته العلمية, إنما تبرز من خلال قدرته على الإبداع, والتجديد الذي أتى به, وتميز به عن أقرانه.
ويحاول الباحث في هذا الفصل, أن يبين سمات هذا التفسير, وذلك من خلال مزاياه, والمآخذ التي لمسها في تفسير الشيخ, طيلة استقرائه له, وهذا في المبحثين الآتيين:
المبحث الأول: مزايا هذا التفسير.
على الرغم من المكانة العلمية, التي كان يتمتع بها الأعقم في عصره في بلاد اليمن, إلا انه لم تكن له شهرة واسعة, لدرجة أن كثيرا من العلماء فضلا عن طلبة العلم والدارسين يجهلون تفسيره, فظل مغمورا, إلى أن قيض الله له من أخرجه إلى عالم الذكر والعيان, بعد أن كان في عالم النسيان, فقد قامت دار الحكمة اليمانية بنشر هذا التفسير, بعد أن كان مخطوطا , فقدموا للمكتبة الإسلامية سفرا؛ ذا فائدة عظيمة(), حوى بين دفتيه كثيرا من علوم القرآن؛ كالناسخ والمنسوخ, وأسباب النزول والمكي والمدني, واعتنى مؤلفه بالقراءات القرآنية عناية كبيرة وفائقة, مما يدل على أنه على معرفة واسعة بهذه العلوم.
وقد تميز تفسير الأعقم بميزات, أذكرها في النقاط الآتية:
1- يعتبر تفسيره من التفاسير السهلة والواضحة, فقد جاء تفسيره بلغة سلسة يفهمها العامي كما يفهمها العالم.
2- كان رحمه الله مبتعدا عن الإطناب والحشو في تفسيره للآيات الكريمة, فكان تفسيره وسطا ومختصرا غير مخل بالمقصود والمراد.
3- تميز الأسلوب الذي استخدمه الشيخ في التفسير بالسهولة والبعد عن التكلف والتعقيد والفلسفة.
4- أفاد من مصادر عديدة من كتب التفسير, كتفسير الحاكم الجشمي, الثعلبي, والزمخشري, والقاضي  عبد الجبار المعتزلي, كما ذكر  بعض الغرائب والعجائب في التفسير, نقلا عن كتاب غرائب التفسير وعجائب التأويل للكرماني().
5- كان تفسيره تفسيرا تحليليا, راعى فيه الشيخ القضايا اللغوية والبلاغية, من غير توسع في ذكر الوجوه, وأجاد في استخدام الشعر والاحتجاج به على بيان بعض صور البلاغة,ومعاني بعض التراكيب اللفظية.
6- استخدم طريقة الأسئلة والإجابة عنها, ولا شك في أنها طريقة ممتعة ومشوقة للقارئ.
7- عرض الشيخ في تفسيره للناسخ والمنسوخ, ووافق الجمهور على وقوع النسخ في القرآن, وجوز نسخ السنة لآي القرآن الكريم.
8- عرضه لأقوال الفقهاء من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب,محتجا بها وهذا مما يحمد له.
9- ومما يحمد للشيخ أيضا عند تناوله لموضوع القراءات القرآنية عدم مفاضلته قراءة على قراءة, فلم يرجح قراء على أخرى, أو يرد قراءة على قراءة طالما ثبتت بالتواتر().
قال الإمام الداني ( ت 444 هـ ) في كتابه جامع البيان بعد ذكره إسكان كلمة {بَارِئْكُمْ } و{يَأمُرْكُمْ} في قراءة أبي عمرو: " وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة, والأقيس في العربية, بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل, والرواية إذا ثبتت لم يردها قياس عربية, ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها "().
10- جمعه بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي المحمود؛ ذي الألوان المختلفة, كاللغة والبلاغة والفقه.



المبحث الثاني:  المآخذ على هذا التفسير.
قد ينتابني الحرج عندما أتكلم عن الشيخ, وعن تفسيره, الذي رافقته منذ مدة وأنا أقوم بدراسة منهجه, وذلك أنني لم أصل, ولن أصل إلى ماوصل إليه, من رفعة شأن ومكانة في العلم, فمثلي لا يمكن أن يقوم هذا العالم المفسر, الذي يكفيه قدرا ويكفيه فخرا, وحسبه أن قدم للمكتبة الإسلامية تفسيرا مختصرا نافعا, يرجع إليه الدارسون والباحثون.
لكن انطلاقا من القاعدة التي تقول: ’’ الحق أحق أن يتبع’’, ومن قاعدة: ’’ المسلم مرآة أخيه المسلم’’.
فإنني سأذكر بعض الملاحظات التي لمستها في تفسيره.
1- خلو تفسيره من مقدمة: أول مأخذ يمكن أن يسجل على الشيخ, هو عدم وضع مقدمة لتفسيره, فلقد دأب المؤلفون والكتاب عند كتابة أي كتاب, أن يضع كل مؤلف مقدمة لكتابه, يحدد فيها الدافع الذي ساقه لتأليف مؤلفه, لكن الشيخ لم يضع لنا مقدمة لتفسيره, يحدد فيها طريقته ومنهجه في التفسير, وما هو الهدف الذي ابتغاه من وراء تأليف كتابه, مما جعل الباحث يتكلف في بيان منهجه.
2- كما يقال: لكل عالم زلة, ولكل جواد كبوة, فقد زلت قدم الشيخ في بعض القضايا, أذكر منها:
أ- إكثاره من الأحاديث الضعيفة والموضوعة: فقد ضمن تفسيره الكثير من الأحاديث الواهية, ولم يبين وهاء هذا الكم الهائل من الأحاديث, أذكر من ذلك مثلا:
عند قوله تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ     ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ    ﭜﭝ  ﭞ        ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭼ الأعراف: ٣١. قال الشيخ: ويروى أن الرشيد كان له طبيبٌ نصراني حاذق فقال لعلي بن الحسين : ليس في كتابكم شيء من علم الطب, والعلم علمان : علم الأبدان وعلم الأديان؟! فقال له: قد جمع الله الطب كله في نصف آية فقال: ما هي؟ قال:  قوله تعالى: { كلوا واشربوا ولا تسرفوا } فقال النصراني: لا يؤثر عن نبيكم شيء في علم الطب؟ فقال:  قد جمع رسول الله r الطب كله في ألفاظ يسيرة قال: ما هي؟ قال:  « المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته»().
ب- ذكره الحديث مجردا من السند, ولا يذكر معه الصحابي إلا فيما ندر, وليته ذكر الأحاديث النبوية مسندة, وحملنا مسؤولية البحث عن رجال السند؛ إذ المقرر في علم الحديث "من أسند لك فقد حملك"().ويكون بعمله هذا- أعني ذكره الروايات بأسانيدها- قد أراح نفسه من كل نقد.
ج- مما يؤخذ على الشيخ في هذا الباب كذلك, عدم حكمه على الأحاديث النبوية, لا بالصحة ولا بالضعف, فقد كان يكتفي بقوله: وروي عن رسول اللهr أو عن رسول اللهr, وغيرها من العبارات, دون أن يذكر لنا درجة الحديث.
د- إيراده لأحاديث فضائل السور: حتى إنك لا تكاد تجد سورة من سور القرآن الكريم تخلو من ذكر حديث أو حديثين في بيان فضلها, وهذه الأحاديث قد نبه العلماء على بطلانها وعدم صحتها.
وقد عقد ابن قيم الجوزية فصلا في كتابه " المنار المنيف", سماه{ فصل في أحاديث فضائل سور القرآن}, تكلم فيه عن أحاديث فضائل السور, فقال:
ومنها ذكر فضائل السور, وثواب من قرأ سورة كذا, فله أجر كذا, من أول القرآن إلى آخره, كما ذكر ذلك الثعلبي والواحدي في أول كل سورة والزمخشري في آخرها, قال عبد الله ابن المبارك أظن الزنادقة وضعوها.
 والذي صح في أحاديث السور حديث فاتحة الكتاب, وأنه لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها, وحديث البقرة و آل عمران أنهما الزهراوان, وحديث آية الكرسي وأنها سيدة القرآن, وحديث الآيتين من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه, وحديث سورة البقرة لا تقرأ في بيت فيقربه شيطان, وحديث العشر آيات من أول سورة الكهف, من قرأها عصم من فتنة الدجال, وحديث قل هو الله أحد وأنها تعدل ثلث القرآن, ولم يصح في فضائل سورة ما صح فيها, وحديث المعوذتين وأنه ما تعوذ المتعوذون بمثلهما, وقوله rأنزل علي آيات لم ير مثلهن ثم قرأهما.
ويلي هذه الأحاديث وهي دونها في الصحة؛ حديث إذا زلزلت تعدل نصف القرآن, وحديث قل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن, وحديث تبارك الذي بيده الملك هي المنجية من عذاب القبر.
ثم سائر الأحاديث بعد كقوله من قرأ سورة كذا أعطي ثواب كذا, فموضوعة على رسول الله r, وقد اعترف بوضعها واضعها, وقال قصدت أن أشغل الناس بالقرآن عن غيره.
 وقال بعض جهلاء الوضاعين في هذا النوع نحن نكذب لرسول الله rولا نكذب عليه, ولم يعلم هذا الجاهل أنه من قال عليه ما لم يقل, فقد كذب عليه واستحق الوعيد الشديد().

و- هذا ومما يؤاخذ عليه الشيخ أيضا, إيراده لروايات موضوعة في سبب النزول, أذكر على سبيل المثال:
عند قوله تعالى: ﭽ ﭙ  ﭚ       ﭛ   ﭜ  ﭝ        ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ   ﭣ  ﭤ  ﭥ   ﭦ  ﭧ   ﭨ  ﭼ الإنسان. أورد الشيخ في تفسيره للآيتين سبب نزول غريب, حيث قال:{ يوفون بالنذر } نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهما السلام ) وجارية لهم تسمى فضة, في قصة طويلة جملتها:« قالوا مرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما» وقال : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذراً « فنذر صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله ونذرت فاطمة كذلك وفضة فبرئا ، فصاموا وليس عندهم شيء فاستقرض علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصواع شعير ، وروي أنه أخذها لتغزل فاطمة صوفاً فجاء به إلى فاطمة ، فأخذت فاطمة فطحنته واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، وصلى علي ( عليه السلام ) المغرب ، وقرّبته إليهم ليفطروا فوقف سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فآثروه ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياماً ، فلما أمسوا وضعوا بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله r فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قالr: «ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم» وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد لصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك ، فنزل جبريل (عليه السلام ) وقال : خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك »().
3- عدم نسبة الشواهد الشعرية لقائليها, إلا في القليل النادر جدا.فكان يكتفي بذكر كلمة {قال} قبل ذكر البيت الشعري أو يقول وقال بعضهم.وغيرها من الاستخدامات التي تجعلنا نجهل القائل.
4- كان مقلا جدا من استخدام النحو, بالرغم من أن النحو هو الآلة التي تفهم بها بقية العلوم, وهو مهم وضروري جدا بالنسبة للمفسر, ولله در القائل :
النحو زين للفتى يكرمه حيث أتى     من لم يكن يحسنه فحقه أن يصمتا.
ومع هذا كله فقد أهمل الشيخ قضايا النحو والإعراب في تفسيره, وكنت أرجو لو أنه راعى هذا الجانب ليزداد تفسيره جمالا بهذه اللطائف الإعرابية.
5-لم يكن منهج الشيخ دقيقا الدقة المطلوبة في إيراد المكي والمدني؛ ذلك أنه ذكر أن نزول بعض السور كان مكيا, والبعض الآخر كان مدنيا. وبالتحقيق والبحث, ثبت عدم صحة هذا الكلام, كما ذكر أن بعض السور مكي, ومدني في آن واحد, وهو في الحقيقة تقسيم عقلي محض, لا دليل عليه من كتاب ولا من سنة, وإنما جاء هذا نتيجة اجتهاد فقط.
6- كان يستخدم عبارة "قيل" كثيرا جدا في تفسيره, دون أن يشير لأصحابها, وهذا بالطبع يغمط الناس حقوقهم, وفضائلهم, فتراه بعد أن يورد هذه الأقوال, لا يذكر رأيه فيها, ولا الرأي الراجح في المسألة, مما يجعل القارئ مشتت الذهن, في حيرة من أمره, لا يستطيع الخروج من ذلك بشيء, وكان الأولى أن يبين للقارئ, رأيه أو الرأي الراجح, ولأن هذا الصنيع قد يؤدي إلى قبول المسكوت عنه, حتى لو كان غير صحيح, وهذا كذلك مما يحسب على الشيخ, فينبغي التنبيه على المنقولات إن صحيحة فصحيحة, وإن ضعيفة أو موضوعة فضعيفة أو موضوعة, وهكذا تبرأ ذمته, ويسلم من كل نقد يوجه له.
7- احتوى تفسيره على الكثير من الإسرائيليات, شأنه شأن أكثر المفسرين؛ الذين أطلقوا يد العنان  للإسرائيليات, وتساهلوا في قبولها, فخطا خطاهم ونهج منهجهم, غير منبه على بطلان هذا النوع من الدخيل.
8- ذهابه مذهب المعتزلة في تقرير أصولهم التي بنوا عليها أقوالهم في التفسير:
هذا ومما يؤخذ على الشيخ, تأثره الشديد بمذهب الاعتزال, فقد بدا واضحا في تفسيره, أنه متأثر بمذهب المعتزلة, وسأشير إلى مواطن التأثر بهم, وأحب أن أشير هنا إلى نقطة, وهي أن  المعتزلة قد قدموا خدمة كبيرة, لا تنكر لهذا الدين العظيم, يتجلى ذلك في الآثار التي تركوها لنا, خدمة لكتاب الله سبحانه وتعالى, فهذان هما الإمامان؛ الإمام عبد القاهر الجرجاني, والإمام الزمخشري شيخا المعتزلة في زمانهما, تركا لنا مؤلفات قيمة ورائعة, تجعلك تتذوق وتستمتع بجماليات النص القرآني وتتعايش معه, من خلال ما جاءا به رحمهما الله.
 وكل من جاء بعدهما ممن أرد التصنيف والتأليف في هذا الفن إلا ويرجع إليهما فيما كتبا وأبدعا.
وقديما قالوا: ’’ لولا الأعرجان لذهبت بلاغة القرآن’’.
 والأعرجان هما الجرجاني, والزمخشري, فالجرجاني أتى بنظرية النظم في القرآن الكريم, ثم جاء الزمخشري بعده وطبقها على القرآن الكريم. فكان لهما فضل لم يسبقا ولم يلحقا إليه.
غير أنه من الإنصاف ومن باب إحقاق الحق,كان لزاما علي أن أقول بعد ذكر فضائل المعتزلة, إن  عليهم أمورا ظاهرة البطلان, خالفوا فيها جمهور أهل السنة, أيدها الشيخ في تفسيره, أذكر منها:
أ- أفعال العباد: يرى المعتزلة أن أفعال العباد ليست من عند الله, وقد مشى الشيخ على هذا الأصل, فعند قوله تعالى: ﭽ ﰌ  ﰍ              ﰎ  ﰏ  ﰐ        ﰑ   ﭼ القمر.
 قال بعد أن ذكر المعنى حول الآية: ’’ومتى قيل هلا حملتم ذلك على أفعال العباد، وأنه خلق فيهم الخير والشر’’، قلنا ليس في الظاهر ذلك، لأن أفعالهم ليست بخلق الله تعالى، لأن فيهما الكفر والظلم().
وهذا ليس بصحيح, فاعتقاد أهل السنة والجماعة, أن أفعال العباد خلق لله تعالى.
قال الإمام الطبري في باب " القول في أفعال العباد": وأما الصواب من القول لدينا فيما اختلف فيه من أفعال العباد وحسناتهم وسيئاتهم, فإن جميع ذلك من عند الله تعالى, والله سبحانه مقدره ومدبره, لا يكون شيء إلا بإذنه, ولا يحدث شيء إلا بمشيئته, له الخلق والأمر كما يريد().
وقال الإمام القرطبي عند تفسيره قوله تعالى: ﭽ ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﭼ الصافات: ٩٦ .
"والله خلقكم وما تعملون ": " ما " في موضع نصب؛ أي وخلق ما تعملونه من الأصنام، يعني الخشب والحجارة وغيرهما، كقوله: ﭽ ﯫ  ﯬ   ﯭ    ﯮ  ﯯ          ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﭼ الأنبياء:56.
وقيل: إن " ما " استفهام ومعناه التحقير لعملهم.
وقيل: هي نفي، والمعنى وما تعملون ذلك لكن الله خالقه.
والأحسن أن تكون " ما " مع الفعل مصدرا، والتقدير والله خلقكم وعملكم, وهذا مذهب أهل السنة: أن الأفعال خلق لله عز وجل واكتساب للعباد, وفي هذا إبطال مذاهب القدرية والجبرية().
وقال البغوي في تفسيره لنفس الآية:{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } بأيديكم من الأصنام، وفيه دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى().
ب- نفيهم رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة: أيضا من المسائل التي تابع فيها الشيخ فرقة المعتزلة, مسألة نفي الرؤية, وقد ذكرت هذا عند الحديث عن القضايا العقدية في تفسيره.




















        الخاتمة:
وفي ختام هذا البحث, لا يسعني إلا أن أقول: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, الحمد لله الذي أعانني ووفقني لإتمام هذا البحث وإنجازه, فله الحمد من قبل ومن بعد.
وقد خلصت في نهايته إلى النتائج والتوصيات الآتية:
1- إن تفسير كتاب الله تعالى, علم واسع لايستطيع أحد من البشر, مهما أوتي من رجاحة عقل, وفهم وذكاء, أن يحيط بما حواه من مكنونات وأسرار؛ ذلك أن كلام لله المعجز هو جزء من علمه الذي لا يستطيع البشر ولن يستطيعوا تدراكه والإحاطة به, ولذلك نجد المولى تبارك وتعالى, يعبر عن هذا المعنى في محكم تنزيله فيقول: ﭽ ﭑ   ﭒ   ﭓﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ    ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ                ﭣ  ﭤ   ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ    ﭯ         ﭰ   ﭱﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭼ هود.
2- المفسرون لكتاب الله على نوعين: مفسر مجتهد ومبدع ومحقق, له طريقة الخاصة ومنهجه المستقل, وأسلوبه المتميز, كالطبري والزمخشري وابن العربي, وغيرهم ممن له استقلالية وميزة في التفسير.
والنوع الثاني: مفسر جامع ناقل, ومقلد محافظ, ينقل أقوال المفسرين السابقين, فيعلق عليها في المواطن التي تستوجب التعليق, تارة ويناقش بعض المواضع التي تستدعي منه المناقشة, تارة أخرى.
وإذا أدت أن أصنف الأعقم من أي القسمين هو, فإنه ومن خلال هذه الدراسة يمكنني القول, إن الشيخ من النوع الثاني, حيث كان مقلدا لغيره, جمع الأقوال وحافظ عليها في مواطن, وناقشها وعلق عليها في مواطن أخرى.
3-لكل مفسر مذهب ومنهج في العقيدة, يتبناه وينافح عنه, مصوبا رأيه مخطئا غيره, والأعقم لم يكن كذلك, حيث لم نلمس له اتجاها معينا يمكننا أن نحكم عليه من خلاله, فقد أخذ من الأشاعرة  في بعض المواطن, وقد أفاد من تفاسير  المعتزلة كتفسير الحاكم الجشمي, وأبي علي الجبائي, والزمخشري, وتأثر بمذهبهم العقدي في مسألة الرؤية, وأفعال العباد.
4- دراسة مناهج المفسرين, على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم, تعطي الباحث فوائد كثيرة, حيث يعرف جهودهم, ويستفيد من كتاباتهم, وطرقهم وأساليبهم, التي اتبعوها في التأليف, كما يستطيع الباحث أن يحدد مكانة المفسر بين المفسرين, من خلال كتابه.
5- أقترح أن تعاد طباعة الكتاب طباعة جديدة, خالية من الأخطاء, فهو مليء بالأخطاء المطبعية, وبعض الكلمات الساقطة من الأصل, مما يجعل قارئه يتكلف في فهم العبارة أحيانا, فلذا أوصي بطباعته مرة أخرى, مع مراعاة ماذكر, حتى يظهر ويخرج في مظهر لائق.
6- أن ينبه في الحاشية على ما تضمنه هذا التفسير من سلبيات,كما فعل ابن المنير في تفسيره "الانتصاف"؛ الذي طبع هامشا للكشاف, منبها على ما ورد فيه من اعتزاليات.
7- هناك بعض القضايا في هذا التفسير بحاجة إلى دراسة وتحقيق, دراسة تخرج فيها الأحاديث, وتحقق فيها الأخبار, ويعلق فيها على الإسرائيليات الموجودة.
والله وحده الموفق للصواب.
’’وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم’’.


















  



 

فهرس الموضوعات:

الصفحة    الموضوع      
    الإهداء      
    شكر وتقدير      
1    المقدمة      
5    الفصل التمهيدي      
5    المبحث الأول: التعريف بشخصية الأعقم      
6    المبحث الثاني: من أشهر المفسرين الذين عاصرهم الأعقم      
9    الفصل الأول: مصادر الأعقم      
9    المبحث الأول: مصادره من كتب التفسير      
14    المبحث الثاني: مصادره من كتب السيرة      
17    المبحث الثالث: طريقة إفادته من مصادره وموقفه منها      
29    الفصل الثاني: البناء الهيكلي في تفسير الأعقم      
31    المبحث الأول: طريقة عرضه للتفسير      
35    المبحث الثاني: التفسير بالمأثور عنده      
35    حول التفسير بالمأثور      
37    اختلاف العلماء في تفسير الصحابي والتابعي من حيث الاحتجاج       
39    تفسير القرآن بالقرآن عند الشيخ      
44    تفسير القرآن بالسنة      
50    تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين      
55    المبحث الثالث: التفسير بالرأي عند الشيخ      
55    موقف العلماء من التفسير بالرأي      
58    منهج الشيخ في التفسير بالرأي      
60    الجانب البلاغي في تفسير الأعقم      
60    1- المجاز      
62    2- التشبيه      
64    3- الاستعارة      
65    4- الكناية      
66    علم المعاني      
66    أ- الالتفات      
68    ب- الذكر والحذف      
69    ج- الاستفهام      
70    د- التقديم والتأخير      
71    الجانب اللغوي والنحوي      
72    استشهاد الشيخ بالأمثال      
73    الشاهد الشعري      
77    النحو والإعراب عند الشيخ      
79    أسلوب الشرط      
80    زيادة الأحرف      
81    تناوب الحروف      
83    الفصل الثالث: قضايا علوم القرآن في هذا التفسير      
83    المبحث الأول: الناسخ والمنسوخ      
84    موقف الشيخ من النسخ      
89    تحقيق القول في الروايتين:      
89    1- "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم".      
93    2- "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا...".      
95    طريقة الشيخ في إيراد الناسخ والمنسوخ      
97    المبحث الثاني: القراءات القرآنية      
100    توجيه القراءات      
102    القراءات الشاذة      
موقف الشيخ من القرءات الشاذة    103      
موقفه من القراءات التفسيرية    104      
المبحث الثالث: أسباب النزول    105      
منهج الشيخ في إيراد سبب النزول    107      
المبحث الرابع: المكي والمدني    114      
جداول توضيحية    115      
الفصل الرابع: القضايا العقدية في تفسيره    128      
المبحث الأول: موقف الشيخ من أسماء الله وصفاته.(الوجه, العين, اليد, الفوقية)    129      
المبحث الثاني: قضايا عقدية متفرقة    132      
1- الاستواء    132      
2- نصرة الشيخ لمذهبه الزيدي    133      
3- رؤية الله عزوجل    134      
الفصل الخامس: منهجه في عرض آيات الأحكام    138      
طرق عرضه لأقوال الفقهاء وموقفه منها    138      
 الفصل السادس: الإسرائيليات وموقف الشيخ منها    143      
المبحث: موقف الشيخ من الإسرائيليات    145      
1- قصة آدم عليه السلام في تسمية ولده    145      
2- زواج النبي r من زينب بنت جحش    147      
3- قصة الغرانيق    150      
المبحث الثاني: منهج الشيخ في عرض القصص القرآني    153      
 قصة المائدة    153      
الفصل السابع: مزايا وسمات هذا التفسير    157      
المبحث الأول: مزايا هذا التفسير    157      
المبحث الثاني: المآخذ على هذا التفسير    159      
الخاتمة    165      
فهرس الموضوعات    167      
المراجع والمصادر    170   






قائمة المراجع والمصادر:
1.    ابن إسحاق: محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني "السيرة النبوية", تحقيق أحمد فريد المزيدي, دار الكتب العلمية, بيروت لبنان, الطبعة الأولى 1422هـ/2004م.
2.    ابن الأثير: أبو الفتح ضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الموصلي, "المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر", المكتبة العصرية بيروت, 1995م.
3.    ابن الأثير: عز الدين أبي الحسن علي بن محمد الجزري, "أسد الغابة في معرفة الصحابة", تحقيق الشيخ علي محمد معوض, والشيخ عادل أحمد عبد الموجود, دار الكتب العلمية بيروت, لبنان الطبعة الثالثة, 1429هـ/2008م.
4.    ابن الجزري: أبو الخير محمد بن محمد بن علي بن يوسف "منجد المقرئين ومرشد الطالبين", مكتبة القدسي, القاهرة 1350هـ.
5.    ابن الجزري: أبو الخير محمد بن محمد, "غاية النهاية في طبقات القراء",  دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى 1351هـ/1932م.
6.    ابن الجزري: محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف, "طيبة النشر في القراءات العشر", قدم له, وضبط نصوصه, عادل عبد المنعم أبو العباس, مكتبة القرآن, القاهرة, الطبعة الأولى 2008م.
7.    ابن الجوزي: أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمان بن علي "نواسخ القرآن", المكتبة العصرية, صيدا بيروت, 1422هـ/2002م.
8.    ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمان بن علي, "الموضوعات", تحقيق عبد الرحمان محمد عثمان, دار الفكر, الطبعة الأولى, 1386هـ/1966م.
9.    ابن الجوزي: عبد الرحمان بن علي بن محمد, "زاد المسير في علم التفسير", المكتب الإسلامي, بيروت لبنان, الطبعة الثالثة, 1404هـ.
10.    ابن العربي: أبو بكر محمد بن عبدالله, "أحكام القرآن", مراجعة وتعليق محمد عبد القادر عطا,دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الثالثة 1424هـ/2003م.
11.    ابن العربي:أبو بكر محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالله, "الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم", وضع حواشيه الشيخ زكريا عميرات, دار الكتب العلمية, بيروت لبنان, الطبعة الثالثة,1427هـ/2006م.
12.    ابن الملقن: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد, "البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير", تحقيق: مصطفى أبو الغيط و عبد الله بن سليمان وياسر بن كمال, دار الهجرة للنشر والتوزيع - الرياض- السعودية, الطبعة الأولى ، 1425هـ/2004م.
13.    ابن تيمية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني, "منهاج السنة النبوية": تحقيق : د. محمد رشاد سالم, مؤسسة قرطبة, الطبعة الأولى, 1406هـ.
14.    ابن تيمية: تقي الدين أبو العباس  أحمد بن عبد الحليم الحراني، "مقدمة في أصول التفسير""، تحقيق: محمود محمد محمد نصار، مكتبة التراث الإسلامي القاهرة.
15.    ابن جني: أبو الفتح عثمان, "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها",  تحقيق محمد عبد القادر عطا, دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى 1419هـ/1998م.
16.    ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني, "لسان الميزان", منشورات الأعلمي, بيروت, الطبعة الثانية1390هـ /1971م.
17.    ابن حجر: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي العسقلاني, "الإصابة في تمييز الصحابة", تحقيق, علي محمد البجاوي, نهضة مصر.
18.    ابن حجر: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي العسقلاني, "فتح الباري بشرح صحيح البخاري", إخراج وتصحيح, محب الدين الخطيب, دار الريان للتراث, القاهرة, الطبعة الثانية 1407هـ/1987م.
19.    ابن حجر: شهاب الدين أبي الفضل العسقلاني, تحقيق عبد الحكيم محمد الأنيس, "العجاب في بيان الأسباب", دار ابن الجوزي, الدمام, السعودية,  الطبعة الأولى 1997م.
20.    ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي الظاهري, "الإيصال في المحلى بالآثار", تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري, دار الفكر بيروت.
21.    ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد أبو محمد, "الفصل في الملل والأهواء والنحل", مكتبة الخانجي القاهرة.
22.    ابن حنبل: أحمد أبي عبد الله الشيباني, "مسند الإمام أحمد",  مؤسسة قرطبة, القاهرة.
23.    ابن خالويه: "الحجة في القراءات السبع", تحقيق د. عبد العال سالم مكرم, دار الشروق بيروت , الطبعة الرابعة, 1401هـ.
24.    ابن خالويه: أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني, " إعراب القراءات السبع وعللها", ضبط نصه وعلق عليه, أبو محمد الأسيوطي, دار الكتب العلمية, بيروت لبنان, الطبعة الأولى 1427هـ/2006م.
25.    ابن خالويه: أبو عبد الله الحسين, "مختصر في شواذ القراءات", عالم الكتاب, بيروت.
26.    ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان"، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر بيروت، 1977م.
27.    ابن رشد: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد, بيروت "بداية المجتهد ونهاية المقتصد", تحقيق ماجد الحموي, دار ابن حزم, الطبعة الأولى 1416هـ/1995م.
28.    ابن زنجلة: أبوزرعة عبد الرحمان بن محمد, "حجة القراءات", تحقيق, سعيد الأفغاني, مؤسسة الرسالة, بيروت, الطبعة الثانية, 1402هـ/1982م.
29.    ابن عادل: أبو حفص عمر بن علي الدمشقي الحنبلي. "اللباب في علوم الكتاب"، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود علي محمد عمر, دار الكتب العلمية, بيروت لبنان. الطبعة الأولى 1419هـ / 1998م.
30.    ابن عاشور: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر, "التحرير والتنوير", مؤسسة التاريخ العربي, بيروت, الطبعة الأولى 1420هـ/2000م.
31.    ابن عساكر : علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، "تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري"،دار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الثالثة،1404هـ.
32.    ابن عطية: أبو محمد عبد الحق, "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز",  تحقيق وتعليق عبدالله بن إبراهيم الأنصاري, والسيد عبد العالي السيد إبراهيم, الطبعة الأولى, 1409هـ/1989م.
33.    ابن قيم الجوزية: شمس الدين محمد بن أبي بكر "المنار المنيف في الصحيح والضعيف", حققه وضبطه, أحمد عبد الشافي, دار الكتب العلمية, بيروت 1408هـ/1988م.
34.    ابن قيم الجوزية: شمس الدين محمد بن أبي بكر, "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة", تحقيق علي بن محمد الدخيل الله, دار العاصمة الرياض, الطبعة الثالثة 1418هـ/1998م.
35.    ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، "تفسير القرآن العظيم"، تحقيق سامي بن محمد سلامة دار طيبة للنشر والتوزيع, الطبعة الثانية 1420هـ/1999م.
36.    ابن مجاهد: أبوبكر أحمد بن موسى بن العباس التميمي البغدادي, "السبعة في القراءات", تحقيق الدكتور شوقي ضيف, دار المعارف القاهرة, الطبعة الثانية.
37.    ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم, "لسان العرب", د ارصادر, بيروت, الطبعة الأولى 2000م.
38.    أبو الفضل: إبراهيم, "ديوان امرئ القيس", دار المعارف, الطبعة الرابعة 1986م.
39.    أبو حسان: جمال محمود "تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير: دراسة منهجية ونقدية", رسالة ماجستير, الجامعة الأردنية 1991م.
40.    أبو شهبة: محمد بن محمد, "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" دار الجيل بيروت, الطبعة الأولى 1413هـ/1992م.
41.    إحسان: عباس, "شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري", التراث العربي, سلسلة تصدرها وزارة الإرشاد والأنباء/ الكويت, 1962م.
42.    الأدرهنوي: أحمد بن محمد "طبقات المفسرين", تحقيق سليمان بن صالح الخزي, مكتبة العلوم والحكم, المدينة المنورة, الطبعة الأولى 1997م.
43.    الأصبحي: أبو عبد الله مالك بن أنس, "الموطأ", تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي, مصر.
44.    الأصفهاني:أبو القاسم الحسين بن محمد, "المفردات في غريب القرآن", تحقيق محمد خليل عياتي, دار المعرفة, بيروت, الطبعة الرابعة, 1426هـ/2005م.
45.    الألباني: محمد ناصر الدين, "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام", مكتبة المعارف, الرياض, الطبعة الأولى1425هـ/2005م.
46.    الألباني: محمد ناصر الدين, "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة", محمد ناصر الدين الألباني, دار المعارف, الرياض, الطبعة الأولى, 1422هـ/1992م.
47.    الألوسي: أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود البغدادي, "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني", دار الفكر بيروت لبنان,1414هـ/1994م.
48.    إميل: يعقوب "المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية", دار الكتب العلمية, بيروت الطبعة الأولى, 1417هـ/1996م.
49.    الأندلسي: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان, "البحر المحيط", دار الفكر, بيروت, لبنان الطبعة الثانية,1430هـ/1983م.
50.    الأهدل: بدر الدين أبو عبد الله الحسين بن عبد الرحمان بن محمد, "تحفة الزمن في تاريخ سادات اليمن", تحقيق عبد الله محمد الحبشي, المجمع الثقافي أبو ظبي الإمارات العربية.1425هـ/2004م
51.    الأوسي: علي, "الطباطبائي ومنهجه في تفسيره الميزان", معاونية الرئاسة للعلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي, طهران, الطبعة الأولى 1405هـ/1985م.
52.    البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل, "الجامع الصحيح", تحقيق مصطفى البغا, دار ابن كثير  اليمامة, بيروت, الطبعة الثالثة 1407هـ/1987م.
53.    بدوي:  أحمد, "بلاغة القرآن"
54.    البريهي: عبد الوهاب بن عبد الرحمان, "طبقات صلحاء اليمن", تحقيق عبد الله محمد الحبشي, مركز الدراسات والبحوث اليمني, صنعاء, دار الآداب بيروت, الطبعة الأولى 1403هـ/ 1983م.
55.    البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء, "معالم التنزيل في التفسير والتأويل", دار الفكر بيروت, 1405هـ/1985م.
56.    البيضاوي: ناصر الدين أبو سعيد عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي, "أنوار التنزيل وأسرار التأويل",دار الكتب العلمية, بيروت لبنان, الطبعة الأولى 1408هـ/1988م.
57.    البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخراساني, "شعب الإيمان", تحقيق ومراجعة الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد, مكتبة الرشد, الرياض, الطبعة الأولى,1423هـ/2003م.
58.    الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى "سنن الترمذي",تحقيق بشار عواد معروف , دار الغرب الإسلامي, بيروت 1998م.
59.    الثعلبي: أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق،"الكشف والبيان في تفسير القرآن"، تحقيق الشيخ سيد كسروي حسن دار الكتب العلمية بيروت لبنان الطبعة الأولى  1425هـ/2004م.
60.    الجربوع: عبد الله بن عبد الرحمان, " أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة", عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية, المدينة المنورة, الطبعة الأولى 1423هـ/2003م.
61.    الجرجاني: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمان بن محمد, " دلائل الإعجاز", قراءة وتعليق محمود محمد شاكر,مطبعة المدني, القاهرة, دار المدني جدة, الطبعة الثالثة,1413هـ/ 1992م.
62.    الجرجاني:علي بن محمد بن علي, "التعريفات", تحقيق إبراهيم الأبياري, دار  الكتاب العربي, بيروت, الطبعة الأولى,1405هـ.
63.    الحبشي: عبد الله محمد, "مصادر الفكر الإسلامي في اليمن", المجمع الثقافي, أبو ظبي الإمارات العربية المتحدة, 1425هـ/2004م.
64.    حكمي: حافظ بن أحمد, "معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول", تحقيق عمر بن محمود أبو عمر, دار ابن القيم , الدمام, السعودية, الطبعة الأولى, 1410هـ/1990م.
65.    الحكيم الترمذي: أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن,"نوادر الأصول في أحاديث الرسول", تحقيق عبد الرحمن عميرة, دار الجيل, بيروت, الطبعة الأولى 1412هـ/ 1992م.
66.    الحمد: غانم قدوري, ""أبحاث في علوم القرآن", دار عمار, عمان الأردن, الطبعة الأولى 1426هـ/2006م.
67.    الخالدي:  صلاح عبد الفتاح, "البيان في إعجاز القرآن" دار عمار, عمان.
68.    الخالدي: صلاح عبد الفتاح، "تعريف الدارسين بمناهج المفسرين"، دار القلم دمشق 1429هـ / 2008م.
69.    خليفة: حاجي عبد الله "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون", مكتبة المثنى بيروت.
70.    الداني: أبو عمرو عثمان بن سعيد "جامع البيان في القراءات السبع", مجموعة رسائل جامعية, جامعة الشارقة, الطبعة الأولى 1428هـ/2007م.
71.    الدمشقي: طاهر الجزائري, "توجيه النظر إلى أصول الأثر", تحقيق عبد الفتاح أبو غدة, مكتبة المطبوعات الإسلامية, حلب سوريا, الطبعة الأولى 1414هـ/1990م.
72.    الدمياطي: شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الغني, "إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر", وضع حواشيه, الشيخ أنس مهرة, دار الكتب العلمية, بيروت لبنان, 1422هـ/2001م.
73.    الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان, "تذكرة الحفاظ", دار إحياء التراث العربي, بيروت.
74.    الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان, "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام",  تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري, دار الكتاب العربي, بيروت. الطبعة: الأولى. 1407هـ / 1987م.
75.    الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان, "سير أعلام النبلاء", تحقيق محب الدين العمراوي, دار الفكر بيروت, الطبعة الأولى 1417هـ/1997م.
76.    الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد, "ميزان الاعتدال في نقد الرجال", دراسة وتحقيق: الشيخ علي محمد معوض, والشيخ عادل أحمد عبد الموجود, دار الكتب العلمية بيروت لبنان. الطبعة الأولى هـ1416 / 1995م.
77.    الذهبي: محمد السيد حسين "الإسرائيليات في التفسير والحديث", دار الإيمان, دمشق, الطبعة الأولى 1405هـ/1985م.
78.    الذهبي: محمد حسين "التفسير والمفسرون"، دار اليوسف، بيروت, الطبعة الأولى 1421هـ /2000م.
79.    الرازي: فخر الدين بن ضياء الدين, "مفاتيح الغيب", دار الفكر, الطبعة الثالثة, 1405هـ / 1985م.
80.    الرافعي: مصطفى صادق, "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية", دار إحياء التراث العربي, الطبعة الأولى, 1425هـ/2004م.
81.    رضا: محمد رشيد, "مجلة المنار", مجلة شهرية تبحث في فلسفة الدين وشؤون الاجتماع والعمران, مصر, إدارة مجلة المنار, الطبعة الثانية 1327هـ.
82.    الزبيدي: أبو بكر محمد بن الحسن الأندلسي, "طبقات النحوبين ", تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف, الطبعة الثانية.
83.    الزبيدي: محب الدين أبي فيض السيد محمد مرتض الحسيني الو اسطي, "تاج العروس من جواهر القاموس", تحقيق علي شيري. دار الفكر. بيروت لبنان. 1414هـ / 1994م.
84.    الزبيري: علي بن محمد "ابن جزي ومنهجه في التفسير"، دار القلم، دمشق، سوريا  الطبعة 1407هـ/1987م.
85.    الزجاج: أبو إسحاق إبراهيم بن السري, "معاني القرآن وإعرابه":  تحقيق عبد الجليل عبده شلبي, عالم الكتاب بيروت, الطبعة الأولى 1408هـ/1988م.
86.    الزحيلي: وهبة "الفقه الإسلامي وأدلته", دار الفكر, دمشق الطبعة الرابعة, 1418هـ/1997م.
87.    زرزور: د عدنان، "الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن"، مؤسسة الرسالة.
88.    الزرقاني: محمد عبد العظيم، "مناهل العرفان في علوم القرآن"، مطبعة عيسى البابي الحلبي، الطبعة الثالثة.
89.    الزركشي: محمد بن بهارد عبدالله، أبو عبدالله، "البرهان في علوم القرآن"، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة بيروت 1391هـ.
90.    الزركشي: محمد بن عبدالله بن بهادر "البحر المحيط في أصول الفقه", تحقيق محمد محمد تامر, دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى 1421هـ/2000م.
91.    الزركلي: خير الدين، "الأعلام"، دار العلم للملايين،بيروت لبنان، الطبعة العاشرة أيلول , 1992م.
92.    الزمخشري: أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي, "الكشاف عن حقائق التنزيل, وعيون الأقاويل في وجوه التأويل", تحقيق عبد الرزاق المهدي, دار التراث العربي بيروت الطبعة الثانية 1421هـ / 2001م.
93.    الزيلعي: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد, "تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري", تحقيق عبد الله بن عبد الرحمن السعد, دار ابن خزيمة – الرياض, الطبعة  الأولى, 1414هـ.
94.    السبكي: تاج الدين أبو النصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي "رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب" تحقيق علي محمد معوض, عادل أحمد عبد الموجود, عالم الكتب بيروت لبنان,1419هـ/1999م.
95.    السخاوي: أبو الخير شمس الدين محمد بن عبد الرحمان, "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة", دار الهجرة, بيروت1406هـ/1986م.
96.    السخاوي: شمس الدين محمد بن عبد الرحمان "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع", مكتبة الحياة بيروت.
97.    السمين الحلبي: أحمد بن يوسف, "الدر المصون في علوم الكتاب المكنون", تحقيق الدكتور احمد محمد الخراط, دار القلم, دمشق, الطبعة الأولى, 1406هـ/1986م.
98.    السيوطي: أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر بن محمد, " أسباب النزول", دار الهجرة, دار النمير, بيروت الطبعة الأولى,1410هـ/1990م.
99.    السيوطي: جلال الدين بن عبد الرحمان بن أبي بكر , "الإتقان في علوم القرآن"ضبطه وصححه وخرج آياته, محمد سالم هاشم, دار الكتب العلمية بيروت, الطبعة الأولى, 1428هـ/2007م.
100.    السيوطي: جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر , "المزهر في علوم اللغة وأنواعها",تحقيق فؤاد علي منصور, دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى 1998م.
101.    السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، "طبقات المفسرين"، تحقيق، علي محمد عمر، مكتبة وهبة القاهرة, الطبعة الأولى، 1396هـ.
102.    السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن,"بغية الوعاة", تحقيق: د علي محمد عمر , مكتبة الخانجي, القاهرة الطبعة الأولى1426هـ/ 2005م.
103.    الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس القرشي كتاب "الأم" تحقيق علي محمد وعادل أحمد دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان 1422هـ / 2001م.
104.    شراب: محمد محمد حسن,"شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية",  دار البشير, مؤسسة الرسالة, بيروت الطبعة الأولى 1427هـ/2007م.
105.    الشنقيطي: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني, "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" , دار عالم الكتب, بيروت لبنان.
106.    الشهرزوري: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمان، "مقدمة ابن الصلاح"، مكتبة الفارابي، الطبعة الأولى، 1984م.
107.    الشوكاني: محمد بن علي بن محمد, "فتح القدير", دار المعرفة بيروت.
108.    الصابوني: محمد علي, "روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن" دار الفكر.
109.    الصالح: صبحي, "مباحث في علوم القرآن", دار الملايين, بيروت, الطبعة السابعة عشرة, 1988م.
110.    الصفدي: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، "الوافي بالوفيات", تحقيق: أحمد الأرناؤوط، تركي مصطفى   دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى سنة 2000م.
111.    الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير "صريح السنة", دار الخلفاء للكتاب الإسلامي, الكويت, تحقيق: بدر يوسف المعتوق, الطبعة الأولى 1405هـ.
112.    الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي, "جامع البيان في تأويل القرآن",  تحقيق أحمد محمد شاكر, مؤسسة الرسالة, الطبعة الأولى,1420هـ/2000م.
113.    عباس: فضل حسن "القراءات القرآنية وما يتعلق بها", دار النفائس, عمان,  الطبعة الأولى, 1428هـ/2008م.
114.    عباس: فضل حسن, "إتقان البرهان في علوم القرآن" دار الفرقان, عمان الطبعة الأولى 1997م.
115.    عباس: فضل حسن, "لطائف المنان وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن", دار النور بيروت, الطبعة الأولى 1410هـ/1989م.
116.    عباس: فضل حسن، "التفسير أساسياته واتجاهاته"، مكتبة دنديس، عمان 1426هـ/2005م.
117.    العسقلاني: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد أحمد بن حجر، "نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر"، تحقيق عبد الله الرحيلي، مطبعة السفير، الرياض، الطبعة الأولى.
118.    العسقلاني: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر "تهذيب التهذيب", اعتناء إبراهيم الزيبق, وعادل مرشد, مؤسسة الرسالة, بيروت لبنان, الطبعة الأولى 1419هـ/2008م.
119.    عواد: محمد حسن, "تناوب الحروف الجر في لغة القرآن", دار الفرقان عمان, الطبعة الأولى 1402هـ/1982م.
120.    عياض: أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي "الشفا بتعريف حقوق المصطفى", تقديم وتحقيق طه عبد الرؤوف سعد, خالد بن محمد بن عثمان, مكتبة الصفا, القاهرة, الطبعة الأولى 1423/2002.
121.    الغزالي: محمد "فقه السيرة", خرج أحاديثه الشيخ ناصر الدين الألباني, دار الشروق القاهرة, الطبعة الأولى 1421هـ/2000م.
122.    الفارابي: أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم, "ديوان الأدب", تحقيق د أحمد مختار عمر, ود إبراهيم أنيس, القاهرة 1974م.
123.    الفاسي تقي الدين محمد بن أحمد الحسني "العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين", تحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا, دار الكتب العلمية بيروت , الطبعة الأولى 419هـ/1998م.
124.    الفتني: محمد طاهر بن علي الهندي, "تذكرة الموضوعات", دار إحياء التراث العربي, بيروت.
125.    الفراهيدي: أبو عبد الرحمان، الخليل بن أحمد، "العين"، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
126.    الفيومي: أحمد بن محمد بن علي المقري، "المصباح المنير"، راجعه الشيخ محمد حسنين الغمراوي، المطبعة الأميرية، القاهرة، الطبعة السادسة 1928م.
127.    القاضي: عبد الفتاح عبد الغني بن محمد, دار السلام, "البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة" القاهرة, الطبعة الأولى, 1424هـ/2004م.
128.    القرشي: أبو زيد محمد بن أبي الخطاب،"جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام", تحقيق علي محمد البجاوي دار النهضة مصر الفجالة، القاهرة.
129.    القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر, "الجامع لأحكام القرآن", تحقيق عبد الله بن المحسن التركي, مؤسسة الرسالة. بيروت. الطبعة الأولى، 1421هـ / 2006م. 
130.    القزويني: جلال الدين أبو عبد الله محمد بن سعد الدين بن عمر, "الإيضاح في علوم البلاغة", دار إحياء العلوم, بيروت, الطبعة الرابعة 1998م.
131.    القفطي: جمال الدين أبي حسن علي بن يوسف, "إنباه الرواة على أنباه النحاة", تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم دار الفكر العربي، القاهرة الطبعة الأولى، 1406هـ / 1986م.
132.    الكاساني: علاء الدين أبو بكر بن مسعود الحنفي, "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" ,دار الكتب العلمية, بيروت لبنان الطبعة الثانيه 1406هـ / 1986م.
133.    كحالة: عمر رضا, "معجم المؤلفين", تحقيق مكتب التراث, مؤسسة الرسالة, بيروت, الطبعة, الأولى1414هـ/1993م.
134.    الكرماني: محمود بن حمزة, "غرائب التفسير وعجائب التأويل", تحقيق الدكتور شمران سركال يونس العجلي, دار القبلة للثقافة الإسلامية, جدة ومؤسسة علوم القرآن بيروت.
135.    المؤيد بالله: إبراهيم بن القاسم بن الإمام, "طبقات الزيدية الكبرى", تحقيق عبد السلام الوجيه, مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية, عمان, الطبعة الأولى 1421هـ/2001م.
136.    المروزي: أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج, "السنة" تحقيق سالم أحمد السلفي, مؤسسة الكتب الثقافية, بيروت, الطبعة الأولى 1408هـ.
137.    المروزي: أبوعبد الله محمد بن نصر, "اختلاف العلماء", تحقيق د صبحي السامرائي, عالم الكتب بيروت.
138.    المزيني: خالد بن سليمان, "المحرر في أسباب نزول القرآن", دار ابن الجوزي, المملكة العربية السعودية, الطبعة الأولى 1427هـ.
139.    مسلم: مصطفى، "مناهج المفسرين"، دار المسلم. الرياض، الطبعة الأولى 1415هـ.
140.    المصطاوي: عبد الرحمن, "ديوان أبي فراس الحمداني", دار المعرفة بيروت, الطبعة الثانية, 1425هـ/2004م.
141.    المطعني: عبد العظيم إبراهيم محمد, "المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع", مكتبة وهبة القاهرة, الطبعة الثالثة, 1425هـ/2004م.
142.    المناوي: زين الدين محمد بن علي, "الفتح السماوي بتخريج أحاديث القاضي البيضاوي", تحقيق أحمد مجتبى, دار العاصمة, الرياض.
143.    الميداني: أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري, "مجمع الأمثال", تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد, دار المعرفة, بيروت لبنان.
144.    الميداني: عبد الغني الغنيمي الدمشقي, "اللباب في شرح الكتاب", تحقيق محمود أمين النواوي, دار الكتاب العربي.
145.    النحاس: أبو جعفر أحمد بن محمد المرادي "معاني القرآن", تحقيق يحي مراد, دار الحديث القاهرة, 1425هـ/2004م.
146.    النسائي: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن, "السنن الكبرى", تحقيق د.عبد الغفار سليمان البنداري , سيد كسروي حسن, دار الكتب العلمية, بيروت الطبعة الأولى ، 1411هـ / 1991م.
147.    النسفي: أبو البركات عبد الله بن أحمد محمود, "مدارك التنزيل وحقائق التأويل,  تحقيق يوسف علي بديوي. د محي الدين ديب مستو. دار ابن كثير . دمشق. بيروت. الطبعة الأولى 1426هـ/ 2005م.
148.    نوفل: أحمد "نسخ التلاوة بين النفي والإثبات", دار الفضيلة, ودار القطوف, عمان, الطبعة الأولى 1427هـ/2006م.
149.    النيسابوري: محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم، "المستدرك على الصحيحين"، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة 1411هـ/1990م.
150.    النيسابوري: مسلم بن الحجاج,أبو الحسين  القشيري, "صحيح مسلم", تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي, بيروت.
151.    النيسابوري: نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي,"غرائب القرآن ورغائب الفرقان", تحقيق الشيخ زكريا عميران, دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة الأولى 1416 هـ / 1996م.
152.    الهادي: يحيى بن الحسين، "الأحكام في الحلال والحرام"، جمع علي بن أحمد بن أبي حريصة، منشورات مكتبة التراث الإسلامي اليمن، الطبعة الثانية 1420هـ/1999م.
153.    الهاشمي: أحمد, "جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع", دار إحياء التراث العربي, بيروت لبنان.
154.    الهراسي: إلكيا عماد الدين بن محمد الطبري "أحكام القرآن" دار الكتب العلمية, بيروت  لبنان, الطبعة الأولى,  1403هـ / 1983م.
155.    الهروي: أبي منصور محمد بن أحمد بن الأزهر,"تهذيب اللغة",  تحقيق أحمد عبد الرحمن مخيمر, دار الكتب العلمية, بيروت الطبعة الأولى 1425هـ  / 2004م.
156.    الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري, "أسباب النزول", تحقيق طارق الطنطاوي, مكتبة القرآن/ القاهرة.
157.    الوجيه: عبد السلام بن عباس,"أعلام المؤلفين الزيدية", مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية, الطبعة الأولى 1420هـ/1999م.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire