vendredi 31 octobre 2014

قراءة في نظرية الإمامة عند الزيدية محمد يحيى سالم عزان

قراءة في نظرية الإمامة عند الزيدية محمد يحيى سالم عزان





محمد يحيى سالم عزان

مقـدمـة

عند دراستي ما كُتب عن نظرية الإمامة عند الزيدية وجدت للباحثين في هذا المجال قراءتين مختلفتين: قراءة تقيمها على ضوء واقعنا المعاصر بعيداً عن ظروفها وأسبابها، وتحاكم الماضي بقانون الحاضر. وأخرى تجعل من ذلك الماضي قانوناً يشرع للحاضر.. ولا شك أن في هذا وذاك تكلفاً ملحوظاً، فلا الحاضر سيطيق ما أنتجه الماضي من اجتهادات ورؤى خصوصا مع زوال أسبابها وظروفها، ولا الماضي مسئول عما جدَّت به الأيام وتغير به الزمان.
والذي يبدو لي أن الاختلاف في تقييم نظرية الإمامة ـ سواء عند الزيدية أو غيرهم ـ جاء نتيجة للخلط بين التشريع الإلهي في المسألة وبين إفرازات الصراع ومقتضيات الظروف والأحوال، فمسألة الإمامة ـ ذات الأصل الشرعي والطبيعة السياسية ـ قد أقيم الصراع فيها على أرضية دينية، فطوعت الآيات والأحاديث؛ لتدل هنا على شيء وتعارض هناك شيئاً آخر، فقدمت ـ بتفاصيلها ـ للمجتمع على أنها جزء من الدين والعقيدة، وأخذ كل طرف يطالب الآخر بتطبيق ما يراه شرعاً في المسألة، فكثر النزاع واشتد الصراع.
والمخرج من هذه الأزمة وما شابهها يكون بالعودة إلى دراسة جذور المسألة وظروف نشأتها وتطورها وتقييم ذلك على أسس علمية بعيداً عن تأثير الموروثات المذهبية المجردة، فما كان منها شرعي قطعي فلا بد من مراعاته كما هو؛ لقناعتنا بصلاحية ما فرضه الشرع لكل زمان ومكان، وما لم يكن كذلك، فهو رأي واجتهاد يحترم لصاحبه ويستفاد منه، ولا يكون ملزما لأحد مهما كانت مرجحاته.
وبرأيي أن ما حدث في الماضي كان مجرد تجارب ونظريات في الحكم، أنتجتها ظروف وأحوال متعددة وعاشت في ظلها أمة سعدت بها أحيانا وتعست بها أحياناً أخرى، فيجب أن تحترم تلك التجارب في إطارها وأن تقرأ قراءة منصفة بعيداً عن التعصب لها أو التحامل عليها؛ ليكون ذلك درساً يتسنى للحاضر الإفادة منه.
ومناسبة هذه القراءة أنني كتبت في العدد الرابع من (مجلة المسار) بحثاً بعنوان (حديث الأئمة من قريش تحت المجهر) ضمنته الكلام عن شرط قرشية الخليفة عند أهل السنة، فاستعرضت أصل الفكرة ونشأتها وناقشت أدلتها، ثم راجعته بعد ذلك وأضفت إليه وهذبته ليتناول مسألة قرشية الخلافة وأثرها في الفكر السياسي عند المسلمين، بشكل موسع. وفي تلك الأثناء وجدت أن من أمانة البحث العلمي أن تستكمل الفكرة بالكلام على حصر أصحابنا الزيدية للإمامة في أبناء الحسنين، رغم حساسية المسألة وتشعب تفاصيلها.
ولكي تقرأ الفكرة قراءة سليمة وضعتها في إطارها؛ فتحدثت عن طبيعة المذهب ورؤيته في مختلف مسائل الإمامة مع تلخيص موجز لمعرفة الجذور التاريخية لنظرية الحصر، ثم تناولت المسألة من منظور شرعي كما هي عند أصحابنا الزيدية، وحرصت على إيراد الشواهد ونصوص الأئمة ما توفر ذلك وكان مناسباً. فأرجو ألا تحمل هذه القراءة على غير وجهها وألا تستغل في غير إطارها.
وربما لن أحتاج إلى التذكير ـ في عصر العولمة الفكرية ـ بضرورة بحث أي مسألة مهما كانت حساسة، لأنه لم يعد هنالك ما يمكن أن يقبل بمجرد الدعاوى والتحكمات. والله الموفق.
 

الفكر الزيدي

الفكر الزيدي ـ في نظري ـ ليس في الأساس مذهبا فقهياً أو فرقة كلامية تتحرك في إطار خصوصية محددة، كما يقدمه البعض أو يراه، ولكنه منهج شامل للتجديد والإبداع في إطار الفكر الإسلامي بكامله.. لا تعثره هيبة المسلمات، ولا تكبله قيود الموروثات، ولا تخضعه ضغوط الأحوال والظروف، وهذا ما جعله يبدو فكرا ثائراً ليس على الأحوال والظروف التي فرضها الحكام وصنعتها ألاعيب السياسة فحسب، بل وعلى الموروثات الفكرية الدخيلة على الدين سواء تلك التي أرسلت في المجتمع لتسهم في تبلده وتكبيله باسم القدر المحتوم والمصير المعلوم، أم تلك التي تلزمه التعبد لله وفق قناعات الآخرين بدعوى أنهم السلف الصالح والقدوة الحسنة. إذاً فأصول الفكر الزيدي تتمثل في ثلاثة محاور:
أحدها: إطلاق النظر بالتفكير والبحث عن حقائق الكون، وفق منهج القرآن وفي حدود صلاحيات العقل. وهذا ما يعرف عند الزيدية (بوجوب النظر وحرمة التقليد في الأصول).
ثانيها: فتح أبواب الاجتهاد في المسائل العملية بالنظر المباشر في مصادر التشريع ومقاصد الشريعة، وافق من وافق وخالف من خالف، وهذا معنى (فتح أباب الاجتهاد) المشهور عند الزيدية.
ثالثها: السعي لتقويم الحكم المستبد الباطش، ابتدءاً بالنصح، ومروراً بالنقد والتمرد، وانتهاء بالمواجهة. وهذا ما يعرف عند الزيدية (بمبدأ الخروج على الظالم).
وهذه الأصول ـ كما ترى ـ متحركة منتجة، يمكنها مواكبة كل عصر والتأثير فيه، وهذا ما جعل كثيراً من الباحثين يتحيرون في تحديد معالم الفكر الزيدي: هل هو مذهب فقهي؟ أم منهج كلامي؟ أم تيار اجتماعي؟ أم نظام سياسي؟! وجعل الطوائف والمذاهب المختلفة سنية كانت أو شيعية تدعي أنه الأقرب إليها والأكثر انسجاما معها. وجعل البعض يشكك في استقلاله فيصنفه في مجال العقيدة على المعتزلة، وفي الفقه على الحنفية وفي التشيع على الإمامية، رغم اختلافه في بعض المسائل الهامة مع كل جهة من الجهات التي صُنِّف عليها.
وهو ما يفسر لنا كيف أنتج هذا الفكر سلسلة من المجتهدين المميزين، الذين كانت لهم رؤى يختلف بعضها مع الموروث السائد عند المجتمع سواء في المسائل الفكرية أو الفقهية، مما جعل بعض الكتاب يميزهم بألقاب توحي بأنهم صاروا مذاهب جديدة مختلفة ومستقلة لا علاقة لها بالفكر الزيدي، مثل: (الجارودية) و(الصالحية) و(القاسمية) و(الهادوية) و(الناصرية) و(المطرفية) و(المخترعة). أو يصنفهم على مذاهب أخرى ، كما صُنِّف العلامة أبو العباس الحسني، والحافظ فرات بن علي الكوفي، والإمام الحسن بن بدر الدين، على الإمامية. وصُنِّف الحاكم المحسن بن كرامة الجشمي، والإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى، والعلامة يحيى بن الحسن القرشي، على المعتزلة، وصنف الإمام يحيى بن حمزة، والحافظ محمد بن إبراهيم الوزير ، والعلامة صالح بن مهدي المقبلي، والعلامة الحسن بن أحمد الجلال والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير على السنية، وغيرهم . و الواقع أن هؤلاء أئمة علم أنتجهم الفكر الزيدي لَمَّا منحهم حرية التفكير وشجعهم على النظر والاجتهاد، وأعطاهم حق التعبير عن ما توصلوا إليه؛ فلا يصح تصنيفهم ومن كان على شاكلتهم على مذاهب أخرى؛ لأن ما توصلوا إليه من أنظار موافقة لهذا أو مخالفة لذاك، قد جاءت نتيجة لاجتهاد وبحث لا تبعية وتقليد.وبرأيي أن الفكر الزيدي أكبر من أن تحتكره جماعة أو يختزل في جملة من الأفكار والرؤى، فهو فكر يستوعب كل مفكر باحث عن الحقيقة مهما كانت النتائج التي توصل إليها، وهو فكر يسعى لتحرير الإنسان من أنواع التبعية والقيود؛ ليتذوق معنى العبودية لله وحده، وهذا المبدأ هو شعار الإسلام وأصل أصول الدين: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) فإن كان غير الله يستحق تقديراً أو فضلاً فعلى أساس العبودية المطلقة لله وحده (محمد عبدالله ورسوله).
وفي توصيف موجز لمعالم الفكر الزيدي يقول العلامة الشماحي وهو من أعلم الناس به، فقد عاشه حياة وفكراً : "إنه مذهب واقع وحقائق لا خيالات وأوهام، ولا تصورات شاطحة وأحلام، ولا مذهب ألغاز ومعميات، ولا مذهب كرامات أولياء، ومعجزات وعصمة أئمة، ولا مذهب واسطة بين العبد وربه إلا عمل العبد وإيمانه. إنه مذهب عبادات إلى جانب معاملات بلغت قوانينها من الدقة الفقهية والتشريعية ما لم تبلغه أدق القوانين المعاصرة شمولاً وقبولاً للتطور وتَقَبُّل كل جديد صالح، إنه مذهب دين ودنيا، وإيمان وعمل، وجد ونشاط، وعدل وإيثار، وجهاد واجتهاد، فيه الإنسان مخير لا مسير، مذهب يدعو إلى التحرر الفكري وإلى التعمق في العلوم النافعة ويحرم التقليد في العقائد والقواعد العلمية الدينية، ويوجب الاجتهاد على ضوء القرآن والسنة في العبادات والمعاملات، ويدعو إلى القوة والتضحية، ويفرض الطاعة والنظام والتعاون، كما يفرض الخروج على أئمة الجور والثورة على الظلم الاجتماعي والطغيان الفردي، ولا يرضى لأتباعه بالمذلة والكسل، ولا بالخضوع والاستسلام لغير اللّه وما شرعه، مذهب يحترم السلف في حدود أنهم من البشر عرضة للنقد بما فيهم الصحابة وأبناء فاطمة، فأفراد الفاطميين كالصحابة فمنهم كغيرهم محسن وظالم لنفسه مبين".
وهذا لا يعني أن المنتمين إلى هذا الفكر لم يكن لهم أخطأ في تفكيرهم وشطحات في سلوكهم، بل كان، ولكن ذلك لا يعود على أصول الفكر ومناهجه ، فمن الظلم تحميل أي فكر تبعات أنصاره.

مفهوم الإمامة عند الزيدية

الإمامة في اللغة: التقدم سواء كان عن استحقاق أم لا، وسواء كان في خير أو شر، قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ..﴾ (الإسراء/71). وفي الاصطلاح الشرعي عند الزيدية: رئاسة عامة لشخص واحد في أمور مخصوصة، على وجه لا يكون فوق يده يد أخرى.
والمعروف عند الزيدية أن الإمام مجرد ناقل للشرع ومطبق لأحكامه وفق علمه واجتهاده، وليس مشرعاً، ولا معصوما عن الخطأ، بل لا تجب طاعته في غير ما تتوقف عليه صحة إمامته، كتنفيذ الأحكام وتعيين الولاة وتسيير الجيوش ونحو ذلك[i]، ولذلك اشتهر عن كثير من علماء الزيدية انتقاد أئمتهم في الجوانب الفكرية والعملية. ومن مبادئهم عزله إن لم يؤد واجبه، والثورة عليه إن طغى وبغي، فالإمام ـ كيفما كان ـ بشر والخطأ في حقه وارد، وهذا مما يميز الزيدية عن الفرق الشيعية الأخـرى.

