vendredi 31 octobre 2014

الأستاذ: محمد يحيى سالم عزان - حديث "افتراق الأمة" تحت المجهر الأستاذ: محمد يحيى سالم عزان


مجلة المسار

الأستاذ: محمد يحيى سالم عزان الأستاذ: محمد يحيى سالم عزان  -

حديث "افتراق الأمة" تحت المجهر


العدد الأول
( السنة الأولى : العدد الأول شتاء : 1420 / 2000) - رقم الصفحة : 29 - ترجمة :
- التبويب : -

حديث

 افتراقالأمة تحـت المجهـر

تأليف/ الأستاذ: محمد يحيى عزان

المقدمة

بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم علىسيدنا محمد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد ..
فإن مما لاشك فيه أن الإنسان بطبيعته يميل إلىالإلفة، ويفضل العيش ضمن إطار متماسك، يستوعب الكفاءات ويوحد الطاقات، ولذا عملتالبشرية على تكوين مجتمعات منذ فجر التاريخ، ولكن اختلاف طبائع البشر ومصالحهم،أدى إلى تنافر وخصومة بين تلك المجتمعات، فبعث الله الأنبياء لينظموا علاقة البشرببعضهم على مستوى الفرد والجماعة، فبلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا للأمة،ولكن ذلك لم يمنع دعاوى التفرد بالحق والاختصاص بالدين، فما زالت بعض الجماعات ترىأن النجاة حكر عليها فـ﴿وَقَالَتِالْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِالْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَلَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(113)﴾[البقرة].
وعند بزوغ فجر الإسلام كانت البشرية قد بلغتالمدى من العداوة والتشرذم، حيث أصبحت المجتمعات شيعاً وأحزاباً متنافرة، تمزقهاالخصومة وتستنِزف طاقتها العداوة والأحقاد، فعمل على لمَّ شعث الناس، وجمع شتاتهم،وأبدلهم بالتنافر إلفة وبالعداوة محبة، ونادى فيهم: ﴿إِنَّهَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(92)﴾[الأنبياء]، ليرسخ في أذهانهم واحدية أصلهم، ووحدانية معبودهم، وحثهم على الاجتماعوالتَّوَحُّد، ونهاهم عن التشتت والتفرق، وأكد لهم أن النجاح والعز الذي ينشده كلمنهم مرهون بتعاونهم ووحدتهم، وأن ضعفهم وهوانهم ناتج عن تفرقهم وتشتتهم.
واستجـابة لدعوة الإسلام كـوَّن المسلمونمجتمعاً متماسكاً، واستطاعوا بذلك أن يغيروا مجرى التاريخ، وصنعوا للأمة عزاًومجداً ومَنَعَة لم تعهده في ظل أي دعوة أخرى.. ورغم ذلك ظلت جماعات عنصرية تحلمبأنها الصفوة وأنها المتفردة بالنجاة، فـ: ﴿قَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَأَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(111)﴾(البقرة).ولكن الإسلام رفض ذلك المنطق، ووضح حقيقة خالدة تعتبر من أهم مميزاته وعواملانتشاره، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْتَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْأَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّأَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِاللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا(123)﴾ ([النساء]. فبين بذلك أن النجاةوالهلاك لا يتعلقان بمجرد الانتماء إلى هذا أو ذاك.
ومع مرور الزمن وبُعْد الناس عن عصر التشريع،وتفاوتهم في درجات المعرفة والذكاء، اختلفوا في تفسير نصوص الشريعة وفَهْم مقاصدها؛غير أن ذلك الخلاف ظل في دائرة التفاهم والحوار الذي لا يفسد للود قضية.
ولكن الأمر تغير عندما تَدَخَّلت الأهواء،وسيطرت المصالح، وفسدت الأخلاق، فتحول الخلاف إلى تفرق ونزاع، واستعيض عن التنافسالبناء بالمهاترة والصراع، وانغمس المثقفون والقراء في وحل الكيد والجدل العقيم.
وازداد الأمر سوءً حينما قُيِّم التفرقوالخصومة على أساس من الدِّين، فروي في ذلك روايات قضت بافتراق المسلمين إلى نيفوسبعين فرقة، وحكمت عليها بالهلاك إلا فرقة، مما شجع على تأصيل الفُرْقَة وتوسيعالشُّقة وتعميق الخلاف، وولَّد عند الفرق إصراراً على دعوى التَّفرد بالحقوالاختصاص بالنجاة، وفي سبيل ذلك قام أتباع كل فرقة بتقديم مميزات فرقتهم وعرضخصائصها على أنها مقومات الحق وعلامات النجاة، (( فكلٌ قد انتحل مقالة وذهب بزعمه إلى ديانة،يرى أنه فيها مصيبٌ لحقٍ، وقاصدٌ في مذهبه بصدق، وهم مَنْ قد ترون وتعاينون منالفرق الكثيرة المختلفين في أقاويلهم، والمتباعدين في مذاهبهم، كل حزب بما لديهمفرحون )) [1]. وعملوا في نفس الوقت على تشويهمخالفيهم لإدراجهم في الفرق الهالكة، واستنفروا لذلك القرائح وحشدوا البراهين،وكأن الإسلام لم يأت إلا لتأييد هذه الفرقة والتنفير عن تلك.
وهكذا تحولت المدارس الفكرية إلى أحزابيُرْهِبُ بعضها بعضاً بسلاح التضليل والتكفير وإشعال نار الفتن، بل تعدى ذلك فيبعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة، تسفك فيها الدماء وتستباح الأموال وتنتهكالأعراض!!
وفي ظل ذلك الوضع المضطرب لقي ما يعرف بـ(حديثالافتراق) مجالاً واسعاً يتحرك فيه، حيث تناقله الناس وتجاذبته الفرق، فاشتهر حتىصار يحكى كواحد من الأحاديث المسلَّمة التي لا نزاع في صحتها، وساعد على ذلكأمران:
الأول:الانقسامات التي عاشها المسلمون عند ظهور الفِرَق، فقد بادرت كل فرقة إلى روايتهبدون فحص كاف لمدى صحة ثبوته، وبذلك انتشر في كتب سائر الفرق، (( فكلفرقة من فرق الإسلام تتلقاه بالقبول، وتزعم أنها هي الناجية ))[2].
الثاني:حرص الحكام على الترويج له ليكون ذريعة لقمع خصومهم، بحجة أن الحاكم وأعوانهيمثلون جماعة أهل الحق الناجين، وعليه فالخارجون عليهم من أي جهة كانوا، ومهماكانت مطالبهم، فِرَق هالكة يتعين القضاء عليها، فهو من أكثر الأحاديث رواجاً فيأوساط السلاطين.
وهذا يعني أن جملة من الظروف والأسباب كانتوراء تكثير روايات ذلك الحديث، مما جعل بعض المؤلفين يزعم أنه متلقى بالقبول، بلذهب بعضهم بعيداً فزعم أنه من قسم المتواتر المعلوم من ضرورة الدين.
والواقع أن كثرة الروايات والدعاوى التي تحيطبالحديث، ليست كافية لتصحيحه، فإننا إذا تأملنا في رواياته وجدنا أنَّ أياً منهالا يخلو من علة قادحة، وذلك ما منع المتحمسين له - كابن تيمية والألباني - منتصحيحه إلا على أساس أن رواياته المتعددة يشد بعضها بعضاً، وذلك لا يصح أن يكونمقياساً للصحة على الإطلاق، خصوصاً عند اختلاف ألفاظ الروايات اختلافاً يؤثر فيالمعنى؛ (( فالتقويةبكثرة الطرق ليست على إطلاقها، فكم من حديث له طرق عدة ضعفوه، كما يبدو ذلك في كتبالتخريج والعلل وغيرها، وإنما يؤخذ بها فيما لا معارض له، ولا إشكال في معناه ))  [3].
وهذا ما يجعلنا نؤكد على أهمية إعادة النظر فيالمسلمات الفكرية الموروثة التي لا تعتمد على حجج بَيِّنَة، ودراستها بجرأة وعمقبعيداً عن أي مؤثرات تشوش الفطرة وتؤثر على حرية التفكير؛ وذلك لما في البحثالدقيق النَّزيه من إثراء للفكر، واكتشافٍ للحقيقة، ورسوخ للعقيدة الصحيحة.
فليس هنالك ما يدعو للقلق على مصير بعضالأفكار والثوابت، عند ما تتعرض للدراسة والنَّقد، لأننا نعتقد أن الفكر الإسلامييُعتبر خلاصة الحقيقة ولبَّها، وأن كثرة البحث والتتبع في أي شيء من حقائقه لايزيده إلا نضارة ورسوخاً، بل أكد القرآن الكريم على ضرورة فرض رقابة فكرية - منخلال البحث والتَّقصِّي - على كل ما ينسب إلى الدين، قال تعالى : ﴿وَلاتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَكُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا(36)﴾[الإسراء]. وأمرنا بالسؤال والتَّفَكر، ودعانا إلى الحوار المنصف المعتمد علىالدليل والبرهان فقال تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوابُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(111)﴾[البقرة]، وذلك هو الطريق الصحيح للكشف عن حقائق الأشياء، والوسيلة الناجحة لتقويم الأفكاروتنقيتها، والباعث على الثقة والاطمئنان، فهاهو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلاميسأل ربه: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِيالْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾[البقرة:260].
فما كان له صلة بالحقيقة فإنه يستحق الكفاح منأجل ترسيخه، وما كان دخيلاً على الفكر أو ملصقاً به فإن علينا التخلص منه بلاتردد، مهما كان أثره في حِيَاطة ذواتنا، وإشباع رغباتنا وميولنا الفكري، كي لا نظلنتقلب في أحضان قناعات وهمية، ونجهد أنفسنا في الجري خلف بريق سراب خادع.
وقد وجدت أن من المواضيع التي يحسن دراستهاووضعها تحت مجهر التحقيق والبحث موضوع (حديث افتراق الأمة) وما يترتب عليه؛ لأسبابعدة منها:
(1) أنه يصوِّر للمسلمين أن الفُرقة قَدَرُهم،وأنه قد قُضِيَ عليهم بالتمزُّق، وأنه لا أمل لهم في الوحدة ولمِّ الشمل، ومنثَمَّ فليس أمامهم إلا التعصب الطائفي وكيل الدعاوى والتَّقولات على بعضهم البعض،وفي ذلك ما فيه من تمزيق شمل الأمة وتهيئة أجواء العداوة والتباغض والتفرق المذمومالذي نهى الله تعالى عنه في كتابه الكريم.
(2) أنه صنع حواجز نفسية بين المسلمين، بحيثصار أتباع المذاهب يتعاملون فيما بينهم وكأنهم من ديانات مختلفة، حتى أن بعضهميعتقد بطلان صلاته مع مخالفيه، ولا يتعامل معهم ـ إن اضطر إلى ذلك ـ إلا بضرب منالمجاملة، بعيداً عن الأخوة الإسلامية الصادقة. بل صار بعضهم يُفَضِّل التعامل معأصحاب الديانات المختلفة ولا يطيق مخالفه من المسلمين، فقد ذكر ابن تيمية أن ابنالمبارك سئل عن الجهمية، "فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد، وكان يقول: إنالنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية !! وهذا الذي قالهاتبعه عليه طائفة من العلمـاء من أصحـاب أحمد وغيرهم" [4]!!
(3) أنه أو قع كثيراً من الجماعات في حبائلالتعصب والتشبث بالدعاوى الفارغة، فكم من خيال طُرح كحقيقة مُسلَّمة، وكم من إشاعةلا وزن لها اعتبرت جزءاً من تاريخ المسلمين وثقافتهم، وكم مِن دعوى فارغة أصبحت -مع التعصب - محك الإيمان والاستقامة، وبُنيت عليها مواقف الولاء والبراء، وفي مقابلذلك تُطْمَس آراء سديدة، وتُسْحَق أفكار نيِّرة تحت أقدام التعصب المَقِيت،والتحجُّر القاتل.
(4) أنه جعل للفِرَق شرعية في تضليل بعضهابعضاً، حيث صار بعض علماء الطوائف ـ ولا أقول كلهم ـ يعيشون حالة من ردود الفعلالسلبية التي جعلتهم يهدرون قدراتهم في سبيل تشويه مخالفيهم، وكثيراً ما يقعالإنسان في ظل الخصومة في أشياء مقطوع بحرمتها، كالظلم، والتقول على الآخرين بغيرالحق، والسعي لطمس الحقائق، والمبالغة في المدح والقدح، وبذلك يتحول المجتمع إلىحلبة للصراع الوهمي بدلاً من الحوار البناء الذي يحقق للمسلمين الرقي والاستقامة.
وما كان من الأحاديث والأفكار له تلك الآثارالسلبية فلابد من التحقيق في أصل نشأته، والتأكد من صحة ثبوته، ودراسة معانيه ومايترتب عليها بإمعان.
وقد أثار الكلام عنحديث الافتراق غير واحد من العلماء السابقين والمعاصرين ولكن بشكل موجز، وكان ممنتعرض لهذا الحديث:
العلامة أحمد بن عليمطير المتوفى (1068 هـ)[5] - وهو من علماء الزيدية في اليمن – فقد سؤل عنه فرأىعدم التعويل عليه لعدة أسباب، منها:
* أنه مروي عن معاويةوعبد الله بن عمر بن العاص، وليست روايتهما كرواية غيرهما من الصحابة في درجةالقبول.
* وأنه آحادي لا يبنىعليه قاعدة دينية خصوصا مع وجود المعارض.
* أن فيه إجمالوإبهام يشكك المسلمين في أنفسهم، مع أن الدين قد بين أن المؤمن هو المستحق للنجاةوالكافر هو المستحق للهلاك، مؤكدا على أن الخلاف بين المسلمين ليس تفرقاً، إذ مرجعالجميع إلى الكتاب والسنة، واختلافهم في ذلك كاختلاف الصحابة الذين اُعتبر ماكانوا عليه ـ في بعض الروايات ـ علامة للنجاة، منبها على عدم صحة دعوى من أدعى منالمذاهب أن النجاة حكر عليه.
* ورأى انه معارضللقرآن الكريم من عدة وجوه:
منها: أن الله بين أنالناس فريقين مؤمن ناج وكافر هالك فقال: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّاالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِفَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)﴾[الروم]. ولم يعدد فرقاً وجماعات.
ومنها: أن الله وصفهذه الأمة بالخيرة، والوسطية، وجعلها شهيدة على سائر الأمم، فكيف تكون أكثرهاتفرقا، وأسوؤها نصيبا في النجاة؟
وقد أثارت هذهالرسالة موجة من الاستنكار، كما هي العادة عند تجاوز المألوف المتوارث، فأجاب عليهالعلامة محمد بن الحسن بن الإمام القاسم المتوفى (1079هـ)، فركز على أن الحديث رويمن طرق أخرى غير طريق معاوية وعمر بن العاص، وهذا صحيح، وبيناً وأن الاختلاف بينالأمة واقع بالفعل، وهذا صحيح غير أنه ليس كل اختلاف مذموم يؤدي إلى الهلاك،والقسمة العددية ليس لها واقع كما سنبين ذلك إن شاء الله.
ورد على مطير أيضا العلامة محمد بن إبراهيم بنالمفضل المتوفى (1085 هـ) ببحث بعنوان: (الإشارة المهمة إلى صحة حديث افتراقالأمة) هو بحث لا يتجاوز صفحتين، اعتمد فيه على ما ذكر ابن الجوزي في كتاب(الموضوعات).
وأفرد العلامة محمدبن إسماعيل الأمير المتوفى (2811 هـ) للكلام على هذا الحديث رسالة قرر فيها صحةالحديث، ولكنه حاول حمله على معان تتناسب مع غيره من الأحاديث، وقد أشرت إلى خلاصةأفكاره أثناء هذا البحث.
وللعلامة المحدث:الحسن بن علي السقاف بحث مفيد حول هذا الحديث ضمن كتابه (شرح العقيدة الطحاوية)نقلت عنه في بحثي هذا كما ستلاحظ.
وهنالك بحوث ورسائلكثيرة إما حول تقييم الحديث وإما حول تعداد الفرق التي أشار إليها الحديث، وإماحول الكلام على الفرقة الناجية خاصة، وكل قد ادعى أنه المراد.
وما أود التنبيه عليه هنا أنني لا أعني منخلال هذا البحث أنه لم يقع افتراق بين الأمة، أو أنه ليس هنالك ناج وهالك علىالإطلاق، فتلك أشياء قد حسمها القرآن الكريم، وبينتها كثير من الأحاديث الصحيحة..وإنما أعني أنه لا يصح الجزم بصحة حديث الافتراق بصيغته المتداولة، وتفسيره الشائعالذي يقضي بتوزيع المسلمين على ثلاث وسبعين فرقة محددة بأسمائها ثم الحكم عليهابالهلاك إلا واحدة.
وفيما يلي سأحاول من خلال هذا البحث المتواضعأن أضع بين يدي القارئ الكريم بعض المعلومات الهامة عن الحديث المذكور، مبتدئاًبذكر ما وقفت عليه من ألفاظه؛ ليتسنى للقارئ بعد ذلك النَّظر والتأمل في معانيه،ومن اللّه أستمد العون والسداد.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم علىسيدنا محمد الأمين وعلى آله الطاهرين.
****

حديث الافتراق بين الثبوت والسقوط


عندما جَمعتُ ألفاظ حديث الافتراق وجدت أنهالا تكاد كلمة من كلماته تخلو من اختلاف في نقلها، اختلافاً يؤثر في معناه؛ فأشهرروايات الحديث وأكثرها مصححين ومخرجين اقتصرت على الإخبار بافتراق هذه الأمة كماافترق من كان قبلها، ولم تشر إلى ناج ولا هالك، ولم تحدد عدد الفرق الناجية ولاالهالكة، ولم تعيِّن أو تصف فِرْقة ناجية أو هالكة، في حين أن روايات أخرى قدتضمنت زيادة تفيد الإخبار بهلاك الفرق إلا واحدة، مع أنه قد وقع اختلاف كبير فيألفاظها، فمنها ما ذُكِرَ فيه صفة الفرقة الناجية، ومنها ما وُصِفت فيه الفرقالهالكة، ومنها ما اقتصر على الإشارة إلى نجاة فرقة وهلاك ما عداها.
وهذا ما جعلني أعرض تلك الروايات بألفاظهاوأسانيدها، بعد أن حاولت استقصاءها من دواوين الحديث عند السنَّة والشيعة، مضيفاًإلى ذلك محاولةً لتقييم كل رواية على ضوء قواعد من رواها، إما بذكر قول من وقفت لهعلى قول من المصححين أو المضعفين، وإما بالكشف عن بعض العلل المؤثرة في صحةالرواية.
ولكي يسهل تصور واقع تلك الروايات وتعددالزيادات فيها، وزعتها على النحو التالي:

أولاً: ماورد في الإخبار بافتراق الأمة فقط

روايةأبي هريرة

روى أبو داود 4/97(4596)، والترمذي5/25(2640)، وابن ماجة 2/1321(3991)، وابن حبان 14/140(6247) و15/125(6731)، وأحمد2/332، والحاكم 1/6 و128 والبيهقي10/208، وابن أبي عاصم 1/33(66)، وأبو يعلى (5910و5978 و6117)، وغيرهم، من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قالرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( افترقتاليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتينوسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ))(اللفظ لأبي داود).
* اختلف المحدثون في الحكم على هذه الرواية،فادخلها ابن حبان في صحيحه. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ولوَّح الحاكم بالتصحيح فقال: كثر[6]في الأصول، وقد روي عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، وعوف بن مالك، عن رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم مثله، وقد احتج مسلم بمحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عنأبي هريرة، واتفقا جميعاً على الاحتجاج بالفضل بن موسى، وهو ثقة[7].
ولكن الذهبي رد كلام الحاكم بقوله: (( مااحتج مسلم بحديث محمد بن عمرو منفرداً بل بانضمامه إلى غيره ))[8].يعني أنه روى له في المتابعات فقط.
ومما يقلل من شأن هذه الرواية أن مدارها علىمحمد بن عمرو بن علقمة الليثي، وليس ممن يحتج بحديثه، فقد تكلم فيه يحيى بن معينومالك[9].وضعفه كل من: الجوزجاني[10]،ويعقوب بن شيبة، وابن سعد[11]،والسعدي[12]،وقال: ابن حبان: كان يخطئ[13].
(تنبيه)جاءت رواية أبي هريرة هذه في سائر كتب الحديث وليس فيها زيادة: (كلها هالكة إلافرقة) ـ كما ترى ـ وقد سهى الحافظ السخاوي فذكر الحديث في (المقاصد الحسنة) عن أبيهريرة بالزيادة. وتبعه العجلوني في (كشف الخفاء)[14]،ووقع الشوكاني في نفس الخطأ لاعتماده عليهما في كتابه (الفوائد المجموعة)[15].

ثانياً: ماورد في هلاك الفرق إلا فرقة

روايةعن أنس

روى أحمد بن حنبل في (المسند 3/120) قال:حدثنا وكيع، حدثنا عبد العزيز - يعني الماجشون - عن صدقة بن يسار، عن العميري، عنأنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنبني إسرائيل قد افترقت على ثنتين وسبعين فرقة، وأنتم تفترقون على مثلها، كلها فيالنار إلا فرقة )).
* العميري، ذُكر أنه شخصية مجهولة، وقد تأكدعندي بعد البحث أنه قد تصحف عن: النميري، وهو زياد بن عبد الله النميري، ضعفه ابنمعين وأبو داود[16].
وقال ابن حبان : منكر الحديث يروي عن أنسأشياء لا تشبه حديث الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، تركه ابن معين [17].

روايةعن الإمام علي

روى الشيخ الصدوق - من الإمامية - في (الخصال584 ـ 585) من طريق بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، قال:حدثنا أبو معاوية، عن سليمان بن مهران، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيهالحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه  عليهمالسلام، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( إنأمة موسى افترقت بعده على إحدى وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية، وسبعون في النار،وافترقت أمة عيسى عليه السلام بعده على اثنتين وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية،وإحدى وسبعون في النار، وإن أمتي ستفترق بعدي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة منهاناجية، واثنتان وسبعون في النار )).
* هذه واحدة من روايات الإمامية للحديث ، وقدبحثت عن رجالها في كتبهم فوجدت: أن تميم بن بهلول مجهول، وليس مشهوراً في كتبالرجال عند الإمامية ولا عند غيرهم، فقد ذكره التستري في (قاموس الرجال)[18]وأشار إلى أن حديثه منكر، وذكر في ترجمة أبيه[19]أنه ليس له ذكر ولا لأبيه في الرجال، وقال: خبرهم منكر.
ومن رجال إسناد هذه الرواية: بكر بن عبد الله،وهو مجهول أيضاً[20]

ثالثاً: ماورد في نجاة الفرق إلا فرقة

على العكس مما مضى جاء في بعض الروايات أنفرقة واحدة هي التي تهلك، وأن سائر الفرق ناجية، وقد روي في ذلك عدة روايات منها:

روايةعن أنس

من طريق يحيى بن سعيد الأنصاريرواها ابن عدي في (الكامل 3/934)، من طريق خلف بن ياسين الزيات.. والعقيلي في(الضعفاء 4/201) من طريق معاذ بن ياسين الزيات.. كلاهما عن الأبرد بن الأشرس، عنيحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( تفترقأمتي على إحدى وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا واحدة ))[21]،قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: (( الزنادقة ))،وهم أهل القدر.
* قال ابن عدي: ولم أرَ لخلف بن ياسين هذا غيرهذا الحديث، وإن كان له غيره فليس له إلا دون خمسة أحاديث، ورواياته عن مجهولين،والأبرد بن الأشرس ليس بالمعروف.
ومن طريق سعد بن سعيدروى العقيلي في (الضعفاء 4/201)، من طريق نعيم بن حماد، عن يحيى بن يمان، عن ياسينالزيات، عن سعد بن سعيد أخي يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس قال: قال رسول الله صلىالله عليه وآله وسلم: (( تفترقأمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا فرقة واحدة، وهي الزنادقة )).
ورواها الديلمي في (الفردوس رقم 2359) بزيادة:(( كلهافي الجنة إلا الزنادقة )).
* قال العقيلي: هذا حديث لا يرجع منه إلى صحة،ولعل ياسين أخذه عن أبيه، أو عن أبرد هذا، وليس لهذا الحديث أصل من حديث يحيى بنسعيد ولا من حديث سعد.
ـ وهذه الرواية عند ابن عدي في (الكامل7/2642) من طريق: الحسن بن عرفة، حدثني يحيى بن يمان، عن ياسين بن معاذ، عن سعد بنسعيد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( تفترقهذه الأمة على بضع وسبعين فرقة، إني لأعلم أهداها )).قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: (( الجماعة )).
قال ابن عدي: ولياسين الزيات غير ما ذكرت عنالزهري، وعن غيره، وكل رواياته أو عامتها غير محفوظة.
ـ وروى ابن الجوزي[22]منطريق الدارقطني قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عثمان الصيدلاني، قال: حدثنا أحمد بنداوود السجستاني، قال: حدثنا عثمان بن عفان القرشي، قال: حدثنا أبو إسماعيل الإيليحفص بن عمر، عن مسعر، عن سعد بن سعيد، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( تفترقأمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا الزنادقة )).قال أنس: كنا نراهم القدرية.
* قال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يصح عن رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم، قال علماء الصناعة: وضعه الأبرد وكان وضاعاًكذاباً، وأخذه منه ياسين فقلب إسناده وخلطه وسرقه عثمان بن عفان. وقال: وهذاالحديث على هذا اللفظ لا أصل له.
قال ابن حجر[23]:هذا موضوع وهو كما ترى متناقض.
وقد لقيت هذه الرواية قبولاًعند بعض العلماء رغم ما قيل في سندها، فقال المقدسي: إن حديث (( اثنتانوسبعون في الجنة وواحدة في النار ))أصح إسناداً.
وفي (كشف الخفاء) للعجلوني[24]:ورواه الشعراني في الميزان من حديث ابن النجار، وصححه الحاكم بلفظ غريب، وهو: (( ستفترقأمتي على نيف وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا واحدة )).وفي رواية عند الديلمي: (( الهالكمنها واحدة )).قال العلماء: هي الزنادقة. انتهى.
وفي هامش الميزان المذكور عن أنس عن النبي صلىالله عليه وآله وسلم بلفظ: (( تفترقأمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا واحدة وهي الزنادقة ))،وقال في رواية عنه أيضاً: (( تفترقهذه الأمة على بضع وسبعين فرقة، إني أعلم أهداها الجماعة ))،انتهى. ثم رأيت ما في هامش الميزان مذكوراً في تخريج أحاديث مسند الفردوس للحافظابن حجر، ولفظه: (( تفترقأمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا واحدة وهي الزنادقة ))،أسنده عن أنس قال: وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر، عن أنس بلفظ: (( أهداهافرقة الجماعة ))،انتهى.

رابعاً:الروايات التي فيها صفة فرقة ناجية

يلحظ المتتبع أن بعض الروايات تحظى باهتمامإحدى الفرق، ويكثر الترويج لها بين أتباعها، وذلك إما لأن فيها إشارة إلى أنها هيالناجية، أو إلى أن فيها ما يشير إلى هلاك أبرز خصومها، ولهذا تعددت الزيادات بمايتناسب مع كثرة الأهواء، وزعمت كل طائفة أنها الفرقة الناجية واستدلت بظاهر زيادةمن الزيادات المذكورة في بعض الأحاديث، وإليك تلك الروايات بالتفصيل:

1 ـ ما ذكر فيه أن الجماعة هي الفرقة الناجية

الجماعة لقب يطلق في هذا الباب على السلطان،ومن يلتف حوله من الأعوان، وقد برز هذا المفهوم عند ما تولى معاوية الخلافة فسمىذلك العام: عام الجماعة، ثم أخذ السلاطين وأعوانهم يطلقونه على أنفسهم، ويشاركهمفيه رجال الدين الذين لهم علاقة حميمة بالحكام أو الذين يؤيدون الطاعة المطلقةللحكام، ولذلك ورث هذا اللقب خلفاء العباسيين بعد الخلفاء الأمويين، وعلى ضوء هذاجاءت أكثر روايات الحديث لتؤكد أن الفرقة الناجية هي الجماعة المشار إليها، بل جاءفي بعضها تصريح بأن المراد بالجماعة: الأمراء، كما سيأتي.
وإليك مجمل الروايات التي وردت في هذا الباب:

 رواية عن معاوية

روى أبو داود 4/198(4597)، وأحمد 4/102،والحاكم 1/128، وابن أبي عاصم (20)، والطبراني في الكبير 19/377(885)، وفي مسندالشاميين 2/108(1005)، من طريق صفوان بن عمر، قال: حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي،عن أبي عامر الهوزني، عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال: ألا إن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم قام فينا فقال: (( ألاإن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترقعلى ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة )).(اللفظ لأبي داود).
* تردد الحاكم في تصحيح هذه الرواية بمفردها،فقرنها برواية أبي هريرة السابقة، ثم قال: هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذاالحديث[25].
أما ابن تيمية فحكى عنه الألباني أنه قال: هوحديث صحيح مشهور[26].
وكان ابن حجر أكثر دقة حين اقتصر على قوله:إسناده حسن[27].
وقد صححه من صححه - رغم أن بعض رجاله منمشاهير النواصب - بسبب تساهلهم في الجرح بالنصب.
فإن مدار هذه الرواية على أزهر بن عبد اللهالحرازي، وهو من مشاهير النواصب، وكان من جند الحجاج، يفتخر أنه كان في الخيل التيسبت أنس بن مالك وأتت به إلى الحجاج. وقال ابن الجارود: كان يسب عليّاً رضوان اللهعليه[28].وقال الذهبي: ناصبي[29].
أضف إلى ذلك أن أزهر هذا لم يوثقه إلا ابنحبان والعجلى، وهما معروفان بالتساهل في التوثيق.
وقد زعم بعضهم أنه ما تُكلم فيه إلا لمذهبه،لا لحفظه، ولعمري إن من يجترئ على سب على بن أبي طالب رضي الله عنه، ولايتحرز منأن يكون جندياً للحجاج؛ لا يؤمن على نقل حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما الحافظ ابن الوزير فقال: في سنده ناصبيفلم يصح عنه[30].يعني عن معاوية.
وقال السقاف: الحديث مسلسل بالنواصب[31].
وبهذا تعرف أن حديث معاوية هذا الذي يطيلبعضهم في تصحيحه؛ لاوزن له.

 رواية عن أنس

تعتبر رواية أنس هي الأكثر طرقاً، فقد جمع لهاالألباني في صحيحته سبع طرق، وقد راجعتها جميعاً وعثرت على خمس طرق أخرى، ولكنهالا تخلو واحدة منها من ضعيف أو مجهول، إضافة إلى ما فيها من اختلاف في الألفاظ..فقد تقدمت إحدى الروايات التي ذكر فيها هلاك الفرق إلا واحدة، وليس فيها إشارة إلىصفة الناجية أو الهالكة، كما تقدم رواية ذكر فيها نجاة الفرق إلا واحدة، وسيأتيرواية أخرى تشير إلى أن الناجية هي التي تبقى على ما كان عليه النبي صلى الله عليهوآله وسلم  وأصحابه، وفيما يلي سأذكرالروايات التي ذكر فيها أن الناجية هي الجماعة وهي:
من طريق يزيد الرقاشيرواها ابن عدي في (الكامل 6/2175)، وأبو يعلى كما في (المجمع 6/226) من طريق عنبسةبن عبد الواحد القرشي الكوفي، عن محمد بن يعقوب، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك،عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( إنبني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعينفرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة ))،قالوا: يا رسول الله، ومن تلك الفرقة الواحدة؟ قال: (( الجماعةجماعتكم وأمراؤكم )).(اللفظ لابن عدي).
* وفي سند الرواية: محمد بن يعقوب، وهو مجهول.
وفيه: يزيد الرقاشي قال النسائي وغيره: متروك.وقال البخاري كان شعبة يتكلم فيه[32].  وذكره ابن حبان في (المجروحين)، وقال: كان يقلبكلام الحسن فيجعله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يعلم ، فلا تحلالرواية عنه إلا على سبيل التعجب[33].
وقال الهيثمي: يزيد الرقاشي ضعفه الجمهور،وفيه توثيق لين[34].
ومن طريق قتادةروى ابن ماجة 2/1322(3993)، وابن أبي عاصم في كتاب (السنة1/32) عن هشام بن عمارقال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، حدثنا قتادة، عن أنس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنبني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة،كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة ))(هذا لفظ ابن ماجة).
* قال البويصري في زوائده: إسناده صحيح، رجالهثقات[35].وتعقبه الألباني بقوله: في تصحيحه نظر عندي[36].
وأقول: من رجال إسناد هذه الرواية هشام بنعمار، وقد تكلم فيه: أبو حاتم [37]،وعبدالله بن محمد بن سيار [38]،والآجري[39].
وقال أبو داود: حدث بأربعمائة حديث مسندة ليسلها أصل[40].
وقال الذهبي: له مناكير، وروي عن أحمد أنهقال: أعرفه طياشاً، قاتله الله[41].
وذكره ابن العجمي فيمن رمي بالاختلاط[42].
ومن طريق سعيد بن أبي هلالروى أحمد بن حنبل في (المسند 3/145)، والشيخ الصدوق في (الخصال 584) من طريق خالدبن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم قال: (( إنبني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون فرقة، وخلصت فرقة واحدة، وإنأمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، فتهلك إحدى وسبعون وتخلص فرقة ))،قالوا: يا رسول الله، من تلك الفرقة؟ قال: (( الجماعةالجماعة )).
* في سنده سعيد بن أبي هلال تكلم فيه أحمد،وضعفه ابن حزم، مع أن روايته عن أنس مرسلة[43].
ومن طريق عبد العزيز بن صهيبروى أبو يعلى 7/32(3938) و36 (3944)، من طريق مبارك بن سحيم، حدثنا عبد العزيز بنصهيب، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( إنبني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي تفترق على ثنتين وسبعين فرقة،كلها في النار إلا السواد الأعظم )). قال محمد بن بحر: يعني الجماعة.
* فيه مبارك بن سحيم. قال النسائي، والدولابي:متروك الحديث.
وضعفه: أحمد، وأبو زرعة، و أبو حاتم، و أبوأحمد الحاكم.
وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان:ينفرد بالمناكير، لا يجوز الاحتجاج به[44].
ومن طريق زيد بن أسلمروى أبو يعلى 6/340(3668)، وابن مردويه كما في (تفسير ابن كثير 2/76 ـ 77)، وأبونعيم كما في (الكاف الشاف 83) من طريق أبي معشر، عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن زيدبن أسلم، عن أنس بن مالك (من حديث طويل)، قال: (( تفرقتأمة موسى على إحدى وسبعين ملة، سبعون منها في النار، وواحدة في الجنة، وتفرقت أمةعيسى على ثنتين وسبعين ملة، إحدى وسبعون منها في النار وواحدة في الجنة ))، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( وتعلوأمتي على الفرقتين جميعاً بملة اثنتين وسبعين في النار وواحدة في الجنة ))،قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: (( الجماعات )).
قال يعقوب بن زيد وكان علي بن أبي طالب رضيالله عنه إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلى فيهقرآناً: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌيَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾[الأعراف]، ثم ذكر أمة عيسى فقال: ﴿وَلَوْ أَنَّأَهْلَ الْكِتَابِ ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْوَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوامِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌوَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(66)﴾[المائدة] ثم ذكر أمتنا ﴿وَمِمَّنْخَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181)﴾[الأعراف].
* أورده الهيثمي في (المجمع 7/257 ـ 258)وقال: فيه أبو معشر نجيح، وهو ضعيف.
وقال ابن كثير: هذا حديث غريب جداً من هذاالوجه وبهذا السياق.
ومن طريق سليمان أو سلمان بن طريفرواها الآجري (17)، وابن طريف هذا غير معروف[45].

روايةعن عوف بن مالك

روي عن عوف بن مالك في هذا الموضوع روايتان،تشير إحداهما إلى أن الناجية هي الجماعة، وتشير الأخرى إلى أن أهل القياس هم شرالفرق الهالكة، وسنذكر هنا الرواية الأولى، فقد أخرجها ابن ماجة 2/1322(3992)،والطبراني في (المعجم الكبير 18/70 رقم 129)، وابن أبي عاصم في (السنة 1/32 رقم63)، من طريق عباد بن يوسف، عن صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عوف بن مالك،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( افترقتاليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارىعلى ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمدٍبيده لتفترقنّ أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار ))،قيل يا رسول الله، من هم؟ قال: (( الجماعة )).(اللفظ لابن ماجة).
* قال البويصري: إسناد حديث عوف بن مالك فيهمقال. وأشار إلى ضعف راشد بن سعد، وجهالة عباد بن يوسف[46].
وأما الألباني فذكره في صحيحته، وقال: إسنادهجيد[47].وغلَّطه السقاف فقال: ((فيهعباد بن يوسف، وهو ضعيف، قال الحافظ في (التقريب): (مقبول)، وليس له في الكتبالستة إلا هذا الحديث. وقال ابن عدي: (روى أحاديث تفرد بها). قلت: وهذا منها [انظرتهذيب التهذيب 5/96]. وهو في ديوان الضعفاء للذهبي برقم (2089) ))[48].

 رواية عن أبي أمامة

أخرجها البيهقي 8/188، والطبراني في الكبير8/328(8053 و8054)، وابن أبي عاصم 1/34(68)، والحارث بن أبي أسامة كما في (بغيةالباحث عن زوائد مسند الحارث 2/716) كلهم من طريق أبي غالب، عن أبي أمامة، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( تفرقتبنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ما تفرقت عليه بنوإسرائيل تزيد فرقة، كلها في النار إلا السواد ))،فقلنا: يا أبا أمامة أوليس في السواد ما يكفيه؟ قال: (( واللهإنا لننكر ما تعملون )).(اللفظ للطبراني).
* قال السقاف[49]((وهو ضعيف، ففي سنده قطن بن عبد الله وهو مجهول، وكذا أبو غالب وهو ضعيف، قال أبوحاتم: (ليس بالقوي). وقال النسائي: (ضعيف)، وقال ابن حبان: (لا يجوز الاحتجاج بهإلا فيما وافق الثقات). وقال ابن سعد: (منكر الحديث)، [انظر تهذيب التهذيب(12/216) وتهذيب الكمال (34/171)] )).

روايةعن سعد بن أبي وقاص

أخرجها عبد بن حميد في (المنتخب 79 رقم 148)،وابن أبي شيبة كما في (الكاف الشاف 2/83) من طريق موسى بن عبيدة الربذي، عن عبدالله بن عبيدة، عن بنت سعد عن أبيها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(( افترقتبنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملة ولن تذهب الليالي ولا الأيام حتى تفترق أمتي علىمثلها ـ أو قال عن مثل ذلك ـ وكل فرقة منها في النار إلا واحدة وهي الجماعة )).
* أورده الهيثمي في المجمع، وقال: رواهالبزار، وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف[50].ومثله قال ابن حجر[51].

2 ـ ما جاء فيه أن الناجية هي المتبعة للنبي (ص) وأصحابه

لا شك في أن القول بأن الفرقة الناجية هي التيتلازم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه قول جيد ومقبول،فاتِّباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمضي على منهجه هو ـ بلا ريب ـ طريقالنجاة؛ ولكن النِّزاع واقع فيمن هو الباقي على ذلك، إذ تدعي كل فرقة أنها التيتمضي على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، ولا يوجد أحد منالمسلمين ـ بطوائفهم المختلفة ـ يتعمد أن يكون على خلاف ما كان عليه النبي صلىالله عليه وآله وسلم، فالكل يستهدي بهديه ويتحرك وفق تعاليمه، وما حدث ويحدث منخلاف فهو نتيجة لاختلاف الأفهام وتغير الظروف.
وهذا يعني أن الفرقة الناجية هي من كان منالمسلمين ملتزماً بالمضي على خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الفرق الهالكةهي المتمردة على شرع الله، المتعمدة لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وغير خفي على المتتبع أن بعض المحدثينوأتباعهم يشهرون هذا الحديث بهذا اللفظ لما فيه من ذكر الصحابة؛ الذين كانت مسألةتزكيتهم مطلقاً، مسألة ساخنة بين المدرستين الشيعية والسنية، وذلك أن بعضهم يستوحيمن تلك الزيادة إشارة إلى نجاة الفرقة التي تزكي الصحابة مطلقاً. وإليك ما روي فيهذا المعنى:

روايةعن عبد الله بن عمرو بن العاص

روى الترمذي 5/26(22504)، والحاكم 1/128 ـ 129من طريق عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليأتينعلى أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمهعلانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملةوتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة ))،قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: (( ماأنا عليه وأصحابي ))  (اللفظ للترمذي).
* ذكر الحفاظ أن الحديث بهذا اللفظ لا يعرفإلا من طريق الإفريقي عن ابن يزيد عن ابن عمر ، فقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديثمُفَسَّر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه.
وذكر الحاكم أنه تفرد به الإفريقي، وهو ممن لاتقوم به حجة.
وإلى جانب تأكيدهم على تفرد الإفريقي بالحديثفقد ضعفوه ومنعوا الاحتجاج به، ثم غلَّطوا من رواه عن أنس ففي (المعجم الصغيرللطبراني 1/29رقم 724) حدثنا عيسى بن محمد السمسار الواسطي، حدثنا وهب بن بقية،حدثنا عبد الله بن سفيان المدني، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( تفترقهذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ))،قالوا: وما هي تلك الفرقة؟ قال: (( ماأنا عليه اليوم وأصحابي )).
قال الطبراني: لم يروِه عن يحيى إلا عبد اللهبن سفيان.
وقال العقيلي في (الضعفاء): عبد الله بن سفيانالخزاعي.. واسطي، عن يحيى بن سعيد لا يتابع على حديثه. ثم أورد الحديث، وقال: ليسله من حديث يحيى بن سعيد أصل، وإنما يعرف هذا الحديث من حديث الإفريقي[52].
وقال الهيثمي[53]:فيه عبد الله بن سفيان، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه هذا، وقد ذكره ابن حبانفي الثقات.
وقال ابن حجر: إنما يعرف هذا بابن أنعمالإفريقي عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو[54].
وبهذا يتضح أن ما روي عن أنس بهذا اللفظ وهممن أحد الرواة.
وذكر هذه الرواية الحافظ العلوي في (الجامعالكافي)[55]مرسلة فقال: قال محمد: بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( تفترقأمتي على ثلاث وسبعين، فرقة منها ناجية ))،وبلغنا أنه عليه السلام سئل عن الفرقة الناجية، فقال: (( منكان على مثل ما أنا عليه وأصحابي )).

روايةعن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة وأنس

هنالك حديث روي عن أبي الدرداء وواثلة وأبيأمامة وأنس جمع بين عدة أوصاف للفرقة الناجية، أخرجه الطبراني في (الكبير 8/152)،حدثنا محمود بن محمد الواسطي، حدثنا محمد بن الصباح الجرجاني، حدثنا كثير بن مروانالفلسطيني، عن عبد الله بن يزيد بن آدم الدمشقي، قال: حدثني أبو الدرداء وأبوأمامة وواثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم: (( فإن بنيإسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة، كلهم علىالضلالة إلا السواد الأعظم ))قالوا: يا رسول الله: ومن السواد الأعظم؟ قال: (( منكان على ما أنا عليه وأصحابي، من لم يمار في دين الله، ومن لم يكفر أحداً من أهلالتوحيد بذنب غفر له )).وعزاه في (كنْز العمال  3/646رقم 8319) إلىالديلمي.
* ذكر هذا الحديث الهيثمي في المجمع[56]وقال: فيه كثير بن مروان، وهو ضعيف جداً.

3 ـ ما ذكر فيه أن الناجية جماعة أهل الإسلام

تشير بعض الروايات إلى أن الفرقة الناجية هيكل مسلم ملتزم بتعاليم دين الله مقتف لأثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بريءمن كل عقيدة توجب له كفراً أو فسقاً، ومن تلك الروايات:

روايةعن عمرو بن عوف

روى الحاكم في المستدرك 1/129، والطبراني17/13(3) وابن أبي عاصم في السنة 1/25، من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوفبن زيد بن ملحة المزني، عن أبيه، عن جده، قال: كنا قعوداً حول رسول الله صلى اللهعليه وآله وسلم في مسجده، فقال: (( لتسلكنسنن من قبلكم حذو النعل بالنعل ولتأخذن مثل أخذهم إن شبراً فشبر وإن ذراعاً فذراعوإن باعاً فباع حتى لو دخلوا جحر ضب دخلتم فيه، إلا أن بني إسرائيل افترقت علىموسى على إحدى وسبعين فرقة، كلها ضالة إلا فرقة واحدة، الإسلام وجماعتهم، وأنهاافترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين فرقة، كلها ضالة إلا فرقة واحدة، الإسلاموجماعتهم، ثم أنهم يكونون (كذا) على اثنتين وسبعين فرقة، كلها ضالة إلا فرقةواحدة، الإسلام وجماعتهم )).
* ذكر الحاكم أنه تفرد به كثير بن عبد اللهالمزني، وهو ممن لا تقوم به حجة.
وذكره الهيثمي في (المجمع) وقال: كثير بن عبدالله هو ضعيف، وقد حسّن له الترمذي حديثاً[57].

روايةموقوفة عن الإمام علي

ـ روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في كنزالعمال 2/413 (4382) عن علي قال: افترقت بنو إسرائيل بعد موسى على إحدى وسبعينفرقة، كلها في النار إلا فرقة، وافترقت النصارى بعد عيسى عليه السلام على اثنتينوسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة. فأما اليهود فإن الله يقول:﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُون﴾ [الأعراف].وأما النصارى فإن الله تعالى يقول: ﴿منهم أمةمقتصدة﴾[المائدة: 66]،فهذه هي التي تنجو. وأما نحن فيقول الله تعالى: ﴿وَمِمَّنْخَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181)﴾[الأعراف].فهذه التي تنجو من هذه الأمة.
ومن طريق الإمامية عن أبي الصهبان البكري،قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (( والذينفسي بيده لتفترقن هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا فرقة﴿وَمِمَّنْخَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181)﴾[الأعراف]. فهذه التي تنجو من هذه الأمة ))[58].

روايةمرسلة

روى محمد بن منصور المرادي في كتاب (المناهي)أنه قيل: يا رسول الله، وما الواحدة؟ قال: (( الفرقةالناجية المتمسكة بالكتاب والرسول )).حكاه عنه في الاعتصام[59].

4 ـ ما ذكر فيه أن الناجية هم أهل السنة والجماعة

تُشعر بعض الروايات أن النجاة حكر على جماعةمحددة أو تيار معين قد أشير إليه بالوصف، ومن تلك الروايات رواية غريبة لم أقف لهاعلى أصل في كتب الحديث ذكرها الشهرستاني في (الملل والنحل)، ولفظها: (( ستفترقأمتي على ثلاث وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة ، والباقون هلكى. قيل: ومن الناجية؟ قال أهل السُّنة والجماعة. قيل: وما السنة والجماعة ؟ قال ما أنا عليه اليوموأصحابي ))[60].
ونقل هذه الرواية صاحب (شرح الأخبار) منالإمامية فقال: ورووا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( افترقبنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقةواحدة ناجية، وسائرها هالكة في النار ))،قيل يا رسول الله، ومن الفرقة الناجية؟ قال: (( أهلالسنة والجماعة ))،قيل: ومن أهل السنة والجماعة؟ قال: (( الذينهم على ما أنا اليوم عليه وأصحابي )).
ثم فسر الحديث بأن الذي كان عليه رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، أنه لم يكن يتقدَّم عليهم ولا يتأمَّر عليهم إلامن قدَّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمَّره .. فأصحاب السُّنة والجماعةبعده كذلك، من اتَّبع من قدَّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمَّر عليهم،وإن قل عددهم، ومن خالف في ذلك سنته وقدم من لم يقدمه وأمَّر من لم يؤمره، فليسوامن أهل السنة والجماعة المحمودة، وهم أهل جماعة مذمومة[61].

5 ـ ما ذكر فيه أن الناجية هم المعتزلة

حكى الإمام عز الدين بن الحسن عن المعتزلةأنهم يروون عن سفيان الثوري بإسناده: (( ستفترقأمتي على بضع وسبعين فرقة، أبرها وأتقاها الفئة المعتزلة ))[62].

6 ـ ما ذكر فيه أن الفرقة الناجية هم الشيعة

كثيرة هي تلك الروايات التي في كتب الشيعةالإمامية والتي تنص على أن الشيعة هم الفرقة الناجية، ومن تلك الروايات:
(1) ما روى الخزاز عن الحسين بن محمد بن سعيد،عن محمد بن أحمد الصفواني، عن مروان بن محمد السنجاري، عن أبي يحيى التميمي، عنيحيى البكاء، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ستفترقأمتي على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون هالكة، والناجية الذينيتمسكون بولايتكم ويقتبسون من علمكم، ولا يعملون برأيهم، فأولئك ما عليهم من سبيل )) [63].
(2) وروى العلامة الحلي[64]عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام: (( ياأبا الحسن، إن أمة موسى افترقت إحدى وسبعين فرقة، فرقة ناجية، والباقون في النار،وإن أمة عيسى افترقت اثنتين وسبعين فرقة، فرقة ناجية، والباقون في النار، وإن أمتيستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية، والباقون في النار )).فقلت: يا رسول الله، ما الناجية؟ فقال: (( المتمسكبما أنت وأصحابك عليه ))،فأنزل الله في ذلك:﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنسَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِعَذَابَ الْحَرِيقِ  (9)﴾[الحج].
(3) وروى الطبرسي من طريق عن محمد بن جعفر بنمحمد، قال: حدثنا أبو عبد الله (ع)، قال المجاشعي: وحدثنا الرضا (ع)، عن أبيهموسى، عن أبيه أبي عبد الله جعفر، عن آبائه عليهم السلام، قال: سمعت عليّاً يقوللرأس اليهود: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار، وواحدةناجية في الجنة، وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى. وافترقت النصارى على اثنتينوسبعين فرقة، إحدى وسبعون فرقة في النار، وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت شمعونوصي عيسى، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار، وواحدةفي الجنة، وهي التي اتبعت وصي محمد، وضرب بيده على صدره، ثم قال: ثلاث عشرة فرقةمن الثلاث والسبعين فرقة كلها تنتحل مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة، وهم النمطالأوسط، واثنا عشر في النار[65].
(4) وروى المفيد في (أماليه): أخبرنا أبوالحسن علي بن خالد المراغي، قال: حدثنا أبو طالب محمد بن أحمد بن البهلول، قال:حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسن الضرير، قال: حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمدبن يحيى، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدثني يونس بن أرقم، قال: حدثني أبوهارون العبدي، عن أبي عقيل، قال: كنا عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلواتالله عليه فقال: (( لتفترقنهذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، والذي نفسي بيده: إن الفرق كلها ضالة، إلا مناتبعني وكان من شيعتي ))[66].
(5) وروى الخوارزمي من طريق أبي بكر أحمد بنموسى بن مردويه، حدثني أحمد بن محمد بن السري، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر،حدثني أبي، حدثني عمي الحسين بن سعيد، حدثني أبي، عن أبان بن تغلب، عن فضيل، عنعبد الملك الهمداني، عن زاذان، عن علي عليه السلام: تفترق هذه الأمة على ثلاثوسبعين فرقة، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهم الذين قال الله عز وجل:﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181)﴾[الأعراف]، وهم أنا وشيعتي[67].
(6) ورووا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنهقال: (( افترقت أمةموسى على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترقأمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية والباقون في النار ))،فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، ومن الفرقة الناجية؟ فقال عليه السلام: (( ماأنت عليه وأصحابك ))[68].
(7) وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بنمحمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر(ع) من حديث قال فيه: إن اليهود تفرقوا من بعد موسى (ع) على إحدى وسبعين فرقة،منها فرقة في الجنة، وسبعون فرقة في النار، وتفرقت النصارى بعد عيسى عليه السلامعلى اثنتين وسبعين فرقة، فرقة منها في الجنة، وإحدى وسبعون في النار، وتفرقت هذهالأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعونفرقة في النار، وفرقة في الجنة، ومن الثلاث وسبعين فرقة ثلاث عشرة فرقة تنتحلولايتنا ومودتنا، اثنتا عشرة فرقة منها في النار، وفرقة في الجنة، وستون فرقة منسائر الناس في النار[69].
(8) ورووا عن علي أنه قال: أنا أخبركم على كماقتسمت الأمم، أخبرني به حبيببي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيثقال: (( افترقت اليهودعلى إحدى وسبعين فرقة، ففي النار سبعون منها، وواحدة في الجنة ـ وهي التي اتبعتوصيه ـ. وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون في النار، وواحدة فيالجنة، وهي التي اتبعت وصي عيسى (ع). وافترقت أمتي ثلاث وسبعين فرقة، اثنتانوسبعون فرقة في النار، وواحدة في الجنة، فهي التي اتبعت وصيي ))،وضرب بيده على منكبي، ثم قال: (( اثنتانوسبعون فرقة خلفت عهد الله فيك، وواحدة في الجنة وهي التي اتخذت محبتك، وهم شيعتك ))[70].
(9) وفي عمدة ابن البطريق : ويدل على صحة ماقلناه، ما ذكره الثعلبي أن زاذان أبا عمر قال: قال لي علي (ع): يا أبا عمر، أتدريكم افترقت اليهود؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: قد افترقت على إحدى وسبعين فرقة،كلها في الهاوية، إلا فرقة واحدة وهي الناجية، أتدري على كم افترقت النصارى؟ قلت:الله ورسوله أعلم. قال: قد افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلاواحدة وهي الناجية، ثم قال: أتدري على كم تفترق هذه الأمة؟ قلت: الله ورسوله أعلم،قال: تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في الهاوية، إلا واحدة، هي الناجية. ثمقال: أتدري على كم تفترق فيّ؟ قلت: وإنه ليفترق فيك؟ قال: نعم، تفترق فيَّ اثنتاعشرة فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة وهي الناجية، وأنت منهم يا أبا عمر [71].
قالوا: ويؤيده ما روي من طريق الجمهور، عن أبينعيم، وابن مردويه، بإسنادهما عن زاذان، عن علي عليه السلام قال: تفترق هذه الأمةعلى ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهم الذين قالالله عز وجل: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌيَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181)﴾[الأعراف]، وهم أنا وشيعتي، صدق عليه السلام أنه هو وشيعته هم الفرقة الناجية، وإنلم يكونوا، وإلا فمن؟ .انتهى.
هذه نبذة من أحاديث الإمامية في هذا الباب،أوردتها لاطلاع القارئ على أكبر قدر من الروايات المختلفة المعاني والمصادر، معأنها لا تخلو رواية منها من نقد، تركت التعرض له خشية التطويل.

خامساً : رواياتتشير إلى هلاك فرقة معينة

وكما تروج كل طائفة للرواية التي فيها إشارةإلى نجاتها، يروج بعضها لروايات تشير إلى هلاك فرقة من الفرق، وفيما يلي سأذكر ماوقفت عليه في هذا الجانب:

1 ـ ما ذكر فيه أن الفرق الهالكة هم أهل القدر

تقدمت جملة من الروايات عن أنس أنه قال: قالرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( تفترقأمتي على إحدى وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا واحدة ))[72]،قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: (( الزنادقة ))،وهم أهل القدر.

2 ـ ما ذكر فيه أن الشيعة أضل الفرق

روايةعن الإمام علي

ـ روى ابن أبي عاصم 2/467(995)، من طريق أسيدبن عاصم، حدثنا عامر بن إبراهيم، عن يعقوب، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن عليقال: (( تفرقت اليهودعلى إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأنتم على ثلاث وسبعين،وإن من أضلها وأخبثها من يتشيع أو الشيعة )).
* في إسناده ليث بن أبي سليم، وهو معروفبالضعف، وذكر غير واحد أنه اختلط.
ـ وروى الخطيب في (تاريخ بغداد 13/104) منطريق محمد بن شجاع، حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن سوقة، عن حبيب بن أبي ثابت، عنعلي قال: (( تفترقهذه الأمة على بضع وسبعين فرقة، شرهم قوم ينتحلون حبنا أهل البيت ويخالفون أعمالنا )).وعزاه في (كنْز العمال) 1/377 (1638) إلى أبي نعيم في الحلية.
ـ وفي (علل الدارقطني) 4/188(500): (( وسئلعن حديث أبي الطفيل عن علي قال: تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة شرها فرقةتنتحلنا أهل البيت. فقال: يرويه محمد بن سوقة، عن أبي الطفيل، عن علي، وقال أبومعاوية الضرير، عن محمد بن سوقة، عن حبيب بن أبي ثابت مرسلاً عن علي، ورواه نعيمبن يحيى السعيدي الكوفي، ثقة له كتاب مصنف في القراءات، وله عن مسعر نسخة عن محمدبن سوقة قال: قال علي ولم يذكر بينهما أحداً )).

3 ـ ما ذكر فيه أن من الفرق الهالكة أهل القياس

روايةعن عوف بن مالك

روى الحاكم 3/547، والطبراني في الكبير18/50(90)، والبزار كما في (كشف الأستار 172)، وابن حزم 1/82 ، وغيرهم من طريقنعيم بن حماد، عن عيسى بن يونس[73]،عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك رضيالله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( تفترقأمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنةً على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلونالحرام ويحرمون الحلال )).
* اختلف كلام الحفاظ في هذه الرواية، فقالالحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأيده الهيثمي فقال: رجالهرجال الصحيح[74].
وأما البيهقي فقال: تفرد به نعيم بن حماد،وسرقه منه جماعة من الضعفاء، وهو منكر[75].
وقال ابن عدي: قال لنا ابن حماد: هذا وضعهنعيم بن حماد[76].
ورواه الخطيب[77]،وذكر أن أبا زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري سأل عبد الرحمن بن إبراهيم ـ المعروفبدحيم ـ عنه فرده، وقال: هذا حديث صفوان بن عمرو ومعاوية.
وعن أبي زرعة قلت ليحيى بن معين في حديث نعيمهذا، وسألته عن صحته، فأنكره. قلت: فمن أين أتي؟ قال: شبه له.
وقال محمد بن علي بن حمزة المروزي: سألت يحيىبن معين، عن هذا الحديث ـ يعني حديث عوف بن مالك ـ فقال: ليس له أصل. وذكر في(كنْز العمال) 1/209 أنه ضُعِّف.
وذكر الخطيب أيضاً[78]أنه وافق نعيماً على روايته عبد الله بن جعفر الرقي، وسويد بن سعيد الحدثاني،وعمرو بن عيسى بن يونس، وعبد الوهاب بن الضحاك، وعبد الله بن وهب، ومحمد بن سلامالمنبجي. وذكر رواياتهم. ثم قال ـ أي الخطيب ـ: حدثنا محمد بن علي الصوري، قال ليعبد الغني بن سعيد الحافظ: كل من حدث به عن عيسى بن يونس غير نعيم بن حماد فإنماأخذه من نعيم، وبهذا الحديث سقط نعيم بن حماد عند كثير من أهل العلم بالحديث، إلاأن يحيى بن معين لم يكن ينسبه إلى الكذب، بل كان ينسبه إلى الوهم.
وقال ابن عدي: إنما يعرف بنعيم بن حماد، ورواهعن عيسى بن يونس فتكلم الناس فيه بجرأة، ثم رواه رجل من أهل خراسان يقال له: الحكمبن المبارك، يكنى أبا صالح الخواستي، يقال: إنه لا بأس به، ثم سرقه قوم ضعفاء ممنيعرفون بسرقة الحديث، منهم: عبد الوهاب بن الضحاك، والنضر بن طاهر، وثالثهم سويدالأنباري، ولسويد أحاديث كثيرة عن شيوخه، روى عن مالك الموطأ، ويقال: إنه سمعه خلفحائط، فضعف في مالك أيضاً، ولسويد مما أنكرت عليه غير ما ذكرت وهو إلى الضعف أقرب[79].
ومن المسروقات التي أشار إليها ابن عدي وغيرهما أخرج الطبراني في الكبير 18/51 (91)، من طريق عبد الحميد بن إبراهيم الحمصي، عنمعدان بن سليم الحضرمي، عن عبد الرحمن بن نجيح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير،عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( كيفأنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وسائرهن فيالنار ))؟ قلت: ومتى ذاك يا رسول الله؟ قال: (( إذاكثرت الشرط، وملكت الإماء، وقعدت الحملان على المنابر، واتخذوا القرآن مزامير )).
قال الهيثمي: فيه عبد الحميد بن إبراهيم، وثقهابن حبان، وهو ضعيف. وفيه جماعة لم أعرفهم[80].

سادساً:روايات متفرقة

هنالك مجموعة من الروايات المتفرقة بعضها ليسفي الموضوع تماماً ولكنها تذكر للتكثر بها:

روايةعن جابر بن عبد الله

ذكر ابن حجر في (تخريج أحاديث الكشاف) 2/83أنه رواها أسلم بن سهل الواسطي في تاريخه عن جابر. ثم قال: وفي إسناده من لم يسمه.
ولم أطلع على هذه الرواية حتى أنظر بأي قسمأُلحقها.

روايةمرسلة عن قتادة

وروى عبد الرزاق 10/156 (18675)، عن معمر، عنقتادة، قال: سأل النبيُ صلى الله عليه وآله وسلم عبدَ الله بن سلام: على كم تفرقتبنو إسرائيل؟ قال: على واحدة أو اثنتين وسبعين فرقة، قال: (( وأمتيأيضاً ستفترق مثلهم أو يزيدون واحدة، كلها في النار إلا واحدة )).

روايةعن ابن عمر

روى أبو يعلى 10/65 من طريق ليث، عن سعيد بنعامر، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( إنفي أمتي لنيفاً وسبعين داعياً كلهم داع إلى النار لو أشاء لأنبأتكم بآبائهموقبائلهم )).
قال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس[81].

روايةعن ابن مسعود

روى الحاكم 2/480، وابن أبي عاصم في السنـة1/35(70)، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا الصعق بن حزن، حدثنا عقيل الجعدي، عن أبيإسحاق، عن سويد بن غفلة، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم: (( افترق من كانقبلكم على اثنتين وسبعين فرقة، نجا منها ثلاث، وهلك منها سائرها )).
* في إسنادها عقيل الجعدي ضعيف جداً، قالالبخاري: منكر الحديث. ورده الذهبي بالجعدي.
وقال العلامة السقاف: (( هوموضوع في إسناده عقيل الجعدي. قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) (4/209 فكر):(قال البخاري: منكر الحديث..، وقال ابن حبان: منكر الحديث. يروي عن الثقات ما لايشبه حديث الأثبات، فبطل الاحتجاج بما روى، ولو وافق فيه الثقات )) [82].
ـ وروى الطبراني 3/74، وابن أبي عاصم 1/35(71)من طريق هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرني بكير بن معروف، عن مقاتل بنحيان، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده عبد الله بن مسعود أن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم قال: (( إنبني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، لم ينج منها إلا ثلاث )).
* قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير بكيربن معروف، وثقه أحمد وغيره، وفيه ضعف[83].
أقول: وفيه هشام بن عمار ضعيف، وقد تقدمالكلام عليه، والوليد بن مسلم مدلس ولم يصرح بالتحديث. قال السقاف: إسناده تالف[84].

روايةعن سلمان

وفي (بحار الأنوار) من طريق: عليم والأصبغ بننباتة، عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( تفترقأمتي بعدي ثلاث فرق، فرقة أهل حق لا يشوبونه بباطل، مثلهم كمثل الذهب كلما فتنتهبالنار ازداد جودة وطيباً .. إى أن قال الراوي: فسألته عن أهل الحق وإمامهم، فقال:هذا علي بن أبي طالب إمام المتقين، وأمسك عن الاثنين فجهدت أن يسميهما فلم يفعل[85].

****

ما قيل عن زيادة: كلها هالكة إلا فرقة

عند التأمل في روايات الحديث نجد أن زيادة:"كلها هالكة إلا فرقة" أو ما في معناها؛ من الزيادات الملازمة لأكثرروايات الحديث، هي محور الإشكال في الحديث، وعلى أساسها الأخذ والرد في تفسيره،وعند مراجعة أقوال المهتمين بنقد وتقييم الأحاديث نجد أن لهم عليها أكثر من حكم،فبعض الحفاظ شكك في صحتها وحكم بردها، وبعضهم صححها وشدد على قبولها.
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير:"وإياك والاغترار بـ (كلها هالكة إلا واحدة)، فإنها زيادة فاسدة غير صحيحةالقاعدة، لا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة" [86].
وحكي عن ابن حزم أنها موضوعة غير موقوفة ولامرفوعة.
وعن الحافظ زين الدين الموصلي أنه قال:"لم يصح شيء في هذا الباب".
ومثله عن الحافظ بن النحوي الشافعي[87].
وقال الشوكاني في (فتح القدير)[88]:أما زيادة كونها في النار إلا واحدة، فقد ضعفها جماعة من المحدثين، بل قال ابنحزم: إنها موضوعة.
وقال في الفتح الرباني[89]:" وأما الزيادة التي في الحديث فضعيفة فلا تقوم بها حجة في حكم شرعي، ولو علىبعض المكلفين، فكيف في مثل هذا الأمر العظيم الذي هو حكم بالهلاك على هذه الأمةالمرحومة .. ولقد جاد ظن من ظن أنها من دسيس الملاحدة والزنادقة فإن فيها منالتنفير عن الإسلام والتخويف من الدخول فيه مالا يقادر قدره، فتحصل لواضعها مايطلبه من الطعن على هذه الأمة المرحومة والتنفير عنها، كما هو شأن كثير من المخذولينالواضعين للمطاعن المنافية للشريعة السمحة السهلة"
وشمر الألباني في صحيحته[90]لتثبيت هذه الزيادة، فقال بعد ذكر كلام الحافظ ابن الوزير والشوكاني: "لاأدريمن الذي أشار إليه ـ يعني الشوكاني ـ بقوله جماعة، فإني لا أعلم أحداً من المحدثينالمتقدمين ضعف هذه الزيادة"!
أقول: الجماعة الذين أشار إليهم الشوكاني هم:ابن حزم، وزين الدين الموصلي، وابن النحوي، وابن الوزير، كما تقدم.
ثم قال: "وأما ابن حزم فلا أدري أين ذكرذلك؟ وأول ما يتبادر إلى الذهن أنه في كتابه (الفِصَل في الملل والنحل)، وقد رجعتإليه وقلَّبت مظانه فلم أعثر عليه".
أقول: كلام ابن حزم موجود في (الفِصَل 3/192)،فقد قال ـ بعد ذكر حديث القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة، وحديث تفترق أمتي هذا ـما لفظه: "هذان حديثان لا يصحان أصلاً من طريق الإسناد، وما كان هكذا فليسحجة عند من يقول بخبر الواحد، فكيف من لا يقول به"؟
ثم قال الألباني : " ثم إن النقل عنه ـأي ابن حزم ـ مختلف فابن الوزير قال عنه: (لا يصح)، والشوكاني قال عنه: (إنهاموضوعة)، وشتان بين النقلين، كما لا يخفى".
أقول: ليس الأمر كما ذكر، وليس النقل عنهمختلفاً، فابن الوزير حكى عنه أنها موضوعة، وكذلك فعل الشوكاني، وقد تقدم نقلكلامهما بلفظه.
قال: "فإن صح ذلك عن ابن حزم فهو مردودمن وجهين: الأول: أن النقد العلمي الحديثي قد دل على صحة هذه الزيادة، فلا عبرةبقول من ضعفها. الآخر: أن الذين صححوها أكثر وأعلم بالحديث من ابن حزم، لا سيماوهو معروف عند أهل العلم بتشدده في النقد، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد، عند عدمالمخالفة، فكيف إذا خالف"؟!
أقول: بل دل النقد العلمي على عدم صحتها، فقدذكر الألباني ـ نفسه ـ في (صفحة 359) من صحيحته أن في حديث معاوية ـ الذي اعتمد فيتصحيح الرواية عليه ـ أزهر بن عبد الله، لم يوثقه إلا ابن حبان والعجلي.. وهو ممنصرح في غير موضع من كتبه أنهما معروفان بالتساهل في التوثيق.
أما كون ابن حزم متشدداً في النقد فذلك أمرمطلوب في مثل هذا المقام .
ثم قال: "إن ابن الوزير في كتاب آخر لهقد صحح حديث معاوية هذا، ألا وهو كتابه القيم (الروض الباسم في الذب عن سنة أبيالقاسم 113 ـ 115)، فقد عقد فيه فصلاً خاصاً بالصحابة الذين طعن فيهم الشيعة وردواأحاديثهم ومنهم معاوية، فسرد ماله من الأحاديث في كتب السنة مع الشواهد من طرقجماعة آخرين من الصحابة لم تطعن فيه الشيعة، فكان هذا الحديث منها".
أقول: بل صرح بعدم صحته فقال: "في سندهناصبي، فلم يصح عنه"[91].وسرده للأحاديث المروية عن معاوية لا يعني تصحيحها، و(الروض الباسم) مختصر من(العواصم والقواصم)، وقد ذَكَر فيه أنه سيسرد الأحاديث التي في الصحاح الست عنمعاوية ويذكر لها شواهد عن غيره؛ لكي يبين أن ما رواه المحدثون عن معاوية له شاهدعن غيره، فلا يقال: إنه من رواية معاوية بمفرده.
وممن أشار إلى الاختلاف في الزيادة المذكورةالإمام أبو طالب الهاروني في (شرح البالغ المدرك) حيث قال: "وقد روي عن رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( ستفترقأمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة فإنها هي الناجية))،وقد زِيْدَ في هذا الخبر ونقص منه. وقال قوم: (( ستفترقأمتي ثلاثاً وسبعين فرقة، كلها ناجية إلا فرقة ))،واعتبروا أنه لا يقال أمة محمد ضالة في هوى. وقال قوم: من هي الناجية يا رسولالله؟ فقال: (( ماأنا عليه وأصحابي )).ووقف قوم عن هذا الخبر ولم يصدقوه ولم يكذبوه"[92].
وبهذا تعرف أن موقف المحدثين مختلف في قبولتلك الزيادة، وأنه قد يكون وراءها أيادٍ خفية، لها مآرب أخرى.

تعارضالحديث مع القرآن وصحيح السنة

يلاحظ أن هذا الحديث لا يتلاءم مع التوجهالعام للقرآن الكريم، الذي يقول في شأن اليهود:﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة:64]،وقال عن النصارى: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَوَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾[المائدة: 14]، فأخبر أن اليهود والنصارى أهل عداوة وبغضاء وتفرق إلى يوم القيامة.
في الوقت الذي يقول في شأن هذه الأمة: ﴿كُنتُمْخَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:110]، ويقول: ﴿وَكَذَلِكَجَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَالرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:143]. وقدورد في السنَّة ما يدل على فضل هذه الأمة، وأنها مرحومة، وأنها ستكون أكثر أهلالجنة.
فثبت بذلك خيرية هذه الأمة ووسطيتها وأنهامرحومة.
وهذا الحديث المروي في الافتراق يعكس الأمور فيجعلالمسلمين أكثر سوءاً في التمزق والتفرق من اليهود والنصارى. وأي خيرية في أمةتتجاوز في التمزق والعداوة مَنْ ذكر الله أنهم غارقون في العداوة إلى يوم القيامة!وأي وسطية لأمة تكون أكثر فرقها على نقيض الحق الذي يجب أن يتبع!!
وبعد هذا كله فإن حديث الافتراق لا يتجاوز ـعلى فرض صحته ـ أن يكون من الأحاديث الظنية، وعلى ذلك فلايصح الاحتجاج به في تضليلالمسلمين والحكم عليهم بالهلاك.

****

الزيدية وحديث الافتراق

عرضنا فيما تقدم موقف المحدثين من أهل السنةوالشيعة الإمامية تجاه ثبوت حديث الافتراق.. وفيما يلي سنبين موقف علماء الزيديةفي ذلك من جانبين:

أولاً: حديث الافتراق عند الزيدية بين القبول والرد

بعد بحث في مظان الكلام عن الحديث وتتبع لماقاله علماء الزيدية عنه وجدت أن لهم فيه ثلاثة توجهات:
ـ التوجه الأول،ويمثله الأئمة المتقدمون، كالإمام زيد بن علي، والإمام القاسم الرسي، والإمامالهادي يحيى بن الحسين، والإمام الناصر الأطروش وطبقاتهم، فهؤلاء لم يُعيرواالحديث اهتماماً، حتى أن الباحث لا يكاد يجد له أثراً في رواياتهم المسندة أو مايقوم مقامها كحكايته بصيغة تفيد الجزم بقبوله.
وغاية ما ورد في ذلك أن الحافظ العلوي حكى فيآخر كتابه (الجامع الكافي) أن الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد سُئل عن الفرقةالناجية المشار إليها في الحديث، فأجاب بأنها المتَّبعة للكتاب والسنة، المتمسكةبأهل بيت نبيها.
وحكى عن محمد بن منصور المرادي، أنه قال:" بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((تفترقأمتي على ثلاث وسبعين، فرقة منها ناجية )).وبلغنا أنه عليه السلام سئل عن الفرقة الناجية، فقال: ((هي من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ))[93].
فما روي عن الحسن بن يحيى جواب سؤال عن الفرقةالناجية لا يلزم منه الجزم بقبول الحديث.
وما روي عن المرادي مجرد إرسال لما جاء فيحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد تقدم الكلام عليه، ولو كان يعرفه من وجهيعتمد عليه لذكره، خصوصاً أنه من أئمة الحديث وأصحاب الأسانيد.
ـ التوجه الثاني،ويمثله محدثو الزيدية وأصحاب الاختصاص في رواية ونقد الحديث منهم، فإلى جانب أنهملم يرووه في كتبهم الحديثية المسندة؛ فقد ترددوا في قبوله وحكموا عليه بأنه آحاديمضطرب، وأنه إذا كان لا بد من قبوله فيجب أن يخضع لضرب من التأويل، قال الإمامالحافظ أبو طالب الهاروني: "وقد زِيْدَ في هذا الخبر ونُقِّص منه.. إلى أنقال.. ووقف قوم عن هذا الخبر ولم يصدقوه ولم يكذبوه"[94]،وقد تقدم كلامه.
وأما الحاكم المحسِّن بن كرامة الجشمي ـ وهومن علماء الزيدية في القرن الخامس ـ فقد أشار فيه إلى علتين: إحداهما في ثبوته،والأخرى في دلالته.
أما العلة التي في ثبوته، فذكر أنه آحاد لايمكن القطع بصحته، وهو إلى جانب ذلك مضطرب، حيث جاء في بعض رواياته أن الفرق تبلغاثنتين وسبعين، وفي بعضها ثلاثاً وسبعين، وفي بعضها أكثر من ذلك، ثم ذكر أن المجمععليه في النقل أن الأمة ستفترق.. بدون ذكر عدد معين.
وأما العلة التي في دلالته، فقد عبر عنهابقوله: (( لواعتبرنا أصول المذاهب فإنها لا تبلغ سبعين، وإن اعتبرنا شعبها وفرقها فإنها تزيدعلى السبعين بكثير )).
ثم ذكر أننا إذا فرضنا ثبوته فلا بد منتأويله، وفَرَضَ له تأويلين:
أحدهما: أن الفِرَق ستبلغ في وقت ما اثنتينوسبعين، وفي وقت ثلاثاً وسبعين، وفي وقت أكثر، ثم لا يضر بعد بلوغها العدد المذكورإن زادت أو نقصت؛ فقد وقع ما يُصَدِّق الحديث بجميع رواياته.
الثاني: أن المراد بالخبر ليس حصر العدد،وإنما المراد ستفترق أمتي فرقاً كثيرة، وللعرب عادات في ذكر السبعين والألف إذاأرادوا التعبير عن الكثرة[95].
ـ التوجه الثالث،ويمثله أكثر المتأخرين، وخلاصته أنهم نقلوه عن كتب الفِرق الأخرى كواحد منالأحاديث المتداولة، وقبلوه على أساس أنالافتراق واقع بين الأمة، وأن منها محقاً ومبطلاً، لا على أساس أنه قد ثبت من طريقالإسناد عندهم، وقد صنعوا فيه نفس صنيع الفرق الأخرى حينفسرته كل فرقة لصالحها.
ففي (حقائق المعرفة)[96]قال الإمام أحمد بن سليمان: والأمة مجمعة على صحة هذا الخبر!!
وروى الإمام المهدي في (الملل والنحل)[97]عن الإمام يحيى بن حمزة أنه قال: تلقته الأمة بالقبول.
وفي (سبيل الرشاد)[98]:هذا الحديث متلقى بالقبول، وقد رواه المخالف والموالف، وهو يفيد العلم عند كثير منالعلماء!!
وهذا ما يجعل بعض المتحمسين من الزيدية لتصحيحهذا الحديث يقول: حسبنا فيه كلام أئمتنا، ولا يهمنا ما قال المحدثون فيه من تصحيحأو تضعيف.
وهذا كلام مقبول لو أن من صححوه منهم رووهبأسانيد وطرق خاصة بهم، أما وقد اعتمدوا رواية المحدثين وطرقهم فلامناص من قبولأقوالهم فيها، خصوصاً وأنهم قدحوا فيمن قدحوا فيه من رجالها بأمور مقبولة عندالزيدية، كالنصب والتجسيم وعدم الحفظ ونحو ذلك.

تحقيقفي كون الحديث من قسم المتلقى بالقبول

أشرت في مقدمة البحث إلى الظروف التي مكَّنتمن اشتهار حديث الافتراق، وكانت سبباً في تداوله، وقدمت بعد ذلك تقييماً كافياًلكل رواية على حِدَة، غير أن انتشار الحديث وتداوله جعل جماعة من علماء الزيديةيقبلونه على أساس أنه متلقى بالقبول، ولاشك أن القول بكونه كذلك أم لا، يضل مجرددعوى حتى يفصل التحقيق في ذلك.
ولكي تكون المسألة أكثر وضوحاً فلابد منالإشارة إلى أن المتلقى بالقبول هو: ما روي عن طريق الآحاد، وتلقت الأمة معناهبالقبول، وقد عَرَّفه علماء الأصول بأنه: "ما حكم بصحته المعصوم، كالأمة؛فعلم صدقه بالنظر" [99].وهذا ظاهر في أن المتلقى بالقبول لا يكون كذلك بمجرَّد اشتهاره بين الأمَّة، بل لابد من حكم جميع المجتهدين المختصين بصحته، أو أن يكونوا بين مصحح له وعامل بموجبه.
وإذا أعملنا النظر في حقيقة المتلقى بالقبولوجدنا أن حديث الافتراق لا يتطابق معها، لعدة أسباب، منها:
(1)أن أكثر أصحاب الاختصاص دقةً في نقل الحديث؛ لم يرووه أصلاً، فقد خلت منه الأصولالحديثية عند الزيدية، كمجموع الإمام زيد والأماليات الخمسة وغيرها، كما أن البخاريومسلماً تجنبا روايته في الصحيحين، لكونه لم يرو من وجه يُعتمد عليه، رغم أهميةموضوعه.
يقول الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير بعد ذكرروايات الحديث : (( ليسفيها شيء على شرط الصحيح ولذلك لم يخرج الشيخان شيئاً منها )) [100].وفي ذلك (( دلالةٌعلى أنه لم يصح على شرط واحد منهما، وما يقال من أنهما لم يستوعبا الصحيح فهذامُسلَّم، ولكنهما حرصا ألا يدعا باباً مهماً من أبواب العلم إلا ورويا فيه شيئاًولو حديثاً واحداً )) [101].
(2)أن بعض كبار المهتمين بنقد الحديث قد ضعفوه، فمنهم من ردَّه كابن حزم، الذي يقول:  ـ بعد ذكر حديثالقدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة، وحديث تفترق أمتي هذا ـ ما لفظه: (( هذانحديثان لا يصحان أصلاً من طريق الإسناد، وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبرالواحد، فكيف من لا يقول به ))[102].
ووافقه العلامة السقاف، فقال: (( نحننقول ببطلان هذا الحديث سواء بزياداته أم بدونها )) [103].
وقال: (( وأماحديث الافتراق فهو حديث باطل لضعف إسناده ولبطلان معناه ومخالفة ظاهره للقرآنالكريم، وأسانيده من جميع طرقه ضعيفة لا تخلو من مقال ))[104].
وقال في موضع آخر: (( والذيأقوله أخيراً: إن هذا حديث موضوع باطل، ولبني أمية اليد الطولى في وضعه واللهالهادي ))[105]!!
ويشير كلام العلامة الغزالي[106]،وكلام الشيخ القرضاوي[107]أن الحديث غير  صحيح، خصوصاً إذا فُسر بمايقضي بهلاك الفرق الدينية إلا فرقة.
 ومنهممن شكك فيما ورد فيه من زيادات، كما فعل ابن الوزير وابن الملقن وغيرهما، وقد تقدمالكلام في ذلك.
ومنهم من اكتفى بذكر طرقه وتعداد الصحابةالذين رووه، وهؤلاء وإن أكثروا في تخريجه فقد ذكروا أنه ما من إسناد روي به إلاوفيه ضعف. وكل حديث هذا شأنه فلا يجوز الاستدلال به.
 (3)أن أكثر فرق الأمة غير عاملة بموجبة، إذ لم يحكم أي منها بهلاك جميع الفرقالمخالفة لها، وإن حكمت بهلاك بعضها، وما يروى عن المتعصبين سواء كانوا أفراداً أوجماعات لا يعبر عن الموقف الرسمي للفرق الإسلامية.
(4)أنه متداول بألفاظ مختلفة لا تفيد معنى واحداً، وذلك الاختلاف يجعلنا نتساءل: عنالمتلقى بالقبول منها، هل كل لفظ منها متلقى بالقبول؟! أم أن المتلقى بالقبول لفظمعين؟! أم أن المتلقى بالقبول هو القدر المشترك بين جميع الروايات؟
ومن الطبيعي أن تزعم كل جماعة أن العبرةباللفظ الذي يرويه علماؤها، غير أنه لا يصح أن يختار أحدٌ اللفظ الذي يحلو له، ثميقول: إن الأمة تلقته بالقبول، والحال أن الأمة لا توافقه على ذلك.
ولعله يمكن الجمع بين الأقوال بأن يقال:المتلقى بالقبول من هذا الحديث هو القدر المشترك بين الروايات، وهو الإخباربافتراقها، وتُعامل الزيادات كروايات مستقلة، منها المقبول ومنها المردود، وبذلكتقتصر دلالة الحديث على الإخبار بافتراق الأمة لا غير، بغض النظر عن عدد الفرقوتحديد الهالك والناجي .

ثانياً: الزيدية والعمل بموجب الحديث

إذا كان الحديث يدل – كما هو الشائع – علىهلاك الفرق الإسلامية إلا فرقة؛ فإن الزيدية بتوجههم العام لا يؤمنون بهذه الفكرة،وإن كانوا لا يُهَوِّنون من خطورة الخلاف بين الفرق، ولا يعتبرون عدم الحكم بهلاكالمخالف تصويباً له، ولكنهم يميزون بينما يعد موجباً للهلاك وما ليس بموجب، يوضحذلك أن الهلاك عندهم يُحْكَم به عند تَحَقُّق ما يوجب الكفر أو الفسق، والمعروفعنهم أنهم لا يحكمون بكفر ولا فسق على كثير من الفرق المخالفة لهم، وإن كانوايجزمون بخطأ كل من اعتقد اعتقاداً باطلاً، بحسب تفاوت المقالات والقصد فيها، ويوضحذلك أمور:
(1) ـ أنهم يعدون من الفرق السبعين أربع فرقأو أكثر من الزيدية، وأكثر من عشر فرق من المعتزلة، وهم لا يقضون عليهم بفسق أوهلاك، بل يجعلونهم في طليعة الفرق الناجية باعتبارهم يدينون بالعدل والتوحيد. ولميعتبروا ما صدر عن أتباع تلك الفرق من خلاف في مسألة الإمامة ونحوها خلافاً موجباًلفسقٍ أو هلاك، أكد على ذلك الإمام المؤيد بالله، والإمام يحيى بن حمزة، وحُكي عنالإمام المهدي أنه قال: "هذا هو الحق عندي وعليه أهل التحصيل منالزيدية"[108].
وذكر الإمام عز الدين: أن أئمة الزيديةوعلماءهم يترحمون على المعتزلة، ويرضون عنهم، ويعتقدون نجاتهم، مؤكداً على أنمخالفتهم في الإمامة لا تقتضي تكفيراً ولا تفسيقاً[109].
(2) ـ أن كثيراً من أئمة الزيدية وعلمائهمكانوا يخالطون أهل المذاهب المختلفة، ويتعاونون معهم، ويستعينون بهم ويعينونهم فيكثير من المجالات، ولا يحكمون عليهم بهلاك أو فسق، وإن خطؤهم في شيء من المسائلوانتقدوها عليهم، فلو كان الخطأ في تلك المسائل فسقاً يوجب الهلاك لوجب انقطاعالموالاة وحصول المعاداة، خصوصاً وأن مبدأ الولاء والبراء من المبادئ المهمة عندالزيدية.
(3) ـ أن من علماء الزيدية من يرى أن تقسيمالفرق إلى سبعين فرقة، والحكم عليها بالهلاك إلا فرقة، يفتقد الدقة والواقعية،وسيأتي كلام الإمام عز الدين بن الحسن في ذلك.
(4) ـ أن كثيراً من علماء الزيدية عندمايتحدثون عن الفرقة الناجية، يصفونها بأوصاف عامة، كاتباع القرآن والرسول، ووصفالباري تعالى بصفات تليق به، وتلك أشياء لا يمكن قصرها على فرقة محددة.. وسيأتينقل ذلك عنهم عند الكلام عن الفرقة الناجية.
(5) ـ أن نصوص أئمة الزيدية وعلمائها صريحة فيعدم الحكم على مخالفيهم بفسق أو كفر، وهذه جملة من نصوصهم في ذلك:
* جاء في كتاب (الجملة) للإمام المرادي، بعدأن ذكر اختلاف الناس وإكفار بعضهم بعضاً وإقدام بعضهم على بعض بالبراءة والتضليل: (( رأيتالمتفرقين وعاشرت المختلفين في المقالات من الخاصة والعامة من علماء آل رسول اللهصلى اللّه عليه وآله وسلم وأهل الفضل منهم وغيرهم من أهل العلم والفضل من الشيعةالموجبين لإنكار المنكر وحياطة الدين، فما رأيتهم يكفِّر بعضهم بعضاً ولا يستحلونذلك ولا يبرأ بعضهم من بعض، بل قد رأيت بعضهم يتولى بعضاً ويترحم عليه بعد المعرفةمنه بمخالفة بعضهم لبعض في المقالات )).
* وقال أيضاً : (( قدعلمت أن رجال أحمد بن عيسى الذين كان يوجههم في أموره مختلفون، منهم: حسن بن هذيلعلى مذهب أبي الجارود، ومنهم: عبد الرحمن بن يعمر وهو يظهر القول بالقرآن لا يستتربه، ومخول بن إبراهيم، وأمثالهم كثير من المختلفين، فلم نره بان بفرقة يفارق فيهاأخرى، وقد كان رحمة الله عليه عالماً بما يضيق عليه من ذلك وما يتسع له في أمردينه، ولو ضاق عليه ذلك لم يفعله )).
* وقال أيضاً: (( وهذاالحسن بن يحيى أنا متصل به منذ أربعين سنة أو قريب من ذلك يعاشر ضروباً منالمتدينين مختلفين في المذاهب، فما رأيته ـ مع قوله بالجملة وكراهيته للفرقة ـامتحن أحداً ولا كشف له عن مذهب، بل قد رأيته يعمهم بالنصيحة ويحسن لهم العشرةويترحم على من مضى من سلفه وأهل بيته ممن يوافقه في المقالة ويخالفه، هذا مع جلالةسِنِّه وكثرة علمه ومعرفته بما يلزم في ذلك ويجب عليه ))[110].
* وقال الإمام الهادي في كتاب (الجملة): (( وأنقد حرم اللّه على المسلمين أن يزكوا أنفسهم، وأن قد أوجب عليهم أن ينسبوا جميعالمسلمين إلى الإيمان والإسلام، وأنهم قد كانوا يثبتون لهم اسم الإيمان ثم لايعلمون بسرائرهم، وأنهم قد كانوا يتولى بعضهم بعضاً على أنهم سمعوا منهم بعض ذلكوإن لم يروا منهم عملاً، وكذلك يفعلون فيمن يرونه يعمل، وإن لم يسمعوا منهم قولاً،فإن الاسم الذي قد ثبت عندهم على الظاهر، وإن لم يعلموا الباطن، وأنه لا يحصي أحدمنهم جميع ما فرض الله، وأن اللّه لم يكلفهم إحصاءه ولا إحصاء أهله ))[111].
* وقال: أيضاً في كتاب (المنتزع من سياسةالنفس): (( لاتقطع على أحد من أهل القبلة بشرك ولاكفر، ولاتنْزل أحداً منهم جنة ولاناراً حتىيكون اللّه هو الذي ينْزلهم، وكذلك الأعمال السيئة وهي أقرب إلى السلامة ))[112].
وبهذا يتبين رأي الزيدية في الحديث، ويتضحأنهم لم يتلقوه جميعاً بالقبول، وأن من قبله منهم قبله على أساس معنى معين.
****

دلالات الحديث بين الواقعوالافتراض

كما اختلف أهل العلم في نقل حديث الافتراقوثبوته؛ اختلفوا في تفسير كل لفظة من ألفاظه، وجعل منه المختلفون منبراً لدعوىالاختصاص بالحق ومقت الآخرين، وهنا سنتحدث عن معنى الحديث ونشير إلى جانب منالاضطراب في تفسيره.

الافـــتراق والأمـة

الافتراق في اللغة: الانفصال، ويراد به هنا:أن كل جماعة انفصلت عن شركائها، وخصت نفسها بمميزات قدستها والتفت حولها، وادعتالتفرد بها.
والافتراق المشار إليه في الحديث يحتمل أنيكون في مسائل جوهرية؛ لتعلق النجاة والهلاك به في أكثر الروايات.. ويحتمل أن يكونفي مسائل يجوز الاختلاف فيها، إما لأنها فرعية، أو لأنه يدخلها التأويل، وذلك لماجاء في الروايات من اعتبار المختلفين جميعاً من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الخطَّابي: "قوله ستفترق أمتي .. فيهدلالة على أن هذه الفرق كلها غير خارجة من الدين، إذ قد جعلها النبي صلى الله عليهوآله وسلم كلها من أمته " [113].وهذا كلام جيد شريطة عدم اعتبار صحة زيادة "كلها هالكة إلا فرقة".
واختُلف في المقصود بلفظ "الأمة"الوارد في الحديث، فقيل: المراد به: أمة الإجابة فيقصر المراد على المسلمين فقط،وهو ما اعتمده وبنى عليه الأكثر، غير أنهم اختلفوا هل يتعلق الافتراق بجميع الأمة؟فمنهم من قال: إن الفرق لا تتم إلا في آخر الزمان، ومنهم من قال إن الافتراق يكونمن بعد القرون المشهود لها بالخيرية.
قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير[114]:"ولا يبعد أن ذلك الحين والزمان هو آخر الدهر الذي وردت الأحاديث بفسادهوفُشُو الباطل فيه وخفاء الحق، وأن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمرة، وأنهالزمان الذي يصبح فيه الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، وأنه زمان غربة الدين، فتلكالأحاديث الواردة فيه التي شحنت بها كتب السنة قرائن دالة على أنه زمان كثرةالهالكين وزمان التفرق والتدابر"
وخالفه الشوكاني[115]فقال: "إن الافتراق لما كان منسوباً إلى الأمة حيث قال: تفترق أمتي على ثلاثوسبعين فرقة ..كان ذلك صادقاً على هذه الأمة بأسرها، وعلى هذه الأمة أولها وآخرها،من دون تخصيص بعض منها دون بعض ولا بعصر دون عصر، فأفاد ذلك أن هذا الافتراقالمنتهى إلى ثلاث وسبعين فرقة كائن في جميع هذه الأمة، من أولها إلى آخرها".
وعلى خلاف ما تقدم قيل: المراد بالأمة الأمةالتي بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم للدعوة فيها، وذلك أن التفرق بين الناسقبل مجيئه كان قائماً، فعند ما جاء بالإسلام ودعاهم إليه أضيفت فرقة جديدة، منانظم إليها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى. ويؤيد هذا ما جاء في بعض الروايات من أنأمة موسى افترقت إلى إحدى وسبعين فرقة، وأمة عيسى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وأمةمحمد إلى ثلاث وسبعين فرقة، وذلك يعني أن الأمم كانت متفرقة وكلما جاء نبي دعا إلىدين فأضاف بذلك فرقة جديدة، الكل مطالب باتباعها باعتبارها الفرقة الناجية.
واستبعد ذلك بأن لفظ (أمتي) أين ما ورد فيالأحاديث النبوية لا يُقصد به إلا المسلمون، وأنه قال: (ستفترق) بالسين الذي يعنيالاستقبال، وأنه قارنهم باليهود والنصارى وهذا يعني أنهم غيرهم.
ويمكن أن يجاب عنه بأن لفظ: "أمتي"لم يوضع لقباً لأمة الإجابة فقط، ولكن يراد به أمة الإجابة أحياناً، وأمة الدعوةأخرى، وإنما يحدد هذا أو ذلك السياق والقرائن، فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ليسكسائر الأنبياء؛ إذ هو مبعوث إلى الناس جميعاً.
وأما قوله ستفترق بالسين فلا يقصر على أنالمراد به الاستقبال فقط، بل يمكن أن يراد به أن التفرق سيستقر بها على فرق كثيرة.
وأما مقارنتهم باليهود والنصارى فهو لا يعنيأنهم غيرهم، ولكن يعني المشابهة في طريقة الافتراق كما بينا سابقاً.
وذهب المستشرق المجري (إجناس جولد تسيهر)بعيداً حيث زعم في مجلة (تاريخ أديان) أن خطاً قد حصل في نقل الحديث، وذكر أن نصهالأصلي: (( الإيمانبضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق )). يقول هذا المستشرق: لقد سيء فهم المعنى المقصود من كلمة (شعبة) نتيجة تعاقبالأزمنة والعصور فحرف الحديث[116].

تعداد الفرق إلى أكثر من سبعين

تسبب لفظ "السبعين" الوارد فيالحديث في اضطراب واسع في تفسيره، إذ يحتمل أن يكون المراد: ستفترق فرقاً كثيرة؛لأن العدد (سبعين) يدل على ذلك على سبيل التكثير، كما في قوله تعالى: ﴿اسْتَغْفِرْلَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّة﴾[التوبة:80]، قال الزمخشري[117]:السبعون جرى مجرى التمثل في كلامهم للتكثير. وكذلك قال غيره من المفسرين. ويشبهذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: "الإيمان بضع وسبعونشعبة" . وقوله: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم والليلة أكثر منسبعين مرة". وقوله: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب".
ويحتمل أن يكون المراد به: العدد (سبعين) علىالحقيقة، وأن الفرق الإسلامية ستبلغ أكثر من ذلك العدد المعروف، وعلى ذلك تكلف غيرواحد من علماء الملل والنحل وألزموا أنفسهم بتعداد الفرق ليبلغوا بها إلى ثلاثوسبعين، وهذا هو التفسير الشائع للحديث؛ ولكنهم اصطدموا بجملة إشكالات تجعل الحديثفكرة لا واقع لها، منها:
(1)أنهم لم يذكروا ضابطاً لما يصح أن يُعَد فِرْقَة، فتارة يعتبرون الفرقة هي الطائفةالدينية التي يكون لها حضور ملموس في حياة الناس، ولها جذور تاريخية، ومميزاتفكرية في مختلف أبواب المعرفة، كالمعتزلة، والزيدية، والأشاعرة، والخوارج.. وتارةيعدون في الفرق جماعات تكاد أن تكون وهمية لا جذور لها ولا مميزات، كما هو الحالفي اعتبار (النعيمية) و(الجريرية) فرقتين من (الزيدية)، وكذلك اعتبار (المباركية)و(السمطية) فرقا من (الإمامية)، واعتبار (الغيلانية) و(التومنية) فرقتين منالمرجئة، ونحو ذلك.
كما أنه يمكن أن يراد بالفرقة كل جماعة لهاسلوك معين، مثل: المؤمنين، والكافرين، والمنافقين، والمرائين، والحساد، و. و.إلخ.
ويرى الشيخ محمد الغزالي أن المراد ـ إن صحالحديث ـ الخلافات السياسية التي توهن قوى الأمة وتهلكها أمام غيرها[118].
(2)أنهم لم يضعوا حلاً للفرق التي تنشأ في كل عصر، لاسيما وأن طريقة توالدها كطريقةتوالد الفرق التي قبلها، فإنك تجد السابقين قد حددوا ثلاثاً وسبعين فرقة بأسمائهاوصفاتها، ثم أتى بعدهم من أضاف فرقاً حادثة، وبالتالي اضطر إلى حذف بعض الفرقالسابقة ليتمكن من الحفاظ على العدد المطلوب.
(3)أنهم اضطربوا في تعيين الفرق السبعين، حتى إنك تجد بعضهم يعد الزيدية ـ على سبيلالمثال ـ فرقة واحدة، وبعضهم يعدها أربع فرق، وبعضهم يعدها ستاً أو أكثر، وبعضهميعدها بعد الإمام زيد ثلاثاً أو أربعاً ثم يضيف إليها فرقاً نشأت في القرن السادسوما بعده.
يقول الدكتور عبد الحليم محمود[119]:(( لقدأثار حديث الفرقة الناجية تفنن كثير من مؤرخي الفرق الإسلامية فخيل إليهم أنه منالمحتم عليهم أن يبلغوا بالفرق الحد الذي ذُكر في هذا الحديث، فالشهرستاني المتوفىسنة (548 هـ) ذكر هذا الحديث في مستهل كتابه (الملل والنحل) ثم أخذ في تعداد الفرقوحصرها في العدد المذكور، وكأنه قد تيقن أنه سوف لا تنشأ فرقة بعده، وكأنه قد تيقنأيضاً أنه أحاط بكل ما كان يموج به العالم الإسلامي في زمنه ـ على سعته ـ من آراء.وقد صنع كثير غيره صنيعه في حصر هذه الفرق وعدها بطريق تدعونا أحياناً إلىالابتسام لسذاجتها، قال ابن الجوزي في كتاب (تلبيس إبليس) بعد أن ذكر أن أصـولالفـرق هي: (الحرورية) و(القـدرية) و(الجهمية) و(المرجئة) و(الرافضة) و(الجبرية)،وقد قال بعض أهل العلم: أصل الفرق هذه الست. وقد انقسمت كل فرقة منها اثنتي عشرةفرقة فصارت اثنتين وسبعين فرقة. اهـ. وقد أراد بعض أهل العلم من هذا أن يتخلص منحصر الفرق فكان منه هذا التقسيم السهل الساذج الذي يرتكز على المساواة في تقسيم كلأصل من أصول الفرق )) .
وهذا يعني أن من الصعوبة بمكان تعيين الفرقالثلاث والسبعين، فضلاً عن تحديد الناجي من الهالك، وهو ما أدركه الإمام عز الدينبن الحسن[120]،حين قال: "أما تعيين الثلاث والسبعين فرقة فمما لا ينبغي أن يحاوله الواحدمنا إلا بتوقيف، فإنه مما لا يمكن القطع به وبت الاعتقاد، والعلم بما قصده النبيصلى اللّه عليه وآله وسلم من ذلك اللفظ من الفرق وأراد، فطريق العلم بمراده بالعقلمنسدة، ومن النقل غير موجودة، وكذلك الأمارة المفيدة للظن فيه غير حاصلة".
وهو ما أيده الشوكاني[121]فقال: "ليس هاهنا حجة شرعية توجب علينا المصير إلى هذا التعيين وتلجئنا إلىتكلف تعيين الفرق الهالكة وتعدادها فرقة فرقة كما فعله كثير من المتكفلين للكلامعلى هذا الحديث".
وأورد الإمام عز الدين بن الحسن[122]بعض الإشكالات على تعيين الفرق وتعدادها، منوجهة نظر زيدية، فقال بعد تعداد الفرق: "هذا تلخيص ما ذكره الأصحاب في تعدادالفرق، واعلم أنه لا يخلو عن نظر من وجوه:
أحدها:أن المراد بالفرق إن كان أصولها فهي قليلة لا تنتهي إلى ثلاث وسبعين، ولا إلىالنصف من ذلك، وإن كان المراد تفاريعها فهي أكثر مما ذكر بلا شك ولا شبهة، فقدفرَّع بعضهم الباطنية إلى اثنتي عشرة فرقة.
وثانيها:أن هذا التعداد قد  انطوى على ذكر تفرعالفرق المذكورة الرافضة والخوارج والمجبرة والمعتزلة والمرجئة إلى أن بلغ إلىالزيدية فعدهم فرقة واحدة، مع أنهم متفرعون كغيرهم، وقد ذُكِرَت تفاريعهم، ما ذاكإلا ليحكم لهم بالنجاة ويجعلون وحدهم الفرقة الناجية، وينبغي أن يجري في منهج واحدإما بأن تعد المعتزلة فرقة واحدة، والمجبرة فرقة واحدة كالزيدية، أو تعد الزيديةفرقاً كمن ذكر قبلهم.
وثالثها:أنه تضمن الحكم على فرق المعتزلة كلها بأنها من الفرق الهالكة، وليس هكذا مقتضىالمذهب فيهم، فإن أئمة الزيدية وعلماءهم يترحمون عليهم ويرضون عنهم ويعتقدوننجاتهم، إلا من له منهم عقيدة تقتضي كفراً أو فسقاً، ولم يخالف فضلاؤهم وأهلالعقائد القويمة منهم الزيدية إلا في مسائل الإمامة مخالفة لا تقتضي تكفيراً ولاتفسيقاً.
ورابعها:أنه تضمن الحكم على الزيدية بأنها الفرقة الناجية، وهم فرق يحكم لبعضها بالهلاككالمطرفية الشقية[123]وغيرهم، وذلك التفصيل لا يخلو عن خلطٍ وعدم انتظام والله أعلم" [124].

تحديد عدد الفرق الهالكة والناجية

واختلف في تحديد عدد الهالك والناجي من الفرق،فمن العلماء من خص فرقة بالوصف الحسن، وسكت عن الفرق الباقية، فلم يحكم لها بنجاةولا هلاك.
ومنهم من حكم بنجاة فرقة واحدة وهلاك ماعداها،استناداً منه إلى أكثر الروايات.
ومنهم من حكم بنجاة الفرق إلا فرقة، واستدلعلى ذلك بالحديث الذي ذكرناه سابقاً من طريق أنس، والذي جاء فيه:(( تفترقأمتي على إحدى وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا واحدة ))،قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: (( الزنادقة ))،وهم أهل القدر.
واستشهد بعضهم لصحة معناها بالحديث المشهور: (( كلأمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ))،قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: (( منأطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى )).

الحديث ومطابقة الواقع

يفترض في أي خبر صدر عن النبي صلى الله عليهوآله وسلم أن يَصْدُق؛ لأنه﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّاوَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾ [النجم]. وهذا الحديث يخبر بما لم يحدث، وينبئ بما لم يقع.
فمن ذلك: أنهيشير في معظم رواياته إلى أن التفرق سنة كونية في الأمم، وجاء فيها أن كلاً مناليهود والنصارى تفرقوا إلى أكثر من سبعين فرقة، ولكننا عند البحث في تاريخ تلكالأمم لا نجد أخباراً عن تفرقهم إلى ذلك العدد بمفهوم الفرق الدينية في الملةالواحدة.
ومن ذلك: أنه يقضي بأن إسلام الفرق المختلفةمتباين لا يكاد يلتقي بحيث اعتبر بعضها ناجياً والباقي هالكاً، وهذا مالا نجده فيالواقع؛ لأن المسلمـين يتفقون في معظـم المسائل الدينية، خصوصاً في أمهات مسائل الدين.
يقول السيد العلامة المجاهد محمد حسين فضلالله[125]في تعليق له على هذا الحديث: "إن هذا الحديث موجود والحقيقة هي واحدة، فإذاأردنا الإسلام بمجموعه فالواقع أنه ليس عندنا إسلام لا يلتقي بإسلام آخر، فلوأخذنا الجانب العقيدي لدى الشيعة والسنة لرأينا أنهم جميعاً يشهدون أن لا إله إلاالله وأن محمداً رسول الله.
وفي الجانب الفقهي فما من رأي سني إلا ومعهرأي شيعي، فلا السنة رأيهم واحد في المسألة الفقهية ولا الشيعة رأيهم واحد.
ثم إن الحقيقة واحدة ولكن قد يكون الإنسانمعذوراً في فهم بعض العقيدة، ولذلك فعلينا بدلاً من أن نركز على هذه النقاط أننبحث عن الفرقة الناجية أو المعطية للحقيقة من خلال البحث والحوار . ولكن المؤسفهو أننا كما لوكنا في لعبة كرة قدم، فكل فريق يحاول أن يسجل نقطة أو أكثر علىالفريق الآخر" .

****



الفرقة الناجية

يلاحظ عند الكلام على الفِرَق أن العقيدة هيمناط تقسيمها والحكم عليها، ولا دخل للمسائل العملية في شيء من ذلك.
فالذين قصروا العقيدة ـ التي يترتب عليهاالنجاة ـ على ما ثبت بدليل العقل وتقرر عند أهل الإسلام وعُلم من ضرورة الدين،بحيث لا يمكن أحداً من أهل الملة إنكاره؛ كالإيمان بالله والرسول والكتاب واليومالآخر، حكموا بالنجاة لجميع صلحاء المسلمين باعتبار أن العقيدة الإسلامية وأساسياتالدين قد شملتهم. والذين رأوا أنه يدخل في العقيدة بعض المسائل التفصيلية التياختلف فيها المسلمون؛ كالإمامة، واختيار تفسير معين لبعض الألفاظ الواردة فيالقرآن، خصوصاً ما كان له علاقة بالذات الإلهية، ونحو ذلك؛ اشترطوا - للحكم بالنجاة- الإيمان بها على وجه مخصوص.
ومع مرور الزمن وتقلب الأحوال أدخل بعضهم فيالعقيدة مالا ضرر في مخالفته، وعدَّ فيها من نوادر المسائل ما يفتقر إلى أبسطالأدلة، حتى أن بعضهم اعتبر معرفة الثلاث والسبعين فرقة جزءاً من العقيدة!! وقالبعضهم إذا صحت العقيدة فلا يضر غياب العمل، وروى في ذلك أحاديث وأخباراً لا ترقىإلى مستوى الصحة.
وإذا كان الخلاف قد وقع في تفسير معاني وألفاظالحديث فبالأولى أن يقع الاختلاف في تحديد الفرقة الناجية؛ لأن الكل يدندن حولذلك، فقد اعتبرت كل طائفة نفسها المتمسكة بالقرآن والمقتفية لآثار النبي صلى اللهعليه وآله وسلم، وسارعت إما إلى تقديم أدلة على دعواها أوهى من بيت العنكبوت، وإماإلى تعداد الفرق المخالفة لها وإبراز ما شذت به كل منها لتبين بذلك أنها هالكة،وتحكم لنفسها بالنجاة.
فأهل الحديث ومن تابعهم من المتسمين بأهلالسُّنة، يرون أنهم المقصودون بما جاء في بعض الزيادات التي حُشرت في الحديث منذكر (الجماعة).
قال البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق)[126]:"ولسنا نجد اليوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة رضى الله عنهم غيرأهل السنة والجماعة من فقهاء الأمة ومتكلميهم الصفاتية، دون الرافضة والقدريةوالخوارج والجهمية والنجارية والمشبهة والغلاة والحلولية" .. إلخ
وقال ابن تيمية[127]في كلام له عن الحديث: "وفي رواية قال: هي الجماعة يد الله على الجماعة..وبهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة، وهم الجمهور الأكثر والسوادالأعظم، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء".وقال: "وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديثوالسنة".
ثم قال بعد ذلك بقليل: "فكثير من الناسيخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى فيجعل طائفته المنتسبة إلى متبوعه الموالية لههم أهل السنة والجماعة ويجعل من حالفها أهل البدع وهذا ضلال مبين"، وهذا كلامينطبق على دعواه السابقة تماماً!! وقد أكثر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كتبهمامن دعوى الاختصاص بالحق والتفرد بالنجاة.
وبعض المعتزلة يزعم أن في الحديث زيادة تنصعلى: أن أبرَّ الفرق وأتقاها الفئة المعتزلة، ويؤكدون استحقاقهم لذلك لكفاحهم عنالإسلام في مواجهة الزنادقة والمندسين من الأعداء في صفوف المسلمين.
والإمامية يقولون: (( بحثناعن المذاهب، وعن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ستفترقأمتي على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقي في النار )).فوجدنا الفرقة الناجية هي الإمامية؛ لأنهم باينوا جميع المذاهب في أصول العقائد،وتفردوا بها، وجميع المذاهب قد اشتركوا فيها، والخلاف ظاهر بينهم في الإمامة،فتكون الإمامية الفرقة الناجية ))[128].
ويذكر بعض الزيدية أنه قد وقع البيان للفرقةالناجية بحديث الثقلين، فقد ذكر الإمام أحمد بن سليمانالحديث فقال، قال: رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( أمةأخي موسىافترقت إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت أمة أخي عيسىإلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي من بعدي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكةإلا فرقة واحدة. فلمّا سُمِع ذلك منه، ضاق به المسلمون ذرعاً، وضجُّوا بالبكاء،وأقبلوا عليه، وقالوا: يا رسول اللّهكيف لنا بطريق النجاة ؟ وكيف لنا بمعرفة الفرقة الناجيةحتى نعتمد عليها ؟ فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم:  إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا منبعدي أبداً، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبَّأني أنهما لن يفترقاحتى يردا عليّ الحوض )) [129].
والأشاعرة يرون أنهم الأحق بالنجاة لاعتباراتشتى، قال: الإيجي في (المواقف)[130]:"وأما الفرقة الناجية المستثناة الذين قال فيهم: هم الذين على ما أنا عليهوأصحابي؛ فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة".
وإنما صنعت الفرق ذلك؛ لأن الكل يدعي أنه علىما كان عليه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وهذه مسألة تكثر فيها الدعاوى ويبرزالتعصب.
وما نختاره في هذه المسألة ونرجحه،هو: أن أقرب شئ إلى منطق العقل وواقع الأدلة أن النجاة متعلقة بسلامة الفكرة، فمنآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وذهب إلى توحيد اللّه وتعديله ووصفهبصفات الكمال، مع الاستقامة والتقوى، والسلامة من كل عقيدة تقتضي كفراً أو فسقاً؛وقام بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك، فهو الناجي، شهدبذلك الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وعليه مضى كثير من أئمة العلم والصالحون منأتباع الملة.
أما مجرد انتظام الفرد في فرقة من الفرق فإنهلا يعتبر ضماناً له من الهلاك، ولا شهادة له بالنجاة، إذ لابد من التقوى والالتزامبتعاليم الدين الحنيف، والتحرك وفق توجيهات القرآن الكريم والسنة المطهرة، ﴿وَمَنيُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ [الأحزاب].
والمنتمون إلى الفرق فيهم مطيعون وصلحـاء،وفيهم عصاة ومقصرون، ليس لهم من مبادئ فِرقهم إلا الاسم والتعصب، وفيهم عواممقلدون لا يعرفون أوجه الحق بصورة صحيحة، ولكنهم يندفعون إلى التمسك بأي اعتقادنتيجة تأثير مباشر أو غير مباشر من جانب من يثقون به من علمائهم ومفكريهم.
وليس من العدل أن يسوى بين العصاة والعوامالمنتمين إلى هذه الفرقة، وبين المطيعين وأهل النظر المنتمين إلى تلك، بحجة أن هذهناجية وتلك هالكة، ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى(32) ﴾[النجم].
ويؤيد ما نذهب إليه: ما روى ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن علي قال: افترقت بنو إسرائيل بعد موسى على إحدى وسبعين فرقة، كلها فيالنار إلا فرقة، وافترقت النصارى بعد عيسى عليه السلام على اثنتين وسبعين فرقة،كلها في النار إلا فرقة. فأما اليهود فإن الله يقول :﴿ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُون﴾ [الأعراف].وأما النصارى فإن الله تعالى يقول: ﴿منهم أمةمقتصدة﴾[المائدة: 66]،فهذه هي التي تنجو. وأما نحن فيقول الله تعالى: ﴿وَمِمَّنْخَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181)﴾[الأعراف]، فهذه التي تنجو من هذه الأمة [131].
وعن أبي الصبهان البكري، قال: سمعت أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: (( والذينفسي بيده لتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلهـا في النـار، إلا فرقـة ﴿وَمِمَّنْخَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181)﴾[الأعراف]، فهذه التي تنجو من هذه الأمة ))[132].
وذلك ما رجحه جملة من العلماء، فقال الإمام عزالدين بن الحسن: (( أعدلما يقال: إن الفرقة الناجية هم الذاهبون إلى توحيد اللّه وتعديله ووصفـه بصفاتالكمال، مع السلامة من كل عقيدة تقتضي كفراً أو فسقاً )) [133].
وقال الإمام محمد بن يحيى المرتضى في كتاب(الفقه):(( وأماالفرقة الناجية فهم المؤمنون بالله ورسوله، والناسبون له إلى ما نسب إليه نفسه،المبرئون له من شَبَه خلقه، المثبتون لعدله النافون الظلم عنه، القائلون بالحقفيه، المصدقون بوعده المقرون بوعيده، المتبعون لسنة نبيئه، المقيمون لما افترضاللّه عليهم من أحكامه المقتدون بكتابه، الآمرون بأمره المنتهون عن نهيه، العاملونبطاعته الموالون لأوليائه المعادون لأعدائه المجاهدون في سبيله )) [134]. 
وقال العلامة الكبير أحمد بن موسى الطبري[135]( أحد أصحاب الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين): " دل عليه وعلى آلهأفضل الصلاة والسلام على الفرقة الناجية بقوله: الحق ما أجمعت عليه الأمة ولميختلفوا فيه".
ويرى الإمام النظاريحيى بن حمزة: أن الفرقة الناجية هي من قال بالتوحيد والنبوة، فأما من خالف هذينالأصلين فهو هالك لا يحكم له بنجاة لمخالفته ما هو أصل من الدين، موضحاً أن من قالبالتوحيد والنبوة وخالف في تفاصيل المسائل الإلاهية فهو مخطئ لكن خطؤه لا يبلغكفره أو فسقه [136].
ولشيخنا العلامة الكبير بدر الدين الحوثي كلامنفيس حول هذا، قال فيه: (( إنمن اتقى اللّه وآمن فهو من الناجين، ومن عصاه وتعدى حدوده وتمرد ولم يتب فهو منالهالكين، ودلائل هذا من الكتاب والسنة كثيرة جداً، ويكفي في ذلك سورة العصر،والقضية في هذا قضية مُسَلَّمة مفروغ منها ))،مؤكداً على أن  (( مذهبالزيدية في هذا معروف، ولا يحتاج فيه إلاَّ معرفةَ الإيمان والتقوى، دون معرفةافتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة، أعني: لا علاقة له بتعددالفرق؛ لأن محصوله أن من كان مؤمناً متقياً فهو من الناجين، ومن كان عدو اللّه فهومن الهالكين سواء قلت الفرق أم كثرت )) [137].
وللعلامة المقبلي حول هذا الموضوع كلام طويلخلاصته: أن الناس صنفوا في هذا المطلب وأخذوا في تعداد الفرق ليبلغوا بها إلى ثلاثوسبعين ثم يحكم كل منهم لنفسه ومن وافقه بأنه الفرقة الناجية، وإنما يصنعون ذلكلادعاء كل منهم أنه على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه،فينحصر النظر في معرفة الباقي على ذلك، ومن المعلوم أن ليس المراد أن لا يقع أدنىخلاف فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة، وإنما الكلام في مخالفة تصير صاحبها فرقةمستقلة ابتدع لها أفكاراً في مهمات المسائل يترتب عليه عظائم المفاسد، وذلك لا يخصمعيناً من هذه الفرق التي قد تحزبت والتأم بعضهم إلى قوم وخالف آخرين حسب مسائلعديدة أدخلوا فيها نوادر المسائل وما لا ضرر في مخالفته وما لم يكن من الدين فيشيء، وتسمى كل باسم مدح اخترعه لنفسه وجعلوا المسائل شعاراً لهم من دون نظر فيمكانة تلك المسألة في الدين[138].
وذكر العلامة الأمير[139]أنه لا يبعد أن الفرقة الناجية هم الغرباء المشار إليهم في الأحاديث، كحديث:"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء"، قيل: ومن هم يا رسولالله؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس". وفي رواية: "الذين يفرونبدينهم من الفتن". وفي رواية: "الذين يصلحون ما أفسد الناس منسنتي". وفي حديث عبد الله بن عمرو: قلنا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال:"قوم صالحون، قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم". وهمالمرادون بحديث: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم منخالفهم، أو خذلهم حتى يأتي أمر الله".

****

خاتمة في بيان كيفية التحذير من الباطل

يرى بعض الناس أنه لابد من الإساءة إلىمخالفيهم، والمبالغة في ذمهم بحق وغير حق، والدخول معهم في جدال وخصومة مهما كانتنتائجها، بدعوى أن ذلك ضرباً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحفاظ علىالعقيدة والثبات على المبادئ، وحياطة الدين مما يرونه فساداً وتخريباً فيه، ويرونأن الحفاظ على مشاعر الآخرين، واحترام حقوقهم، والتفهم لما يذهبون إليه، وحمله علىما أرادوا به، وقبول أعذارهم والاكتفاء ببيانهم، مجرَّد مداهنة ومجاملة لا يقبلهاالدين.
وهذا ليس هو السبيل الأمثل لحياطة الدينوحراسة العقيدة؛ لأن ذلك يحتاج إلى تكلف في إلصاق الأفكار الشاذة بالآخرين ثمنتكلم عليهم، وبذلك يتوجه الكلام نحو الفرق والجماعات أكثر مما يتوجه نحو الفكرة،وفي ذلك ما فيه، خصوصاً إذا كان لتلك الجهة وجهة نظر في الفكرة لم نطلع عليها.
ولعل السبيل الأمثل إذا أردنا أن نقاوم مجموعةمن الأفكار المنحرفة والنظريات السيئة، أن نتحدث عن الفكرة مباشرة؛ لأن الخطورةتكمن فيها، ولا يليق بنا أن نلصقها بأناس، ثم ننهال عليهم بالإساءات، خصوصاً وأنالتحمس ضد أي فكرة يزيد في الحدة، ويدفع إلى التسرع في الحكم على الآخرين، فكم منفكرة ألصقت بأناس هم منها براء، وكم من عالم قُوِّل ـ بمجرد الإلزام والتخمين ـ مالم يقل.
فإذا كنا بذلك نريد أن ننهى عن منكر، فإنناسنقع في منكر أشد منه وأسوأ؛ إن قوَّلنا إنساناً ما لم يقل، وحملناه ما لم يحتمل،ثم نكفره ونفسقه بما ليس فيه، ولاشك أن ذلك منكر نهى الدين عنه بشدة، فقد جاء عنالنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( منبهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه اللّه يوم القيامة على تل مننار حتى يخرج مما قال )).
ولعل الطريقة المثلى والأسلوب الحسن الناجح فيالدعوة إلى ما نراه حقاً، والتحذير مما نراه باطلاً، هي الدعوة إلى الحق ذاته،والتحذير من الباطل ذاته، بغض النظر عمن ينسب إليه، فالتجسيم، والجبر، والغلو،والإرجاء، ونحوها، أفكار منحرفة يمكننا وصفها، ثم تفنيدها والتحذير منها، والدعوةإلى ضدها، وبذلك نكون قد نهينا عنها وتخلصنا منها، كائناً من كان القائل بها.
وإنما اخترنا هذا الأسلوب في التحذير منالأفكار السيئة؛ لأنه أسلم وأدق وأنفع في النهي عن المنكر، فكثير من المذاهبوالأفكار تُلْصق بأناس وهم براء منها، والكلام عن الفكرة يدور معها أينما دارت،وتحت أي غطاء قُدِّمت.
وإذا كان لابد من جهة لتوجيه النقد إليها فإنبالإمكان أن يُشْتَق للفكرة اسم من معناها، فيسمى معتقدها بذلك الاسم، فيقال:مجسمة، ومرجئة، ومجبرة، وغلاة، ثم نقول: المجسمة منحرفون، والغلاة منحرفون .. إلخ،ولا نزعم أن أتباع المذهب الفلاني مجسمة، أو غلاة، قبل بحث دقيق ودراسة موضوعيةبعيداً عن أي تعصب؛ لأن مثل تلك تهمة كبيرة تحتاج إلى تأمل وحذر؛ وقد جاء فيالحديث: (( إنمن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه )).
وعلى هذا فلسنا بحاجة إلى الكلام عن الأشخاص،اللهم إلا إذا كنا نريد أن نحدد موقفنا منهم شخصياً على سبيل الولاء والبراء، وذلكلا يكون إلا بعد أن يثبت يقيناً أنهم يعتقدون ما يوجب قطعاً البراءة منهم، وأنهممصرون عليه على الوجه الموجب للبراءة.
 وبهذايتضح أن الكلام على الآخرين وتجريحهم، ليس هو الطريق الصحيح للتصدي للأفكارالمنحرفة، حتى وإن ثبت عنهم شيء مما ينتقد عليهم؛ لأن الغرض هو التحذير من الفكرةالمنحرفة، ومنع الناس من اعتقادها، وذلك لا يكون بتجريح الناس، والتنقيص منهم.
والله الموفق وله الحمد والمنة.
محمد يحيى عزان
صنعاء 10/10/1999م
B

المراجع والمصادر

 1.    الإحسانفي تقريب صحيح ابن حبان، لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي/ تحقيق شعيب الأرنؤوط/مؤسسة الرسالة ـ بيروت/ ط 1.
  2.    أحوال الرجال/لإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني/ تحقيق صبحيالسمرائي/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
  3.   أمالي أحمد بن عيسىالمسمى بالعلوم/ للإمام محمد بن منصور المرادي/ طبعة مجهولة.
  4.   أمالي المفيد / محمدبن محمد بن النعمان / منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العمية ( قم).
  5.   الاحتجاج/ الشيخ أحمدبن على الطرسي.
  6.   الاعتصام بحبل اللهالمتين، للإمام القاسم بن محمد بن علي/ الجمعية العلمية الملكية ـ عَمَّان/ ط 1.
  7.   الاغتباط فيمن رميبالاختلاط/ إبراهيم بن محمد سبط ابن العجمي/ تحقيق فواز أحمد زمرلي/ دار الكتابالعربي ـ بيروت.
  8.   افتراق الأمة / محمدبن إسماعيل الأمير.
  9.   بحار الأنوار  / الشيخ المجلسي/
10.  بشارةالمصطفى لشيعة المرتضى / محمد بن أبي القاسم الطبري/ المطبعة الحيدية النجف.
11.  تأويلالآيات الظاهرة في فضل العترة الطاهرة / علي الحسني / نشر مدرسة الإمام المهدي (قم).
12.  تاريخالثقات، لعمر بن أحمد العجلي/ تحقيق د. عبدالمعطي قلعجي/ دار الكتب العلمية ـبيروت/ ط 1.
13.  تاريخبغداد، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
14.  تحريرالأفكار، للسيد بدر الدين الحوثي/ مؤسسة أهل البيت للرعاية الاجتماعية/ ط 1  1415 هـ ـ 1993 م.
15.  التحقيقفي الإكفار والتفسيق (مقدمة البحر الزخار البحر الزخار، للإمام المهدي أحمد بنيحيى المرتضى/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت/ ط 2 1394 هـ ـ 1975 م).
16.  تفسيرنور الثقلين/ عبده علي جمعة / الطبعة الثانية / تحقيق: هاشم الرسولي المحلاني.
17.  التفكيرالفلسفي في الإسلام 1/105.
18.  تقريبالتهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني/ تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف/ دار المعرفة ـبيروت/ ط 2.
19.  تهذيبالكمال في أسماء الرجال، للإمام المزي/ تحقيق د. بشار عواد معروف/ مؤسسة الرسالة/ط 2.
20.  الثقات،لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم البستي/ دائرة المعارف العثمانية/ ط 1.
21.  جامعالرواه، لمحمد بن علي الأردبيلي/ منشورات دار الأضواء ـ بيروت.
22.  الجامعالصحيح وهو سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة/ تحقيق أحمد محمد شاكر/دار الكتب العلمية ـ بيروت.
23.  الجامعالصغير في أحاديث البشير النذير، لجلال الدين بن أبي بكر السيوطي/ دار الكتبالعلمية ـ بيروت/ ط 1.
24.  الجامعالكافي، للحافظ أبي عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن العلوي/ مخطوط.
25.  الجرحوالتعديل، لعبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي/ دائرة المعارف العثمانية/ ط 1.
26.  جلاءالأبصار للحاكم الجشمي ـ خ ـ .
27.  حقائقالمعرفة ، للإمام أحمد بن سليمان ـ خ ـ .
28.  رأبالصدع ( أمالي الإمام أحمد بن عيسى) / تحقيق علي بن إسماعيل بن عبد اللـه المؤيد/دار النفائس ـ بيروت/ ط 1.
29.  رجالالنجاشي، لأبي العباس أحمد بن علي النجاشي/ تحقيق محمد جواد النائيني/ دار الأضواءـ بيروت/ ط 1 1408 هـ ـ 1988م.
30.  الرائق في تنزيه الخالق للإمام يحيى بن حمزة/ تحقيق إمامحنفي عبد الله/ الطبعة الأولى -دار الآفاق العربية.
31.  سبيلالرشاد للعلامة محمد بن الحسن بن القاسم بن محمد / تحقيق محمد يحييى سالم عزان/الطبعة الثالثة /دار التراث اليمني.
32.  سلسلةالأحاديث الصحيحة، لمحمد ناصر الدين الألباني/ المكتب الإسلامي/ ط 4  1985 م.
33.  سننأبي داود = سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي/ دار الجيل ـ بيروت.
34.  سننابن ماجه = أبو عبد اللـه محمد بن يزيد القزويني/ تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي/ دارإحياء التراث العربي.
35.  سننالبيهقي، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، وفي ذيله الجوهر النقي لابنالتركماني/ دار الفكر.
36. سنن الدارمي، لأبي محمد عبد اللـه بن عبدالرحمن بنالفضل بن بهرام الدارمي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
37.  سننالنسائي ( المجتبى ) بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي/ تحقيق عبدالفتاح أبو غدة/دار البشائر الإسلامية ـ بيروت/ ط 2  1988م.
38.  سننالنسائي الكبرى، للإمام أحمد بن شعيب النسائي/ تحقيق د. عبدالغفار سليمان البنداريوسيد كسروي حسن/ دار الكتب العلمية ـ بيروت / ط 1 1991 م.
39.  شرحالأخبار في فضائل العترة الأخيار / النعمان بن محمد المغربي / النشر الإسلامي.
40.  شرحالأساس 2 ( عدة الأكياس ) / أحمد بن محمد الشرفي/ دار الحكمة اليمانية ـ صنعاء.
41.  شرحالبالغ المدرك للإمام أبي طالب/ تحقبق محمد يحيى سالم عزان/ الطبعة الأولى مكتبةبدر ـ صنعاء.
42.  شرحالعقيدة الطحاوية / الحسن بن علي السقاف / دار الإمام النواوي ـ عمان.
43.  الصحوةالإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم/ الشيخ القرضاوي.
44.  صحيحابن خزيمة، لأبي بكر محمد  بن إسحاق بنخزيمة السلمي النيسابوري/ تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي/ المكتب الإسلامي ـ بيروت/ط 1.
45.  الضعفاء،لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي/ تحقيق عبدالمعطي أمين قلعجي/ دار الكتب العلمية ـبيروت/ ط 1  1404 هـ ـ 1984 م.
46.  العلمالشامخ / للعلامة المقبلي.
47.  العمدة/ لابن البطريق.
48.  العواصموالقواصم، للحافظ محمد بن إبراهيم الوزير/ تحقيق شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة ـبيروت/ ط 2  1412 هـ ـ 1992 م.
49.  عوالياللئالي العزيزية/ محمد بن علي الأحسائي / مطبعة سيد الشهداء ( قم).
50.  الفتحالرباني / للشوكاني.
51.  فتحالقدير / للشوكاني.
52.  الفِصَلفي الملل والنحل / لأبن حزم الظاهري.
53.  الفلكالدوار في علوم الحديث والفقه والآثار، للسيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير/تحقيق محمد يحيى سالم عزان/ ط 1 .
54.  الفوائدالمجموعة في الأحاديث الموضوعة/ للشوكاني
55.  قاموسالرجال / للتستري الإمامي
56.  الكاشف،للذهبي/ تحقيق لجنة من العلماء/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1.
57.  الكافالشاف تخريج أحاديث الكشاف، في هامش الكشاف، لمحمود بن عمر الزمخشري/ رتبه وصححهمصطفى حسين أحمد/ دار الكتاب العربي.
58.  الكاملفي الضعفاء، لأبي أحمد عبد اللـه بن عدي الجرجاني/ تحقيق لجنة من المختصين/ دارالفكر ـ بيروت/ ط 2.
59.  كتابالفقه للإمام المرتضى محمد ابن الهادي ـ خ ـ.
60.  كتابكيف نتعامل مع القرآن / للشيخ محمد الغزالي.
61.  الكشاف/ للإمام الزمخشري.
62.  كشفالخفاء / للعجلوني.
63.  كفايةالأثر في النص على الإثني عشر/ الخزاز القمي.
64.  كنزالعمال في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي/ضبطه الشيخ بكري حياني/ صححه الشيخ صفوة السقا/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت/ ط 5.
65.  لسانالميزان، لابن حجر العسقلاني/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ ط 3.
66.  المجروحين،لابن حبان البستي/ تحقيق محمود إبراهيم زايد/ دار المعرفة ـ بيروت.
67.  مجمعا لزوائد، للهيثمي/ دار الكتاب العربي ـ بيروت/ ط 3.
68.  مجموعرسائل وكتب ابن تيمة في العقيدة.
69.  المجموعةالفاحرة (كتاب الجملة)  للإمام الهادي يحيىبن الحسين ـ خ ـ.
70.  المستدركعلى الصحيحين، لأبي عبد اللـه الحاكم النيسابوري/ دار المعرفة ـ بيروت.
71.  مسندأبي يعلى الموصلي/ تحقيق حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث ـ دمشق وبيروت/ ط 1.
72.  مسندالإمام أحمد بن حنبل، وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال/ دارالفكر.
73.  مسندالحميدي، لأبي بكر عبد اللـه بن الزبير الحميدي/ حققه حبيب الرحمن الأعظمي/المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.
74.  مسندالطيالسي، للحافظ سليمان بن داود بن الجارود/ دار المعرفة.
75.  معالمالسنن / للخطابي.
76.  المعجمالأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني/ حققه د. محمود الطحان/ مكتبةالمعارف ـ الرياض/ ط 2.
77.  المعجمالكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني/ حققه حمدي عبدالمجيد السلفي/ ط 2.
78.  المعراجشرح المنهاج للإمام عز الدين بن الحسن ـ خ ـ.
79. المناقب / الموفق بن أحمد الحوارزمي/ مؤسسة النشرالاسلامي.
80.  المنتخب،للإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام/ دار الحكمة اليمانية ـ صنعاء/ ط 1  1414 هـ ـ 1993 م.
81.  منتهى المقال في علم الرجال.
82.  المنير على مذهب الهادي / لأحمد بن موسى الطبري.
83.  المواقف/ للإيجي
84.  موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف/ إعداد أبو هاجرمحمد السعيد بن بسيوني زغلول/ عالم التراث ـ بيروت/ ط 1  1989 م.
85. موسوعةالفرق الإسلامية/
86. الموضوعات، لعبدالرحمن بن علي بن الجوزي/ تحقيقعبدالرحمن محمد عثمان/ دار الفكر/ ط 2.
87. ميزان الاعتدال، للذهبي/ تحقيق علي محمد البجاوي/ دارالفكر.
88. نهج الحق وكشف الصدق / الحسن بن يوسف الحلي/ دارالهجرة (قم).
89.  وسائل الشيعة إلى معرفة الشريعة / للشيخ محمد بن الحسنالحر العاملي/ طبعة مؤسسة أهل البيت (ع).

مركز التراث والبحوث اليمني
الجمهورية اليمنية ـ صنعاء
تلفون : 205470 فاكس 205474
البريد الاكتروني: yemenHRC@y.net.ye
عنوان المؤلف
اليمن ـ صنعاء ـ
تلفون : 73740122
البريد الكتروني: M_EZZAN@YAHOO.COM


[1]الإمام المرتضى محمد بن الهادي في كتاب الفقه (ص 611 ضمن مجموع مخطوط).
[2]أحمد بن محمد الشرفي شرح الأساس 2/368.
[3]القرضاوي الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم 51.
[4]كتبورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة 3/350.
[5]نشرها الأخ الأستاذ الباحث عبدالله يحيى السرحي في مجلة "المجتمع الإماراتية" العدد().
[6]كذا في المستدرك، وفي كشف الخفاء 1/309: كثير، وفي المقاصد الحسنة : كبير.
[7]المستدرك 1/6.
[8] التلخيص بهامش المستدرك1/6.
[9] ضعفاء العقيلي 4/109.
[10] أحوال الرجال ترجمة(244) وعنه تهذيب الكمال 26/216.
[11] تهذيب التهذيب 9/334.
[12] ضعفاء ابن عدي 6/2229.
[13] الثقات 7/337.
[14]كشف الخفاء 1/169
[15]الفوائد المجموعة 520
[16]تهذيب الكمال 9/492 ـ 493.
[17] المجروحين 1/306.
[18]قاموس الرجال 2/423.
[19]قاموس الرجال 2/410.
[20]منتهى المقال 2/164. رجال النجاشي 190. قاموس الرجال 2/372.
[21]وقع في المطبوعة: كلها في النار، وهو خطأ.
[22] الموضوعات 1/267 ـ 268.
[23] لسان الميزان 2/405.
[24] كشف الخفاء 1/169.
[25] المستدرك 1/128.
[26] سلسلة الأحاديث الصحيحة1/359.
[27] الكاف الشاف تخريجأحاديث الكشاف، بهامش الكشاف 4/83 .
[28] تهذيب التهذيب 1/179.
[29] الكاشف 1/231.
[30]العواصم والقواصم 3/170.
[31] شرح العقيدة الطحاوية629.
[32]ميزان الاعتدال 4/418.
() المجروحين 3/98.
[34] مجمع الزوائد 6/226.
[35]سنن ابن ماجة 2/1322.
[36]سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/360.
[37] الجرح والتعديل 9/ترجمة255.
() تهذيب الكمال 30/250.
[39] تهذيب الكمال 30/248 ـ249.
[40] ميزان الاعتدال 4/304.
[41] ميزان الاعتدال 4/304.
[42] الاغتباط فيمن رميبالاختلاط 105
[43] تهذيب التهذيب 4/83،ولسان الميزان 7/232.
[44] تهذيب الكمال 27/175.
[45] ذكر هذا الألباني فيصحيحته 1/360.
[46] سنن ابن ماجة 2/1322.
[47] سلسلة الأحاديث الصحيحةرقم (1492).
[48] شرح العقيدةالطحاوية630، وقال السقاف: قال البويصري في (زوائد ابن ماجة) (2/239)، عن حديثههذا: هذا إسناد فيه مقال راشد بن سعد، قال أبو حاتم: صدوق، وعباد بن يوسف لم يخرجله أحد سوى ابن ماجة... ومنه تعلم أن قول المتناقض ـ يعني الألباني ـ ! في(صحيحته) (3/480)، عن إسناده أنه (جيد)، غير جيد!!
[49]شرح العقيدة الطحاوية 630.
[50] مجمع الزوائد 7/259.
[51] تخريج أحاديث الكشاف2/83.
[52]ضعفاء العقيلي 2/162.
[53]مجمع الزوائد 1/189.
[54]لسان الميزان 2/291.
[55]الجامع الكافي الجزء السادس - خ -.
[56]مجمع الزوائد 1/162، 7/259.
[57]مجمع الزوائد 7/259 ـ 260.
[58]تفسير نور الثقلين 2/104 ـ 105.
[59]الاعتصام 1/7.
[60]الملل والنحل 1/13.
[61]شرح الأخبار 2/134 ـ 125.
[62]المعراج ـ خ ـ.
[63]كفاية الأثر 155. وهو في الوسائل 18/31 عن الكفاية.
[64]نهج الحق 331.
[65]بشارة المصطفى 216. والرواية في الاحتجاج 1/391.
[66]أمالي المفيد 212 ـ 213.
[67]المناقب 331. وعزاه في تأويل الآيات 190، إلى أبي نعيم وابن مردويه.
[68]عوالي اللآالي 4/65 ـ 66.
() الكافي 8/223.
[70]الفضائل 140 ـ 141.
[71]العمدة 74 ـ 75.
[72]وقع في المطبوعة: كلها في النار، وهو خطأ.
[73]وقع في رواية ابن حزم زيادة بين نعيم وعيسى: عبد الله بن المبارك، وقد نبه العلويعليه بأن أسقطه كما في سائر الروايات.
[74]مجمع الزوائد 1/179.
[75]المدخل 24 ـ 35.
[76]الكامل في الضعفاء 7/2483.
[77]تاريخ بغداد 13/107.
[78]تاريخ بغداد 13/108.
[79]الكامل 3/1265.
() مجمع الزوائد 7/323.
[81]مجمع الزوائد 7/259.
[82]شرح الطحاوية 630.
[83]مجمع الزوائد 7/260.
[84]شرح الطحاوية 631.
[85]بحار الأنوار 28/10 ـ 11.
[86]العواصم والقواصم 1/186.
[87]أنظر العواصم 1/186.
[88]فتح القدير 2/56.
[89]حكاه عنه في يقظة أولي الاعتبار 1/ 207.
[90] أنظر: سلسلة الأحاديثالصحيحة 1/363.
[91]العواصم والقواصم 3/170.
[92]شرح البالغ المدرك 96.
[93]الجزء السادس من الجامع الكافي ( باب الزيادات).
[94]شرح البالغ المدرك 96.وقد تقدم الكلام بتمامه.
[95]ذكر الحاكم جميع ذلك في المجلس الرابع عشر من كتابه (جلاء الأبصار).
[96]حقائق المعرفة ـ خ ـ .
[97]الملل والنحل (مقدمة البحر الزخار 38).
[98]سبيل الرشاد 72 بتحقيقنا.
[99] كذا في الفصول اللؤلؤيةفصل (197) بتحقيقنا.
[100] العواصم والقواصم 3/171ـ 172.
[101]الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم 49.
[102]أنظر الفِصَل في الملل والنحل 3/192، وقد تقدم الكلام في هذا بإسهاب.
[103]شرح العقيدة الطحاوية 631.
[104]شرح العقيدة الطحاوية 629.
[105]شرح العقيدة الطحاوية 634.
[106]أنظر كتاب كيف نتعامل مع القرآن 110ـ 103.
[107]أنظر الصحوة الإسلامية 49 - 55.
[108]  الجزء الثاني من المعراج ـ خ ـ باب (القول فيالتفسيق).
[109] المعراج، الجزء الأول ـخ ـ.
[110]الجامع الكافي الجزء السادس ـ خ ـ.
[111]المجموعة الفاخرة 126(كتاب الجملة).
[112]المجموعة الفاخرة 595 (كتاب المنتزع من سياسة النفس).
[113]معالم السنن 4/259.
[114]افتراق الأمة ـ خ.
[115]الفتح الرباني.
[116]أنظر موسوعة الفرق الإسلامية 38.
[117]الكشاف عند تفسير الآية من سورة التوبة.
[118]الغزالي ، كيف نتعامل مع القرآن 110.
[119]التفكير الفلسفي في الإسلام 1/105.
[120]المعراج شرح المنهاج - خ- .
[121]الفتح الرباني.
[122]المعراج شرح المنهاج - خ- .
[123] يحكم بعض الزيدية علىالمطرفية بالهلاك بينما يتردد بعض الباحثين في الحكم عليهم بذلك مستدلاً بأنه لميثبت عنهم من طريق محايد ما يقضي بهلاكهم. وقد كتب الأستاذ المفكر الكبير زيد بنعلي الوزير بحثاً قيما حول المطرفية بعنوان: "المطرفية الفكر والمأساة"ونشر في العدد الثاني من مجلة (المسار) وسوف يفرد في كتيب مستقل ضمن سلسلة كتابالمسار.
[124] المعراج، الجزء الأول ـخ ـ.
[125] الندوة 357.
[126]الفرق بين الفرق 1/304.
[127] كتب ورسائل وفتاوى ابنتيمية في العقيدة 3/345.
[128] تأويل الآيات 1/ 195.
[129]حقائق المعرفة خ ، ولم أقف عليه بهذه الصيغة فيما رجعت إليه من كتب الحديث.
[130]المواقف 3/717.
[131]كنز العمال 2/413 (4382).
[132]تفسير نور الثقلين 2/104 ـ 105.
[133] المعراج ـ خ ـ.
[134] كتاب الفقه ضمن مجموعكبير مخطوط .
[135] المنير مخطوط: 26.
[136]الرائق في تنزيه الخالق 206.
[137]تحرير الأفكار 37.
[138]أنظر العلم الشامخ 331 ـ 337.
[139]أنظر افتراقالأمة 80.