الإمامة عند الزيدية النشأة والتطور

المشهور من مذهب الزيدية أنهم يرون أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان الأولى والأحق بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا تعصباً لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لأهليته وكفاءته، وتعاملوا مع ما جرى في التاريخ برويَّة وحكمة، كما صنع علي نفسه.
وفي أيام الدولة الأموية برزت معالم الصراع على الخلافة، وأصر الأمويون على أن خلافتهم امتداد للخلافة الراشدة، وبالتالي استحضرت الخلافة الراشدة في فكر الصراع، وأقيمت الخلافات السياسية ـ عند ذلك ـ على أساس ديني، ومن ثم نشأت الفرق والجماعات وتبنت الخلاف السياسي كجزء من مقومات فكرها ومساحة حضورها.
وكان الإمام زيد بن علي رضي الله عنه (75 ـ 122 هـ) ممن عاش حياته في ظل الحكم الأموي حيث شهد صوراً متعددة لممارسات الحكام، ففي صباه شهد حكم الوليد بن عبد الملك وأخيه سليمان، فأحس بلفحات الجور وشعر بألم الاستبداد، وحين كان شاباً شهد حكماً عادلا رشيداً مثَّله عمر بن عبد العزيز ولكنه لم يدم طويلاً، فخلفه يزيد بن عبد الملك فكان مشغولاً باللهو والترف ولم تطل مدته ، ومن بعده جاء هشام بن عبد الملك فأعلن منذ توليه الخلافة أنه لا يقول له أحد: اتق الله، إلا ضرب عنقه[ii]. فوجد الإمام زيد نفسه مضطرا لمواجهة الاستبداد والبطش، فذهب إلى الشام لمقابلة هشام ونصحه، وبمجرد أن قال له: "اتق اللّه يا هشام" استشاط غضباً وقال: "ومثلك يأمر مثلي بتقوى اللّه"؟! فقال له زيد : "يا هشام إن اللّه لم يرفع أحداً فوق أن يُؤْمَر بتقوى اللّه، ولم يضع أحداً دون أن يَأمُر بتقوى اللّه"!!
واستمرت المواجهة وأصر الإمام على تغيير الوضع القائم، فبدأ بمحاولة الإصلاح السلمي حين دعا علماء الدين إلى القيام بواجبهم في توعية الجماهير، ووجه إليهم رسالته العظيمة التي جاء فيها: "والذي نفس زيد بن علي بيده لو بَيَّنتم للناس ما تعلمون، ودعوتموهم إلى الحق الذي تعرفون، لتضعضع بُنْيَان الجبَّارين، ولتهدم أساس الظالمين". وقال مخاطبا علماء السلاطين: "أمكنتم الظلمة من الظلم، وزينتم لهم الجور، وشددتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقاربة، فهذا حالكم. فيا علماء السوء، محوتم كتاب اللّه محواً، وضربتم وجه الدين ضرباً، فَنَدَّ واللـه نَدِيْدَ البعير الشَّارِد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سُفِكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ورُفِعَت رؤوسهم فوق الأسِنَّة، وصُفِّدوا في الحديد، وخَلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب، وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء ويتشاكون الجهد" [iii] .
وحينما لم يُجْدِ الكلام نفعاً رفع وتيرة المواجهة وأصر على التغيير ولو كلف ذلك غالياً؛ رغم أن جراحات كربلاء لا تزال تنزف وعويل الثكالى لا يزال يدوي ويهز القلوب والمشاعر.. وانطلقت ثورة الإمام زيد في ظل أهداف معلنة، جاء فيها: " يا معاشر الفقهاء، ويا أهل الحجى، أنا حجة اللّه عليكم، هذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود اللّه، ونعمل بكتاب اللّه، ونَقْسِم بينكم فَيْئَكم بالسوية[iv].. فوالذي بإذنه دَعَوْتُكم، وبأمره نصحتُ لكم، ما ألتمس أَثَرَةً على مؤمن، ولا ظلماً لِمُعَاهِد، ولوددت أني قد حميتكم مَرَاتع الهَلَكَة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوْقِدُ ناراً فأقذفُ بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط اللّه، زهداً في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والمَوْفُوْرين حظاً ونصيباً"[v]. ومضى في هذا النهج حتى استشهد في سبيل إصلاح الأمة وصيانتها، وعُرِف الثائرون على نهجه من بعده بالزيدية، فلم يمت حين قتل؛ لأن الشعلة التي أو قدها ظلت مسرجة بدمه ودم الشهداء من بعده تضيء للأجيال دروب الحرية والكفاح.
وبعد شهادة الإمام زيد عام (122هـ) لم تدم الدولة الأموية بعده طويلاً، فقد انهارت عام ( هـ).وعلى أنقاضها قامت الدولة العباسية وفيها عاش الصدر الأول من أئمة الزيدية كعيسى، والحسين، ومحمد أبناء زيد بن علي، وكذلك عبد الله بن الحسن المثنى، وإخوته: الحسن، وإبراهيم، وجعفر، وأبنائه: الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية، وإبراهيم، ويحيى، وإدريس. وكذلك الإمام الحسين بن علي الفخي، وغيرهم وخاضوا ثورات متعددة على نهج الإمام زيد في طلب الإصلاح والنصح للأمة، ولم نجد في دعواتهم ما تجاوز ذلك.
وفي العصر العباسي تبلورت معظم نظريات الإمامة عند مختلف التيارات وتشكلت معالمها، ودرست موافقاتها ومفارقاتها، وكان علماء الزيدية ممن خاضوا غمار تلك النظريات فظهرت معالم أفكارهم متفقة في الكليات ومختلفة في بعض الجزئيات، فذكر عن أبي الجارود زياد بن المنذر الخارفي (150 هـ) ـ وكان إمامي التوجه ثم لحق بالإمام زيد وصار من أصحابه ـ أنه اعتبر مسألة الإمامة قطعية، وأنها في الإمام علي بالنص الجلي، وأضاف أنها لا تجوز في غير أبناء الحسنين، ووافقه على ذلك بعض الزيدية فشكلوا توجهاً متشدداً في فكر الإمامة عند الزيدية وعرفوا (بالجارودية)، وصار هذا العنوان رمزا للأفكار المتشددة في الإمامة عند الزيدية.
وعلى عكسه أظهر الحسن بن صالح بن حي (168 هـ) التسامح في المسألة فرأى أن الإمامة خاضعة لأنظار العارفين، وأنها تجوز في سائر الناس وإن كانت في أهل البيت أولى إذا توفرت سائر شروطها، وأن علياً كان الأحق بالخلافة من باب الأولوية لا النص، وما ورد من النصوص في ذلك فهي تدل على المكانة والفضل، وتأكيد الأولوية، ووافقه على ذلك بعض الزيدية فصاروا يعرفون (بالصالحية)، ومثلوا خط الاعتدال في الزيدية.
وهنا أود التأكيد على أن ما يعرف بـ(الجارودية والصالحية) ليست فرقاً بالمعنى الدارج، فليس هنالك جارودي أو صالحي في العقائد أو الفقه، ولكنهم مجرد فرقاء في جملة من مسائل الإمامة، أبرزها : النص على الإمام علي وحكم متقدميه، وحصر الإمامة في البطنين وما يترتب عليها. وستجد أثر ذلك في ثنايا المسائل الآتية.

مسائل في الإمامة عند الزيدية

يعتبر موضوع الإمامة من المواضيع الواسعة المتشعبة وله جوانب متعددة ، لذا سأقتصر في هذا البحث على الجوانب التي تظهر فيها مميزات النظرية الزيدية، وسيكون في عدة مسائل:

المسألة الأولى: النص على الإمام علي وحكم متقدميه

بعد اتفاق الزيدية على أن الإمام علي كان الأحق بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اختلفوا في موجب ذلك الاستحقاق وما يترتب عليه، فذهبت الجارودية إلى أنه ورد بحقه نص جلي لا يحتمل التأويل، وبالتالي حكموا بهلاك متقدميه وأغلظوا في انتقادهم [vi]، وهذا هو رأي أقلهم، أما أكثرهم فقد توافقوا مع (الصالحية) فاعتبر أحقية الإمام علي ناتجة عن مؤهلات ذاتية في الدرجة الأولى، كالعلم الواسع والسبق إلى الإسلام، والجهاد في سبيل الله، والفضائل الشهيرة، واعتبروا النصوص الواردة في هذا الباب تدل على أحقيته بالنص على وصف يقضى بأنه المراد عند ضرب من الاستدلال والاستنباط، وسموا ذلك (نصاً خفياً).
قال العلامة علي بن الحسين الزيدي في (المحيط بالإمامة)[vii] وذهبت الزيدية والإمامية إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على علي عليه السلام نصا لم يعلم السامعون منه مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة ولا من بعدهم، وإنما بعرف مراده بالاستدلال، وذلك كخبر الغدير وخبر المنزلة. واختلفوا في النص الجلي عليه فلم يثبته الزيدية، و ادعى جلاءه الإمامية وقالوا إن من سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم ضرورة أن مراده به الإمامة.
قال السيد صارم الدين الوزير (914هـ) في (الفصول)[viii] : النص الخفي هو: الدال على معنى لا يحتمل غيره بالنظر، لا بضرورة الوضع. ومنه الدليل على إمامة الوصي عليه السلام، عند (جمهور أئمتنا) لا من الأول ـ النص الجلي ـ خلافاً (للجارودية، والإمامية)".
وعلق السيد صلاح بن أحمد المهدي (1044هـ) على هذا الكلام في (شرحه على الفصول)[ix] بقوله: "لأنه لو كان جلياً لعلمه الناس كلهم، ولتوفرت الدواعي إلى نقله؛ لأنه من مهمات الدين كالصلاة والزكاة والحج ونحوها، ولما خفي على أبي بكر وقال بحضرة الجماعة: وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذا الأمر فيمن هو فلا أنازعه. وهذه النصوص ـ يعني حديث الغدير وحديث المنزلة ـ تحتمل غير ظاهرها؛ لأن لفظ مولى مشترك، وكذلك ولي، وكذلك ليس في خبر المنزلة تصريح بالإمامة. قالوا: فإذا كان كذلك حكمنا بأنه خفي وقطعنا بدلالته على الإمامة؛ لأن احتمالات غير الإمامة لا تقاوم دلالته عليها، فعند هؤلاء أنه من الخفي".
ومثل هذا قال الإمام يحيى بن حمزة (749هـ) في (الانتصار)[x].
وقال الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني (420 هـ) : " فإن قيل: فما حكم من خالف هذه النصوص الدالة على لإمامة أمير المؤمنين هل يفسق قيل له إنه يكون مخطئا غير كافر ولا فاسق فلو كانوا فساقا لما أولاهم أمير المؤمنين الذكر الجميل" [التحقيق في التكفير والتفسيق للإمام يحيى ـ مخطوط].
وقال الإمام عبد الله بن حمزة : " إن النصوص ـ الواردة في حق علي ـ استدلالية؛ لأنها محتملة، ولذلك جرى فيها النزاع الطويل والجدال الشديد من ذلك اليوم إلى يوم الناس هذا وإلى انقطاع التكليف وكل يحتج بما له وجه"[xi].
وقال الأمير الحسين بن بدر الدين في (الشفاء) [xii] : "الذي نختاره أن النص وقع على وجه يحتاج في معرفة المراد به إلى تأمل، ولا نكفر من دافعه ولا نفسقه، ونقطع على تخطئة من تقدمه".
وذكر الهادي بن إبراهيم الوزير عن الإمام المهدي علي بن محمد بن علي (773 هـ) أنَّه سُئل عمن تقدم أمير المؤمنين أو خالفه، فأجابَ : أنَّ مذهب جمهور الزيدية أنَّ النص وقع على وجه يحتاج في معرفة المراد به إلى نظر وتأويل، ولا يكفرون من دافعه ولا يفسِّقونه"[xiii].
 وحكى هذا المذهب عن الزيدية ابن خلدون في (المقدمة)[xiv] فقال: "ومن الشيعة من يقول: إن هذه الأدلة إنما اقتضت تعيين علي بالوصف لا بالشخص والناس مقصرون حيث لم يضعوا الوصف موضعه، وهؤلاء هم الزيدية، ولا يتبرؤون من الشيخين ولا يغمضون في إمامتهما مع قولهم بأن علياً أفضل منهما لكنهم يجوزون إمامة المفضول مع وجود الأفضل".
وقال العلامة الديلمي : "الصحيح عندنا أن تلك النصوص خفية لا يعلم المراد بها إلا بضرب من الاستدلال، فلا يكون الصارف لها عن الإمامة إلى غيرها مما يحتمل لفظ ذلك النص راداً لما علمه ضروري من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يستحق بذلك الكفر ولا الفسق، إذ لا دلالة تدل على استحقاقه ذلك" . [قواعد عقائد آل محمد ـ مخطوط 291].
ونتيجة لهذه الرؤية لم يعرف عنهم تجريح فيمن تقدم علياً من الخلفاء، لاحتمال أنهم لم يعلموا النص، أو لم يفقهوه. وفي ذلك يقول الإمام القاسم بن محمد (1029هـ) في (الأساس)[xv]: "والحق أنهم إن لم يعلموا استحقاقه دونهم بعد التحري فلا إثم عليهم .. وإن علموا فخطيئتهم كبيرة.. ثم قال: ولعل توقف كثير من أئمتنا لعدم العلم بأنهم علموا أو جهلوا".
وقال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (840هـ) في (القلائد)[xvi]: " مسألة: المحققون من الزيدية وخطأ المتقدمين على علي في الخلافة قطعي؛ لمخالفتهم القطعي، ولا يقطع بفسقهم إذ لم يفعلوه تمرداً بل لشبهة. قلت: فلا تمتنع الترضية عليهم لتقدم القطع بإيمانهم فلا يبطل بالشك فيه" .
وقال الإمام عز الدين بن الحسن (900 هـ): "أما أكثر أئمتنا وعلمائنا فالظاهر عنهم القول بعدم التفسيق ـ يعني لمن نفى إمامة الإمام ـ ولهذا نُقِلَ عنهم حسن الثناء على المشايخ المتقدمين على أمير المؤمنين علي عليه السلام، والترضية عنهم والتعظيم العظيم لهم"[xvii].
وأقل أحوال الكثيرين من أئمة الزيدية التوقف في الحكم على من تقدم علياً، فعن الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين ( 411 هـ ) أنه قال : "ما أعلم أن أحداً من العترة يسب الصحابة، ومن قال ذلك فقد كذب"[xviii].
وسئل الإمام عبد الله بن حمزة (614هـ) عن الصحابة الذين تقدموا علياً فقال: " لنا أئمة نرجع إليهم في أمور ديننا ونقدم حيث أقدموا، ونحجم حيث أحجموا، وهم علي وولداه عليهم السلام، والحادث عليهم وغضبنا فيهم، ولم نعلم أحدا منهم سب أحداً من الصحابة ولا لعنه ولا شتمه لا في مدة حياتهم ولا بعد وفاتهم. ثم تحدث عن موقفهم من أهل البيت فقال: "إن القوم لم يقع منهم البغضة، بل يدعون المحبة والمودة، ويظهرون الولاية والشفقة، وبواطن الأمور لا يعلمها إلا الله عز وجل" ثم ذكر فدكاً، فقال : "كان فيها النزاع وتأولوا خبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما خلفناه صدقة" على غير ما تأولناه" ثم ختم كلامه بعد ذلك بقوله: " وقد وقعت أمور هنالك رددنا أمرها إلى الله عز وجل، ورضَّينا على الصحابة عموما، فإن دخل المتقدمون على علي عليه السلام في صميمهم في علم الله سبحانه لم نحسدهم رحمة ربهم ، وإن أخرجهم سبحانه بعلمه لاستحقاقهم فهو لا يتهم في بريته، وكنا قد سلمنا خطر الاقتحام، وأدينا ما يلزما من تعظيم أهل ذلك المقام، الذين حملوا حوزة الإسلام ونابذوا في أمره الخاص والعام "[xix]. وروى عنه ابن المظفر في (الترجمان) أنه قال: " ولا يمكن أحداً أن يصحح دعواه على أحد من سلفنا الصالح أنهم نالوا من المشايخ أو سبوهم بل يعتقدون فيهم أنهم خير الخلق بعد محمد وعلي وفاطمة"[xx].
وقال الإمام يحيى بن حمزة (749هـ) في (الانتصار)[xxi] والإقدام على إكفار الصحابة وتفسيقهم دخول في الجهالة وحمق ونقصان في الدين وجرأة على الله".
وبهذا تتضح رؤية الزيدية فيمن تقدم علياً من الصحابة، ويعلم أن اتهام الزيدية ـ كمذهب ـ بتجريح الصحابة إتهام باطل، فالزيدية ينظرون إلى الصحابة على أنهم نالوا من شرف صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لم ينله غيرهم، ولكنهم في نفس الوقت بشر يجوز عليهم الخطأ كغيرهم، فمن ثبت عليه خطأ تحمل نتيجة خطئه مهما كان وكائنا من كان، بلا مبالغة في النقد ولا غلوا في الدفاع.

المسألة الثانية: مكانة الإمامة عند الزيدية وحكمها

يتوافق معظم الزيدية بمختلف تياراتها على أن وجود زعامة تقود المجتمع وفق نظام قويم أمر مهم في حياة البشر؛ لذلك اعتبروها واجباً شرعياً يلزم الأمة القيام به، ولكنهم اختلفوا بعد ذلك في رتبة ذلك الوجوب وما يترتب عليه من حكم على المخالف. فعند الجارودية أن الإمامة من أكبر مسائل أصول الدين جملة وتفصيلاً، ومن خالفهم في ذلك حكموا بضلاله وزيغه وتبرؤوا منه وعادوه واستحلوا حرمته وامتنعوا عن الصلاة خلفه، حتى وإن وافقهم في غير ذلك من مسائل الدين[xxii].
وعند الصالحية أن الإمامة من مهمات مسائل الدين؛ ولكنها ليست من الأساسيات التي لا يتم الدين إلا باعتقادها، لأنها لو كانت كذلك لنص عليها القرآن وفصلتها السنة بكلام بين يعلمه كل مكلف به ويدرك معناه، فقد فصل القرآن والسنة ما هو أقل منها شأنا من الآداب والأخلاق، حتى أن أطول آية في القرآن نزلت لتشرح كيفية المداينة وأحكامها، فكيف يقال بأن هذه المسألة من أعظم مسائل الدين، ثم تترك للاستنتاج والاختلاف!؟ وعلى هذا الأساس يرعون حرمة من خالفهم في هذه المسألة فلا يكفرونه ولا يفسقونه ولا يعتزلون الصلاة خلفه.
وهذا هو موقف كثير من أئمة الزيدية البارزين، كالإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (411هـ)، والإمام يحيى بن حمزة (749هـ)، وقال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (840هـ): "هذا هو الحق عندي وعليه أهل التحصيل من الزيدية"[xxiii]. واحتج الإمام عز الدين (900 هـ) لذلك بأن أئمة الزيدية وعلماءهم يترحمون على المعتزلة، ويرضُّون عنهم، ويعتقدون نجاتهم، مؤكداً على أن مخالفتهم في الإمامة لا تقتضي تكفيراً ولا تفسيقاً[xxiv].
ومن ألطف ما وقفت عليه في هذا الباب من التراث الزيدي رسالة حررها الإمام عز الدين بن الحسن (900هـ) إلى علماء عصره فأجاب عليه كل من العلامة عبد الله بن محمد النجري (877هـ) والعلامة علي بن محمد البكري (882هـ) والسيد صارم الدين الوزير (914هـ) وجميعهم من كبار علماء الزيدية في القرن التاسع، وسأورد هنا خلاصة حوارهم فيما يتعلق بهذه المسألة؛ لأنه يعطي صورة كافية لما نحن بصدده بدقة وموضوعية فائقة.
فبعد حوار طويل اتفق المتحاورون على أن الخلاف واقع بين الأمة في قطعيَّة الإمامة وظنيَّتها، ثم ذكر البكري أن القائلين بأنها واجبة شرعاً فريقان: فريق يعتبر الوجوب اجتهادياً ظنياً، وفريق يجعله قطعياً، وقال إنه رأي الجمهور.. فرد عليه صارم الدين، بأنه إن أراد الجمهور من المتكلمين فمسَلَّم، وإن أراد مطلقاً منهم ومن غيرهم، فغير مُسَلَّم، وقال: إن أكثر الأمة متفقون على أن الإمامة ظنية.. وتبين له من حوار الإمام والبكري: أن الإمام لا يعتبر الإمامة قطعية لا في جملتها ولا في تفصيلها، وأن البكري يرى عكس ذلك، ورجح هو أن جملة مسألة الإمامة قطعية، وأن أكثر تفاصيلها ظنية، وحكى عن الأمير الحسين بن بدر الدين أن المجمع عليه من شروط الإمام أربعة فقط هي: العقل، والذكورة، والبلوغ، والحرية. وما عدى ذلك فهو داخل في دائرة الخلاف وتنوع الاجتهاد.
ثم قال الإمام بعد ذلك: لم يظفر من أدلة الأصحاب القائلين بقطعية الإمامة بما مقدماته يقينية، وقواعده قوية، وأن أشف ما ذكروه في كتبهم من الأدلة، دليلان:
الدليل الأول إجماع الصحابة، وذلك حين بادروا إلى نصب خليفة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أنهم انشغلوا بذلك عن تجهيزه ودفنه. ورده من عدة وجوه:
الوجه الأول: أن ما فعله الصحابة لا يعتبر إجماعاً، فما هو إلا مجرد فعل من بعضهم سكت عنه الآخرون، وهو أمر معتاد لا يلزم فيه إنكار أو تأييد، هذا إلى جانب عدم انحصار الصحابة وعدم العلم بالنقل عن كل منهم. فرد عليه النجري بأن التشكيك في الإجماع يعد تشكيكاً في الأمور التواترية، ولا ينبغي الإصغاء إليه. وأجاب الإمام بأن الأمر ليس كما ذكر واعتبر كلامه دعوى في محل النزاع، وقال: وأين التواتر مما نحن فيه؟ أما البكري فاعترض بأن مجرد استبعاد وقوع الإجماع ليس بحجة، وأن الاستبعاد لا يَرِدُ إلا في غير إجماع الصحابة، والمستدل به هنا إجماع الصحابة. ووضح الإمام بأنه لم يجعل مجرد الاستبعاد حجة، ولكن عدم الانحصار حاصل في الصحابة، وهو موجب الاستبعاد.
الوجه الثاني: إذا سُلم وقوع ذلك الإجماع، فهو مجرد إجماع فعلي سكوتي، والفعل لا يُعْلَم فيه مراد الفاعل، فلا يرقى إلى مرتبة القطع. فأجاب النجري بأن القرائن التي حفت به تؤكد أنهم إنما فعلوا ذلك لوجوبه عليهم. وأضاف البكري: أنه لم يرو عن أحد منهم أنه عارض، وقال لا حاجة لنا إلى إمام.. بل عُلم من حالهم ضرورة أنهم إنما فعلوا ذلك لكونه واجباً عليهم . ورد عليهما الإمام بأن عدم علمنا بالمعارض لا يدل على انتفائه، وما حف به من قرائن لا تفيد إلا الظن، موضحاً أن قرائن الأحوال لا تفيد العلم بالعقائد وإنما تفيد العلم بالمرادات، وأما العقائد فلا يُعَرِّفُ بها إلا التعبير عنها، واستبعد أن يَعلم حالَ الصحابة ضرورة من لا يعرفهم ولا يعلم عددهم ولا أسماؤهم. فأجاب البكري بأن عدم علمنا بالأمور التي لو وقعت لعلمت يدل على انتفائها، وما فعله الصحابة من تجمع لنصب إمام، وتأخيرهم دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ قرينة تدل على أن الإجماع ليس سكوتياً، واستبعد الفرق بين المراد والاعتقاد، مؤكداً على أن العلم بأعدادهم وأعيانهم وأحوالهم لا يعتبر إلا في حق الناقلين عنهم المشاهدين لهم، لا المنقول إليهم. ورجح السيد صارم الدين ما ذهب إليه البكري، فاعتبر الإجماع على وجوب نصب الإمام قطعياُ لتواتره، وجزم بأنه صدر عن جميع الأمة المعتبَرين من المهاجرين والأنصار، وأن قصدهم فيه معلوم بالضرورة!! أما كون ذلك الإجماع فعلياً فيرى أنه لا يقلل من أهميته؛ لأن الإجماع كما يكون بالقول يكون بالفعل.
الوجه الثالث: إن الإجماع من حيث المبدأ لا يصح أن يكون دليلاً قطعياً؛ لأنه لم يثبت كونه دليلاً إلا بالظن، وذلك لأن أبرز أدلة حجيته قول الله تعالى ﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾(النساء/115). وهي لا تتجاوز كونها من الظواهر، والظاهر لا يفيد القطع. ومال البكري إلى صحة ما ذكر الإمام من أن دليل الإجماع ظني.
الدليل الثاني: الإجماع على ترتب إقامة الحدود على وجود الإمام، ورده الإمام بأنه لا إجماع، فلا ترتب. وأيده البكري، ووافقهما السيد صارم الدين، فقال: "لا خفاء في ضعفه ونزوله عن مراتب القطع".
بعد هذا ذكر البكري دليلاً للقائلين بقطعية الإمامة، وزعم أنه أشفها، وهو: أن المعلوم ضرورةً من الدين أن الجهاد فرض واجب على الأمة، وأن وجوبه باق، والمعلوم أن الإمام شرط في القيام به، وإقامة الإمام أمر ممكن للأمة، فثبت بذلك وجوبه. فاعترضه الإمام بأنه إن أراد أن الشارع جعله شرطاً، ففي ذلك اعتراف بعدم وجوب نصبه؛ لأن تحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب، وإن أراد أن الأمر ورد مطلقاً، وأنَّا نقطع بتوقفه على نصب الإمام، فدعوى القطع في هذا الأصل غير مسلَّمة، لأن وجوب الجهاد من الواجبات الشرعية، ولم يقم دليل شرعي قطعي على أن الإمام شرط في غزو الكفار، أمَّا المدافعة فلا يُعلم قائل باشتراط الإمام فيها. وأجاب البكري بأن هذا منع للاستدلال بالعقل في هذه المسألة وهو غير صحيح؛ لأن جميع صفات الإمام قضى بها العقل كما قضى بها النقل. وأما عدم اشتراط الإمام في المدافعة فهو لا يؤثر لعدم الممانعة في حصول المقصود على يد غير الجامع للشروط. وأما السيد صارم الدين فقرر ضعف هذا الدليل، معتبراً اشتراط وجوب الجهاد بوجود الإمام غير صحيح، مشيراً إلى مذهب الجمهور في وجوب الجهاد مع غير الإمام، وذكر أنه إذا سلم اشتراط الإمام، فذلك من مسائل الظن لا مسائل القطع.

المسألة الثالثة: شروط الإمام وصلاحياته

في مطلع العصر العباسي ظهر بين فقهاء المسلمين ما يعرف بـ (فقه السير)، وهو مجال من مجالات الفقه يتناول أحكام الإمامة وما يتعلق بها، وكان من ذلك أن صنفت شروط للمرشح للإمامة، منها ما اتفقوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه.. فعند الزيدية لا يحق لأحد أن يرشح نفسه للإمامة إلا بعد أن تتوفر فيه عدة شروط بعضها أهم من بعض[xxv] ومعظمها وضع بهدف تحقق المراد من الإمامة:
 (1) الإسلام ، فلا يكون الإمام على المسلمين كافراً.
 (2) العقل والبلوغ؛ لأن الصغير والمجنون لا ولاية لهما في أنفسهما ناهيك عن غيرهما.
 (3) الذكورة؛ لأن الأنثى بطبيعة تكوينها يتعذر عليها التصرف في كثير من الأمور.
 (4) الحرية؛ لأن العبد لا يملك حرية نفسه، فكيف يسير شئون غيره.
 (5) حسن التدبير جيد السياسة بحيث يكون أغلب أحواله الإصابة.
 (6) القدرة على القيام بثمرة الإمامة، فلا يكون كسولاً ضعيف الإرادة.
 (7) العدالة في الدين ، فلا يكون فاسقاً منحرفاً.
 (8) الورع؛ ليوثق به الناس في حفظ أموال المسلمين ودمائهم.
 (9) سلامة الحواس والاطراف فلا يكون أعمى أو أصما.
 (10) الشجاعة، بما يمكنه من الثبات في المهمات، وحسن التدبير عند فشل القلوب.
 (11) القوة البدنية، بحيث يتمكن من إمضاء الأمور ومباشرة الخطوب.
 (12) السخاء والكرم، بحيث يضع الحقوق في مواضعها.
 (13) السلامة مما ينفر الناس عن مخالطته، مثل الجذام والبرص.
 (14) الاجتهاد؛ لأن الغرض الذي نصب له الإمام لا يتم إلا بالعلم.
 (15) المنصب، وهو أن يكون من أبناء الحسنين. وهذا ما تميزت به الزيدية عن غيرها، وسأناقشه في آخر هذا البحث إنشاء الله تعالى.
وهذه الشروط كما ترى منها ما تقتضيه طبيعة المنصب، ومنها ما لا يحتاج إليه، ومنها ما يستحب أن يكون، ومنها ما هو طبيعي، ومنها ما هو مكتسب، ومن الطبيعي ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه، فالشروط السبعة الأولى يوافق عليها جمهور أهل السنة، والشرطان الأخيران عند الزيدية فقط، وما عداها للأفضلية عند الجميع، أما الإمامية فشرطهم الأساسي أن يكون الإمام منصوصاً عليه من إمام قبله ويكون معصوماً، والزيدية لا يوافقونهم في شيء من ذلك .
والشروط السابقة ـ بالنظر إلى مدي أهميتها في تحقيق المراد من الإمامة ـ ثلاثة أنواع:
النوع الأول: شروط صلاحية، وهي: الإسلام، والعقل، والتكليف، وحسن السياسة والتدبير، والعدالة، والسلامة من العاهات، والحرية؛ لأن الإمام بغيرها لا يتمكن من القيام بما هو منوط به من أمر الزعامة على الوجه الذي يجب، وهي ثابتة بحكم العقل والشرع.
النوع الثاني: شروط أفضلية، وهي: الورع، والاجتهاد، والشجاعة، والسخاء، والقوة ونحو ذلك؛ فهذه الخصال تساعد بذاتها على أداء مهمة الزعامة على أتم وجه، ولكن الإمامة لا تتوقف عليها، بل يمكن أن تتحقق من دونها، وهي راجحة بالنظر والاجتهاد.
والنوع الثالث: شروط مناسَبَة، كالانتساب إلى عشيرة معينة، فهي لا تؤثر بذاتها في نجاح أو فشل، ولكن أهميتها تأتي حسب الظروف وأحوال وطبائع المجتمعات، وليست شروط صلاحية ولا أفضلية، ويدخل فيها غير النسب، كالسن، والتخَصُّص، والمهارات، والجنس، وما يسمي اليوم بـ(الرصيد النضالي)، وما أشبه ذلك.

صلاحيات الإمام وعلاقته بالأمة

يفترض أن تقوم علاقة الإمام بالأمة على حسن التعامل والأداء، بحيث يكون الإمام كالأب الحنون وتكون الرعية كالأبناء البررة، وفي ذلك قال الإمام أحمد بن عيسى بن زيد: "ليس للإمام أن ينتقص الرعية حقها، ولا للرعية أن تنتقص حق إمامها، فمن حق الرعية على إمامها: إقامة كتاب الله وسنة نبيه فيها، والعدل في أحكامها، والتسوية بينها في قسمها، والأخذ لمظلومها من ظالمها، ولضعيفها من قويها، ولوضيعها من شريفها، ولمحقها من مبطلها، والعناية بأمر صغيرها وكبيرها، ولينفذ لمعاشها في دنياها ومصلحتها في دينها، وعمومها بالحنين عليها والرأفة والرحمة لها، كالأب الرؤوف الرحيم بولده المتعطف عليهم بجهده، الكالي لهم بعينه ونفسه، يجنبهم المراتع الوبية، ويوردهم المناهل الروية العذبة، فإن الله سبحانه حمد ذلك من أخلاق نبيه عليه السلام، فقال جل وعلا: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾(التوبة/128). فإذا فعل ذلك الوالي برعيته كان حقاً على الرعية: كرامته، وتعظيمه، وإجلاله، وتبجيله، وبره، وتفضيله، ومكافأته، ومعاونته، وطاعته، ومؤازرته، والاستقامة ما استقام على كتاب الله وسنة نبيه، فإن خالف ذلك إلى غيره من التسلط بالجبرتة، والتكبر عليهم، فمنعهم حقهم، واستأثر عليهم بفيئهم، فلا طاعة له عليهم في معصية خالقهم، وحرمت عليه إمامتهم وولايتهم، وحرمت عليهم طاعته ومعاونته، وكان حق الله عليهم مجاهدته حتى يفيء إلى أمر الله أو يعتزل ولاية أمره، فإنه لا ولاية لمن لم يحكم بما أنزل الله"[xxvi].
أما عزل الإمام فقد ذكر فقهاء الزيدية أنه يُعزل عند ثلاثة أنواع من الأسباب هي:
* اختلال شروط يزول معها التمكن من القيام بما نصب لأجله، كالجنون، وبطلان بعض حواسه المحتاج إليها كالبصر والسمع، والمرض المقعد، فمتى صار كذلك خرج عن كونه إماماً ولا يحتاج إلى من يخرجه.
* اختلال شروط لا يزول معها التمكن من القيام بمهامه، كالفسق، وهو نوعان: باطن، أو ظاهر، إن كان باطناً لم ينحلّ به عقد الإمامة، لأن الحكم عليه مجرد ظن وتخمين. وإن كان ظاهراً، بطل كونه إماماً.
* التقصير في أداء مهامه، كالملل والانشغال ولو بالعبادة وإصلاح شئونه الخاصة.

المسألة الرابعة: طرق تنصيب الإمام وحكم مخالفيه

اتفق علماء المسلمين على أن الإمام لا يصير إماماً بمجرد صلاحيته للإمامة، بل لابد من أن ينضم إلى ذلك أمر آخر، ثم اختلفوا في ذلك الأمر: فقيل: يكفي بيعة أحد الحاضرين كما في بيعة أبي بكر. وقيل: بالوصية كما في خلافة عمر. وقيل: بالاختيار والعقد من معينين لذلك كما في خلافة عثمان. وقيل: بالبيعة العامة كما في بيعة علي. وقيل: بالغلبة كما في حكم الأمويين والعباسيين. وقيل: بالدعوة كما عند الزيدية. وقيل: حسب الإرث كما يروى عن أنصار العباسيين. وقيل: بظهور المعجزة على يديه. وقيل: بالجزاء على الأعمال.
هذا مجمل ما ذكر في المسألة من الأقوال وهي كما ترى تحاكي وقائع فرضت في أوقات معينة، ثم طلب لها الترجيحات الشرعية وصارت بعد ذلك مذاهباً فقهية. وهذا مما يؤكد على أن تفاصيل نظام الخلافة متروكة لما يتناسب مع مصالح الأمة ويساعد على استقرارها، إذ ذلك المقصد الأعلى للزعامة، وإلا فكيف جاز للصحابة إقرار خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وقد جاءت كل منها بصيغة مختلفة عن أخرى.
ولأصحابنا الزيدية في مسألة نصب الإمام تفصيل، فهم يعتبرون الإمامة في علي والحسنين بالنص على تفصيل في ذلك. أما إمامة غيرهم فتتم بطريقين:
(1): الدعوة، وذلك بأن يدعو من اكتملت فيه الشروط إلى نفسه، ويقدم للأمة برنامجاً (الدعوة العامة) يوضح فيه طبيعة دعوته ومقاصدها، شريطة أن لا يكون ذلك في ظل وجود إمام شرعي سابق.
(2) الاختيار، وذلك بأن يرشح أهل الحل والعقد من يرونه صالحاً لهذا المنصب ويبايعوه إن وافق على ذلك[xxvii].
والجدير بالتنبيه هنا أن طبيعة المذهب الزيدي القائمة على التجديد والاجتهاد لا تمانع من ابتكار أسالب جديدة ما دامت تهدف إلى تحقيق مصلحة الأمة واستقرارها.
والعبرة عند الزيدية بصلاحية الإمام للقيام بما أوكل إليه بغض النظر عن عدد المبايعين له، يقول الإمام القاسم بن إبراهيم (246هـ): "اعلم أن الإمامة إنما تثبت لمن ثبتت له بالله وحده وبما جعلها تجب به من كمال الكامل، المطيق لها بالعلم غير الجاهل، فمن كان في العلم كاملاً، ولم يكن بما يحتاج إليه في الدين جاهلاً، فعلى المسلمين العقد له والرضى به، ولو لم يكن العاقد له إلا واحداً كان عقده عقداً، إلا أن العقد إنما يجب له بنفسه وكماله، وبما وصفنا من حاله، فإذا تمت حاله، ورضيت أفعاله، فعلى كل واحد التسليم له والرضى به"[xxviii].
وعن الإمام أحمد بن عيسى بن زيد (ى247هـ) أنه قال: "ليس للأمة أن يؤثروا رجلاً يولوه فيجعلوه إماماً قبل أن ينظروا في الكتاب والسنة، فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفعله ولَّوه عليهم لفضله عليهم في الكتاب والسنة، فإن لم يجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفعله كانت لهم الشورى من بعد ذلك فيما وافق الكتاب والسنة"[xxix].
وعن الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (260هـ) أنه قال: لو أن رجلاً مستوراً عالماً بالكتاب والسنة، عالماً بظاهر الأحكام التي يحتاج الناس إليها من الفرائض والطلاق والإيلاء وغير ذلك من الحدود صلح هذا الأمر له [xxx].
وإذا تزامنت دعوة إمامين في قُطر رجح الأكمل، فإن تساويا فالأسبق، فإن لم يُعلم دُعيا للمناظرة بحضرة كبار العلماء وأهل السياسة والتجربة، فمن رجحت كفته وتفوق على منافسه نصبوه إماماً. وهذه طريقة راقية لتجاوز النزاع والوصول إلى الأصلح للأمة.

حكم مخالف الإمام

يذكر فقهاء الزيدية أن من حق المعنيين ببيعة الإمام أن يتأكدوا من صلاحيته حتى لو كلف الأمر أن يمتحنوه بأسئلة أو مواقف ذات علاقة؛ لمعرفة مدى استيفائه الشروط المعتبرة. وإذا لم يقتنع أحد فلا يجبر على البيعة ولا تلزمه الطاعة، غير أنه يُمنع من الإفساد على الإمام بالتحريض على العصيان والتمرد، وليس له أن يطالب الإمام بقبول رأيه ومشورته، لأنه اختار المفارقة.. هذا على مستوى النظرية، أما التطبيق فقد اختلفت مواقف علماء الزيدية تجاه منكر إمامة الإمام، فمنهم من شدد الحكم عليه فجزم بفسقه، واعتزل الصلاة خلفه، ومنهم من تسامح في ذلك وأوكله إلى اجتهاده، وقد عكس صورة ذلك الخلاف طرف من الحوار الذي دار بين الإمام عز الدين بن الحسن وعلماء عصره ـ وأشرنا إليه سابقاً ـ وخلاصته أن الإمام عز الدين شنع على المفسقين لنافي الإمامة، واستنكر ما ظهر في زمانه من تجاوز في ذلك فقال: " والعجب مما ظهر في زماننا من تجاسر غير العارفين - من المثبتين للإمامة - على تفسيق النافي لها أو المتوقف، ولعنه واعتزال الصلاة خلفه، مع أن التفسيق لا يصح الأخذ فيه والإثبات له إلا بالبرهان القاطع، الذي لا مانع له ولا مدافع، من كتاب صريح، أو خبر متواتر صحيح، أو إجماع قطعي". وذكر أن الظاهر عن أكثر أئمتنا وعلمائنا القول بعدم التفسيق، وأنه لو سلم قطعية المسألة، فإنه لا يجوز التكفير والتفسيق فيها؛ لأنه لا يثبت كون المعصية كبيرة إلا بدليل.
ورد عليه العلامة عبد الله النجري فأكد فسق النافي قياسا على تفسيق المحارب للإمام بيده ولسانه. فأجاب عنه الإمام بأن ذلك قياس مختل؛ لوجود الفارق بين الأصل والفرع.
أما العلامة علي بن محمد البكري فمال إلى حجة الإمام في عدم التفسيق ورجحه. وكذلك السيد صارم الدين الوزير أيد كلام الإمام، وحكم بأن سكوت العلماء عن النكير عند سماع التكفير أو التفسيق حرام.

المسألة الخامسة: حصر الإمامة في أبناء الحسنين

من الملاحظ أن ما يذكره أصحابنا الزيدية من شروط للإمام هي إما متفق عليه، أو محتاج إليه للقيام بمسئولية الزعامة؛ عدا ما أظهرته الجارودية منهم من القول بحصر الإمامة في أبناء الحسنين، فليس لاشتراطه مبرر في كل الأحوال حتى يكون شرط صلاحية، أو حتى شرط أفضلية، ولكنه لا يتجاوز كونه مناسباً في بعض الأحوال. ومع ذلك فإن له حضوراً مميزاً في نظرية الإمامة عند الزيدية، بل يكاد يكون الْمَعْلم الأبرز فيها والمميز الوحيد لها، وهذا يلزمني ببحثة بحثاً مفصلاً للوقوف على حقيقة الأمر، فأسأل الله التوفيق والسداد.

أولاً: نشأة الفكرة وتطورها

كان القول بأحقية قريش بالخلافة هو السائد أيام الخلافة الراشدة، وظل كذلك في صدر الدولة الأموية، وعندما شعر الأمويون بمنافسة جادة من زعامات قرشية خصوصاً من العلويين والعباسيين، تسللت فتاوى تقضي بأن الخلافة حق خاص ببني أمية[xxxi]، مما تسبب في انتقال حمى دعوى الاختصاص إلى داخل البيت القرشي، فتسابقت بطون قريش في دعوى الأحقية بالخلافة، فقيل: هي خاصة ببني عبد المطلب، وقيل: بل بأبناء عمر بن الخطاب، وقيل غير ذلك[xxxii]، ولكن تلك المقولات لم تكن قادرة على مواجهة ثقافة السلطة، فلم تدم طويلاً.
وكان الإمام زيد بن علي رضي الله عنه، ممن عاش في الشطر الأخير من العصر الأموي، وشهد فكرة احتكار السلطة تنمو وتتطور، حتى أن أبناء عبد الملك بن مروان حرموا أخاهم "مسلمة بن عبد الملك" الخلافة؛ لأن أمه رومية وليست عربية.
وفي لقاء بين الإمام زيد وهشام بن عبد الملك دار بينهما حوار ساخن تناول مسألة الأنساب وعلاقتها بالخلافة، وسبب ذلك أن هشاماً علم بما صار لزيد من مكانة عند الخاصة ومهابة في قلوب العامة، فأقلقه ذلك واستدعاه ليوبخه ويقلل من شأنه ويفاخر عليه بالعشيرة والعرق، ويعيره بأمه التي كانت أمة سندية، وعندما دخل عليه قال له هشام: أنت زيد المؤمل للخلافة؟ ما أنت والخلافة وأنت ابن أمة؟!! فأجابه الإمام زيد: يا هشام، إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن حسم الغايات، ولا أعرف أحداً أحب عند اللّه من نبي بعثه وهو ابن أمَة، وهو إسماعيل بن إبراهيم، والنبوة أعظم عند اللّه من الخلافة، ثم لم يمنع ذلك أن جعله اللّه تعالى أباً للعرب، وأباً لخير النبيين محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، فلو كانت الأمهات تقصر عن حتم الغايات لم يبعثه اللّه نبياً[xxxiii].
وهذا يعني أن الإمام زيداً لم يكن يرى للأنساب تأثيراً على كفاءة الإنسان وصلاحيته لحمل أكبر مسئولية، ولا مانعاً للحصول على أعظم فضيلة وإن كانت النبوة. ولكنه كان يرى ـ مع طغيان نظرية قرشية الخلافة ثم أمويتها ـ أن مَن توفرت فيه الشروط المعتبرة من أبناء الحسنين وكان على جانب كبير من الفضل والكفاءة فإنه (أولى) بالإمامة من غيره، نظراً للاعتبارات السائدة في عصره, وفي ذلك يقول: "إن قالوا: فَمَنْ أولى الناس بعد الحسين؟ فقولوا: آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم أولادُهما أفضلهم أعلمهم بالدِّين، الدَّاعي إلى كتاب اللّه، الشَّاهر سيفه في سبيل اللّه" [xxxiv]. وهذا لا يعدو كون الإمام زيد يرى أن النسب اعتبار مناسب لا شرط صلاحية. وهو ما فهمه كثير من العلماء والباحثين عنه، حتى قال العلامة الشماحي: " كان الإمام زيد أبعد نظراً من الهادي، فقد أبى أن يأخذ بنظرية حصر الخلافة على أبناء جدته فاطمة الزهراء ثم يربط بهذه الإمامة مذهبه، ويبني عليه دعوته ودولته" [xxxv].
 وبعد مقتل الإمام زيد مطلع سنة (122 هـ) طغت النظرية الأموية في الخلافة وصار بعض الناس لا يتصور خلافة لغير أموي، عند ذلك التف العباسيون والعلويون وسائر بني هاشم تحت لواء واحد لمواجهة النفوذ الأموي، ونادوا بأحقية أهل البيت بالخلافة، دون أن يسموا أحداً بعينه أو يفرقوا بين علوي وعباسي، وذلك ما كان يعرف بالدعوة للرضا من آل محمد، وعلى هذا الأساس بايع أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي المعروف "بالنفس الزكية"[xxxvi]، ولكنهم نكثوا البيعة فور سقوط الدولة الأموية وقفزوا إلى الخلافة وتغلبوا عليها، ثم تنكروا لشركائهم من أبناء علي، وأوسعوهم قتلاً وتشريداً حتى قال قائلهم:
يا ليت ظلم بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النّار
ولم يكتف العباسيون بإقصاء أبناء علي ، بل أشاعوا عدم جواز الخلافة فيهم ن رأساً، إما من خلال الترويج لما يحكى عن الكيسانية من أن الخلافة محصورة في أبناء محمد بن الحنفية وقد أوصوا بها لبني العباس، وإما بإفساح المجال أمام النظريات التي تحصر الإمامة في عدد مخصوص من أبناء علي بأسمائم، وإما من خلال ما أطلقوا من نظرية تقضي بحصر الخلافة فيهم[xxxvii]. باعتبارهم الأحق بإرث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.ولكن العلويين كانوا أقدر من العباسيين على إقناع الناس بأولويتهم بالخلافة ، بحكم قرابتهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي يحترمها الجميع، وبمساعدة ما سجل الجميع في حقهم من أحاديث الفضائل. ولكننا مع ذلك لم نجد في دعوات أئمة الزيدية وخطبهم ما يدل على تجاوزهم دعوى الأولوية إلى القول بعدم جواز الإمامة، فيمن اكتملت فيه الشروط من غيرهم، رغم توفر الدواعي لذلك، فالسياسة العباسية فعلت ما بوسعها لتثبيت حقها في الخلافة وإسقاط شرعية المعارضة الزيدية على وجه الخصوص.
ثم إن الزيدية بعد ذلك اختلفوا فيما ورد من ذكر الأولوية في بعض كلام الأئمة، فالتيار الجارودي ـ تمشياً مع أصل فكرته في إلهية الإمامة ـ رأى أن الانتساب إلى الحسنين شرط لصلاحية الإمام، فلايصح عندهم إمام مهما بلغ من الكفاءة والصلاح إن لم يكن كذلك.
وغير الجارودية من الزيدية يرون أن الإمامة جائزة في كل الناس ولا شرط لها غير ما يتوقف عليه القيام بمسئوليتها، قال الإمام عز الدين في (المعراج)[xxxviii]: حكى ابن الملاحمي والفقيه حميد عن الصالحية من الزيدية أن الإمامة تجوز جميع الناس القرشي منهم وغير القرشي. وحكاه البغدادي (في الفرق بين الفرق)[xxxix] والإيجي في (المواقف)[xl] عن السليمانية من الزيدية.

ثانياً: بروز نظرية الحصر وتبعاتها

في أواخر القرن الثالث الهجري ظهر الإمام الهادي (245 ـ 298 هـ) وكان أبرز الأئمة بعد الإمام زيد، فعلى مستوى الفكر كان صاحب رؤية ونظر، انطلق من الفكر الزيدي واستقر بسلسلة من الاجتهادات والرؤى، اعتبرها البعض رؤية جديدة، فأطلقوا عليها (المذهب الهادوي) نسبة إلى صاحبها، ورأى آخرون أنها تجديد في المذهب الزيدي فأصروا على نسبتها إليه. وعلى الأرض تمكن الإمام الهادي من تأسيس دولة ذات خلفية فكرية معينة، تبنَّت النظرية الجارودية في الإمامة إلى حد ما، لا تقليداً لأبي الجارود ولكن توافقاً معه في الأصول العامة. وعند ذلك برزت معالم القول بحصر الإمامة، فكان الإمام الهادي أول من صرح من أئمة الزيدية بذلك، فذكر في كتاب (الأحكام)[xli]: "إنه يجب على المكلف أن يعتقد أن الإمامة في ذرية الحسن والحسين دون غيرهم، وأن الإمام من بعدهما ـ من ذريتهما ـ من سار بسيرتهما، وكان مثلهما، واحتذا بحذوهما"، ولكنه رغم ذلك لم يذكر المسألة في دعوته التي وجهها إلى الناس، وتجنب ذكرها في بعض كتبه التي أجمل فيها أصول الدين، مثل كتاب (البالغ المدرك) وكتاب (الجملة) الذي قال في آخره: "نرجو أن تكون هذه الجملة تدل على الصواب كله"[xlii]. واعتقادي الشخصي أن الإمام الهادي حُمِّل الفكرة على نحو مفرط، وأن رأيه في المسألة يحتاج إلى دراسة ونظر.
ولأن معظم الذين تمكنوا من الوصول إلى الزعامة بعد الهادي والحكم من الزيدية كانوا جارودية في فكر الإمامة؛ فقد فرضوا ثقافتهم على المجتمعات التي سيطروا عليها كما هو حال أي سلطة تنشأ على أساس فكري معين، واختزلوا الفكر الزيدي في التيار الجارودي، فاعتبروا الزيدي من كان جارودياً فقط، حتى قال الإمام عبد الله بن حمزة: " الزيدية على الحقيقة هم الجارودية، ولا نعلم في الأئمة عليهم السلام من بعد زيد بن علي عليه السلام من ليس بجارودي، وأتباعهم كذلك"[xliii]. وصاروا يتكلمون باسم أهل البيت عموماً، فيقولون: أجمعت العترة على كذا.. وذهبت العترة إلى كذا.. متجاهلين فرقاءهم في هذه المسألة خاصة، حتى طبعت الزيدية في هذه المسألة بالطابع الجارودي، فقال ابن أبي الحديد: "قال معظم الزيدية إنها في الفاطميين خاصة من الطالبيين لا تصلح في غير البطنين"[xliv].
وقال الإمام أحمد بن سليمان (توفي 566 هـ) : " أجمع ذووا قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن الإمامة خاصة في الحسن والحسن وأولادهما"[xlv].
وقال الأمير الحسين بن بدر الدين (توفي 662هـ): "فإن قيل: لمن الإمامة بعد الحسن والحسين؟ فقل: هي محصورة في البطنين ومحظورة على من عدا أولاد السبطين"[xlvi].
وأطال الإمام عبد الله بن حمزة المتوفى (614هـ): شرح ذلك والاستدلال عليه في كتابه (شرح الرسالة الناصحة) [xlvii].
وهكذا سادت نظرية الحصر وفرضت كجزء من العقيدة عند الهادوية، ولم يكن متاحاً لأحد من الزيدية إظهار غير ما هو سائد في ظل حكم نشأ على ذلك الأساس، وهذا أمر معتاد عند سائر أنظمة الحكم، فالنظام الجمهوري ـ مثلاً ـ لا يعترف بأي حزب لا يلتزم النظام الجمهوري ويحترمه، بل قد يتهمه ويعاقبه.
ورغم تمكن الأئمة من الحكم في اليمن فترة طويلة وإدخال نظريتهم هذه ضمن مقررات أصول الدين، فإنها لم تتحول إلى قناعة راسخة عند غير المعنيين بها من الزيدية، ولم تلق قبولاً عند الفرق الإسلامية الأخرى، بل كانت ولا تزال بؤرة كثير من التشاجر والخصام، ومدعاة لأنواع الاضطراب والمعاناة. يقول العلامة الأديب أحمد بن محمد الشامي: "لقد استوعب الإمام الهادي نظرية الإمامة وقعد على كرسي الإمامة بانتخاب وجدارة، وطبق النظرية تطبيقاً محكماً، ولكنه ما إن لحق بالرفيق الأعلى وقام ابنه المرتضى حتى أدرك عجزه عن تطبيق النظرية لفساد الناس، ولم يرض أن يكون كالمصباح يحرق نفسه ليضيء لغيره فاستقال وانعزل، وحاول أخوه الناصر أحمد تطبيقها بعزمه ومصابرته، وما إن توفى حتى اختلف أولاده أحفاد الهادي وعارضوا الخيِّر منهم، وكان ما كان حتى قال المؤرخ يحيى بن الحسين في أنباء الزمن: (إن خراب صعدة القديمة كان على أيدي أحفاد الهادي) ولما نهض الإمام القاسم العياني (سنة 388هـ /988م) يريد مخلصاً أن يطبق النظرية السليمة كان بينه وبين (الورثة) أحفاد الهادي ما حال بينه وبين إرادته، ولما مات وقام بعده ابنه المهدي الحسين تصارع الأمراء (الفاطميون) فيما بينهم حتى التهم الجميع الملك (الصليحي). وحين قام الإمام أحمد بن سليمان (سنة 532هـ / 1137م) ورأى من واجبه إحياء (النظرية) وتطبيقها قاسى من (الأشراف) الأقارب أكثر مما قاسى من الخصوم الأباعد. ولما تسلم الإمامة بتكليف من أهل عصره (سنة 583هـ/ 1187م) عبدالله بن حمزة وهو من هو علماً وكفاءةً، لم يتمكن من تطبيق النظرية، ومع ما عاناه من صراع مع الأيوبيين وآل حاتم، فقد كان ما قاساه من (ابن الإمام) أحمد بن سليمان أحدّ وأنكى، وحاول يحيى بن المحسن بعد عبدالله بن حمزة أن ينهض لتطبيق النظرية لكن (الأمراء) وورثة النظرية من أولاد عبدالله بن حمزة تشبثوا بإرثهم بأكدى، ولما قام الإمام أحمد بن الحسين بأمر (الإمامة الهادوية) عارضه الأمراء الحمزيون وخذلوه وناصروا الملك المظفر حتى خرَّ الإمام صريعاً على يد الأمير أحمد بن عبدالله بن حمزة (سنة 656هـ / 1259م)"[xlviii].
وفي استعراض موجز لصور من الصراع بين الأئمة يقول السيد صارم الدين الوزير: " ثم المختار بن الناصر وعمه الحسن بن الهادي، تعارضا، وخُربت بينهما (صعدة) القديمة خراباً مستمراً إلى الآن. ثم يوسف الداعي، والقاسم بن علي عليهما السلام، تعارضا، وجرى بينهما ما هو مذكور في سيرة الإمام القاسم. ثم الحسين بن القاسم بن علي، ومحمد الحسين بن القاسم الزيدي، جد السيد العلامة صلاح الدين عبد الله بن يحيى بن المهدي رحمهما الله تعالى، وكان بينهما ملحمة كبرى بقاع (صنعاء)، قتل فيها ابن الزيدي وخلق كثير معه. ثم الأمير عماد الدين يحيى بن أحمد بن سليمان، عارض الإمام المنصور، على سبيل الاحتساب، ثم عارضه بعده الأمير الكبير محمد بن منصور بن المفضل، وتكنى بالمهدي، وهو المعروف بالمشرقي، وكان من علماء العترة، وللإِمام الناصر محمد بن علي عليهم السلام فيه كلام جميل، وثناء عريض طويل. ثم الإمام الداعي يحيى بن المحسِّن، عارضه الأمير محمد بن المنصور محتسباً، وجنح إليه شيعة الظاهر برمتهم، ولقد حكى الداعي في بعض رسائله في معرض التَّجَرم من الفقيه الشهيد حميد المحلي رحمه الله تعالى، أنه كان إذا سئل عنه، قال: ليس فيه من شروط الإمامة إلا الذكورة، بعد أن كان يقول: لا أعلم في العترة من يصلح لهذا الأمر إلا الداعي. ثم الإمام المهدي أحمد بن الحسين عليه السلام، عارضه الحسن بن وهاس، وكان من عيون علماء العترة، وتابعه خلق كثير من العلماء. ثم إن الإمام المنصور بالله الحسن بن محمد، عارض الحسن بن وهاس، وقال به جمهور الناس، كصنوه الأمير الحسين، وعبد الله بن زيد، ومحمد بن معرف. ثم الإمام إبراهيم بن أحمد، والإمام المطهر بن يحيى، وولده الإمام محمد بن المطهر عليهم السلام، وهؤلاء الثلاثة لم يسمع لهم بداع معارض، إلا أن شيعة الظاهر لم يحفلوا بدعوتهم رأساً، ولا رأوهم لها ناساً، ولا رفعوا إليها رأساً، وكان يصدر منهم من التهجين والاستحقار ما لا يحسن ذكره، ولا ينبغي صدوره من عاقل. ثم الإمام يحيى بن حمزة، عارضه الإمام علي بن صلاح بن إبراهيم بن أحمد، وكانت دعوته سابقة على دعوة الإمام يحيى، وكان السيد عماد الدين يحيى بن الحسين، والفقيه يحيى بن حسن البحيبح ممن يقول به، وكذلك الإمام أحمد بن أبي الفتح، عارض الإمام يحيى بن حمزة، وكان بعد وفاة الإمام علي بن صلاح، ويقال: إن ابن أبي الفتح كان أفقه أهل زمانه. ثم الإمام المهدي علي بن محمد، عارض ابن أبي الفتح. ثم الإمام الناصر محمد بن علي، عارضه السيد محمد بن علي بن وهاس"[xlix].
كان ذلك على مستوى الصراع المسلح والتنافس على الحكم، إما الصراع الفكري فطويل ومرير، ولكي لا أطيل في شرح ذلك سأكتفي بذكر لمحة مما جرى مع نشوان بن سعيد الحميري (المتوفى 573 هـ)، كصورة من صور ذلك الصراع، فقد كان نشوان من أبرز علماء الزيدية الذين صرحوا برأيهم في عدم الحصر من الزيدية بعد عصر الهادي، فمن أقواله في ذلك: "من كان أتقى الناس وأكرمهم عند الله ، وأعلمهم بالله ، وأعلمهم بطاعته كان أولاهم بالإمامة ، والقيام في خلقه، كائنا من كان منهم عربياً أو عجمياً "[l]. واعتبر ذلك أقرب الوجوه إلى العدل وأبعدها من المحاباة[li]. وذكر في (شمس العلوم) [lii] أنه استوفى شرح رأيه في كتابه (صحيح الاعتقاد وصريح الانتقاد). وحكى عنه صاحب (المستطاب)[liii] أنه قال:
أيها السائل عني إنني * مظهر من مذهبي ما أبطن
مذهبي التوحد والعدل الذي * هو في الأرض الطريق البين
إلى أن قال:
إن أولى الناس بالأمر الذي * هو أتقى الناس والمؤتمن
كائنا من كان لا يجهل ما  *  ورد الفضل به والسنن
وهذا مما أورثه انتقادات حادة، وتسبب في ردود أفعال مفرطة، أدت إلى مصادرته من الزيدية، وحكم بعض الجارودية عليه وعلى من قال بقوله بتيتيم الأولاد والقتل، وفي ذلك قال الإمام عبد الله بن حمزة المتوفى (614هـ): [liv]:
ما قولكم في مؤمن قوَّام
حَبْر بكل غامض علام
لم يبق فن من فنون العلم
وهو إلى الدين الحنيف ينتمي
وما له أصل إلى آل الحسن
بل هو من أرفع بيت في اليمن
ثم انبرى يدعو إلى الإمامة
ثمت أجرى بالقضاء أقلامه
وقطع السارقَا والمحاربا
وقاد نحو ضده المقانبا
ما حكمه عند ثقات الفضل
ولم يكن من معشري وأهلي
أما الذي عند جدودي فيه
ويؤتمون جهرة بنيه
يا قوم ليس الدر قدراً كالبعر
كلا ولا الجوهر مثلٌ للمدر
حمداً لمن أيدنا بعصمته
وصير الأمر لنا برمته
صرنا بحكم الواحد المنان
ومن عصانا كان في النيران
العلم في آل النبي من صغر
وغـيرهـم ليس بمغنيه الكبر

موحِّد مجتهد صوام
وذكره قد شاع في الأنام
إلا وقد أضحى له ذا فهم
محكم الرأي صحيح الجسم
ولا إلى آل الحسين المؤتمن
قد استوى السر لديه والعلن
لنفسه المؤمنة القوامة
ونفَّذت أسيافه أحكامه
وسل للعاصين سيفاً قاضبا
وبث في أرض العدا الكتائبا
لما تناءى أصله من أصلي
أهل الكسا موضع علم الرسل
فينزعون لسنه من فيه
إذ صار حق الغير يدعيه
ولا النضار الأبرزي كالحجر
فحاذروا في قولكم مس سقر
واختصنا بفضله ورحمته
من كل من أظهر من بريته
نملك أعناق ذوي الإيمان
بين يدي فرعون أو هامان
نص عليه جدهم خير البشر
لو شاب شعر رأسه أو انتثر

وأيد هذا الحكم السيد الهادي بن إبراهيم الوزير فقال: "هذه رواية المنصور بالله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، ولا أصدق منه راوياً، ولا أفضل منه هادياً، رضينا بحكمه وروايته، واكتفينا بهديه وهدايته" وقال في قصيدته المعروفة بنهاية التنويه:
وهم صدقوا نشوان في هذيانه
وساداتنا نصت بقطع لسانه

 
ونشوان رغم هذا لم يتزحزح عن عقيدته في العدل والتوحيد والولاء لأهل البيت، وما فتئ يعتز بانتمائه إلى مذهب الإمام زيد، وفي ذلك يقول:
ولكن تمسكه بالعدل والتوحيد والولاء لأهل البيت لم يشفع له ولم يخفف الحكم عليه، ما دام متمسكا برأيه في الإمامة، فبعض الجارودية لا يرى قيمة لأي اتفاق بدون موافقة في الإمامة، وفي ذلك يقول السيد حميدان[lv] عن المعتزلة: " وافقناهم في الأصول ولم يوافقونا في الإمامة، فعلام الاتفاق؟!"[lvi].

ثالثاً: اختلاف الزيدية في مسألة الحصر

قدمنا أن القول بالحصر لم يشتهر عن الأئمة المتقدمين قبل الهادي، ولكنه بعد ذلك صار القول السائد في أوساط الزيدية، حيث كان يقدم كواحدة من المسلمات الدينية التي يصعب التفكير في مخالفتها، ومع ذلك لم يكن القول الوحيد المتداول في أوساط الزيدية بعد عصر الهادي رغم صعوبة إظهار غيره، فقد ظهرت آراء مغايرة، ولكنها كانت خافتة بطبيعة الحال، منها:
* أن بعضهم وسع دائرة الأولوية لتشمل غير أبناء الحسنين، فقد ذكر الشيخ علي بن الحسين الزيدي وهو من كبار علماء الزيدية في القرن الخامس[lvii]، وابن أبي الحديد[lviii] أن جماعة من الزيدية جوزوا الإمامة في جميع أولاد علي، الفاطمي منهم وغير الفاطمي. وهذا مروي عن بعض أكابر أهل البيت، قال محمد بن منصور المرادي (توفي حوالي 290 هـ)، سألت أحمد بن عيسى (ت247هـ) عن الإمامة: هل تجوز في رجل من ولد علي غير ولد فاطمة، من ولد محمد بن علي وعمر بن علي والعباس بن علي، أو من ولد جعفر بن أبي طالب أو العباس بن عبد المطلب؟ فقال: نعم إذا كانوا يدعون إلى الرضا. ثم قال: وأنا أرخص. ثم قال بعد ذلك: الذي يقوم هو الرضا[lix].
* وجوزها بعضهم: في من كانت أمه فاطمية، فقال الإمام أحمد بن سليمان (ت566 هـ): من كانت أمه فاطمية صلح للإمامة ولو كان أبوه غير فاطمي [lx]. وحكى الإمام يحيى بن حمزة (ت749 هـ) هذا القول عن قوم من زيدية خراسان [lxi].
* في الدعي حين ذكر أنها تصح في ابن الأمة التي وطئها فاطمي وغير فاطمي ثم تنازعاه، قال الإمام عز الدين بن الحسن: "ذكر القاضي زيد بن محمد ـ وهو من كبار علماء الزيدية في القرن الخامس ـ في (تعليق الشرح) صحة إمامة الولد المدعى بين فاطمي وغيره حيث وطئا أمة مشتركة بينهما جهلاً وادعيا ولدها؛ لأنه ابن لكل واحد منهما وكل واحد فيهما أب كامل له" [lxii]!!
* وفي اتجاه آخر ضيق بعضهم المسألة ، فقال : هي محصورة في أولاد الحسن بن علي خاصة[lxiii]. وقال آخرون: بل محصورة في أولاد أحمد بن عيسى بن زيد خاصة[lxiv]. وظهرت مزايدات بين الأئمة من أبناء الهادي والأئمة من سائر الفاطميين، فادعى بعضهم أن أبناء الهادي أحق بها من غيرهم، ولكن ذلك لم يظهر ـ فيما أعلم ـ على أنه دعوى شرعية وإنما أتى في إطار التنافس وطلب المزيد من المميزات، لا أن الإمامة صارت محصورة في أبناء الهادي دون سواهم.
* وعلى عكس ما تقدم كان لبعض العلماء من ذوي الأفق الواسع رأياً مغايراً، فقد جاء عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (تي840 هـ) أنه قال: "إن قيام الدليل الشرعي على وجوب الإمامة كما يدل عليه فهو يدل على جواز نصب كل من صلح للقيام بالمقصود منها ويحصل به العلم بذلك قرشياً كان أو غيره هاشمياً كان أو غير هاشمي" [lxv] .
وجاء عن الإمام عز الدين بن الحسن (تى 900هـ)، في (المعراج)[lxvi]:" أن لأصل بعد وجوب ثبوت الإمامة ولزوم نصب الإمام جوازها فيمن صلح لذلك، وحصل بقيامه وانتصابه الغرض المقصود منها، فإذا كان المقصود من الإمامة حفظ بيضة الإسلام، وحماية صرحه أن يضام، وسد الثغور، ونظم أمور الجمهور، وإقامة الجمع والحدود، ونصب الحكام، وقبض أموال اللّه وصرفها في مصرفها، وأداء فريضة الجهاد، وإجراء جميع ما ذكر على القوانين الشرعية، والقواعد النبوية المرضية، فمن المعلوم أن ذلك لا يتوقف على منصب مخصوص، ولا يتعذر فيمن صلح له من غير أهل البيت، فيعلم جواز نصب من صلح لذلك منهم ومن غيرهم ويكون ذلك هو الأصل المرجوع إليه، إلا لدليل ينقل عنه".
واختار القول بعدم الحصر العلامة المقبلي (ت1108هـ ) كما في كتابه الأبحاث المسددة [lxvii].
وكذلك السيد الحسن بن أحمد الجلال (ت1084هـ) كما في رواية يحيى بن الحسين[lxviii]، وابن الوزير[lxix] عنه.

رابعاً: المعاصرون من الزيدية ومسألة الحصر

في عصرنا الحاضر برزت معالم التغير في هذه المسألة وذلك ما يمكن قراءته من خلال أدبيات أبرز حزبين سياسيين يمثلان في خلفيتهما التيار الفكري الزيدي وهما: (حزب الحق)، وحزب: (اتحاد القوى الشعبية)، حيث نص كل منها في أهدافه السياسية على ضرورة الحفاظ على النظام الجمهوري نوعاً للحكم المبني على الشورى وحرية الآراء في إطار الإسلام. وفي نفس الاتجاه أصدر مجموعة من علماء الزيدية المعاصرين بياناً في الرابع والعشرين من ربيع الثاني/ 1411 هـ الموافق 12/11/1990م نص على أن الولاية العامة حق لكل مسلم كفء تختاره الأمة، ووقع عنهم بعنوان (بيان شرعي لعلماء اليمن) وقع عنهم: العلامة محمد بن محمد المنصور، والعلامة حمود بن عباس المؤيد نائب مفتي الجمهورية يومها، والعلامة أحمد بن محمد بن علي الشامي أمين عام حزب الحق، والعلامة قاسم بن محمد الكبسي الأمين العام المساعد لحزب الحق، وقد نشرته آنذاك عدد من الصحف اليمنية ومن بينها صحيفة (الأمة) الناطقة باسم حزب الحق، في العدد (26) والصادر بتاريخ يوم الخميس 19 ربيع الثاني/ 1413 هـ الموافق 15/10/1992م.
وفي حوار مع المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير ـ أمين عام (إتحاد القوى الشعبية) ـ يقول: إن مسألة الحصر مسألة اجتهادية تماماً ووضع الزيود في هذه الحالة كوضع غيرهم من المذاهب الأخرى بالنسبة لآرائهم في مسألة شرطهم في ضرورة أن يكون الإمام من قريش تطبيقاً للحديث النبوي، والمسألة برمتها لدى هؤلاء وهؤلاء مسألة اجتهادية كما أسلفنا، قد تناسب عصراً معيناً وقد لا تناسب عصراً آخر وقد يكون لأولئك الأئمة حجتهم في ذلك العصر، ولا يكون لنا حجة في هذا العصر"[lxx]
وفي حوار مع العلامة أحمد الشامي ـ أمين عام حزب الحق ـ أجرته معه مجلة (البلاد) اللبنانية في عددها السادس والخمسين الصادر في جمادى الأولى 1412هـ الموافق تشرين ثاني 1991هـ يقول: "قد أصدرنا بياناً وأوضحنا فيه أن الإمامة صيغة تاريخية مضى وقتها وانقضى، وما بقي لها مكان في هذه البلاد، واعتبرنا أن قائد الأمة هو أجيرها وليس إمامها ـ إن خير من استأجرت القوي الأمين ـ فإذا صلحت أمور الأمة وسلمت شؤونها فعلى أي يد كانت، لا نشترط فيها عنصراً ولا نسباً ولا شيئاً من ذلك المهم سلامة شئون الأمة" [lxxi].
ويرى العلامة الأديب أحمد بن محمد الشامي أحد رجال الفكر والسياسة من الزيدية: أن الأصلح والأولى لبني هاشم هو الابتعاد نهائياً عن الولاية العامة، وقال: " ولعل من واجبي لا كمؤرخ بل كناصح يتحرى الصواب أن أفصح عن وجهة نظر أقتنعت بها منذ أمد بعيد، وأشرت إليها مراراً في بعض كتبي وأشعاري، وفحواها أنه لا خير لمن حرمت عليهم الزكاة من آل البيت في (الولاية العامة)، بل الاستئثار بها واحتكارها". مؤكداً أنه توصل إلى هذه القناعة بعد دراسة لأسباب ومسببات المآسي والكوارث التي حلت بهم وباليمنيين خلال أحد عشر قرناً[lxxii].
وهذا يوضح أن كثيراً من الزيدية المعاصرين قد وضعوا المسألة في نصابها، حين نظروا إلى الإمامة على أنها منهج من المناهج الوضعية للحكم، يمكن التعديل وتبديل فيها وفقاً لما يتناسب مع مصلحة الشعوب وظروفها.. ولكنه لا يعني أنه لم يعد هنالك أحد اليوم من الزيدية يؤمن بالفكر الجارودي في الإمامة، فهم موجودون وخصوصاً في المجتمعات التي لم تتمكن من الانفتاح على ثقافة المجتمعات الأخرى.

خامساً: نظرية الحصر.. إلهية أم اجتهادية

يؤكد القائلون بحصر الإمامة من الزيدية على أنه حكم إلهي لا مجال فيه للاجتهاد والتجديد، وبالتالي فعلى الناس قبوله كما هو، بغض النظر عن مبرراته وآثاره، واعتمدوا لتثبيت قولهم مجموعة من الأدلة والحجج.. يفرض علينا الإنصاف العلمي عرضها كما وردت والنظر فيها من حيث قبولها عند سائر المسلمين؛ إذ التكليف بها يتعلق بجميعهم، ثم من حيث إلزامها لأتباع الفكر الزيدي على الأقل. وهذا يحتم علينا معرفة صفة الأدلة المطلوبة للمسألة ، ثم عرض ما ذكر منها، ومن ثم النظر في تطابقها ومدى جدواها.
فأما صفة الأدلة فقد ذكرها غير واحد من علماء الزيدية، فقالوا إن مسائل الإمامة "مما تعم به البلوى جميع المكلفين في العلم والعمل، فحكمها حكم الصلاة والزكاة.. والحكم الذي تعم به البلوى علماً وعملاً أو علماً فقط يجب ظهوره لجميع المكلفين، فإذا لم يظهر ذلك لجميع المكلفين فهو باطل"!! هكذا قال العلامة أحمد بن محمد لقمان في شرحه على (الأساس)[lxxiii]. وقال الإمام عبد الله بن حمزة : "الإمامة من أمور الدين المهمة وأركانه القوية، فلا يجوز أن تثبت بطريق لا توصل إلى العلم"[lxxiv]. وهذا هو قول سائر الزيدية. وأضافوا أن المسألة شرعية لا مجال فيها للدليل العقلي، قال الإمام عبد الله بن حمزة: " أدلة الإمامة شرعية فلا يؤخذ دليلها إلا من الشرع"[lxxv]. وذكر الإمام يحيى بن حمزة[lxxvi] أن ذلك رأي أئمة الزيدية.
وبهذا علقوا صحة قولهم وقبوله بوجود (دليل شرعي قطعي) على درجة عالية من الوضوح بحيث يظهر لجميع المكلفين. "والدليل الشرعي القطعي ـ عندهم ـ أربعة أنواع، الأول: الكتاب العزيز، حيث يكون نصاً في دلالته، متواتراً في نقله. الثاني: السنة، حيث تكون نصاً في دلالتها، متواترة في نقلها، و اختلفوا في المتلقى بالقبول. والثالث: إجماع الأمة، حيث يكون متواتراً، وصادراً عن جميع الأمة المعتبرين، ومعلوماً قصدهم فيه. الرابع : القياس، حيث يكون حكم الأصل معلوماً، وعلته معلومة، ووجودها في الفرع معلوماً، على خلاف في ذلك"[lxxvii]. وعلى هذا فالمتوقع أن يقدموا الأدلة على ما ذهبوا إليه من القول بالحصر من هذا القبيل.
وقد تتبعت ما احتجوا به من الأدلة فوجدتها كالتالي:

(1) إجماع الأمة على جوازها في أبناء الحسنين

احتج أصحاب نظرية الحصر على مخالفيهم بالإجماع المركب العام، فقالوا لمخالفيهم: قد أجمعتم معنا على أن الإمامة جائزة فينا ولم نجمع معكم على جوازها فيكم!! وأطالوا في شرح هذا الإجماع وأكدوا عليه.. ولكنه عند النظر لا ينهض دليلاً من عدة وجوه، منها:
(1) أنه ـ كما يلاحظ ـ إجماع مركب، وهو أضعف صور الإجماع، لذلك هو غير معمول به عند جمهور المسلمين، واستدلال بعض الزيدية به مخالف لأصولهم، قال السيد صارم الدين الوزير في (الفصول): "(أئمتنا، والجمهور): والتمسك بأقل ما قيل ليس بإجماع"[lxxviii].
وانتقد الإمام عبد الله بن حمزة الإمامية عند استدلالهم بهذا النوع من الإجماع فقال: "إذا قالوا: قد أجمعتم معنا على جوازها في ولد الحسين ولم نجمع معكم على جوازها في ولد الحسن. قلنا لهم: " هذه الدعوى لاحقة بدعوى اليهود ـ لعنهم الله تعالى ـ لأنهم قالوا لنا ألستم قد أجمعتم معنا على نبوة موسى عليه السلام وخالفناكم في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فنحن بالحق أولى"[lxxix]!! ومن عجائب المفارقات في هذا الدليل أن الإمام عبد الله بن حمزة نفسه كان من أكثر المتحمسين له، حتى أنه قال بعد صفحة من كلامه السابق: " قد أجمعت الأمة معنا على جوازها في ولد الحسن والحسين واختلفوا فيمن سواهم، والإجماع آكد الدلالات"!! فانظر إلى هذا الإجماع كيف ألحق بدعوى اليهود حين استدل به المخالف، وكيف صار آكد الدلالات عندما احتيج إليه!!
وتردد في صلاحية الاستدلال بهذا الإجماع السيد العلامة عز الدين المفتي في (البدر الساري) فعقب عليه بقوله: "وفيه تأمل"[lxxx].
فهذا الإجماع إذاً لا يفيد إلا أقل مستويات الظن، ولا يصح دليلاً حتى عند القائلين بالحصر من الزيدية؛ لأنهم يشترطون في أدلة مسائل الإمامة أن تكون قطعية من نوع خاص كما قدمنا.
(2) ـ أن هذا الإجماع على فرض جدوائه ـ وهي بعيدة ـ في غير محل النِّزاع؛ لأنه لا يدل إلا على جواز الإمامة فيهم، والنِّزاع في حصرها عليهم، فلا يعني أنها إذا جازت فيهم حرمت على غيرهم[lxxxi]. وقد تنبه لهذا الإمام عز الدين بن الحسن لضعف الاستدلال بهذا الإجماع فقال: "ولا شك أن دعوى من ادعا الإجماع في هذه المسألة دعوى فارغة، وأين الإجماع مما نحن فيه؟! والتحقيق أن مسألتنا هذه لها طرفان: أحدهما أن الإمامة جائزة في هذا المنصب الشريف. والثاني أنها لا تجوز في غيرهم، فأما الطرف الثاني فلا ينبغي أن يخطر ببال دعوى الإجماع فيه، وكيف وأكثر الأمة على خلافه؟! وأما الطرف الأول فدعوى الإجماع فيه ليست بعيدة عن الصواب، وهو إجماع الصدر الأول، فإن مذهب الإمامية حادث[lxxxii].

(2) إجماع آل البيت على منع إمامة غير الفاطمي

وذلك بأن قالوا: ومن أدلتنا إجماعنا على حصرها فينا، ويعتبرون ذلك إجماعاً لآل البيت ويطيلون الاستدلال على حجيته. ولكنه مردود من عدة وجوه، منها:
(1) ـ أن هذا النوع من الإجماع غير معترف بحجيته عند جمهور المسلمين لا على أنه قطعي ولا على أنه ظني، لأنه إنما يعني أن القائلين بالحصر متفقون على أنهم قائلون بالحصر، وهو تحصيل حاصل، والاستدلال به نوع من العبث!! وهذه المسألة مما تعم به البلوى جميع المكلفين في العلم والعمل.. والحكم الذي تعم به البلوى علماً وعملاً أو علماً فقط يجب ظهوره لجميع المكلفين، فإذا لم يظهر ذلك لجميع المكلفين فهو باطل!! هكذا قالوا.. أضف إلى ما تقدم أن علماء الزيدية أنفسهم اختلفوا في كون هذا النوع من الإجماع قطعياً عندهم[lxxxiii].
 (2) ـ وعلى فرض حجيته ـ وهي غير ممكنة ـ فإنه لم يقع أصلاً، لأن أهل البيت إن أريد بهم الصلحاء من أبناء الحسنين ـ كما هو رأي الزيدية ـ فإن فيهم الجعفري والسني والمعتزلي وهم تبع لمذاهبهم لا يقولون بالحصر.. فإن قالوا: أهل البيت ليس إلا من كان من أبناء الحسنين زيدياً فقط، فهو تخصيص بغير مخصص، ومع ذلك فإنهم غير متفقين على الحصر، وقد تقدم ذكر طرف من أقوالهم في ذلك.. وإن أريد بهم الجارودية فقط، فهو لا يتجاوز كونه إتفاق المتفقين على دعوى من الدعاوى وهي تحتاج إلى بينة، وإلا لجاز لكل جماعة أن يعتبروا اتفاقهم حجة.
وقد أدرك هذه الحقيقة غير واحد من المحتجين للحصر بهذا الدليل فلجئوا إلى القول بأنه إجماع الصدر الأول من أئمة أهل البيت، أي قبل ظهور قول الإمامية والصالحية والعباسية، وهو غير مخلص؛ لأنه لم يرو لنا عن كل واحد من أولئك الأئمة ما يدل على الحصر. فليس هذا القول بأولى من العكس وهو أن يقال : إن أئمة الصدر الأول لم يمنعوا جواز الإمامة في كل صالح لها، ولذلك سكتوا على خلافة عمر بن عبد العزيز وتوددوا إليه وأثنوا عليه، ولم يشتهر أنهم طالبوه بالتنحي عن الخلافة وتنصيب أحدهم.
وقد قيَّم الإمام عز الدين بن الحسن الدليلين السابقين بقوله: "احتج أصحابنا بالاجماعين، أحدهما: إجماع العترة على ذلك، وإجماعهم حجة. والثاني إجماع الأمة على أنها جائزة فيهم، ولا إجماع في حق غيرهم، وهو حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، ولا دليل على ثبوت أهلية الإمامة لكل الناس ولا لجملة قريش، إذ لا قرآن في ذلك ولا سنة متواترة ولا صريحة المعنى لما تقرر ولا إجماع. وأما الفاطميون فالإجماع منعقد في حقهم، فإن القائلين بأنها في جملة الناس أو في جملة قريش قائلون بذلك في حقهم".
هكذا سرد استدلا لهم، ثم قال مجيباً عليه: "وهذا الاستدلال - كما ترى - أما أولاً: فلأن تحقق الاجماع في حق الأمة وفي حق العترة مشكل، فلا إجماع.
وأما ثانياً: فلأن خلاف الإمامية كافة مستمر في ذلك، ومنهم طائفة من العترة، فلا إجماع.
 وأما ثالثاً: فلأن ما ذكر عن الأمة لا يعد إجماعاً على هذا المذهب الشريف، لأن حاصله جوازها فيهم وعدم جوازها في غيرهم، فلو صح الإجماع لم يكن إلا على الطرف الأول فقط، وقد لخصنا هذا المعنى في كتابنا (المعراج)، وأشرنا فيه إلى تقويم الاعوجاج". ثم أضاف: "ولم نقف لأصحابنا في هذا المعنى على ما يشفي الأوام، ويذهب الأوهام، ويقطع اللجاج"[lxxxiv].
(3) حديث الأئمة من قريش
يحتج بعض الجارودية بحديث "الأئمة من قريش"، على أساس أن (من) تدل على التبعيض، قال العلامة النجري في شرح القلائد: "إن من للتبعيض وهو بعض مُبْهم. فوجب الاقتصار على البعض المجمع على أهليته، ولا إجماع إلاَّ على ولد السبطين"[lxxxv]. وقال الإمام المهدي في معرض احتجاجه للمذهب بالحديث: " لا تصريح فيه بجوازها في غيرهم، بل أقرب إلى قصرها فيهم إذ (من) للتبعيض"[lxxxvi].
كما احتجوا بأن لفظ (قريش) مطلق يحمل على المقيد، لما تقرر في الأصول من حمل المطلق على المقيد[lxxxvii]. وقال الإمام القاسم بن محمد: " وإن سُلِّم ـ صحة الحديث ـ فهو مجمل بينه خبر الوصي عليه السلام (الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم )" [lxxxviii].
وهذا الاحتجاج مردود من عدة وجوه، منها:
الوجه الأول: أن الحديث مضعف عند كثير من علماء الزيدية، فقد اعتبره الإمام أحمد بن موسى الطبري من تمويهات قريش ضد الأنصار، فقال: "ثم زادوا فموّهوا عليكم بقولهم: إن النبي صلى اللّه عليه، قال: "الأئمة من قريش، والناس تبع قريش مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم"[lxxxix].
وقال العلامة علي بن الحسين الزيدي: "بلغنا من جماعة أئمة الحديث أن هذا الخبر موضوع"[xc].
وقال الإمام محمد بن المطهر: " إنه مختلق لا أصل له"[xci].
وذكر الإمام عز الدين: أن الأحاديث التي تدل على أحقية قريش للإمامة قد طُعن فيها، وصدر من الصحابة ما يخالفها، وهذا يعني أنهم لم يعتبروها[xcii].
وقال الإمام القاسم بن محمد: "هذا الحديث غير صحيح" وعلل ذلك بقول عمر: لو كان سالم حياً ما شككت فيه. ولم ينكر عليه من حضر من الصحابة[xciii].
وقال العلامة أحمد بن لقمان: "هذا الخبر غير صحيح؛ بل هو كذب وافتراء على رسول الله صلى اللّه عليه وسلم"[xciv].
وقال العلامة القاسمي: "هذا الخبر مختلق لا أصل له"[xcv].
وقال العلامة محمد بن القاسم الحوثي: "هذا الحديث غير صحيح". وعلل ذلك بقول عمر (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً استخلفته) وعدم إنكار الصحابة عليه[xcvi].
الوجه الثاني: إن هذا الحديث على فرض صحته آحاد لا يحتج بمثله في هذه المسألة عند الزيدية، قال الإمام محمد بن المطهر: " أن هذا الخبر آحادي وأن المسألة أصولية فلا يستدل بالآحادي عليها"[xcvii].
وقال الإمام عز الدين: "غاية ما يكون أن يحكم عليه بالصحة فهو آحاد والمسألة قطعية"[xcviii].
وقال الشرفي شارح الأساس: قال صاحب المحيط بعد ذكره لهذا الحديث إن هذا الخبر واحد لا يصح التعلق به في الاعتقادات[xcix].
الوجه الثالث: أن دعوى أن القول بأن المراد به بعض معين تحتاج إلى دليل، ودعوى أن ذلك البعض هم أبناء الحسنين يحتاج إلى دليل أيضاً !! فإن ثمة من يقول: إنه إذا أريد بالحديث بعض قريش فهم الأئمة الذين يجتمع الناس لهم، وهم اثنا عشر كما جاء في الصحيحين وغيرهما. إضافة إلى أنهم لو كانوا من بني هاشم لما احتاج إلى أن يقول: من قريش، فإن العادة قد جرت أن الجماعة إذا كانوا على أمر وكلهم من بطن واحد يسمون بذلك البطن، وإذا كانوا من بطون شتى يسمون بالقبيلة التي تجمع تلك البطون. فلو أراد قصر الإمامة في بني هاشم لقال: الأئمة من بني هاشم. ولو أراد قصرها في بني علي لقال : الإمامة في العلويين ونحو ذلك.
ثم إنه لابد من أن يقول (من) و إلا صار الجميع أئمة ولم يبق أحد يُحْكَم!!
ولا يفوتني هنا أن أذكر بأن بعض المتأخرين من المؤيدين لنظرية الحصر يستدلون بعمومات من القرآن والسنة، تجنبت إيرادها هنا لبعدها عن المقصود، مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ..﴾(النساء/59). أو بروايات وردت في فضل أهل البيت، مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي". وفي التكلف بالاستدلال بها على حصر الإمامة ما لا يخفى.
وفي الأخير أود التأكيد على أن ما مضى عليه بعض أئمة الزيدية في اليمن وغيره جدير بأن يدرس كأي تجربة تاريخية يمكن الاستفادة منها، خصوصاً وأن في حياتهم فكراً ناضجاً وأدباً راقياً وثراءاً واسعاً في مختلف العلوم الشرعية، فلا يصح أن تلقي مسألة حصر الإمامة بظلالها على الفكر الزيدي، وتحول بين الباحثين وبين الإفادة من فكر قدم حلولاً ورؤى في مختلف مجالات الحياة. لاسيما وأن جميع من حكم اليمن ذهب إلى قصر الزعامة في أسرته، فالزياديون والرسوليون والصليحيون والأيوبيون وسائر الدول التي قامت في اليمن كانت كذلك، وليس العلويين وحدهم من فعل ذلك، حتى ينظر إلى أن وراثة الزعامة كانت من مخلفاتهم. والله الموفق.
محمد يحيى عزان ـ صنعاء
1‏/ جمادى الثانية/ 1423هـ
9/ أغسطس/2002م


[i] أنظر القاسم بن محمد: الإرشاد إلى سبيل الرشاد 28.
[ii] ذكر ذلك الشرقاوي في كتابه أئمة الفقه التسعة 11.
[iii] من رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة.
[iv] من خطبة له تضمنت بعض بنود دعوته، انظر مجموع كتب ورسائل الإمام زيد.
[v] من رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة.
[vi] انظر: عدة الأكياس شرح كتاب الأساس 2/167 للشرفي.
[vii] انظر : كتاب المحيط بأصول الإمامة ـ مخطوط ـ 152.
[viii] الفصول اللؤلؤية الفصل 131 باب الظاهر والمؤول.
[ix] الدراري المضية شرح الفصول اللؤلؤية ـ مخطوط.
[x] الانتصار، الجزء الرابع عشر ، أول كتاب السير.
[xi] المجموع المنصوري 2/ 355 ـ 352.
[xii] منهاج القرشي ـ آخر الجزء الثاني مخطوط ، نقلا عن تلقيح الألباب للهادي الوزير..
[xiii] المجموع المنصوري 2/ 355 ـ 352.
[xiv] مقدمة ابن خلدون 152.
[xv] الأساس 168 ـ 178 الطبعة الأولى.
[xvi] البحر الزخار المقدمة 95 (كتاب القلائد في تصحيح العقائد).
[xvii] حوار في الإمامة ـ تحت الطبع ـ.
[xviii] نقله في حواشي الفصول (الفصل 178) عن تعليق الشرح.
[xix] المجموع المنصوري 2/ ـ 355352.
[xx] الترجمان مخطوط ذكر ذلك عند الكلام على قول صاحب البسامة : ورض عنهم كما رضى أبو حسن.
[xxi] الانتصار الجزء الثامن عشر أول كتاب السير.
[xxii] أنظر: عدة الأكياس في شرح معاني الأساس 2/109 ـ 117، للعلامة أحمد بن محمد الشرفي.
[xxiii] الجزء الثاني من المعراج ـ خ ـ باب (القول في التفسيق).
[xxiv] المعراج، الجزء الأول ـ خ ـ.
[xxv] لمراجعة هذه الشروط انظر: منهاج المتقين للقرشي مخطوط، عدة الأكياس في شرح الأساس 2/ 120 ـ 134.
[xxvi] الجامع الكافي الجزء السادس ـ مخطوط.
[xxvii] الزيدية نظرية وتطبيق للسيد علي الفضيل: 118.
[xxviii] الجامع الكافي الجزء السادس ـ مخطوط.
[xxix] أبو عبد اللّه العلوي، الجامع الكافي ـ خ ـ 6/47.
[xxx] الجامع الكافي ـ خ ـ 6/50.
[xxxi] فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/101 ولمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى بحثنا الذي بعنوان قرشية الخلافة وأثرها في الفكر السياسي عند المسلمين.
[xxxii] فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/101.
[xxxiii] انظر : الإمام زيد شعلة في ليل الاستبداد.
[xxxiv] الإمام زيد ، تثبيت الوصية 30.
[xxxv] اليمن الإنسان والحضارة 116.
[xxxvi] انظر مقاتل الطالبيين 206.
[xxxvii] الشرفي، عدة الأكياس 2/122، أبو الحسن الشعري مقالات الإسلاميين 135، نشوان الحميري ، الحور العين 205.
[xxxviii] ذكر ذلك الإمام عز الدين بن الحسن في (العناية التامة في تحقيق مسألة الإمامة) - مخطوط.
[xxxix] الفرق بين الفرق 1/23.
[xl] المواقف 3/677.
[xli] الأحكام للإمام الهادي يحيى بن الحسين 1/ 41.
[xlii] أنظر المجموعة الفاخرة للإمام الهادي 130.
[xliii] مجموع السيد حميدان مخطوط ورقة 121 نقلاً عن الإمام عبدالله بن حمزة.
[xliv] شرح نهج البلاغة 9/88.
[xlv] مجموع السيد حميدان مخطوط ورقة 251 نقلاً عن الإمام الحكمة الدرية للإمام احمد بن سليمان.
[xlvi] العقد الثمين في معرفة رب العالمين.
[xlvii] شرح الرسالة الناصحة 104 وما بعدها مخطزط..
[xlviii] أحمد محمد الشامي، تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 1/121 ـ 122.
[xlix] أنظر تراجم المتعارضين المذكورين أعلاه في كتاب التحف شرح الزلف. للعلامة مجد الدين المؤيدي.
[l] شرح رسالة الحور العين 153.
[li] شرح رسالة الحور العين 204.
[lii] شمس العلوم 1/49.
[liii] المستطاب (طبقات الزيدية الصغرى) 103 مخطوط.
[liv] الأبيات مشهورة عنه وهي في ديوانه المخطوط، ونقلها عنه كثير من المؤرخين.
[lv] من كبار علماء الزيدية الجارودية في القرن السابع الهجري .
[lvi] أنظر أحمد صبحي، الزيدية 397.
[lvii] المحيط بالأمامة - مخطوط. وذكره الشرفي، عدة الأكياس 2/121 ـ 122.
[lviii] شرح نهج البلاغة 9/88.
[lix] الجامع الكافي لأبي عبد الله العلوي ـ خ ـ صفحة 6/47.
[lx] البيان الشافي لابن المظفر 4/747.
[lxi] الانتصار الجزء الثامن عشر مخطوط.
[lxii] المعراج شرح المنهاج 2/313 مخطوط.
[lxiii] الانتصار الجزء الثاني عشر ـ خ ـ.
[lxiv] الانتصار الجزء الثاني عشر ـ خ ـ.
[lxv] حكاه عنه الإمام عز الدين بن الحسن في المعراج خ - 2/ 366
[lxvi] المعراج شرح المنهاج خ - 2/ 366
[lxvii] الأبحاث المسددة 253.
[lxviii] بهجة الزمن ـ ترجمة العلامة الجلال.
[lxix] طبق الحلوى وصحائف المن والسلوى 124.
[lxx] انظر: قراءات في الفكر الزيدي 24 ـ 26.
[lxxi] العلامة الشامي، آراء ومواقف23 ـ 27 و90 .
[lxxii] أحمد محمد الشامي، تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 1/121 ـ 122.
[lxxiii] انظر : شرح الأساس المسمى كشف الإلباس مخطوط 283.
[lxxiv] شرح الرسالة الناصحة ـ مخطوط 108.
[lxxv] شرح الرسالة الناصحة ـ مخطوط 117.
[lxxvi] الانتصار الجزء الثامن عشر. خ. للإمام يحيى بن حمزة.
[lxxvii] هكذا قال السيد صارم الدين الوزير في تعليق له ضمن حوار في الإمامة ـ تحت الطبع ـ.
[lxxviii] أنظر: الفصول اللؤلؤية فصل رقم ( 196). واعتذر لاعتماد أصحابنا عليه بقوله: "وأما استدلال (أئمتنا) على قصر الإمامة في ولد السبطين فليس منه؛ لتركبه من الاتفاق على صحتها فيهم وعدم الدليل على صحتها في غيرهم". وعقب عليه السيد العلامة علي بن الإمام شرف الدين كما في الحواشي فقال: "قلت فيه ما فيه، إذ دعوى عدم الدليل في غيرهم، تخالف دعوى الخصوم، فلا إجماع".
[lxxix] شرح الرسالة الناصحة ـ مخطوط 110.
[lxxx] البدر الساري 137 مخطوط.
[lxxxi] وما ذهب إليه بعضهم من أن الإمامة قبيحة عقلاً فإنما قال ذلك ليتسنى له صحة دعواه، بأن الجواز الشرعي أتى بعد الحظر العقلي
[lxxxii] المعراج للإمام عز الدين بن الحسن 2/365 ـ 366.
[lxxxiii] انظر الإشارة إلى اختلافهم في كتاب حوار في الإمامة تعقيب السيد صارم الدين الوزير.
[lxxxiv] العناية التامة في تحقيق مسألة الإمامة ـ مخطوط ـ.
[lxxxv] حكاه عنه العلامة الجلال في نظام الفصول مخطوط.
[lxxxvi] المهدي أحمد بن يحيى، البحر الزخار 6/ 379.
[lxxxvii] انظر كتاب العصمة عن الضلال 125 للعلامة الجلال.
[lxxxviii] القاسم بن محمد، الأساس 162.
[lxxxix] مجالس أبي الحسن الطبري مخطوط.
[xc] المحيط بأصول الإمامة خ وانظر: عدة الأكياس شرح الأساس 2/124.
[xci] المنهاج الجلي مخطوط 2/361.
[xcii] المعراج شرح المنهاج - مخطوط.
[xciii] الأساس لعقائد الأكياس 161.
[xciv] شرح الأساس مخطوط 2/384.
[xcv] اللآلي الدرية شرح الأبيات الفخرية.
[xcvi] البدور المضيئة ـ مخطوط.
[xcvii] المنهاج الجلي مخطوط 2/361.
[xcviii] المعراج شرح المنهاج ـ مخطوط.
[xcix] أحمد بن محمد الشرفي عدة الأكياس 2/124. والكلام مذكور في المحيط بأصول الإمامة.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire